سفر الشهيدين إلى الإسكندرية
ولما صار النهار، قام أبادير وايقظ إيرائي أخته، ثم ذهبت إلى الميناء، فوجدا المركب على وشك الاقلاع. فاتفقا مع القبطان وركبا المركب وابحرا في رعاية الرب. وبعد سبعة ايام وصلا إلى الإسكندرية، واقاما في فندق بالمدينة.
وفيما كان أبادير يسير في الشوارع، رآه جندى فعرفه وقال له: "انت السيد أبادير، القائد الكبير عند الملك، الذي عينوه في قصر الملك! " فابتسم أبادير وقال للجندى: "اناس كثيرون قالوا لي نفس الكلام: - أبادير لا يحضر إلى هذه المدينة بهذه الثياب المتواضعة، ولايترك الملك لكي يحضر إلى هنا. ولو حضر إلى هذه المدينة لكانت كل الناس في حركة بسبب كرامته". فقال له أبادير: "من اين كرامة هذه الشخصية؟ اما أنا فانى لست الا رجل فقير " فقال له الرجل: "لولا ثيابك المتواضعة، لكنت احلف انك سيدى أبادير".
فترك أباديرهذا الشارع وسار في شارع آخر من المدينة.
ولما ترك أبادير المدينة الملكية، بحث عنه الملك دقلديانوس ولم يجده. ومزقت امه ثيابها وبكت عليه قائلة: "يا أبادير ابنى نور عينى! لماذا لم اتركك تستشهد في بلدك. لكنت اخذت جسدك وكنت وضعته في بيتى لكي اتعزى، وكانت لاتكف عن البكاء ليل نهار. ولكن في ليلة ظهر لها زوجها باسيليدس في حلم وعزاها.
وبعد بضعة ايام بعد ان ترك أبادير بيته، ذهب رجل شجاع شاب يدعى قسطنطين كان الملك يحبه كثيرا، إلى دقلديانوس وطلب منه أخت أبادير ليتزوجها. ولكم ام الشابة لم توافق وكانت تقول: "ان أبادير ابنى لم بعدها، وان أخته إيرائي قد نفت نفسها هي ايضا معه، فلن ازوج أخته كالونى. سوف احتفظ بها بجانبى لكي تعزينى حتى يوم مماتى". فحزن قسطنطين جدا عند سماعه هذه الكلمات، وكذلك الملك ايضا. ونادى الملك القائد رومان Romanh ابا القديس انبا بقطر وقال له: "اعرف انك لا تحب سوى زوجه واحدة وابنا واحدا واخا واحدا. ان قسطنطين يطلب منى كالونى أخت أبادير زوجة له ولكن أمها لا توافق.
وكان رومان أعرج لا يستطيع السير على قدميه، فرفعوه على نقالة وحملوه إلى ام أبادير، وكان الأمر بتدبير من الله وطلب رومان يد كالونى، أخت القديس أبادير واعطاها زوجة لقسطنطين. وعاشا إلى اليوم الذي ضرب الله فيه دقلديانوس وملك قسطنطين مكانه.
ولما كان أبادير في الإسكندرية مع أخته، سألته ماذا نفعل في هذا المكان. فقال لها: "إننا نبحث عن الحياة الأبدية". فسألته وما هي الحياة الأبدية؟ فقال لها:" حينما نذهب إلى مكان المراة التي رايتيها في الحلم، سوف تعلمنا هي نفسها طريق الحياة الأبدية".
فقام أبادير وخرج من الإسكندرية، وكان يقول لنفسه: "هل ينسانا الرب في منفانا؟ ان ربي يسوع المسيح سيعلمني بما سوف يحدث في مدينة الإسكندرية"، وكان الطوباوى أبادير يصلى. وكان جسمه ضعيفا بسبب التقشفات التي كان يمارسها واستضاء المكان الذي كان فيه، وسمع من يقول له:
"اسمعنى، قم واذهب مع اختك إلى جنوب مصر، لان هذا المكان مبارك: اتبع ضفاف النهر. وبعد خمسة أيام تصل إلى الطرناته Terenouthi. فاعبر النهر وسر جنوبا حتى قشلاق بابليون، حيث يعرفك الراهب ابو كرادجون Apocradjone النبانى Neban du، الجهاد الحسن. وبعد ذلك اذهب جنوبا إلى قرية تدعى تشينيلا Tchinilah قرب مدينة اشمون لا تحزن. لأني كنت بعيدًا أنا أيضًا، مع والدتي مريم العذراء ويوسف. وستقابل رجلا يدعى صموئيل. فانه حينما تصل إلى قريته، سوف يحبك وهو الذي يقودك إلى مقر اريان الحاكم. وهو الذي سوف يعتنى بجسديكما، لأنه يصنع اعمال الرحمة. يذهب إلى Antinoe (انصنا قرب ملوى) ويكسو القديسين العرايا. وسوف اعطى نعمة لهذه القرية واسلم اليها جسدك، واعين جمعا من الملائكة لخدمته، تركت كل شيء من اجل اسمى. اذهب بسلام. لن يصيب القلق ولا الخطر القرية التي يضعون فيها جسديكما. وسوف اكتب في سفر الحياة اسماء اولئك الذين يكتبون شهادتك، والعذابات التي احتملتماها من اجل اسمى. لن يعرفوا الألم في هذا العالم ولن يكون فيهم أبرص أو أعمى. وحتى لو كانوا خطاة، فاذا كانوا في يوم تذكار كما في هذا العالم. يعتنون بان يقدموا عند قبركما، كتاب تعاليم، أو خبزا أو خمرا، بخورا أو أواني مقدسة، أو زيتا، استر خطاياهم، واذا كان احد في يوم ذكرا كما، يعطى ماء مجانا للعطشى، اغفر خطاياه..
