عجائب المحبة حتى الموت
ما أعجب أنك تعلمت الطاعة مما تألمت به، وإحتملت الصليب مستهينا بالخزى لكي بدمك الخاص تشترى كل ما تحت السماء وتحرر الناس من دين العصيان، وكأنك تقول لنا: "إنى أموت من أجل الجميع بنفسى لأنى جعلت نفسى فدية عن أجساد الجميع، فإن الموت سيموت بموتى". ولم تكن هناك وسيلة أخرى لإبادة ذاك الذي له سلطان الوت ولإبادة الموت نفسه ايضا إلا بأن تبذل نفسك فدية من أجلنا، الواحد من أجل الجميع لأنه فائق للجميع.
ما أعجب ان يموت الحمل الواحد من أجل الجميع لكي يخلص كل القطيع الأرضى لله الآب، الواحد من أجل الجميع لكي يخضع الجميع لله ولكي يربح الجميع، حتى فيما بعد لا يعيش الجميع من أجل أنفسهم بل من أجل الذي مات من أجلهم وقام. فإذ كنا بعد خطاة مباعين للفساد والموت بذل الآب ابنه فدية من أجلنا الواحد من أجل الجميع فيك وأنت أكرم الجميع، الواحد مات من أجل الجميع ليعيش الجميع فيك.
ما أعجب أن تأخذ على عاتقك جميع ضعفات البشرية. وما أعجب حب أبيك الذي من أجل حياة العالم قدم ابنه الخاص وحيد الجنس الذي هو منه حقا، فأى عقل وأى سمع يقدر أن يحد لجة محبتك للبشر التي لا توصف يا الله، فمن أجل تحننك ومحبتك للبشر أخضعت نفسك للآلام والإهانات لكي تبطل الألم، وغلبك تحننك لكي بموتك المحيي تبطل الموت وتتدفق نحونا جميع الخيرات. وما أعجب أنك تألمت خارج المحلة وتأخذ وضعنا لكي تعطينا وضعك، فبخروجك خارج المحلة دفعت الثمن الذي ندخل به نحن "دعى اسمه عجيبا" (أش 9: 6).
ما أعجب أن تحسب مصابا مضروبا من الله ومذلولا، بينما أنت الذي ناديت بالخلاص للناس، فكيف لا تخلص نفسك وأنت منقذ حياتنا من الفساد ومكللنا بالمراحم والرأفات!! وما أعجب أن ينقض هيكل جسدك بينما لا تزول كلمة واحدة من كلامك ولن تزول ولو زالت الأرض والسماء، فلقد كان موتك مرة واحدة بلا تكرار، لأنك لم تمت عن ضعف بل عن قوة الحب الخلاصى الباذل، لكي إذ لا نموت مرة أخرى تهبنا، ونحن نشترك معك في موتك، أن نشاركك قيامتك التي لا يغلبها الموت.
ما أعجب أن تكون لعنة لنتبارك نحن. وما أعجب أن تتعرى لتكسو آدم المفضوح. ما أعجب أن يكون أكليلك من الشوك لتقتلع أشواكنا. ما أعجب أن يبصق عليك بينما أنت جئت لنحتضن البشرية. وما أعجب أن تقبل آلامك لنتبرأ بإتهامك ونحيا بموتك.
وما أعجب دمك الذكى الذي يحفط من الموت الذين يؤمنون بك، فإذا كان دم الخروف الأعجم في القديم قد أعطى خلاصا، أفلا يقدر دمك بالأحرى أكثر كثيرا جدا، وأنت الذي لم تعرف لعنة قد صرت لعنة، وأنت الذي لم تعرف خطية قد صرت خطية لأجلنا لتقدم دمك مهراقا ومعتصرا في كأس خلاصنا. ما أعجب دمك الذي دخلت به مرة واحدة إلى الأقداس فوجدت لنا فداء أبديا. وما أعجب دمك الذي بروح أزلى يطهرنا من الأعمال الميتة. وما أعجب دم نفسك الذي قدست به الشعب لما تألمت خارج المحلة، وبقربانك قربتنا لأبيك وأكملت إلى الأبد المقدسين في دمك المعروف سابقا قبل تأسيس العالم.
