|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سلسلة مدخل عام للكتاب المقدس - الجزء الأول مقدمة - إعلان الكتاب المقدس الشامل في الحقيقة كثيرين بتسرع يبدءوا في شرح الكتاب المقدس الذي أتى بإلهام الروح بدون أن يكون لهم نفس ذات الإلهام ليشرحوا أسرار الله بسرّ الله المعلن في قلبهم بالروح القدس، فيخرجون عن مقاصد الله دون قصد فيشرحوا الكتاب على أساس لغوي فقط وعلى أساس المراجع حتى لو كانت صحيحة بدون الولوج لأسرار الله بروح الله لتنكشف اسرارها بالروح، لينطقوا بروح الكتاب المقدس ما أعلنه الله حسب قصدة ... وفي الحقيقة يا إخوتي، لن نستطيع أبداً أن نفهم ونستوعب سرّ الكتاب المقدس أيضاً أن لم نفهم مضمونه العام وماذا يُريد الله أن يقول من خلاله لنا، وعموماً قبل أن نخوض في أي شرح أو تفسير، لأن كثيرين من المفسرين لا ينطلقون من وحدة الكتاب المقدس ككل، بل ينطلقون من كل سفر وكأنه مستقل بذاته عن باقي الأسفار ويشرحونه حسب المعنى المستقل في كل آية وحرف ومعنى، وهذا يخرج الشرح بعيداً عن مقاصد الله المعلنة في الكتاب المقدس ككل، لذلك واجب علينا اليوم أن نفهم ما هو قصد الله من إعلان ذاته في الكتاب المقدس وما هي الوحدة التي تجمع الأسفار المقدسة، لذلك بادئ ذي بدء يلزمنا أولاً أن نتعرف على خطة الله المُعلنة في كلمته التي هي أنفاسه الخاصة كما سوف نتعرف عليها بدقة وتدقيق من خلال سلسلة المدخل العام للكتاب المقدس التي نشرحها من جهة الإعلان الإلهي وليس مجرد شرح وكلام وألفاظ... وصدقوني، عندما تحتضن خطة الله عقلونا وتُنيرنا ونقبلها وتنزل قلوبنا سنستنشق أنفاس الله وبها نحيا ويدخل الفرح لقلوبنا بقوة خلاص الله المتدفق من أعماقه إلينا، وكل من يدخل في عمق إعلانه يأخذ ويشبع ويفرح ويدخل من عمق لعمق ومن فرح لفرح، وتُترجم في حياته لسلوك وحياة كثمرة من ثمار عمل الله وروح الإلهام في قلبه... + إعلان الكتاب المقدس الشامل +الكتاب المقدس ككل يُعلن الآتي بترتيب فائق مُذهل لغرض اتحاد الله بالإنسان، ونستطيع أن نضع المعنى العام للكتاب المقدس في هذه النقاط: * الله مصدر كل حياة والأساس الذي يقوم عليه كل شيءوهذا الترتيب كله هو مقاصد الله وغايته المعلنة في الكتاب المقدس من أول سفر لآخر سفر فيه، لكي يُستعلن الجسد الكامل للمسيح الرب وتتحقق الغاية النهائية حسب التدبير الأزلي الذي لله القدوس الواحد المثلث الأقانيم: [ مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة. إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته. لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب. الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته. التي أجزلها لنا بكل حكمة و فطنة. إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه. لتدبير ملء الازمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السماوات و ما على الأرض في ذاك. الذي فيه أيضاً نلنا نصيبا معينين سابقا حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته. لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح. الذي فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضاً اذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس. الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده ] (أفسس1: 3 – 14)...ومن جهة الترتيب التاريخي الظاهر الذي يحقق كل ما قلنا ويعلنه هو كالآتي: * الخليقةفهذا كله هو منهج الكتاب المقدس ومنه ينطلق كل شرح وتفسير، إذ يشتمل على الإعلان الكامل لحقائق الكتاب المقدس، وهو يحتضن كل الجوانب العظمى للفداء (كما هو واضح على الأخص في رسالة أفسس كما ذكرناها)، ويُظهر تاريخ الإنسان الروحي ومعاملات الله مع جنس البشر ككل، ويُظهر الغرض الحقيقي من الخليقة وما هو واجب الإنسان تجاهها، وما الغرض من حياة الإنسان وهدف دعوة الله النهائية له، لأن الله لا يُريد أن يُقدم دعوة للإنسان لعبادته، كما يقول البعض، أو أن غرض خلقة الإنسان أن يتمتع بالوجود وأن يعبد الله، فالله ليس محتاج لعبادة أحد لأنها لا تزيده ولا تنقصه في شيء ما قط، ولم يخلق الإنسان لأجل متعة الوجود في حد ذاته، لأن حياته ستكون بلا معنى لو كان وجوده لأجل وجوده، ولكن بنُاءً على ما سبق وقلنا نستوعب ما هو الغرض من خلقة الإنسان ووجوده، وسأترك لكل واحد أن يتأمل فيما كتبنا ويطلب إلهام الروح القدس حتى يستوعب بإعلان قصد الله من خلقه، فصلوا يا أحبائي وأطلبوا إلهام من الله حتى يعطيكم أن تستوعبوا سر خلقكم .... + الإعلان المتدرج +أن كل من يأتي للكتاب المقدس بتوبة حقيقية طالباً انفتاح الذهن بالروح: [ حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب ] (لوقا24: 45)، معتمدين على الروح القدس طالبين الاستنارة، ستنفتح بصيرتهم الداخلية فيروا ما لا يُرى في صفحات الكتاب المقدس ويقودهم الروح القدس عبر السطور معلناً لهم أسرار الله، لأن كلمة الله كُتبت بالروح القدس ولم تكتب بآخر [ لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أُناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس ] (2بطرس1: 21)، لذلك هو وحده الذي يعلن ويكشف الأسرار في كل قلب مفتوح بالحب باستنارة الذهن: [ فيعلن مجد الرب ويراه كل بشر جميعاً لأن فم الرب تكلم ] (أشعياء 40: 5)، [ كل شيء قد دفع إلي من أبي وليس أحد يعرف الابن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يُعلن له ] (متى 11: 27)، [ وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يُعلمكم كل شيء ويُذكركم بكل ما قلته لكم ] (يوحنا 14: 26)، [ فأعلنه الله لنا نحن بروحه لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله ] (1كورنثوس 2: 10)، فمن يقرأ الكتاب المقدس ينبغي أن تكون آذانه رادار تلقط صوت الروح، وقلبه كبير متسع بالحب ليستقبل الله وإعلانه عن ذاته بالروح. وحينما ندخل للكتاب المقدس بهذا المستوى سنصل للقناعة الداخلية بأن الكتاب المقدس ليس خليطاً غير متجانس، كما يدَّعي بعض النقاد من أطياف وأفكار وفلسفات وآراء مختلفة، ويقولون بأنه عبارة عن تاريخ قديم يحتوي البعض منه على حقائق تاريخيه حقيقية وبعضها ممزوج بأساطير مختلفة مأخوذ عن حضارات وشعوب متنوعة، وبه تصورات دينية عقائدية بعيدة عن أرض الواقع، أو أفكار دينية مستقيه من شعوب أخرى وتم دمجها، وبعضه يحتوي على خرافات لا تُصدق، بل سوف يرونه بعيون الذهن المنفتح والقلب المتسع بإلهام الروح أنه كشف متدرج لخطة وغرض الله الأزلي، وأنه ارتقى بالإنسان من جيل لجيل وعصر لعصر في الإعلان والتعليم. وبكون الكتاب المقدس إعلان متدرج يظهر من بداية الخلق إلى ظهور واستعلان الله في الجسد إلى آخر سفر في الكتاب المقدس وإعلان مجيئه وظهور مجده، فيجب أن نقرأه ككل، مقارنين أجزاءه ببعضها البعض [ التي نتكلم بها أيضاً لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس قارنين الروحيات بالروحيات ] (1كورنثوس 2: 13)، نربطه بروحه الواحد كوحده واحدة لا تنفك حتى نستطيع أن نكتسب الرؤية الصحيحة والسليمة ونستوعب أسرار الله ونستطيع أن نعلنها في شرح سليم واعٍ مُلهم بالروح للكتاب المقدس، لأن بسبب فصل الكتاب المقدس عن بعضه البعض وفهم نصوصه بانحياز لأفكار معينه يجعلنا نُخطأ في الشرح ونتحير في بعض النقاط إذ نفصل الآيات بعضها عن بعض وننطلق في الشرح من أساس مفهومنا الخاص عن الكتاب المقدس، ونؤيد نظريتنا من بعض الآباء أو بعض الخدام الذين شرحوا بعض النقاط حسب رأيهم الشخصي لظروف معينه لكي يثبتوا شيئاً ما كرد على فيلسوف أو غيره، بعيداً عن المعنى المقصود في وحدة الكتاب المقدس والقصد الإلهي من وراء الأحداث أو المواقف:فمثلاً لو أخذنا مثل تقدمة هابيل وقايين، وأنه نظر (الله) إلى هابيل وقربانه لأنه قدم من أبكار غنمه ومن سمانها، أما إلى قايين وقربانه الذي قدمه من ثمار الأرض فلم ينظر. فاغتاظ قايين وحمى غضبه وامتلأ حقداً وكراهية وقام وهم بقتل أخيه انتقاماً منه، وهنا يأتي السؤال: لماذا نظر الله إلى هابيل وقربانه وإلى قايين لم ينظر؟ هل لأنه – كما يقول كثير من الشُراح – لأنه قدم من ثمار الأرض ولم يُقدم ذبيحة دموية كما يعتقد البعض؟ ومن أين له الذبيحة إن لم يكن راعياً؟ وهل كان الرب في حاجة إلى أن يروي ظمأه بقطرات دم ذبيحة من هابيل؟ أم أنه – كما يقول البعض – ينتظر ذبيحة كفارية عن قايين كما قبلها من هابيل، رغم من أن النص لم يتكلم عن تقدمة عن خطايا ولا كفارة، بل تكلم عن تقدمة شكر وتمجيد لله وهي موجوده في سفر اللاويين بعد ذلك مقننه بتقديم البكور، وهنا نفس ذات الموقف كل واحد فيهما قدم من بكر كل ما صنع، فالراعي قدم من أبكار غنمه وأفضلها، والزارع قدم من أبكار أرضه، بمعنى ان كل واحد قدم من بكر عمل يديه وتعبه ليعلن شكره وتمجيده لله... وواقع الشرح الأصيل في ضوء وحدة الكتاب المقدس يقول: أن الله لا ينظر للعينين بل ينظر إلى القلب (1صموئيل 16: 7) ولا يُفرق بين إنسان وإنسان بحسب تقدماته له. بل نجد الإجابة واضحة – كما سبق وشرحناها أكثر من مرة وبخاصة في موضوع الذبائح التي شرحته في أكثر من منتدى ولن وضع أجواء كثيرة منه هنا – وهي أن الله قبِلَ ذبيحة هابيل ولم ينظر إلى قايين وقربانه، لأن هابيل قدمها بإيمان وشهد له أنه بار لأن بدون إيمان قلبي واعي لا يُمكن إرضاء الله بأي حال، حتى لو الإنسان