|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصوم في حياتنا LENT IN OUR LIFE * اخذين الأمر بجدية.. TAKING IT SERIOUSLY طالما نتحدث عن تعليم الكنيسة بخصوص الصوم الأربعيني، الذي تسلمناه أساسًا عن طريق الليتورجية، وجب علينا ان نطرح تلك الأسئلة: كيف نطبق هذا التعليم في حياتنا؟ وكيف يصير الصوم حقيقة في وجودنا وواقعنا [صومًا حقيقيًا]؟ وخصوصًا أن هذه الحياة الليتورجية عندما صيغت، وعندما تأسست هذه الخدمات والألحان والترتيبات الطقسية والقوانين الكنسية كانت في عالك يختلف عن الذي نعيش فيه الآن، فقد اختلف نمط الحياة [الحضر - الازدحام - تصارع المعتقدات والطوائف] ومن ثم يصبح سؤالنا واقعيًا بدرجة أكثر، كيف نستطيع في حياتنا اليومي أن نحافظ على تراث الصوم الكبير المقدس، وميراث روحانية الكنيسة؟ فمن الواضح ان كثير من المؤمنين صارت مشاركتهم في عبادة الصوم شيء مهملا، فلم تعد روحًا فاعلة عاملة فينا، ولم نعد نشعر يقوتها وثقلها في حياتنا، وصار فهمنا للصوم سلبيًا حيث اعتبرناه موسم تحدث فيه تغييرات معينة مثل الانقطاع عن اكل اللحم وتحريم المتع العالمية واستبدال طعام بطعام، ويصير السؤال "ما الذي نقدمه في الصوم؟" أم أننا بلغة إيجابية نرى الصوم عبارة عن الوقت الذي نمارس فيه توبة حقيقية وشركة فعالة حية؟ [لا مجرد أحد الزعف، أحد السامرية، جمعة ختام الصوم] فيكون الصوم مجرد ترتيبات جوفاء لأثمر فيها، لقد ركزت الكنيسة في قطع عشية الصوم ان نترنم بالفضائل التي ينبغي أن نسعى لبلوغها فنقول [الصوم والصلاة يخزيان الشيطان والزهد يهزم طغيانه والمحبة أساس البنيان والتواضع يقوى أركانه وان نطلب ملكوت الله، ونعطى صدقة والى آخره]. ويغيب عنَّا أحيانًا أساس الصوم كَمُمَارسة جموعية تستهدف التوبة الجماعية والشركة الجماعية في التعليم والأسرار والأغابي.. في ممارسات يغلب عليها الطابع الروحي لا الطابع الشكلي, حتى لا يفقد الصوم تأثيره على حياتنا, كَطريق للتوبة والتجديد, وهو ما قصدته الكنيسة في تعليمها الليتورجي الروحي, ولابد أنْ يتماشى المفهوم العام عن الصوم عند الشعب مع روح العبادة الصيامية بدون شكليات لِنَعيش الروحيات, أنَّه بالرغم من اعتيادنا الصوم إلاَّ أنَّنا أَضعنا الكثير من تأثيره في حياتنا وجديتها, فَهل آن الأوان أنْ نُعيد اكتشاف الصوم وأنْ نجعله من جديد قوة روحية في واقع وجودنا وكياننا كل يوم؟ بالحب والتوبة والمصالحة والنسك والحشمة والتعفف والصلاح وأعمال الرحمة والخشوع والسجود وقرع الصدر ورفض المشورة الشريرة والجهاد القانوني والتداريب الروحية. لقد جعلت الكنيسة في تقليدها الليتورجي القبطي في الصوم تعاليم توصينا بها لِنَعيشها.. واظبوا على الكنائس واتلوا القراءة ودقوا صدوركم في الصلوات. التوبة مرهم لكل جراح والمحبة تستر كل العيوب. حبوا الأعداء وسامحوا إخوتكم وباركوا مَنْ يشتمكم