ما أعجب الربوبية التي كانت في شكل العبد. وما أعجب المجد الإلهي في الهوان البشرى. وما أعجب الكرامة الملكية في المذلة المتناهية، إلا أنه بينما يراك البعض مجرد شخص منظور، نحن نرى فيك اللوغوس الذي من الله الآب لتمتزج الحياة بالموت، ونحن نؤمن أن لاهوتك لم يفارق ناسوتك لحظة واحدة ولا طرفة عين.
ما أعجب أن يكون المصلوب هو نفسه اللوغوس وحيد الآب والأزلى وغير المائت والواحد من الثالوث،وما أعجب أن يكون صليبك هو عرشك يا الله إلى دهر الدهور. وما أعجب أن يكون ملكك على خشبة يا ملك الكل. وقدوس أنت لأن لا يمكن للموت أن يمسكك وهو لا يعرفك.
ما أعجب أن تأتى بيننا لتقدم ذبيحة نفسك عن الجميع، لأنه كان صروريا أن يوفى الدين الذي استحق على الكل إذ استحقوا الموت بسبب الخطية. وما أعجب أن تسلم جسدك للموت لكي تحرر البشرية كلها من معصيتها القديمة ولتظهر أنك أقوى من الموت بقيامتك بعد أن تممت الموت نيابة عن الجميع لتوفى الدين المستحق عليهم.
ما أعجب أن يكون موتك أصل ورأس ومبدأ الحياة لنا، فذبيحتك وضعت حدا لحكم الموت الذي كان قائما ضدا لنا، ووضعت لنا مبدأ الحياة برجاء القيامة من الأموات الذي أعكيته لنا. وما أعجب أن تقهر الموت وتشهر به على الصليب فلم يعد للموت سلطانا بل قد مات موتاً حقيقياً.
ما أعجب إظهارك لمجد لاهوتك قبل آلامك على جبل طابور، ذلك المجد الذي أدهش تلاميذك، حتى عندما يرونك مصلوبا يفهمون أن آلامك كانت بإختيارك. وما أعجب تجليك وآلامك ودفنك فكلها أفعال إنتصارية مشيئة بقوة لاهوتك.
ما أعجب أن تتعب من ثقل حمل الصليب بينما أنت راحة التعابى والثقيلى الأحمال (مت 11: 28). ما أعجب أن تكون كخروف سيق إلى الذبح بينما أنت راعى إسرائيل بل راعى العالم كله، وكحمل كنت صامتا مع أنك أنت الكلمة. وما أعجب ان ينشق حجاب الهيكل في يوم صلبك لتفتح أبواب السماء السرية.
ما أعجب رائحتك الزكية التي هي موتك، فبذبيحتك ننال القوة لشفاء طبيعتنا وتقويتها، ونتمكن من مقاومة الموت والخطية. إن محبتك العظيمة من نحونا لم تجعلك تطلب أدنى شيء لنفسك من وراء تقديم ذبيحتك، بل كل شيء كان مدبرا لأجلنا ولأجل خلاصنا.
ما أعجب أن تأخذنا كلنا في حضنك على عود الصليب، لأن حبك مع دمك المسفوك وأثار المسامير في يديك وأثار طعنة الحربة في جنبك، يجعلنا حاملين في أجسادنا كل حين إماتتك، لكي تظهر فينا حياتك المجردة من سطوة الموت، ونبلغ في الدهر الآتى إلى أن نصير على مثالك (1يو 3: 2).
ما أعجب أن الآب السماوى تقبل ذبيحتك يا يسوع ليس لأنه كان محتاجا إليها، بل لأنه في تدبيره كان لابد أن يتقدس من خلال بشريتك. ما أعجب أن تدعونا لنفسك من خلال خلاصك العجيب الذي أكملته لمجدك.
ما أعجب صعودك على الصليب، وما أعجب حوادث الصلب وأدواته وظروفه ومناسباته وأقواله وأعماله التي هي صدى تصويرى للنبوات القديمة، فصليبك هو مركز الحياة والموت معا، وصعودك على الصليب هو حكم ببراءة الإنسان إذ لا دينونة الآن على الذين هم فيك يا يسوع المصلوب. وما أعجب خشبة صليبك المحيية التي صارت علامة نصرة وإفتخار (ارتفاع على الصليب ارتفاع بالقيامة وارتفاع بالصعود).