قدم ذبائح الدنيا كلها وما فيها متمماً كل الناموس والوصايا حسب الشكل القانوني لها، [ أن جعت فلا أقول لك، لأن لي المسكونة وملأها. هل آكل لحم الثيران أو أشرب دم التيوس ... أذبح لله حمداً وأوفِ العلي نذورك (عهودك) ... وادعني في يوم الضيق أنقذك فتُمجدني ] (أنظر مزمور 50)، وهنا كان تعليم قوي للغاية ليبدأ الله به مع كل إنسان على وجه الأرض للتعليم الصحيح الذي انطلق منه وبدأ يعلم به الإنسان وهو أن كل شيء يُقدم لله يكون من أفضل ما عند الإنسان ومقدم من قلب طاهر ونفس مستنيره بالإيمان الحي العامل بالمحبة، وهذا ما يكشفه هذا الحدث الذي منه أنطلق التعليم في الكتاب المقدس والذي شُرح على مدى أسفاره ليثبت هذه الحقيقية، وممكن الرجوع لهذه الآيات المترابطة معه أشد الارتباط [ 1صموئيل 16: 7 + 1صموئيل 15 + مزمور 5: 12 – 15 + مزمور 51: 16 – 19 + عبرانيين 11: 4، 6 ] + عموماً يُخطأ الكثيرين في تناول الكتاب المقدس بالشرح والتفسير انطلاقاً من قبول أو تخصيص إعلان مميز لحقيقة معينة يريدون إثباتها بأية طريقة ممكنة، وهي نية سليمة وليس المقصود بها الابتعاد عن النص، ولكن إثبات فكرة معينة أو إظهار حقيقة معينة، تجعل الشارح يربط آيات لا تتناسب مع بعضها البعض لكي يقنع سامعه أو القارئ له بالفكرة التي يُريد أن يطرحها ويُرسخها في الأذهان، وهذا لكي تكون بذلك مقنعة جداً، وهنا يخرج عن قصد الله في الحدث ويُعطي الحدث بُعداً آخر غير مقصود به تماماً، مع أنه يُريد أن يثبت فكرة صحيحة وليس خاطئة على الإطلاق. فلا يصح عموماً لأي بحث في الكتاب المقدس في أجزاءه المختلفة ونصوصه المنفصلة، مهما ما كان هاماً بل وغرضه أن يُعلن أمور حقيقية لا غش فيها، أن يلحق الضرر بمعنى القيمة السامية لشهادة الكتاب الموحدة. أو يخرج عن القصد من الآية ويضفي عليها معنى آخر بعيد تماماً عن القصد منها، ففحص الكتاب المقدس بتحيز لأي فكرة أو تأكيد على معنى من وجهة نظر متحيزة تكون بالضرورة غير كاملة ولا تُظهر فكر الله الكامل والغرض من الحدث أو الموقف أو الآية، كما رأينا مثالاً في أول موقف وحدث في الكتاب المقدس وهو تقدمة هابيل وقايين، ومن هُنا نفهم لماذا الكنيسة قسَّمت الآباء لآباء معتبرين وألحقت باسمهم كلمة (الكبير) وآباء غير معتبرين واطلقت عليهم القديس فقط بدون كلمة الكبير، لأن بعضهم لم يلتزم بوحدة الكتاب المقدس بل كان لهم تأملات شخصية مثبته بوحدة الآيات خارج معناها العام مع أن تأملهم ليس فيه خروج عن الإيمان بل يعلن حقائق ولكنها لا تتناسب مع الشرح السليم في وحدة الكتاب المقدس ككل، وهذا يختلف عن الآباء الملتزمين بوحدة النص كما سبق وشرحنا المعنى العام في الكتاب المقدس في وحدته التي تعلن مقاصد الله ... وفي الجزء القادم سنتحدث عن الوحي الإلهي والإلهام.... |
13 - 06 - 2014, 11:36 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: سلسلة مدخل عام للكتاب المقدس
تابع سلسلة مدخل عام للكتاب المقدس - الجزء الثاني تابع المقدمة - الوحي الإلهي والإعلان الوحي الإلهي الذي منه الإعلان، ليس فكرة ونظرية نطرحها لنكتب معلومة جديدة أو كمجرد عظة، أو فكرة عظيمة نلفقها، لكي نؤكد على أن الكتاب المقدس موحى من الله، بل هي خبرة نجتاز فيها عملياً وعلى مستوى واقعنا اليومي المُعاش، حينما ندخل في علاقة حية مع الله الحي ونمتلئ بالروح، لأن الوحي والإلهام بالروح القدس، روح الله، وليس حسب افكار الناس، حتى لو كانت أفكارهم حسنة جداً ورائعة للغاية، بل وفي منتهى الدقة، لذلك حينما ينطق الأنبياء بالإلهام الإلهي، إلهام موحى به من الله، فينطقون بقوة كلمة الله من فمه وباسمه، بصورة كلمات بشرية في واقع إنساني يومي مُعاش، يفهمها الإنسان حسب لغة عصره ليستوعب مقاصد الله وماذا يريد منه على وجه التحديد والدقة، إذ أنهم يتعلمون من الله بالروح القدس، وينطقون بنفس ذات الروح عينه حسب إلهامه... ولندقق فيما هو مكتوب بنفس ذات الإلهام ليُعلمنا ويشرح لنا كيف ننطق بكلمة الله ونكرز بها ونعيشها اليوم كما هي بحسب إلهام الروح ذاته وبشخصه، بنطق الله الذي منه الحياة تنسكب فينا، فنحيا به ونتحرك ونوجد لا على مستوى نظري ومعلومة بل كخبرة وحياة في واقعنا اليومي المُعاش:
وبهذا المعنى فأن الكتاب المقدس وحدة واحدة متكاملة مستتر فيها مقاصد الله الأزلية حسب التدبير ومعلنة بالتدريج في الزمن للإنسان حسب قامته وتدرج معرفته، لذلك اختار الله أُناس وساقهم بروحه ونطق على أفواههم بإلهام خاص ليُعلن مقاصده للإنسان ليحيا بها على المستوى العملي، لكي يتم قصد الله وتدبيره في الإنسان على مر العصور ليوم إعلان مجيئه في ملء مجده ومجد أبيه والروح القدس، لذلك الكتاب المقدس لا ينبغي أن نتعامل معه على مستوى الكلمات والحرف فقط، لأنه حي ينبض بروح الحياة ذاته، أي الروح القدس روح الإلهام كما رأينا في الآيات السابقة... فالإله الحي مازال حياً، ولأنه حي أعطى حياه لكل من يأتي إليه ويقبله ويقبل إلهام الروح ويدخل في سر كلمته التي تعبر عن حياته، والرب نفسه أعلن هذا بفمه قائلاً[ بعد قليل لا يراني العالم أيضاً وأما أنتم فترونني إني أنا حي فأنتم ستحيون ] (يوحنا14: 19)
فكاتبي الأسفار المقدسة هم المتعلمون من الله والملهمون بالروح، وهذا ما تؤكده رسالة كورنثوس الأولى كما رأينا، ونُعيد إعادة مركزة على بعض الآيات بشرح بسيط، لا من أجل الإعادة في حد ذاتها والتكرار، بل لكي ننتبه إلى الطريقة التي ينتقل بها الحق من فكر الله إلى ذهن الإنسان بإلهام الروح، وبما يُعلمه أيضاً، فيقول القديس بولس الرسول الملهم بالروح في كورنثوس الأولى2:
عموماً نعود لنتساءل: ما معنى الوحي بدقة، أو ما هو المقصود بالوحي الإلهي !!! طبعاً لو انحازنا للفكر العام، سنقول على كل كاتب قصة أدبية أو غيرها من الأعمال التي تبدو امامنا عظيمة جداً وقد برع كاتبها في التصوير، أنه إنسان مُلهم يستطيع من خلال الحوادث اليومية يكتب قصص بطريقة أدبية يوصل بها تعليم أو فكر للناس بشكل يا أما مباشر في صورة أحداث واقعيه مُعاشة، أو بغير مباشر بالرمز والتمثيل والتشبيه، وهذا الإلهام يختلف تماماً عن الإلهام الإلهي في الكتاب المقدس، رغم استخدام نفس ذات الأدوات مع ما يزيد عليها من نبؤات وغيرها !!! فإلهام أي كاتب عموماً هو إلهام العقل البشري المخلوق وحسب ذكاءه وفطرته وفطنته الخاصة، لأن كل إنسان أخذ صورة من الله منطبعة في شخصيته منذ بداية تكوينه، لذلك يستطيع الكثيرين أن يكتبوا بفكر مُلهم قصص وأحاديث وغيرها من الصور الأدبية المختلفة والمتباينة، وقد تنفع الكثيرين وتعلمهم أمور فاضلة كثيرة وتزرع مبادئ جميلة يحتاج إلها الفرد على مستواه الشخصي أو المجتمع ككل على مستواه العام ويختلف من مكان لآخر ومن حضارة لأخرى، ومن فكر لفكر ... الخ... ولكن نجد مثلاً في أيوب يقول عن الوحي: [ نسمة (وحي) القدير تُعقلهم ] (أيوب32: 8)، وهُنا تعني الكلمة "أنفاس" وتُظهر بذلك أن الله هو المُبدع لذكاء الإنسان ومُلهمه. وفي تيموثاوس الثانية 3: 16 يقول: كل الكتاب موحى به من الله، والكلمة التي استخدمها القديس بولس الرسول بالنسبة لكلمة موحى أو الوحي هي (أنفاس الله).
_____يتبــــــــــع_____ وفي الجزء القادم سنتكلم عن: الكتب المقدسة ومحور التعليم فيها |
||||
13 - 06 - 2014, 11:38 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: سلسلة مدخل عام للكتاب المقدس
الكتب المقدسة ومحور التعليم فيها
في هذا الآية التي نطقها القديس بولس الرسول بالروح، توضح لنا دور الكُتب المُقدسة التي كُتبت بالروح في الحق لبناء النفس للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع، ومن هنا يُستعلن لنا بالروح عينه أن هذه الكُتب المقدسة ليست تحفة أدبية قديمة، أو أسفار مقدسة تحتوي على معلومات قيمة عن الله أو حتى عن فكر إنساني عالي أو تدرج فكر ثقافي في حياة شعب خاص سُميَّ شعب الله المختار، وليست ايضاً مجرد سرد تاريخي لشعب من الشعوب وتتبع أخباره من جيل لجيل، ولكن هذه الكُتب دُعيت مقدسة، ليس لأن أطلق عليها بولس الرسول هذا الاسم: [ المقدسة ]، بل بكونها إعلان إلهي في داخل الزمان، وهي إعلان بظهور يد الله العاملة وسط شعب اختاره ليظهر فيه مجده، لأن الإعلان الإلهي لا يظهر في المجهول، ولا يوضع كفكر نظري ومجرد كلمات كما نتكلم نحن، لأن الله ينطق بكلمته، وكلمه الله شخص حي وليس الفاظ منطوقه، لذلك حينما يتكلم يفعل، أي كلمته تتحول من تلقاء ذاتها لفعل ذات سلطان، لأنه يتكلم بفعل وعمل ويقطع عهد ويعطي وعد، ولو فحصنا كلمة الله سنجدها [ فعل وعمل، وعهد مقطوع على دم، ووعد مبني على هذا العهد ]، ونجد أنه من المستحيل أن ينطق الله ويتكلم ويظل كل شيء كما هو ساكن لا حراك فيه، كلمة الله = فعل وعمل... الكتب المقدسة، أو بمعنى أدق الكتاب المقدس لأنه كتاب واحد، هو كتاب إعلان مجد الله، غرضه وهدفه خلاص الإنسان، وخلاص الإنسان ليس فكره ولا مجرد عقيدة ولا كلام عجائز وأساطير مبنية على أفكار شعوب قديمة وتطورت لتصل للمسيحية، لأن المسيحية في حقيقتها ليست دين ليتدين به الإنسان ويتجمل بكثير من الفضائل أكثر من باقي الأديان الأخرى، هذه نظره مشوهة جداً للمسيحية كلها !!! وهذا التشويه سببه الحقيقي هو انغلاق الذهن على الإعلان الإلهي النابض بالحياة، لأن هذا الإعلان نابض بإلهام الروح في الحق، ويستحيل فهمه أن لم ينفتح الذهن