|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فترة الحرب الصليبية بدأت الحرب الصليبية الأولى (1096-1099) في أواخر الدولة الفاطمية. تعتبر هذه الفترة من أسوأ الفترات التي عاشها الأقباط، هي وفترة السلاطين المماليك. يمكننا توضيح موقف الأقباط وحالهم أثناء الحروب الصليبية في النقاط التالية:1- نجح الراهب الإيطالي بطرس الناسك في إثارة ملوك أوروبا وأمرائها للقيام بحملة تحت اسم "الصليب" بدعوى تخليص الأراضي المقدسة من أيدي المسلمين، فتجمعت جيوش البارونات المسلحة كانوا فرسانا مدربين بلغ عددهم قرابة نصف مليون، لكن كان ينقصهم وحدة القيادة ودراسة ظروف البلاد التي يهاجمونها وطبيعتها مع عدم درايتهم بالدبلوماسية... هذا مع وجود مطامع شخصية فقد ظن أشراف أوروبا أنهم يصيرون ولاة على مدن الشرق الغنية بخيراتها تحت ستار الدفاع عن الأماكن المقدسة. كان الكسيس إمبراطور القسطنطينية يظن أن هذه الحملات تدعم ملكه، وكان الخليفة الأفضل هو أيضًا يحسبها تقية من الزحف السلجوقى (قبائل تركمانية تتارية)... لكن سرعان ما اكتشف الاثنان خطأهما. أما بالنسبة للأقباط فكانوا ضحية هذه الحملات... فمن ناحية كان المسلمون يرون المعتدين حاملين الصليب على صدورهم فظنوا أن الأقباط يتعاطفون مع هؤلاء الأوروبيين النازحين، خاصة وأن الأقباط كانوا قد سقطوا تحت ثقل جزية مبالغ منها في دلك الحين؛ ومن الناحية الأخرى كان اللاتين يتطلعون إلى الأقباط أصحاب الطبيعة الواحدة أنهم منشقون وخوارج، أشر من الهراطقة. لذلك عندما أحتل الصليبيون القدس منعوا الأقباط من الحج إلى هذه المدينة بدعوى أنهم ملحدون يقول بأن أحد مؤرخي الأقباط شكى من هذه المعاملة قائلا بأنه لم يكن حزن الأقباط بأقل من المسلمين، كما قال "بأي حق يمنع النصارى الأقباط من الحج إلى القدس أو الاقتراب من المدينة؟ إن الصليبين يكرهوننا كما لو كنا قد ضللنا عن الإيمان القويم (1)". من جانب آخر قان الحروب الصليبية (حروب الفرنجة) أرهقت كاهل البلاد، فزادت النفقات جدًا، وبالتالي صارت الحاجة إلى زيادة الضرائب خاصة على الأقباط ملحة، وبلغت الجزية التي يدفعها البابا عند سيامته ما بين 3000 و6000 دينارًا، كما صار الأراخنة يخشون رفض الخليفة اعتماد البابا. في هذا الو الصعب كان يمكن بسهولة الوشاية لدى الخليفة بأن الأقباط يجمعون إيرادات الكنيسة ويقدمونها لمعاونة الإفرنج. 2- بعد عقد معاهدة بين شاور والى مصر وبين الإفرنج، نكث كلاهما بوعده، زحف أمالريك ملك أورشليم اللاتيني بجيشه لغزو مصر، وإذ دخل بلبيس قتل كل من بها حتى الأطفال والنساء، قتل المسلم والمسيحي، وإذ شعر شاور بالخطر يحدق به، فألقى بعشرين ألف برميل قار على مدينة الفسطاط، عاصمة مصر لمدة ثلاثة قرون، وألهب رجاله النار بعشرة ألاف مشعل، وبقيت النار مشتعلة 54 يوما. وكان غالبيتهم من الأقباط، فقدوا كل ما لديهم.. وشعر المصريون ككل أن عاصمتهم ذهبت ضحية خيانة الإفرنج وشاور، فانضم الكثيرون إلى شيركوه... واستطاع شيركوه وصلاح الدين الأيوبى (ابن أخيه) أن يحطموا شاور ورجاله ويغتصبوا قصره في يومين. لقد أدرك شيركوه خلال هذا الحريق أن الإفرنج لا يميزون بين مسلم وقبطي، وأن كثيرين من الأقباط استشهدوا على أيدي الإفرنج، كما حرقت كنائسهم، لكنه لم يلن. 3- في الفترة ما بين نهاية العصر الفاطمي وبداية الحكم الأيوبي. ساد التوتر البلاد، وحل بمصر مجاعات، وطرد الأقباط من وظائفهم، وحرموا من ركوب الخيل، وألزموا بارتداء ثياب معينة، ووضعت عليهم جزية فوق طاقتهم، حتى اضطر البعض في صعيد مصر أن يصيروا عبيدا لكي يعيشوا، واضطر كثيرون إلى إنكار الإيمان. في هذه الآونة صدر الأمر بهدم الكنيسة المرقسية بحجة أن الصليبيين يمكنهم أن يحتموا فيها عند نزولهم إلى الإسكندرية، وكانت أية في الضخامة والفن، عرض الأقباط أن يدفعوا 2000 دينارا لإنقاذها ولم يسمع لهم. في سنة 1173 م. قامت حملة ضد النوبة، فهدم دير القديس سمعان بالقرب من أسوان وكنيسة بالقرب من ابريم، وألقى القبض على قاطنة الأديرة من بينهم الأسقف القبطي حيث بيعوا في سوق العبيد وعمّ التخريب مدينة قفط بصعيد مصر حيث تساوت بالأرض تماما (2). 4- اتسم عهد صلاح الدين الأيوبي بالاستقرار والعدالة مع الكرم والسخاء فأحبه المصريون جميعا، الأقباط والمسلمون، وأخلصوا له، وقد شعر الأقباط في عهده بالطمأنينة. للأسباب التالية: أ- وجوده أوقف حركة الفوضى والتخريب التي سادت في أواخر العصر الفاطمي. ب- ألغى الضرائب الهلالية العديدة التي أعدها آخر خلفاء الفاطميين. ج- إن كان في أول يوم من تعيينه وزيرا بواسطة الخليفة العاضد بدلًا من شيركوه أصدر أمرا فيه يحرم على المسيحيين شغل وظائف الدولة، لكنه أدرك ما للأقباط من كفاءة وقدرة وأنهم لا يمثلوا خطرا بالنسبة لرغبته كزعيم أو للمسلمين في الشرف الأوسط لهذا اتخذ لنفسه كاتبا قبطيا هو الشيخ الرئيس صفى الدولة ابن أبى المعالي، الذي صار يخدم صلاح الدين إلى يوم وفاته (3)، وكان له أصدقاء أقباط، وأعاد القبط إلى العمل في الدواوين الحكومية كما رد لهم ممتلكاتهم المصادرة. هذا ما دفع بعض المؤرخين إلى القول بأن طرده للأقباط في بداية عهده كان يمثل حركة تطهير ضد الفاطميين أكثر منها كراهية للقبط. هذا وقد شعر بأن المسيحيين الشرقيين على وجه العموم هم الذين مكنوه من استلام القدس بإلحاحهم على الصليبيين بتسليمها. هذا وقد رافقه عدد ليس بقليل من القبط في حملته على الأراضي المقدسة بوصفهم كتبة وعمالا وفنيين، لذا وهبهم "دير السلطان" وسمح لهم بالحج إلى الأراضي المقدسة بعد أن منعهم الصليبيون. د- قام المهندسان القبطيان أبو منصور وأبو مشكور ببناء قلعته على جبل المقطم، التي جعلها المقر الرسمي للحكومة، بقيت مقرا للحكومة حتى سنة 1874 م. حيث بنى إسماعيل قصر عابدين... كما قدم الأقباط أعمالا فنية رائعي في كل جوانب الفن... يسندهم في ذلك ما نالوه من طمأنينة وإن كانوا لم ينالوا ذات الامتيازات التي تمتعوا بها في عهد الفاطميين. 5- مع ما اتسم به الأيوبيون الآخرون من سماحة، لكن كان للحملتين الصليبيتين اللتين شناها جاندى بريين والملك لويس التاسع الآثار المرة على حياة الأقباط، فمن جانت عامل الصليبيون الأقباط كملحدين فعندما احتلت الحملة الأولى في دمياط أقاموا من كنيسة روما اللاتينية مطرانا. واستباح الصليبيون قتل الأقباط أيا كان جنسهم أو سنهم. وفى نفس الوقت عندما بلغت الحملة إلى شواطئ دمياط حدثت اضطرابات عنيفة في القاهرة إذ ظن العامة أن الأقباط سيتواطئون مع الصليبين... الأمر الذي يشهد له المؤرخون الغربيون والشرقيون أنه لم يحدث قط (4). خلال هذه الاضطرابات ضغط الديوان على