ولا تقاوموا مَنْ يطردكم. اطلبوا ملكوت الله وبره والباقي كله يزاد لكم ويتم. أعطوا صدقة للمعوزين ولا تسلكوا في الأمور بوجهيْن.. هذه هي التعاليم الليتورجية التي أرادت الكنيسة أنْ توجهها لنا في فترة الصوم الأربعيني لِنَتحلَّى ونتجمَّل بها, وهي تعتمد أساسًا على جديتنا في تناول فعل الصوم, فمهما كانت الصعاب التي نحياها اليوم في ظلّ مجتمعات أكثر تعقيدًا وتشابكًا, فَمَا من مشكلة يمكن أنْ تُشكِّل عقبة حقيقية تجعل الصوم مستحيلًا [الأعذار], إنَّ أصل الفقدان المستمر لِمَغزى الصوم وتأثيره الفعلي في حياتنا يكمُن في أمور أكثر عمقًا من هذا, إنَّه يكمُن في وعينا أو لا وعينا, وفي حصر الإيمان واختزاله،فَيُصبح مجرد ممارسات ورموز وأمور شكلية سطحية تُفقِدَه جديته وفاعليته وبركاته التي تؤثر في حياتنا, تلك التي تجعل للإيمان الحي الاختباري متطلبات وضروريات ينبغي أنْ نلتزم بها ونجاهد من أجلها.. (قانون الصوم). وهذا الانحصار الشكلي في الصوم هو الاختزال الذي أحدثناه عمومًا في حياتنا الأرثوذكسية, فَكَان بمثابة عدوى وعطب أصابنا من الطوائف الأخرى التي راحت تُبدِّل وتُغيِّر وتختصر في العبادات والطقوس بِحِجة جعلها أكثر مواءمة لظروف الإنسان العصري.. فصار هذا الانحصار والشكلية انحرافًا للتسليم [التقليد المسيحي CHRISTIAN TRADITION] بل وخيانة للإيمان المسيحي نفسه وتصغير له. وهو ما تحرص كنيستنا على التمسك به في صلواتها وأصوامها وتدابيرها الروحية التي ألَّفها الروح القدس واختبرها القديسون. إنَّ كل مَنْ تذوق الصلوات وتنعم ببركاتها في أعماقه, وعاش اللحن القبطي المؤثر يستطيع أنْ يُعبِّر ويختبر مشاعر التوبة الصادقة والندم الحقيقي والاستنارة السرية الحادثة في الداخل فيكون صومه طاهرًا بخشوع, صومًا ليس معناه الجوع لكنَّه توبة ورجوع, صومًا نستعيد فيه جدة الحياة ومعناها الإلهي وعمقها المقدس. وفى الواقع إنَّه لَفَخر للأرثوذكسية إذ هي تحفظ تقليدها, حارسة له ولا تساوم مع قياسات الدنيا, إنَّ عظمة ومجد الأرثوذكسية في أنَّها لا تُساق وراء محاولات التعديل حتى تجعل المسيحية سهلة, فالأرثوذكسية هي استقامة الحياة والعقيدة أيضًا, والأرثوبراكسية هي المسيحية العملية, إنَّ مجد الأرثوذكسية لا مجدنا نحن الأرثوذكس يكمُن في ثباتها على التسليم الآبائي, فَلا ينبغي أنْ نُعيد صياغة ليتورجياتنا, حاشا بل نفتخر ونعتز بصلوات آبائنا الذين تلذذوا بترديدها الساعات الطوال دون ملل ولا كلل متذكرين إخوتنا الرهبان في القرون السالفة والحالية, حينئذٍ نكتشف عذوبة الاختبار المسيحي الكنسي ونتعلَّم كيف نعيش مستترين في المسيح ربنا. أمَّا بِخُصوص الصوم لابد أنْ نطرح على أنفسنا الأسئلة الأساسية, لماذا نصوم؟ وما هو الصوم؟ حتى لا نكتفي بالرموز. قد يقنع البعض برمزية الصوم فَيَزعم أنَّ المسيح رب المجد صام عنا, إذن فقدْ قام هو بالمهمة عنَّا, ويزعم البعض أنَّنا لسنا المسيح أو لسنا مسحاء وأعضاء جسده السري, من لحمه ومن عظامه, وإنْ كان هو صام عنَّا ولأجلنا, فكم نكون نحن في أمسّ الاحتياج أنْ نصوم لِنَتشبه به.. وقد انطبعت روح الآباء على صلوات الكنيسة فلا تزال البيعة القبطية تدعونا أثناء الصوم أنْ نُثبت أنظارنا على المسيح ربنا فنقول: [تعالوا وانظروا مخلصنا محب البشر الصالح صنع فعل الصوم مع عظيم تواضعه فوق الجبال العالية بانفراد جسدي, علمنا المسير لكي نسير مثله, وأبطل قوة العدو وحيله وحججه, والمجرب افتضح أمره] {ذوكصولوجية الصوم الكبير} فالصوم جهاد واختبار وتذوق نترجَّى فيه ونتوب (ميطانيا) ونتطهر بالاعتراف ونُخبئ فيه الكلمة (كيريجما) ونخدم فيه (دياكونيًا) ونشهد فيه للمسيح (مارتيريا) حتى نتدرب على الأبدية (الباروسيا) وبعض المجلات الكَنَسية تُظهر طرق إعداد أطعمة شهية, وبدلًا من أنْ تهتم بغذاء الروح راحت تنشغل بشهوة البطن وبألوان وروائح.. وهي كلها أشياء لا تربطنا بالله في حياة جديدة فيه, إنَّما ما يربطنا به هو أنْ نقتفى آثار وعادات وحياة آبائنا القديسين, الذين تميزت ممارستهم بجدية العبادة, فلم تكن عبادتهم مجرد رموز شكلية للصوم بل حياة عملية وفعلية عاشوها ومارسوها, ويكمن الخطر في تصورنا أنْ نعتبر الصوم مجرد نظام من الرموز والعادات, يجعلنا بذلك نبتعد عن عمق معنى الصوم باعتباره جهاد من أجل حياة جديدة, جهاد يفوق مجرد إعداد وجبات وأكلات الصوم, وبدلًا من استنفاذ الهِمَم في الأكل نتحول إلى المشاركة في واقع الفصح الروحي SPIRITUAL REALITY OF EASTER. وهذا يعنى أنَّه إنْ لم تكن الطقوس المتَّبعة خلال التقليد الكنسي وثيقة الصلة بمحتوى المضمون الروحي الشامل الذي أفرزها, فلن نستطيع أنْ نُدرك أو نَعِى أو أنْ نأخذ تلك الطقوس التعبدية مأخذ الجدية, وتبقى الكنيسة وقد فقدت اتصالها الحي, ومن ثَمَّ يضعف سلطانها وقوتها التي تؤثر في حياة المؤمنين.. وبدلًا من أنْ نُحوِّل تراثنا الغنى إلى رموز, علينا أنْ نُترجمه إلى واقعًا حيًا معاشًا في صميم كياننا, وعلى كل واحد منَّا أنْ يشترك في قداسات الصوم وفي رفع بخور باكر, إنَّنا مَدعوُّون لشركة أعمق, أنْ نعيش غِنَى العبادة ونفهمها كحدث روحي حقيقي يرفعنا إلى ما فوق, ولا نحرم أنفسنا من جمال الخدمة الصيامية وعمقها وعونها الروحي الضروري. ولِكَي نأخذ الصوم مأخذ الجدية لابد أنْ نعتبره تحديًا يتطلب استجابة, وقرارًا, وخطة, وجهادًا مستمرًا, ولهذا السبب كما نعلم أعدت الكنيسة وأسَّست أسبوع استعدادًا للصوم الكبير المقدس وأيضًا سبقته بِصَوم يونان.. إنَّه وقت الاستجابة ووقت صنع القرار, ووقت الخطة المدروسة.. وأفضل سبيل لخطة الصوم وأسهلها هو أنْ نتبع خُطى الكنيسة التي لا خلاص لأحد خارجها.. نعيش وِفق خطة البيعة بِحَسب أناجيل آحاد الصوم [الاستعداد التجربة الابن الضال