الداخلي بقوة الروح عينه الذي أعطى هذا الإلهام لكل كاتبي الكتاب المقدس، فإذا كان روح الله تكلم من خلال الرجال الذين كتبوا الكتاب المقدس، فأقل ما يُمكن ان نفعله هو أن ندرسه بروح الصلاة كإعلان مُعطى من الله... وهذه الدراسة بروح الصلاة، تتطلب قداسة، لأن ما نحن في صدده هو إعلان الله عن ذاته لنُعاين مجده، ورؤية الله تستحيل بدون قداسة، لذلك نجد أن كل كُتَّاب الكتاب المقدس، يفرزهم الله أولاً، ثم يكرسهم ويخصصهم له، أي يقدسهم لكي يستعدوا لحلول الروح للإلهام الإلهي لإعلان مجد الله، لأن بدون القداسة لا يُعاين أحد الله مهما ما بلغ من مقدرة وقوة على الفهم والاستيعاب، لأن ممكن أي أحد يقرأ الكتاب المقدس ويستوعب كلماته المكتوبة، ولكنه لن يرى مجد الله وبهاء نوره المُشع: [ لأن الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح ] (2كورنثوس 4: 6)، لذلك واجب قداسة القلب أولاً وقبل كل شيء [ القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب ] (عبرانيين 12: 14). عموماً السبب الرئيسي لضعف الخدمة في الكنائس وعلى المواقع وحالة الأنيميا الروحية التي يُعاني منها الكثيرون، هو بسبب الافتقار للتعليم بوحي الروح القدس، لغرض خلاص النفس وإعلان مجد الله بوجه مكشوف لننظر ونتغير لتلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح القدس !!! لأن كلمة الله لا تُلقى في الفراغ أو تستقر في العقل لتُصبح فكرة للحوار وتُطرح النقاش والجدل، وانا صح وانت خطأ، ورد من يخالفني الرأي وردي عليه، ونلف وندور في حلقات مفرغة من مضمون، وذلك لأننا لم نبلغ بعد لإلهام الروح ولم نرى مجد الله بوجه مكشوف كما في مرآة لنتغير إليه، وقراءة كل واحد لكلمة الله لم تتحول فيه لفعل وقوة حياة، لأن هدف التعليم الصحيح هو معرفة مجد الله لنتغير إليه بسر عمل الروح القدس في داخل قلوبنا، وأي تعليم (حتى لو كان صحيح) لا يُدخلنا لداخل الله، لنحيا معه في شركة مقدسة في النور، نرى وجهه ونسمع صوته، فيا إما أنا مغلق القلب وأعمى في الذهن، فلا أرى ملامح الله في هذا التعليم، أو لا أُريد أن أتوب وأرجع لله الحي عودة حقيقية، فلا أبصر نور الله لأني بإرادتي طمسته بعند قلبي وعدم توبتي، يا إما التعليم نفسه أجوف لا روح فيه ولا إلهام إلهي، بل هو خطاب من عقل لعقل، ولن يخرج عن إطار المحفوظات العقلية والفكرية التي لا روح فيها، حتى أظن أني أعرف الله، مع أني - في الواقع - عرفت معلومات عن الله وليس الله بشخصه الحي، وهذا صنم المسيحيين الذين لم يعرفوا الله بإعلان الروح وإلهامه، وساروا في منهج القداسة وتطهير القلب فعلياً، بغسل التوبة الصادقة التي يعمل فيها الروح القدس لتصير بحر غسيل النجسين بدم ابن الله الحي الذي يُطهر من أي خطية شافياً جراحات النفس الداخلية يوماً بعد يوم...
_____يتبــــــــــع_____ وفي الجزء القادم سنتكلم عن: التعليم المسيحي الحي |
||||
13 - 06 - 2014, 11:39 AM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: سلسلة مدخل عام للكتاب المقدس
التعليم المسيحي عندما نتكلم عن التعليم المسيحي، ينبغي علينا أن نستوعب الكلمة لا في ضوء موضوع المسيحية كدين، له فلسفته الخاصة وفكره بين الصحيح والخاطئ، بل لنا أن نغوص في معنى الكلمة من جهة الاستعلان بالروح، لأن التعليم المسيحي، تعليم استعلاني بالروح القدس في الحق، أي شخص المسيح الرب الطريق والحق، القيامة والحياة، وغرضه (أي غرض التعليم النهائي) الشركة، والشركة تقوم على اتحاد ووحدة جسد واحد في المسيح يسوع.... لذلك أن تطرق ذهننا لمفهوم آخر غير ذلك المفهوم، خرجنا للتو عن التعليم المسيحي الأصيل، وذهبنا لفلسفة الفكر حسب رأي وفكر كل شخص وظنه واعتقاده، ومن هنا يحدث انشقاق وتحزب، واحد لبولس وواحد لأبولس، كما حدث في كنيسة كورنثوس، لأن حينما لا يكون التعليم بالروح في الحق بقوة الله لا بحكمة إنسانية مقنعة، بل ببرهان الروح والقوة، يُصبح كل ما يُقدم تعاليم الناس بعيد كل البعد عن تعاليم الله، وتظهر نظريات وأفكار لا حصر لها وقد يكون الكثير منها عكس بعضها البعض، أو حتى تظهر مجرد تأملات مفرغة من قوة الله وبرهان الروح والقوة، تمس عواطف الإنسان ولكن لا تحركه نحو الشركة مع القديسين في المسيح يسوع في النور، ويتغير الإنسان حسب صورة خالقة، كخليقة جديدة في المسيح يسوع، بل يظل إنساناً تحت سلطان الموت الذي يظهر فيه في صورة اضطراب وخوف وجزع، وأحياناً اضطرابات وضيقات نفسية تطيح به بعيداً جداً عن الله، ويحيا في عمى ذهني لا يستطيع ان يُبصر نور الله المُشرق في وجه يسوع: [ لأن الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح ] (2كورنثوس 4: 6).
