يونان 2 - تفسير سفر يونان
صلاة يونان في بطن الحوت:
"فصلى يونان إلى الربٍ إلههِ مِن جوف الحوت وقال. دعوت مِن ضيقى الرب فإستجابنى. صرخت مِن جوف الهاوية فسمعت صوتى. لأنك طرحتنى في العمق في قلب البحار. فأحاط بى نهر. جازت فوقى تياراتك ولججك. فقلتُ قد طُردت مِن أمام عينيك. ولكننى أعود أنظر إلى هيكل قدسك. قد إكتنفتنى مياه إلى النفسِ. أحاط بى غمر. إلتف عُشب البحر برأسى. نزلت إلى أسافل الجبال. مغاليق الأرض علىً إلى الأبد. ثم أصعدت مِن الوهدة حياتى أيها الرب إلهى. حين أعيت فىً نفسي ذكرت الرب فجاءت إليك صلاتى إلى هيكل قدسك. الذين يُراعون أباطيل كاذبة يتركون نعمتهم. أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك وأوفى بما نذرته. للرب الخلاص.
وأمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البر" (يون2).
** استيعاب يونان للدرس:
"حين أعيت فىً نفسي ذكرت الرب"، يبدو أن يونان أخيراً تذكر صلاة داود النبي القائل: "فى ضيقى دعوت الرب وإلى إلهى صرخت. فسمع مِن هيكله صوتى وصراخى قدًامه دخل أذنيه" (مز18: 6). إن الرب واقف على الباب ويقرع، مُنتظراً أن نفتح له، والضيقة تُساعدنا لكي نرفع عيوننا نحو الرب الذي منه وحده الخلاص، فقد شهِد عنه أيوب البار: "وأيضاً يقودك مِن وجه الضيق إلى رحب لا حصر فيه ويملأ مؤونة مائدتك دُهناً" (أى36: 16).
ليتنا نتعلم أن لا نهرب مِن وجه الرب، بل نطلب معونته التي تُدركنا في حينه، وأشعياء النبي شهِد عن تدخلات الرب الكثيرة في حياة شعبه فقال: "فى كُل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصًهم. بمحبته ورأفته هو فكًهم ورفعهم وحملهم كُل الأيام القديمة" (أش63: 9).
ويقول بطرس الرسول: "فلا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر أو مُتداخل في أمور غيره. ولكن إن كان كمسيحى فلا يخجل بل يُمجد الله مِن هذا القبيل... فإذاً الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين في عمل الخير" (1بط4: 15، 16، 19).
** الإيمان باستجابة الصلاة:
لقد شعر يونان بأن الرب سمع صلاته واستجاب لها، وهو ما زال في بطن الحوت، فيقول: "دعوت في ضيقى الرب فإستجابنى صرخت مِن جوف الهاوية فسمعت صوتى". نحن نحتاج أن لا نخرج مِن حضرة الرب إلا ونحن شاعرين ومؤمنين أن صلاتنا دخلت إلى حضرته وأنه سيستجيب في الوقت المناسب. لا نفرض على الرب حلولاً مُعينة، ولا وقتاً مُحدداً للاستجابة. لنتعلم انتظار الرب، وإليك مثال حبقوق النبي الذي رأى مذلة شعب الله وانتصار الشرير على البار وصلى للرب وعرض عليه الأمر ووقف مُنتظراً أن يسمع صوت الرب، فقال: "على مرصدى أقف وعلى الحصن أنتصب وأُراقب لأرى ماذا يقول لى وماذا أُجيب عنْ شكواى" (حب2: 1).
دائماً هناك وقت وزمن بين إعطاء الوعد بالخلاص وبين تتميم هذا الوعد في الحاضر. يونان شعر باستجابة الرب لصلاته في الحال، ولكنه لم يخرج مِن بطن الحوت إلا بعد ثلاثة أيام. وإبراهيم أب الآباء أخذ وعداً مِن الرب بولادة إسحق، ولكن الوعد لم يتحقق إلا بعد 25 سنة، والرب أعطى لآدم الوعد بالخلاص مِن لحظة سقوطه، ولكن الخلاص لم يتم إلا في ملء الزمان. ليتنا نستودع أمورنا في يد الرب ونثق أنه سيستجيب في الوقت المُناسب، ونؤمن أن للرب الخلاص، وكما يقول المزمور: "انتظر الرب. ليتشدًد قلبك وانتظر الرب" (مز27: 14)، وأيضاً يقول: "نصيبى هو الرب قالت نفسي. مِن أجل ذلك أرجوه. طيب هو الرب للذين يترجونه للنفس التي تطلبه. جيد أن ينتظر الإنسان ويتوقع بسكوت خلاص الرب" (مراثى3: 24- 26).
** يونان النبي يعرض حاله أمام الرب:
لقد أقر أمام الرب بكُل ما يشعر به:" طرحتنى في العمق في قلب البحار. فأحاط بى نهر. جازت فوقى جميع تيارتك ولججك. فقُلت قد طُردت مِن أمام عينيك..... قد اكتنفتنى مياه إلى النفس. أحاط بىً غمر. إلتف عُشب البحر برأسى. نزلت إلى أسافل الجبال. مغاليق الأرض علىً إلى الأبد" حقيقة الرب يعرف كُل هذا، ولكنه يُريدنا أن نتحدث معه، فقد طلب هذا قائلاً: "هلُم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودى تصير كالصوف" (أش1: 18). ويقول أيضاً: "ذكٍرنى فنتحاكم معاً. حَدٍث لكي تتبرر" (أش43: 26).