السامرية المخلع المولود أعمى "التناصير" الشعانين]. فهذه الدروس الإنجيلية العملية ليست مجرد حكايات نستمع إليها جالسين مُتثائبين في الكنيسة, ولكنَّها وُضعت لِنَعيشها ونخبئها في قلوبنا ونختبرها على هذا المنوال.. هذه هي حياتي أنا, هذه هي التزاماتي أنا واهتماماتي أنا, فَمَا الابن الضال إلاَّ أنا ومَا السامرية إلاَّ أنا ومَا المولود أعمى إلاَّ أنا.. ، علينا أنْ ننظر إلى الصوم بعمق كتجديد روحي يتطلب جهادًا وانسكابًا وتوبة ودموعًا وسهرًا ومحاسبة للنفس, وقرارًا تصحيحيًا وجهدًا متواصلًا, ولهذا السبب وضعت الكنيسة الترتيب الطقسي لآحاد الصوم الأربعيني, وأفضل الطرق وأسهلها هو أنْ نتبع توجيه الكنيسة الليتورجي. فليس المقصود من هذه القراءات الإنجيلية زيادة كم المعرفة إنَّما الغاية الأساسية منها كما قصدت الكنيسة أنْ نتنقَّى من كل شائبة, فَكَم تمتلئ أفكارنا وعقولنا بكل صنوف الاهتمامات والتوترات والانطباعات, وهذه القراءات الليتورجية ليست مجرد "وصفات للراحة" وكأنَّنا ننظر إلى الصوم من الخارج, بل الحتمي هنا أنَّنا في الفترة التي تسبق الفصح نرى شيئًا يأتينا من الله ذاته كفرصة تغيير وتجديد وتعميق [CHANGE - RENEWAL - DEEPENING] فرصة نعتبر فيها كلامنا كقوة هائلة لها قدسية لابد أنْ تكون للبنيان لأنَّنا سنعطى عنها حساب, فرصة للعطش والجوع للحياة الأفضل لا بروح العالم وكأنَّنا نمارس عادات كَنَسية دون اختبار عمقها والتمتع بغناها مجاهدين حتى الدم ضد الخطية. ولكى يتم هذا الاختبار فينا لابد من المشاركة في الخدمات التعبدية في الصوم ولابد من أنْ يكون هناك قرار وجهاد ومتابعة للعبادة الليتورجية والمشاركة فيها PARTICIPATION IN LENTEN SERVICES في كل صلوات باكر عندما نصلى الطلبات [ارحمنا يا الله ضابط الكل ارحمنا يا الله مخلصنا ارحمنا يا الله ثم ارحمنا ثم نصلى من أجل الأحياء والمرضى والمسافرين والأهوية والمياه وخلاص الناس والمواضع وسلامة العالم والملوك والمسبيين والراقدين ومن أجل الصعائد والقرابين والمتضايقين والموعوظين]. ونتضرع في مرد الابركسيس إلى الله الذي يرفع خطايا الشعب من قبل المحرقات ورائحة البخور على الجبل وهو في نفس الوقت الذبيحة والكاهن وهو العطية والمعطى والموهبة والواهب في آنٍ واحد, بل رئيس الكهنة الأعظم إلى الأبد على طقس ملكي صادق الذي نناديه في لحن [ميغالو].. وكأنَّنا في العبادة نتطلع إلى المسيح قائد موكب نصرتنا وهو على جبل التجربة, يُقدم ذبيحة الصوم لأجلنا وعنَّا, وفي ذات الوقت هو الكاهن الأعظم الذي نقدم إليه وبه كل ذبيحة, وتقودنا العبادة إلى خطوة لاهوتية عميقة فَتُقدم لنا المسيح ككاهن يرفع ذبيحة النسك إلى الأقداس السماوية فهو الذبيحة التي ذُبحت عن خطايا العالم كله وهو الذي يُقدم الذبيحة والكاهن في آنٍ واحد وهذا ما تقصده الكنيسة عندما تقول لحن [ميغالو].. |
|