في العهد القديم نجد أن الكلمة العبرية تأتي بمعنى ( ما يتم استلامه ) و ( الموضوع أو الرسالة التي يتم تعليمها وتلقينها حسب أمر الرب وإعلانه ): [ انصتي أيتها السماوات فأتكلم ولتسمع الأرض أقوال فمي. يهطل كالمطر تعليمي ويقطر كالندى كلامي كالطل على الكلأ وكالوابل على العُشب ] (تثنية32: 1و 2)، [ اسمعوا أيها البنون تأديب الأب واصغوا لأجل معرفة الفهم. لأني أعطيكم تعليماً صالحاً فلا تتركوا شريعتي ] (أمثال 4: 1و 2)... ونلاحظ عادة أن كلمة التعليم مرتبطة ارتباط شديد بالنحت والحفر وبالسمع المقترن بالإصغاء، وأيضاً ترتبط بالتربية والتأديب، والكلمة اليونانية في العهد الجديد تأتي بتلك المعاني: [ يُربي (تربية)، يوبخ للإصلاح، يُعلِّم، يُهذب، يُدرب (تدريب)، انضباط (يضبُط)، مُؤدِّب (يتأدب بالتعليم)، مُرشد، وصي ]، والمعنى في أصله مرتبط بكلمة [ طفل، ولد، صبي ].. ومن ثمَّ يأتي المعنى أن يكون شخص مُعلِّم مع طفل أو ولد، ليرعاه رعاية المُربي الأمين، ليُسلمه تعليم، لتثقيفه وتدريسه، لتقويمه وتهذيبه، وترسيخ التعليم في ذهنه وعقله بغرض السلوك السليم والحياة وسط المجتمع بما يتفق مع عاداته وتقاليده الخاصة به. عموماً من هذه المعاني المخطوطة في الكتاب المقدس، نستطيع ان نستوعب القصد والمعنى منها لنفهم ما هو التعليم الإلهي على وجه الدقة التي تظهر لنا من خلال سطور الكتاب المقدس بإعلان وتوجيه الروح القدس، روح التعليم والتربية، الذي يحفر بشخصه التعليم في القلب والذهن معاً ليتحول بسلوك وحياة بطاعتنا الحُرة والمسئولة كأطفال نتربى عند قدمي الكتاب المقدس لنتلقف التعليم كالندى في القلب:
ومن خلال هذه الآيات نفهم كيف نتعلم ونتهذب، لأن التعليم يستحيل أن يأتي إلا من الروح القدس وحده، لذلك تهتم الكنيسة على مرّ العصور أن تُعين خداماً ممتلئين بالروح القدس، ولا تستطيع أن تسمح لأحد غير ممتلئ بالروح أن يتقدم للخدمة ( مع أن للأسف اليوم أي حد بيتقدم ويخدم كيف ما اتفق، وتسمح له الكنيسة بذلك، لأن عنده معلومات وقدرة على الكتابة والكلام والحديث.. الخ، مع أن كل من يفعل ذلك وصار مسئولاً عن تعيين خادم أو كاهن أو أسقف.. الخ، سيُدان في النهاية أمام الله الحي لأنه عن وعي وإدراك لم يلتزم بالتقليد الكنيسة الرسولي في تعيين الخدام والكهنة ورسامة الأساقفة بدون أن يتأكد من امتلائهم بالروح القدس لأجل الخدمة: [ وها أنا أُرسل إليكم موعد أبي فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي ] (لوقا 24: 49) )... عموماً تحرص الكنيسة (قديماً، والآن أيضاً من كل من يعرفوا الرب وامتلئوا بالروح) بشدة على ان تُقدم تعليم الرسول بولس للتحذير من جهة كلامه عن انطفاء الروح القدس في النفس [ لا تطفئوا الروح ] (1تسالونيكي 5: 19)، [ ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به خُتمتم ليوم الفداء ] (أفسس 4: 30)، وذلك بسبب أن لو انطفأ الروح القدس في القلب، كيف نُقدم تعاليم الله للآخرين، وكيف تتعلم النفس وتتهذب بالتعليم الإلهي النقي، وكيف يتنقى القلب وتتغير النفس وتصير على صورة الرب يسوع، لأن الروح القدس هو الذي يُشكلنا على صورته حينما يحفر في قلوبنا التعليم الإلهي [ بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل، بعد تلك الأيام يقول الرب، أجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً ] (ارميا 31: 33). وبهذه الصورة يا إخوتي يتجلى أمام أعيننا كمال التعليم الإلهي، لأنه بروح الله يُعلن في القلب ويُخط في الذهن المنفتح على الإلهيات بالنعمة، لأن الرب يسوع حينما نأتي إليه تائبين طالبين مجده، يفتح أذهاننا لنفهم الكتب بالروح في الحق، فنستنير بالكلمة: [ وصايا الرب مستقيمة تفرح إياه. أمر الرب طاهر يُنير العينين ] (مزمور 19: 8)، [ عين الرب لمُحبيه (أو عين الرب على مُحبيه) وهو نصير (حماية) قدير وسند قوي، يسترهم من الحرّ ويُظللهم في الظُهيرة، ويقيهم من العثرات (والعقبات) و(نجدة عند) السقوط، الرب يُنعش (يُعلي شأن) النفس ويُنير العيون (العينين)، ويمنح الشفاء والحياة والبركة ] (سيراخ 34: 16 – 