|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ما هو الإيمان؟ إن لفظة "إيمان" ترتبط لغويّاً بلفظة أمن أو أمان، وفي لغة العهد القديم ومعاصري يسوع هناك ارتباط بين لفظتي إيمان و"آمين". و"آمين" كلمة توحي "بالصلابة والاستقرار"، ويمكن ترجمتها بكلمة: "حقاً". فالإيمان يرتبط بالحق. إنه حقيقة من نوع خاص. إن لفظة "الحق" ALIQEIA اليونانية تدل في الكتاب المقدس في الكثير من الأحيان للتعبير عن الإيمان، رغم وجود كلمة خاصة للتعبير عن فعل الإيمان pisteuw. وبكافة الأحوال استعملت معاني الإيمان في الكتاب المقدس للدلالة على "تجاوب الإنسان مع قصد الله الذي يحققه خلال الزمن"، فيما يسمى "تاريخ الخلاص"، الذي قدّم نماذج واضحة عن "الإنسان المؤمن"، دون أن يحلل فعل الإيمان بحدّ ذاته. نترك التأمل في بعض هذه الشخصيات النموذجية في الإيمان لمقال آخر، لندرس اليوم الإيمان كفعل أساسي اختبره الإنسان على مرِّ العصور. فالإيمان هو "منح الثقة لآخر"، بناء علاقة أساسها تصديق الآخر لكونه شخص موثوق به من قبل الذات. سُئلتْ مرة زوجة أنشتاين العالم الشهير صاحب النظرية النسبية: هل تفهمين نظريات زوجك؟ فأجابت على الفور: بالطبع لا، "ولكني أعرف زوجي، وأعلم أنه يمكن الوثوق به". الإيمان هو جعل الحياة في كافة جوانبها ضمن حركة ثقة مع الله. فللإيمان، كما يقول معجم اللاهوت الكتابي، قطبين: الثقة التي تتجه نحو شخصٍ "أمين"، وتلزم الإنسان بكليته، ومن جهة أخرى، مسعى العقل الذي تتيح له كلمة أو بعض العلامات ، بلوغ حقائق لا يعاينها (أنظر: عب11/1)". أي أن الثقة لا تلغي عمل العقل فهي ليست من نوع "الثقة العمياء"، يقول القديس أَنسلم: "الإيمان يتطلّب الفهم ".. لذلك يرتبط الإيمان بكلٍ من مفهومَي: "الدين"، الذي يمكن دراسته أيضاً ضمن مجال علم الاجتماع الديني، و"الوحي"، وهو عمل "لاهوتي" صرف. 1- "الدين": الدين، بحسب موسوعة "المورد" العربية، "هو تعبير الإنسان عن إيمانه بقوة أعظم منه وإجلاله لها، بوصفها خالقة هذا الكون ومسيّرته. وكثيراً ما يتخذ الدين شكل المحاولة الجادة لتفسير أصل الكون وطبيعته والهدف الذي كانت من أجله الحياة. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، الدين هو مجموعة الشعائر والطقوس المبنية على أساس من هذا الإيمان." إن لفظـة ديـن Religio اللاتينية بحسب المفكر شيشرون cicéron هي دمج لكلمتين Re-ligere أي: "إعادة قراءة" أو"قراءة جديدة". فالدين هو أن يقرأ الانسان ويفسّر ويفهم واقع الحياة ومعنى الوجود في ضوء ايمانه بالله. "فالإيمان يفتح للشخص آفاقاً شاسعة غير الآفاق التي يحياها كل يوم بنوع من العادة والرتابة". ويعود ذلك إلى كون "الله موضوع الإيمان". فالبحث عن الله، وعن مَنْ يكون، يُفعّل الحياة بمعانٍ جديدة متسامية. ويرى المفكر لاكتانس Lactance أن أصل لفظـة ديـن Religio هـو دمـج لكلمتـيـن Re-ligare أي: "بناء علاقة". فالدين هو أن يبني الانسان علاقة مع الله تضمن له الأمان والمحبة. أما القديس أغسطينوس فيرى في لفظة دين Religio معنى"الاختيار" Re-eligere أي: اختار مجدّداً. فالدين "هو اختيار المؤمن لله اختياراً حراً مجدِّداً لحياته وسلوكه وتصرفاته". من هنا يمكن القول إن الإيمان هو قفزة نحو الله، للعيش معه وبه وإليه. 2- الوحي: ربما من المناسب أيضاً، أن نعيد ترجمة كلمة "وحي"Revelation الفرنسية، بكلمة "كشف" أو "إعلان". فاللفظة الفرنسية مقتبسة من كلمة Revelare اللاتينية التي تعني "ازاحة الستار" أو "الكشف عن". ف الوحي هو "كشف" الله عن ذاته و"إعلانه" سرّ حبه و"إزاحة الستار" عن حقيقته للتعرف إليه والحياة معه. فإذا كان معنى الإيمان في مقاربتنا إياه مع مفهوم الدين، هو جهدٌ من الإنسان لمعرفة حقيقة الله، والعيش بحسب مشيئته، تأخذ الحقيقة هنا بُعداً يكون الله فيه هو المبادر لإشراك الإنسان في حياته من خلال "الكشف" عن "ذاته". هناك، يعيش الإنسان حياته بحسب رؤيته لله، لكونه صورة الله، وهنا، الله شخصياً هو الذي يكشف للإنسان عن حقيقة كيانه "المحبة" ليُشرك الإنسان في حياته. لاشك أن النظرتين متكاملتين رغم اختلاف الاتجاه. |
|