الأقباط لدفع مبالغ باهظة للحرب، حتى من رجال الدين. وعندما انطلق الجنود من القاهرة إلى دمياط حملوا كل كراهية ضد الصليبيين، وانتقموا منهم بنهب الكنائس التي في طريقهم وتخريبها وكان من شدة الضيق أن اضطر بعض الأقباط إلى الهروب فصرح النجاشي لابيليلا باستقبال عشرة ألاف قبطي (5). إذ استرد الملك الكامل دمياط أدرك حقيقة موقف الأقباط، فقربهم إليه ورد لهم ما سلب منهم، وزار أديرة برية شيهيت مع حاشيته، فسادت المودة بين الأقباط والمسلمين، كان المسلمون يقدرون الأقباط فدعوا حنين بن اسحق "رأس أطباء عصره". 6- في عهد السلاطين المماليك، وهم أسرة حاكمة بدأت سنة 1250 م.، كانوا عبيدا وتحرروا، في حروبهم فيما بينهم كانت الاغتيالات تلاحقها اغتيالات، غير أن وحدتهم صارت حقيقة واقعة عند مواجهتهم لعدو مشترك (6). لم يكن السلاطين المماليك والأتراك يخشون قيام أية حركة ثورية من جهة الأقباط، ولعل هذا الإحساس جاء نتيجة الخبرة الطويلة منذ بدء الحروب الصليبية تأكد الكل أن الأقباط محبون للسلام، لم يستغلوا قط الحملات الصليبية ولا تعاطفوا مع الغربيين ضد إخوانهم المسلمين بمصر. كان كل ما يهم هؤلاء السلاطين هو استغلال إمكانيات الأقباط الغنية والإدارية والمالية. فقد عرف هذا العصر بالفقر المدقع والفوضى مع الدخول في حروب مما أرهق ميزانية الدولة، لهذا كان السلطان يلجأ أحيانا إلى قبطي محنك لتدبير الجانب المالي وجمع الضرائب، وفى نفس الوقت يلجأ إلى اغتصاب أموال الأقباط. لقد وجد بعض السلاطين المعتدلين مثل السلطان قلاوون وابنه الأشرف خليل الذين أعادا الأقباط إلى وظائفهم بعدما عزلاهم... لكن هذا العصر في مجمله يعتبر نكبة على مصر كلها وعلى الأقباط بوجه خاص. فعاش الأقباط في عزلة تامة عن العالم. وكان ملوك إثيوبيا من وقت إلى آخر يضطرون إلى التهديد لعل السلاطين يعودون إلى شيء من التسامح. يرى المؤرخ المسلم المقريزى وأيضًا المؤرخ القبطي المفضل بن أبى الفاضل كيف جمع عدد غفير جدًا من الأقباط عند القلعة لحرقهم جميعا وذلك في عهد بيبرس، سنة 1265 م.، وبعد جهد وافق السلطان على قبول جزية ضخمة منهم. وفى سنة 1301 زار مصر وزير مغربي وكان الأقباط قد استراحوا فحرض الوزير الملك الظاهر محمد بن قلاوون على إذلال الأقباط، بغلق كنائسهم وإلزامهم ارتداء عمائم زرقاء وشد زنانير في أوساطهم. أما عام 1320 م. فكان من أسوأ الأعوام التي عاشها الأقباط، إذ يروى لنا المؤرخ المسلم المقريزي في مرارة كيف هدمت الكنائس وقتل العابدون فها. وكيف تعبأ الجو العام في القطر كله ضد الأقباط... فتحولت كل طاقات البلاد لإذلالهم بكل صورة، تحدث المقريزي بالتفصيل بلغة الأسى على ما يحدث. في عهد الناصر محمد بن قلاوون أرسلت حكومة أراجون (بأسبانيا) وفدا إلى السلطان ترجوه أن يصدر أمرا بفتح كنائس الملكيين وأن يفك أسر أسباني محتجز بمصر، فوافق على الطلبين، لكنه عاد فطلب جزية عن الأسير وألا يعود في أسره قبل خروجه من الإسكندرية. لكن الوفد رفض دفع الجزية بل وأمسكوا برسله ونقلوهم فسرا إلى أسبانيا... فثار السلطان وحرض حاشيته الشعب على مضاعفة بطشهم بالأقباط وطردهم من الوظائف لأنهم يشاركون الأسبان مسيحيتهم. جاء ابن الملك الصالح الثاني. وكان متعسفا للغاية، ليس فقط على الأقباط المتمسكين بإيمانهم وإنما حتى على من جحد