17، أو من 20 – 21 في بعض الترجمات) ومن هُنا نرى أن الكتاب المقدس كتاب تعليم بالدرجة الأولى حسب المعنى الذي غُصنا فيه بإيجاز دون تطويل (وذلك بسبب كتابة موضوع التقليد الذي فيه شرح مستفيض عن التعليم)، وفيه نرى أن الكتاب المقدس لا يُناقض نفسه أبداً إلا عند الذين يرفضونه كإعلان إلهي فيقولون الشيء الكثير عن شُبهات وهمية، وهما معذورون فعلاً، لأنهم في الواقع يرونها هكذا لأن هناك بُرقع وحاجز موضوع على عين الذهن فلا تقدر أن ترى مجد الله المستتر في الكلمات المكتوبة، حتى من يرد على هذه الشبهات بالمنطق بدون روح الإعلان فهو يشترك معهم في نفس ذات الرؤيا القاصرة على المنطق العقلي البعيد عن برهان الروح والقوة، أما كل من استنار برؤية الله وإعلانه عن ذاته [ نظروا إليه واستناروا ووجوههم لم تخجل ] (مزمور 34: 5)، فأنهم يروا بانفتاح الذهن بالروح، العهد الجديد مستتر في العهد القديم، والعهد القديم مُعلن وظاهر في العهد الجديد، لأن [ ناموس الله كامل ] وما يبدو أنه متناقض، يختفي تماماً عندما نُقارن الروحيات بالروحيات: [ التي نتكلم بها أيضاً لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يُعلمه الروح القدس قارنين الروحيات بالروحيات ] (1كورنثوس 2: 13)
|
||||
13 - 06 - 2014, 11:40 AM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: سلسلة مدخل عام للكتاب المقدس
الكتب المقدسة وتسمية الكتاب المقدس الكتب المقدسة هي معاً كتاب إعلان الله كما رأينا بالتفصيل، وأول من أطلق هذه التسمية في العهد الجديد بالروح القدس على الأسفار المعروفة بالعهد القديم هو القديس بولس الرسول إلى تلميذة القديس تيموثاوس الرسول قائلاً له على وجه خاص: [ وأنك منذ الطفولة تعرف الكُتب المقدسة القادرة أن تُحكمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع ] (2تيموثاوس 3: 15)... وبادئ ذي بدء، لابد من أن نُميز النعمة الظاهرة في الكتاب المقدس فيما قبل ظهور الله في الجسد وبعد ظهوره في الجسد، لأن كثيرين بلا وعي لاهوتي دقيق وانحرافاً عن مقاصد الله وإعلان محبته الظاهر في العهدين قائلين : [ نشكر الله لأننا في عهد النعمة، لسنا بعد تحت الناموس، نحن في العهد الجديد لا في العهد البائد القديم، وأخذنا نعمة عوضاً عن الناموس ]، وكأن العهد القديم كله لم يكن فيه نعمة على وجه الإطلاق، غير مُميزين الفرق في معنى كلمة ناموس، لأن هناك الناموس الطبيعي، والناموس الطقسي، والناموس الروحي، والناموس الاجتماعي الذي يُنظم العلاقات الإنسانية (وسوف نشرح معنى الناموس ومفهومه ونفرق بين هذا كله فيما بعد) !!! وهل الله تعامل منذ آدم إلى موسى بالناموس وبأي ناموس، ناموس الأعمال أم ناموس الإيمان، أم ناموس الطقس !!! وهل العهد القديم كله ناموس حرفي طقسي بلا نعمة، أم كانت النعمة مستترة فيه، وماذا عن نعمة إعلان الله عن ذاته، وعن اختيار شعب بلا استحقاق، أليست كلها أفعال نعمة !!! في عام 140م خلال القرن الثاني الميلادي ظهر شخص يُدعى ماركيون Marcion البُنطي، اي من بُنطس وهي ولاية في شمال آسيا الصُغرى متاخمة للبحر الأسود، وهو تلميذ لواحد اسمه كردون، وكرودن سوري الأصل وقد أتى إلى روما في عهد هيجينوس تاسع أسقف منذ عهد الرسل، ونادى بأن الله الذي أعلنه الناموس والأنبياء ليس أبا ربنا يسوع المسيح، لأن الأول معروف والأخير غير معروف (أي المسيح الرب)، الأول عادل والأخير صالح، أما ماركيون بدأ يُعلم بأن إله العهد القديم يختلف عن إله العهد الجديد مثل مُعلمه مع تطوير أفكاره وتوسيعها. لأنه يرى في نظره أن إله العهد القديم إله الغضب والنار، إله مُخيف ومُرعب. وألقى ماركيون بالعهد القديم جانباً وكتب الكثير ضده مقاوماً كل ما فيه، هادماً كل قوامه وحصره في الغضب والانتقام بغرض إثبات بأن هذا ليس الله الذي نعرفه، وقد رفضته الكنيسة – في ذلك الزمان – لأنه لا يُريد ان يسمع وذلك في روما عام 144م، وتأثر القليلين بفكره وبدأوا في نشر أفكاره إذ مالوا نحوها حسب منطق تفكيره واستنتاجاته الخاصة، مع أن هذه الأفكار ابتدأت تنحصر وتنكمش وتُكاد أن تتلاشى