ولما سمع هذه الكلمات في القديس أبادير اتعابه ونفيه. وقام منذ الفجر مع أخته ووصل إلى تيرينوتى في نهاية اليوم الخامس. وعبر النهر وسار نحو الجنوب نحو قشلاق بابليون حيث وجد القديس ابو كرادجون النباتى. ولما راى القديس أبادير، حياه وقال له:
" مرحبا بك يا سيدى. يا عامود انطاكية، يا جندى المسيح، طوبى لك أكثر من كل الرجال، فان ربي يسوع المسيح لنبانى انك تحضر اليوم، ففرحت جدا. تشجع يا سيدى واخى، ولا تفكر في ان تقول تركت اموالى ووظيفتى. فان مملكة هذا العالم لا تبقى الا لزمن محدود، اما مملكة السموات فابدية. لا تطع الحاكم اذا ما حاول ان يرهبك، لا تهتم بالمحكمة، لان المسيح معك. اية عذابات عذبونى بها! لكن ربي يسوع شجعنى. وعلى أي حال، انى اعرف انى سوف اكمل شهادتى قبلك، اذهب بسلام، الرب معك".
فلما سمع القديس أبادير هذه الكلمات قال: "لتكن مشيئة الرب، وتعانق القديسان، وابتدا أبادير في السر مع أخته الشابة. ووصلا إلى تمؤو عند ممفيس، وذهبا إلى مكان الام إيرائي Ama Irai وكرما جسدها وعندما راهما بواب المكان اضطرب، ظانًا أنهما أتيا لكي يسرقا، واراد ان يضربهما لكي يطردهما. وفي الحال صارت يده يابسة مثل الحجر. ولم يعرف ماذا يفعل وصرخ باكيا وهو يقول: "اغفر لي يا سيدى، اخطات اليكما بغير معرفة، وجاء ليحييهما لكنه لم يستطع ان ينحنى، حينئذ طلب القديس أبادير من الرب ان يغفر له.
ولما شفى البواب حياهما وسالهما من اين هما. فردا:" نحن غرباء سمعنا كلاما عن الام إيرائي، وحضرنا لكي نأخذ بركتها ونكرم جسدها، واستضافهما الانبا امون عنده يومين واحبهما.
وسالت إيرائي اخاها: اذا كنت توافقنى نبقى بالقرب من جسد هذه القديسة شهيدة المسيح. فاخبرها انهما ذاهبان ايضا لكي يموتا من اجل اسم ربنا يسوع المسيح. وقال لها: "هذه الام إيرائي هي التي رايتيها في انطاكية، وذكرها بكلمات الحياة التي قالها المخلص.
وبعد مسيرة ثمانية ايام إلى الجنوب، وصلا إلى قرية تشينيلا، وقابلا رجلا قادما من انثنؤو (وهي انصنا، قرب ملوي). فقال له أبادير: "هل نستطيع ان نذهب الـانثنؤو في هذا الوقت؟، فقال له الرجل " لا يا اخى، لكن تعال اللى القرية لكي تستريح حتى الصباح، فقال له القديس أبادير، أأنت صموئيل، فقال له: "انى أنا " لكن كيف عرفتنى؟، فقال له:" ان الرب قد اعلن لي اسمك في الإسكندرية. وفرح صموئيل جدا. واقتادهما إلى بيته، وخدمهما. وامضيا بضعة ايام في بيته، ثم ارشدهما إلى الطريق إلى انثنؤو وذهبا معه إلى البيت الذي كان يسكنه.