إيمانه أيضًا. فقد أقام الصاحب علاء الدين بن زنبق وزيرا الذي أسلم هو وكل عائلته، لكن قيل للملك أن إسلامه صوري، فقام بتعذيبه هو وأسرته وخدمه حتى عرف مكان أمواله فاستولى عليها ثم نفاه إلى قوص. كما قام بهدم الكنائس وبعض الأديرة وصادر جميع ممتلكات الكنيسة. كما قام بتعذيب البابا مرقس الرابع وسجنه، وأصدر أمرا لكل الولاة بطرد الأقباط من وظائفهم. تدخل ملك النوبة حتى أخرج البابا من السجن. في سنة 1365، في عهد البابا يؤنس العاشر اغتصب الصليبيون ممتلكات المسلمين والأقباط، فاضطرت ابنة كاهن يدعى جرجس بن فاضل أن تقدم كل ممتلكاتها لتفتدى الكنيسة، وقامت السلطات باقتياد البابا إلى المحكمة حيث تعرض هو ورفقاؤه لإهانات بالغة، وصودرت ممتلكاتهم. هكذا مع كل هجوم من جانب الإفرنج يزداد ثقل البطش بالأقباط، ففي عهد الأنبا متاؤوس الأول قام الإفرنج بحملة على الإسكندرية حيث نهبوا وسلبوا كما سبوا بعض النسوة ثم هربوا. ثار الأمير يلبغا على الأقباط، فألقى القبض على رئيس دير الأنبا أنطونيوس وعددا من الرهبان ليسوقهم إلى القاهرة. وفى الطريق كان يضربهم ويهينهم، ولم يسمح لهم بطعام أو شراب، ولما طلبوا منه قليل من ماء جاء يسخر بهم متشامخًا. إذ كان بينهم القديس مرقس الأنطوني. وهو شيخ مسن، رفع عينيه نحو السماء وقال: "ما دمت ترفض أن تعطينا ماء فالله سيرويننا من يده". وما كاد ينتهي من كلماته حتى صار سيل مياه تمطره السماء، فتوقف الكل وشرب الرهبان، ومع هذا لم يلن قلب يلبغا. إذ بلغوا أطفيح كان السلطان قد أصدر أمره بتركهم (7). أما السلطان برقوق فكان يثق في البابا متاؤس الأول، قيل أنه استشاره قبل قبول السلطنة؛ كانت العلاقة بينهما طيبة، لذا طلب السلطان منه أن يتوسط لدى الملك داود بإثيوبيا. وعندما ثار العوام لحرق كنيسة المعلقة وأيضا دير شهران بدعوى وجود تجديد بهما أرسل السلطان قضاة الإسلام الأربعة الذين أثبتوا بهتان الدعوى. في نهاية هذه الفترة إذ ساءت العلاقة بين مصر والحبشة، صار من المتعذر على بابا الإسكندرية أن يرسم مطرانا على أثيوبيا، فأشار البرتغاليون على ملك أثيوبيا أن يطلب من الحبر الروماني ذلك، فرسم طبيبا في الجيش يدعى بوزبار موداز ودعاه "بطريرك الإسكندرية"... انشغل المماليك في نهاية عصرهم بحروب خارجية وبمنازعات داخلية فيما بينهم وجهت أنظارهم بعيدا عن الأقباط. وقد استراحوا مع بقية أخوتهم في عصر قلنصوة الغورى. من الأحداث الكنسية الهامة في هذه الفترة، أنه بعد مرور حوالي عشرة قرون على مجمع خلقيدونية وجدت محاولة للوحدة بين روما من ناحية الأقباط والأثيوبيين من ناحية أخرى، وذلك في مجمع فلورنسا سنة 1438 / 1439 م.، نشرت الوحدة لكنها بقيت متوقفة تمامًا. أقيمت محاولة أخرى في القرن السادس عشر وكان بيان الوحدة معدا للتوقيع غير أن البابا البطريرك يؤنس الرابع عشر (1571-1586 م.) تنيح في الليلة السابقة للتوقيع. ألقى القبط على مندوب روما واتهم أنه جاسوس أجنبي، ودفعت روما عنه فدية لإطلاق سراحه، وتمكينه من العودة إلى بلاده. ____________ 2- إيريس حبيب المصري قصة الكنيسة القبطية، ك 3، بند 160. 3- يعقوب نخلة روفيلة. تاريخ الأمة القبطية، 1899، ص 176. 4- د. عبد العزيز مرزوق الناصر محمد بن قلوون، ص 13. جاك تاجر، ص 168 7- إيريس حبيب المصري. ك 3، بند 286. |
|