|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس مكاريوس الاسكندري * وُلد في الإسكندرية في أوائل القرن الرابع من والدين فقيرين ولهذا اشتغل خبازًا بضع سنين وكان يصنع الفطائر ويبيعها لينفقها في ما يحتاج ولما كان الله قد انتخبه إناء مقدسًا له لبث بين الموعوظين الغير المعمدين ثلاثين سنة. إلا أنه بعد ما اعتمد وتقوى بالنعمة لم تطب له عيشة أهل العالم فكان يتوق إلى سماع أخبار النساك والسياح العائشين في البراري والقفار وعزم على الاقتداء بهم قائلًا " إن قيمة نفسي توازى قيمة نفوس أولئك القديسين فلما لا أنسج على منوالهم". * ثم انطلق إلى القديس أنطونيوس وتتلمذ له وترهب بوادي النطرون في أيام الأنبا مكاريوس الكبير وبعد ذلك توجه إلى برية متوحشة وأقام يعبد فيها سبع سنين بغاية التعنف أقتصر في الثلاث السنين الأخيرة على أكل الحشيش والعروق النيئة المُرة. وقد انتهى أخيرًا إلى حد الإمساك فكان لا يأكل إلا مرة في الأسبوع لاعتقاده أن جسده هذا هو عدوه الألد ويقول عنه أنه شريك الشيطان في الإضرار بي فينبغي أن أذله وأُضعفه حتى لا يقوى على محاربتي. * وكان يصرف نهاره في الترتيل وليله في الصلاة وإذا غلب عليه النعاس كان يعذب نفسه بحيث يبقى أيامًا وليالى بدون أن ينام وقد ألزم نفسه بأن لا ينام في كل ليلة أكثر من ساعتين واستمر هكذا طول حياته. ولكنه في صوم الأربعين المقدسة كان يزداد في تقشفه وقد قضى مرة هذا الصوم واقفًا لم يجلس ولم ينم بل كان يصلى واقفًا أم جاثيًا ولم يأكل ولم يشرب إلا في أيام الآحاد. * وذات يوم لسعته نحلة فقتلها ولكنه ندم فيما بعد على قتلها وأراد الشيطان أن يدخل في عقله الأفكار النجسة فمضى وسكن في مكان مملوء بالزنابير لا تقدر الحيوانات أن تسكن فيه خوفًا من لسعاتها فأقام هو فيه ستة أشهر يتحمل لسع الزنابير السامة ولما ترك ذلك المكان كانت هيئته قد تغيرت إلا أنه أنتصر على الأفكار الشريرة. * وبعد كل ذلك الجهاد الطويل لم يكن يشعر بأنه عمل شيئًا يؤهله لنيل الحياة الأبدية وما كان يظن أنه ابتدأ بالسير في طريق الفضيلة ولهذا عزم على الذهاب إلى بعض السياح ليسألهم عن كيفية العبادة الحقيقية ومن ثم قام إلى برية الصعيد وتنكر بلبس أثواب خادم لئلا يعرفه أحد وقصد مجمع القديس باخوميوس بصفته عاميًا يريد أن يترهب فلما رآه رئيس الدير شيخًا منعه لعدم اقتداره على العيشة المتعبة أما هو فألح عليه بدموع ليقبله فقبله ودفع له جانبًا من الخوص لكي يضفره فأنفرد في مكان وظل يشتغل واقف على قدميه ثلاث أيام بلا أكل ولا شرب حتى قال أحد الآباء للقديس باخوميوس "أخرج عنا هذا الرجل لأن ليس له جسد". * أما القديس باخوميوس فقد عرفه بإرشاد إلهي فأستقبله باحتفال عظيم فشق عليه هذا الأمر وخرج من تلك البرية ولجأ إلى مكان فوق جبال نيترياولم يلبث في هذا الموضع طويلًا حتى بلغ خبره إلى البطريرك الإسكندري فأرسل إليه أناسًا أتوا به ورسمه كاهنًا فلما رأى نفسه قد اكتسب درجة كهنوتية أراد أن يزداد في تقشفه واكتساب الكمال فترك كل البراري المعروفة وانفرد في أخوف براري ليبيا التي أطلق عليها فيما بعد اسم برية القلالي نظرًا لكثرة القلالي التي ابتناها القديس هناك لتلاميذه الكثيرين. * وكان قد ألتف حوله أكثر من 5000 راهب ومتوحد فكان يرشدهم ويدفعهم فضلًا عن قيامه بواجبات عبادته الشاقة فكان يصلى في النهار