البتولية عند القديس يعقوب السروجي أمَّا القديس يعقوب السروجي فقد تحدَّث في ميمره الثَّامِن والثَّلاثين عن البتولية (اعتمدنا في عرضِنا لفِكْر مارِيعقوب السروجي عن البتولية على ميمره الثَّامِن والثَّلاثين والمنشور في كِتاب ”مواعِظ السروجي“ – مطبعة مصر بالفجالة – 1903م – ص 426: 430) التي يرى أنها طريق مُرتفعة فوق الارتفاع وتحت قدميها كلّ ارتفاعات العالم فهي التي تباهى بها آدم قبل أن يأكُل من الشجرة، وأيضًا في هذه الدرجة المجيدة المُرتفِعة المُمتلِئة حُسنًا عاشت حواء قبل أن تغويها الحيَّة، فالبتولية هي درجة الكمال، وهي تسير مع الملائكة في الأعالي فوق العالم، فهي بجناحاتِها العظيمة ترتفِع فوق العالم ولا تطلُب شيئًا منه، لا تهتم قط ببنين أو بنات بل تُحِب الاسم الحَسَنْ وتفتخِر به... ويرى القديس أنَّ هذا العالم ليس موضِع البتولية بل مكانها بين الملائِكة، أمَّا عن نظرِة القديس للبتولية والزواج فتتضِح من قوله: ”إنَّ مَنْ يثبُت في البتولية هو من الروحانيين، أمَّا الذي يسير في طريق المُتزوجين فهو من القديسين“، ويصِف الإنسان البتول بأنه قائِم مع صفوف الملاك غُبريال، أمَّا المُتزوِج فهو مُتكِأ مع إبراهيم. ويُقدِّم مارِيعقوب العذراء القديسة مريم كأعظم مِثال على البتولية، فقد حَلَّ الله الكلمة في البتول وأعطاها إكليل البتولية وبذا تعلَّمنا أنَّ البتولية هي أعظم طريق ودرب، فليس هناك فضيلة تبلُغ عِظَم البتولية، ورب المجد يسوع عندما اختار أن يحِلْ في بتول أوضح وأعلن أنه يُحِب البتولية. فالبتولية هي زهرة مُرتفِعة في السماء بين الملائِكة، وليس أعلى منها إلاَّ الأزلي الذي صوَّر فيها مِثاله حين خَلَقه، وهي رأس جميع الفضائِل... والبتولية أولًا ورثت شجرة الحياة (حواء وآدم قبل السقوط). البتولية أهِّلِت للفِردوس (بالعذراء مريم). البتولية اتكأت على صدر ابن الله وتعلَّمت منه الأسرار الخفية عن التلاميذ (القديس يوحنَّا الحبيب). البتولية حرَّكت الأرض والسماء (إيليا النبي). البتولية مهِّدت الأرض لبشارة الملكوت (القديس يوحنا المعمدان) وهي عروس الملك المخطوبة له لتفرح معه، ولها ينظُر ويُري حُسنها وبهاءها لملائِكته، فقد تركت الزواج وخُطِبَت إلى غير المائِت لِتُزَفْ إليه هو الخَتَنْ الحقيقي، وعريس البتولية يأتي عندما تنحل السماء والأرض ويقوم الموتى من قبورِهِم. ويُسمع الصوت القائِل ”هوذا العريس قد أقبل فاخرُجنَ للقائِهِ“ حينئذٍ ترفع البتولية رأسها لاستقبال العريس، وفي العُرس تفرح بالعريس المُتكِئ مع القديسين، ويفرح بها العريس لأنها صعدت من الجهاد الصَّالِح البَّار، ويضع لها أكاليل النور البهي المجيد، وهناك تفرح لأنها جازت من العالم وباحتراسها ازدرت به هناك تُسَرْ لأنَّ جوهرتها لم يسرقها اللصوص، هناك تفرح وتتهلَّل سفينتها المُتعبة من الجهاد لأنها لم تتحطَّم بين أمواج العالم الشرير، ففي ذلك العُرس ترتفِع رأس البتولية لأنها كانت تنتظره ولأجله تركت عنها كلّ مسرّة جِسدانية، فمن أجل مجد العُرس الأبدي بغضت كلّ مجد باطِل، ومن أجل فِراش النور الغير ملموس رضيت أن تُبغِض فِراش المُتزوجين.