بسبب كتابات القديس يوستينوس الشهيد مقاوماً هذه البدعة ببرهان الروح والقوة، ولكن في أواخر القرن التاسع عشر ظهر شخص يُدعى أدولف هارنك Adolph Harnack وأضاف الكثير إلى أفكار ماركيون Marcion الذي اعتبره أستاذاً له، وأخذت أفكاره في الهبوط والصعود مختلطة بأفكار فلاسفة تلك الفترة مثل هيجل وغيره... وبالطبع ظهر الكثيرين تعمقوا وتأصلوا في العهد القديم وأظهروا عمق ارتباطه بالعهد الجديد مؤكدين على وحدانية الله في العهدين وأنه إله واحد وليس إلهين، إله عهد قديم وإله عهد جديد، وأكثر من قاوم هذه البدعة بقوة الدراسة وعمقها هو العالم الكتابي بولتمان Bultman مؤكداً العلاقة الكبيرة بين العهدين الذي لا انفصال فيهما قط، وأكد على أن العهد القديم يُساعدنا عي فهم وإدراك نعمة الله في العهد الجديد، ولكي أتمكن من فهم العهد الجديد فهماً سليماً واعياً لا مناص من أن أدرس العهد القديم، كما أن العهد الجديد يوجد به نصوص عديدة منه تُعد تفسيراً واضحاً للعهد القديم . لذلك كثيرين يترجمون آية يوحنا الرسول ترجمة خاطئة، فعوض أن يقولوا [ ومن ملئه نحن جميعا أخذنا، ونعمة فوق نعمة ] (يوحنا 1: 16) يقولون خطأ [ ومن ملئه نحن جميعا أخذنا، نعمة عوضاً عن نعمة ]، مع أن الآية في أصلها هنا تُشير للمتابعة وليس للانفصال، أي أن كل نعمة تأتي من ملء وتفيض ملء على ملء، لأن النعمة تمتد وتتدرج في الإعلان والعطايا، لأن مصدر النعمة هو الله الحي بشخصه في كلا العهدين، ولكن في العهد الجديد الله ظهر في الجسد فظهرت قوة النعمة المُخلِّصة في قمتها حتى أنها فاضت بشدة من ملء الذي يملأ الكل، إذ يفيض بنعمته وتنسكب نعمة فوق نعمة، مثل البناء الذي يُبنى فيه طابق فوق طابق، وعموماً في المنهج الروحي السليم، أن كل نعمة يحصل عليها الإنسان في المسيح ترفعه إلى نعمة أخرى أعلى مبنية على ما ناله من نعمة سابقة، ولا تترك نعمة ويُمسك في نعمة أخرى، وعلى مستوى العهد القديم فيه نعمة إعلان الله عن ذاته ووعده الذي قطعه بخلاص الإنسان، ونعمة تربية الإنسان وإعداد قلبه لظهور المُخلِّص حسب الوعد الإلهي، وتدرج الإنسان في العهد القديم من نعمة لنعمة بحسب الإيمان واستعلان الوعد وكشفه بالنبوات قليلاً قليلاً إلى أن أتى العهد الجديد وظهور مخلصنا الحبيب، ففاضت النعمة جداً وظهرت قوتها المستترة في العهد القديم في الابن الوحيد لتفيض على كل واحد وتعطيه من قوتها وتظل تفيض فيه وينال منها قوة على قوة ورفعة على رفعه وذلك كله يأتي من ملء المسيح الرب الحي [ ومن ملئه نحن جميعا أخذنا، ونعمة فوق نعمة ] (يوحنا 1: 16).
تُطلق تسمية [ العهد القديم ] على الأسفار المقدسة من تكوين إلى ملاخي، وأول من أطلق هذه التسمية هو ميليتُس أسقف ساردس عام 170م في أواخر القرن الثاني الميلادي، أنا عن تسمية [ العهد الجديد ] فقط أطلقها العلامة ترتليان عام 200م على الأناجيل والرسائل متضمناً أعمال الرسل وسفر الرؤيا، والمراجع الآبائية التي اعتمد عليها الآباء في هذه التسميات هي في [ إرميا 31: 31 – 43، لوقا 22: 20، 1كورنثوس 11: 25، عبرانيين 8: 8 – 10 ]، ورجاء العودة لهذه الفقرات لأهميتها القصوى... إلا أن التسمية في الأصل العبري للأسفار من تكوين إلى ملاخي هي: توراة – أنبياء – كتب (كتوبيم) كما سوف نرى فيما بعد من خلال دراستنا بالتدقيق. وهذه التسمية وهذا التقسيم نجده عند الرب يسوع [ أنظر لوقا 24: 27، 44، 45 ]، أما القديس بولس الرسول – كما رأينا – أطلق على هذه الأسفار [ الكتب المقدسة ] (2تيموثاوس 3: 15، 16)، وأوضح الهدف منها في نفس الرسالة العدد 17: [ لكي يكون إنسان الله كاملاً مُتأهباً لكل عمل صالح ]، لأن من طبيعة الكتاب المقدس أن يُنشأ إيمان حي عديم الرياء يسكن في القلب بالتعليم (بحسب المعنى الذي رأيناه وشرحناه سابقاً) |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
المحبة للكتاب المقدس |
سلسلة الكتاب العظيم - مجىء العروس - إسحق و رفقة - جزء 5 |
تابع سلسلة مدخل عام للكتاب المقدس - الجزء الثاني |
سلسلة مدخل عام للكتاب المقدس - الجزء الأول |
مخطوطات للكتاب المقدس |