مائة مرة ويقضى أكثر الليل في الصلاة المتوالية. وروى أنه بقى مرة يومين كاملين يصلى دون أن يتوه عقله دقيقة واحدة. أما موضوع تأملاته فما كان إلا يسوع المصلوب. فكان يقطع كل أوقاته بالتأمل في آلامه ويرثى لحال أمه التي كانت واقفة تحت صليبه ولهذا أوصى تلاميذه بإكرامها والتشفع بها. * وقد أتاه يومًا الأنبا بيلاديوس واعترف عليه بأن الأفكار الباطلة تزعجه وبين له ميله لترك رياضات الصلاة فقال له القديس إياك أن تغلب بهذه التجربة الشديدة الخطر وإنى أشير عليك بأن تطيل الصلاة كل ما تبلبلت بتلك الهواجس وإياك أن تنقص منها شيئًا البتة وقل للعدو إن كنت لا أقدر أن أصلى كما يجب فإنى استمر في مخدع الصلاة حبًا بالمسيح. * وكان لهذا القديس قوة إخراج الشياطين بمجرد إشارة الصليب. وقد أتى إليه أحد الكهنة مرة وهو يشكو من آكله مريعة وخر قدامه طالبًا عونه فتحنن عليه القديس وشفاه ثم قال لها إنما أصابك هذا المرض لأنك تجاسرت على أن تقدم ذبيحة القداس الإلهي في حال الخطيئة المميتة ثم أمره أن لا يقدس قبل أن يتوب لله توبة صادقة. * واضطهد فالنص الأريوسى هذا القديس ونفاه مع القديس مكاريوس المصري كما سبق معنا. وحدث بينما كان القديس مسافرًا في النيل مع أثنين من قواد جيش الملك دنا منه أحدهما وقال له طوبى لكم أنتم الذين تستهزؤن بالعالم فأجابه القديس مكاريوس حقًا ما قلت ويا لسوء حظكم أنتم الذين لا تدرون أن العالم يستهزئ بكم. * ولما رجع من منفاه سكن بريته الأولى ثم مات في 6 بشنس سنة 112 ش و391 م. وكان عمره 89 سنة. وقد ذكر بلاديوس الذي عاشر القديس زمانًا مديدًا أنه كان قصير القامة وضعيف المزاج. وله قوانين كثيرة طبعة في باريس سنة 1637 م. ورسالة في نفوس الأبرار بعد الموت طبعة في أوترخت بسويسرا سنة 1696 م. من أقواله: إن كل عبادة اهتمت بها، أكملتها. فجاءت على قلبي شهوة عبادة أخرى: أن أقيم خمسة أيام وفكري ملتصق بالله دون أن ألتفت إلى شيء من اهتمامات هذا الدهر. فعاهدت قلبي ودخلت إلى قلايتي -تلك التي في البرية الجوانية، التي ليست لها طاقة البتة، وليس فيها شيء من النور- لكي ما لا يجدني إنسان ولا يجيء إليَّ أحد، ووقفت على الحصيرة في الخزانة (أي في المحبسة أو في الغرفة الداخلية). وقررت هكذا مع أفكاري قائلًا أحرص ألا تنزل من السماء. لك هناك البطاركة والأنبياء والرسل والتلاميذ وطغمات الملائكة، القوات العلوية والكاربيم والسيرافيم، الآب والابن والروح القدس الثالوث السماوي إله الآلهة وملك الملوك. وتعلق بالصليب، وألتصق بالله الابن والذي في السماء لا تنزل من الفكر القوى. ولما أكلمت هكذا ويومين وليلتين، جعل الشياطين يخبطون ويخدشون بأظفارهم رجليَّ، وتارة يصيرون مثل لهيب نار، واحرقوا كل ما في القلاية حتى الحصيرة التي كانت تحت رجليَّ احرقوها، إلا موضع قدميّ فقط. وظنوا أنه قد احترقت أنا أيضًا وآخر ذلك مضت النار والخيالات. وفى اليوم الخامس لم أقو أن أضبط الفكر بغير تشاغل وبغير اهتمام أهل العالم. فعلمت أيضًا أنه لو اتفق لي أن أكمل هذه الأيام الخمسة، لكان قلبي يتعظم، فلأجل هذا استرحت على اهتمامات العالم في فكرى، لئلا أسقط في كبرياء القلب. وقال إنني تعبت في النسك خمسين سنة، ولم تكن مثل هذه الأيام الخمسة. _____ (*) المراجع: 1- سيرة الثلاث مقارات للقديسين دير السريان 2- تاريخ الكنيسة القس منسى يوحنا |
|