تائبة من قيصرية فلسطين
نأتي هنا بذكر ما ورد في القصص القديمة عن خاطئة كانت بقيصرية فلسطين وتابت، وذكرت هذه القصة في كثير من المراجع منها:
الفصل 1)Stories of the Holy Fathers XX1X
2)The Paradise of the Holy Fathers p. 11 page 138-140
وقد وجدنا قصة أخرى مماثلة في هذين المرجعين واكتفينا بهذه القصة وأتينا بها لأنها تبين ما تجره الخطية من الويلات والضيق والاضطراب والسقوط إلى أحط الدرك.
هى ابنة لأحد كبار رجال قيصرية فلسطين، ابتعدت عن الله وسلكت طريق الغواية والشر وتدرجت في الخطية والفساد حتى سقطت في الهاوية.
استمرت حياة اللهو والدنس وظلت زمانًا على هذه الحالة التعيسة تحيا حياة الإثم في غير ما وازع حتى أتت ساعة إعلان خزيها وعارها وافتضاح علاقتها عندما بدأت تظهر عليها أعراض الحمل ولم تقدر أن تخفى جريمتها واضطربت اضطرابًا كبيرًا وأقشعر بدنها واضطرب شريكها الشرير مرتكب الإثم لأن أمرها أصبح واضحًا وانكشفت الجريمة التي كانت في الخفاء فلقنها هذا الشخص الذي سقطت معه في الخطية أن تلقى التهمة على قارئ بالكنيسة ولا عجب إذا كان قد استباح لنفسه ارتكاب الإثم أن يختلق الإفك والأكاذيب، فليس له وازع يردعه الاسترسال في شروره.
ولما انكشفت فضيحتها لدى أهلها، أخذ أبوها يسألها في مرارة الحزن أن تقر بجريمتها التي لا سبيل إلى إخفائها وإنكارها وهنا كاشفت والدها بأن قارئ الكنيسة هو الذي اعتدى عليها.
وأشتهر عن القارئ أنه هو المعتدى الأثيم وكان الناس يتقولون عليه، هذا هو الذي يعظ في الكنيسة ويملأ أسماع الناس بأقوال الكتاب المقدس، هذا هو خادم كنيسة الله..!!، وكان لابد أن يخطر الأسقف ليتخذ من الإجراءات ما يراه ضده حتى يرتدع أمثاله،وأجرى الأسقف تحقيقًا معه وطلب إليه أن يقر بالحقيقة، لكن القارئ -وكان بريئًا- لم يشأ أن يعترف بأنه قد اقترف هذا الشر العظيم ولم يستسغ أن يتهم نفسه بجرم شنيع لم يفعله. فاغتاظ الأب الأسقف من سكوته وعدم اعترافه ووبخه قائلا: "ألا تريد أيها البائس الذي ارتكب كل هذا الشر أن تقر بخطاياك؟". أجابه القارئ: "انى أقر يا سيدى أنه لا علم لى بهذا الأمر ولم يطرأ أي فكر من جهة هذه الفتاة ولم ارتكب شرًا قط، وللحال حكم الأسقف بقطع القارئ من درجته وبإقصائه عن خدمة الكنيسة..
أما القارئ فانه بعد ما صدر هذا القرار طلب تسليمه الفتاة فأجابه إلى طلبه وترجح لديه أن القارئ مذنب وأن قلبه لم يزل متعلقًا بها ولولا ذلك لما طلب تسليمها إليه.
كان هذا القارئ يخاف الله ويتقيه ورأى تخليص نفس هذه المسكينة بعد أن سقطت. فأودعها أحد بيوت العذارى وطلب إلى رئيسته العناية بأمر حياتها الروحية. استمرت مدة وجيزة وبعدها كان لابد لها أن تجنى ثمار الإثم عارًا وهوانا في هذا المكان
تعذبت الفتاة كثيرًا وتعذر عليها أن تلد الطفل وكانت تعانى آلاما مبرحة وتصرخ من شدة العذاب الذي أصابها، وما زالت على هذه الحالة والألم يزداد يوما بعد آخر إلى كمال سبعة أيام، لم تستطع أن تنام طوال هذه المدة حتى أشرفت على الموت وكانت تصرخ وتقول: "ويل ويل لي أن موتى أصبح وشيكا وقد اتهمت زورًا قارئ الكنيسة.
سمعت رئيسة بيت العذارى ذلك وأبلغت الأمر على الفور إلى الأب الكاهن المشرف الروحي، فلم يشأ أن يتسرع بإبلاغ الأسقف بل انتظر يومين آخرين ظنًا منه أنه ربما تفيق من آلامها فتستطيع أن تتكلم بأكثر تفصيل وتفصح عن حقيقة الأمر لكن الحالة كانت تزداد سوءًا ولم تطق العذارى احتمال رؤيتها تعانى هذه الآلام.
لم يكن هناك بد من إبلاغ الأسقف بما حدث وباعتراف الفتاة ببراءة قارئ الكنيسة الذي اتهمته زورًا.. فأرسل الأسقف بعض الشمامسة إلى القارئ برسالة قال فيها:
"صلى إلى الله من أجل الفتاة التي اتهمتك زورًا لكي يخلصها الرب من أتعابها" لكن القارئ لم ينطق ببنت شفة. انه بعد التهمة التي لصقت به لم يفتح بابه لأحد بل كان معتكفًا ملازما الصوم والصلاة حتى كشف الرب الحقيقة وظهرت براءته ولا شك أنه كان في صلواته يطلب إلى الله أن يخلصها بمراحمه.
شاع هذا الأمر في المدينة وعرفت براءة القارئ فانطلق والدها إلى الأسقف وطلب إليه أن يقيم الصلاة لأجل نجاة ابنته البائسة من الموت، لكن رغم ذلك لم تنل الراحة من أوجاعها حينئذ كلم الأسقف القارئ وقال له: يا استاسيوس (Bustathius) قم الآن لإنقاذ الفتاة فان عذابها لا يطاق.
صلى القارئ مع الأسقف صلاة طويلة وكان في نهايتها أن خلصت الفتاة وشفيت أوجاعها وولدت طفلها.
وهكذا أعيد القارئ إلى رتبته وأكرمه الرب بإظهار براءته، وأن المسكينة ثابت التوبة الحقيقية وكانت تمارس كل قوانين التوبة في أسهار في الصلوات وأصوام متواصلة وظلت عابدة الرب بقية أيام حياتها حتى تنيحت بسلام.