((علاقة البتوليّة بالصليب والقيامة))
منذ عشرين جيلاً، يعدل الآلاف من الشبان والشابات عن الزواج ليكرسوا ذواتهم للمسيح في الحياة الرهبانية أو الكهنوت. فما الدافع إلى ذلك؟
أتراهم خافوا من الحياة ومسؤولياتها فبحثوا عن ملجأ يختبئون فيه؟ أتراهم "معترين" لم يلاقوا من الناس نظرة عطف وحب؟ أم تراهم لا يستطيعون أن يحبّوا؟ ولكننا ندرك، عندما نتحدّث إليهم، بأن المواهب على أنواعها لا تنقصهم. ولم يكن مستقبلهم من الناحية البشرية فاشلاً، إنما كان يزخر بالآمال الواسعة. ومع ذلك اعتنقوا جهالة الصليب، فكرّسوا للمسيح طاقاتهم كلها ولبّوا نداءه فغمرتهم النعمة صفاءً وسعادة. وأجمل هؤلاء البتولين والبتولات مريم العذراء. لقد نشرت بتوليتها فوق عالمنا نوراً جديداً. وسنحاول أن نكتشف على ضوء حياتها معنى البتولية التي هي أرفع تعبير عن حبنا لله. وسنتبين علاقة البتولية بالصليب والقيامة لأنها ينبوع خصب في الكنيسة والعالم.
_ البتولية والحب
إن تأملنا مريم فهمنا ما هي البتولية المسيحية. لقد أدركت عمق حب الله للإنسان فتحول هذا الحب في قلبها إلى حب الإنسان لله. ولقد فهمت يوماً بعد يوم وعلى نور الكتاب المقدس أن أعظم الحب هو في تكريس ذاتها لله تكرساً تاماً، نفساً وجسداً. هذه هي البتولية: تكريس النفس والجسد لله، أي تسليمها له كلياً ونهائياً. ويفترض هذا التكريس جرأة قوية إذ أنه شيء جديد وثورة على الماضي. لقد كانت المرأة فيما مضى تجد في الأمومة السبيل الوحيد لخدمة الله. أما العذراء فقد شعرت بأن هناك أمومة روحية تعبر بواسطتها عن حبها العظيم للرب، فكانت بتوليتها ثمرة هذه المحبة السامية. فالبتولية ليست تهرباً من مسؤوليات الحياة أو تخلصاً من شرور العالم. إنما هي التعبير الأكمل عن حب الإنسان لربه. والحب الحقيقي يمتاز بالعطاء والتضحية.