|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تِذكارات الشهداء وأعيادهم تصنع الكنيسة لشُهدائنا تِذكارات تُعيِّد فيها لهم، لكي تتمثَّل بهم لأنهم امتثلوا بالمسيح الذبيحة الكامِلة، وفيما هي تحتفِل بتذكاراتِهِم تضعهُم أمامها بحسب قول العلاَّمة أوريجانوس ”فلنضع أمامنا السبع الشُّهداء المكابيين وأُمهم“، وفي عِظة للقديس باسيليوس الكبير يقول: ”اُذكروا الشُهداء يا من تمتعتُم برؤياهُم في الأحلام، اُذكُروا الشُهداء يا من حضرتُم وأوقدتُم الشموع هنا ليكونوا لكم عونًا في صلواتكُم، اُذكُروا الشُهداء يا من أخذتُم عونًا لكم في أعمالكُم إذ تطلبونهم بأسمائِهِم، اُذكروا الشُهداء يا من عُدتُم من بعد ضلال، اُذكُروا الشُهداء يا من تعافيتُم من بعد مرض، ويا من أنقِذ أطفالكُم من الموت.. تذكَّروا أعمالهُم واجمعوا مديحكُم جميعًا، واكتُبوا أسماءكُم علنًا في سِجِل فخرِهِم، ووزعوه على بعضكُم، مُخبرين بما يعرفه كل واحد للآخرين“.. لذلك من تقاليد كنيستنا الليتورچية منذ القرون الأولى، الاحتفال بذكرى الشُهداء بالسهر والتسبيح والألحان والصلوات حتى الصباح، ويتضِح ذلك من قول القديس يوحنا فم الذهب لشعبه في إحدى هذه الليالي ”هوذا قد قلبتُم ليلتكُم إلى نهار بقيامكُم طوال الليل ساهرين، فالآن لا تُحوِّلوا النهار إلى ليل بالانحلال والخلاعة“. وتحتفِظ كنيستنا القبطية ليومنا هذا بتِذكارات الشُهداء حسب تقويم الكنيسة والسنكسارcuna[arion، فتُقيم لهم الأعياد والتِذكارات بالسهر والتعييد والتماجيد والقُدَّاسات الإلهية، ونوال بركِة مواضِعهُم كما كان منذ شهادِة يوستين المُدافِع سنة 165 م. وهذا يكون من جيل إلى جيل. كما وتُقيم الكنيسةالأغابي بعد القداس احتفالًا وتوقيرًا لهم، وقنَّن البابا أثناسيوس الرسولي تِذكارات الشُهداء، قانون 91: ”ومن أجل الشُهداء، فلتكُن أعيادهُم باحتفاظ عظيم وترتيب عظيم، تُعمل لهم اجتماعات ويُقيم الشعب الليل كله في المزامير والصلوات والقراءات“. وعن تأثير وفاعِلِيِة أعياد الشُهداء وبركات تذكاراتِهِم يقول القديس فم الذهب ”إنَّ تِذكار الشُهداء يُؤثِّر تأثيرًا مُذهِلًا على أفكار الشعب، لأنه يُشدِّدهُم ضد مُحاربات إبليس ويُحصِّنهُم إزاء الأفكار والتصورات الشريرة ويهِبهُم هدوءًا نفسيًا كبيرًا“. وعن كيفية الاحتفال بتِذكار الشُهداء يُؤكِد العلاَّمة ترتليان على حِرص الكنيسة على إقامِة الافخارستيا في يوم ذِكرى استشهادهُم الذي هو ميلادهُم الجديد للحياة السعيدة، فموت الشهيد هو في الحقيقة ليس موتًا بل حياة أبدية، ولهذا احتمل كل عذاب واحتقر الموت. كذلك ذكر المُؤرِخ ثيؤدوريت كيف كانت احتفالات الكنيسة الأولى بأعياد الشُهداء وتِذكاراتِهِم الوقورة بالألحان والتراتيل السمائية والعِظات المُقدسة والصلوات والدموع. وأورد أيضًا المُؤرِخ يوسابيوس القيصري عن بوليكاربوس الشهيد سنة 168 م. فيقول: لقد اعتزموا بمشيئة الله أن يجتمعوا حول قبره ليُعيِّدوا لميلاده (أي يوم استشهاده) بفرح وتهليل لتكريم آلامه ليكون ذلك نموذجًا للأجيال المُقبِلة. وتعييدنا للشُّهداء ليس تفضُّلًا منَّا على الشُهداء، لأنهم مُكرَّمون في الكنيسة ويتطلعون إلينا من حامِل الأيقونات بعد أن اشتروا أماكِنهُم بالدم وفي تمجيدنا للشُّهداء بالتسبيح والذكصولوجيات والقِراءات والألحان إنما نُمجِّد إيمانهُم ومحبتهُم للمسيح، ونُمجِّد أمانتهُم حتى الدم نفتخِر بها ونحتفِل ونُعيِّد لأجلها. لقد أمر القديس باسيليوس الكبير بكل حزم أن يتجمع الناس في أماكِن أجساد الشُّهداء بهدف الصلاة والاحتفال بذكراهُم وأخذ بركاتهُم بعد أن انتقلوا للفردوس. وللقديس باسيليوس عِظات كثيرة في تِذكار الشُهداء، مثل الشهيدة چوليتا Julitta (يوليطا) سنة 306 م، والشهيد بارلام Barlaam الذي يقول عنه ”إنَّ النار امتحنته، وأشعلت يده، لكنها ظلَّت ثابِتة!!“. ووجَّه القديس باسيليوس نِداءًا إلى الفنانين الذين اعتادوا أن يسجِّلوا بألوانهُم مِثل هذه المشاهِد العظيمة: ”هلُمُّوا يا من ترسِمون معارِك الشُهداء، هيا زيِّنوا بفنكُم وجه هذا الضابِط الذي في جيشنا، لم أستطيع أنا سوى أن أرسِم صور باهِتة لهذا الشهيد المُكلَّل والبطل المُتوج... هيا أنتُم، استخدموا كل مهارتكُم وكل ألوانكُم لإكرامه“. وذَكَر القديس في عِظة أخرى عن الشهيد چورديوس، يقول: ”وصدر الأمر، أين السِياط؟ ليمُد جسده على العجلة... احضروا أدوات التعذيب، أعِدُّوا الوحوش، النار، السيف، الصليب...، كم هو امتياز (چورديوس) فلن نقدِر أن نُميته سوى مرَّة واحدة، أجاب (چورديوس): لا، أنه لأمر مُحزِن لي أنني لن أقدِر أن أموت من أجل المسيح مرَّات ومرَّات!! واجتمعت كل المدينة في بُقعة الاستشهاد.. ولَفَظ (چورديوس) آخر كلِماته: ”دعوني أستبدِل الأرض بالسماء“.. وتقدَّم دون أن يتغيَّر لونه أو تتبدَّل قَسَمَات وجهه الفَرِحَة وكأنه لا يتقدَّم لمُقابلة قاتِلِيه بل ليُسلِّم نفسه بين أيدي الملائِكة“.. |
|