القديس مرقس مؤسس الكنيسة المصرية القبطية
يعتز الأقباط برسولية كنيستهم، هذه الكنيسة التي أسسها القديس مرقس أحد السبعين رسولًا (مر10:10) وأحد الإنجيليين الأربعة. يتطلع إليه الأقباط باعتباره أول حلقة في سلسلة البطاركة الـ117 دون انقطاع، ولكونه على رأس فيض الشهداء (3).
هذه الرسولية لا تقوم فقط على تأسيس الكنيسة وإنما أيضا على مثابرة كنيستنا في الحفاظ على ذات الإيمان الذي سلمه الرسل وخلفاؤهم الآباء القديسون.
حياة القديس مرقس
مواطن أفريقي من والدين يهوديين ينتميان لسبط لاوي (4). عاشت أسرته في قيروان حتى هجم عليهما البربر وفقدا ممتلكاتهما، فانتقلوا إلى أورشليم ومعهما طفلهما يوحنا مرقس (أى 12: 13 و25؛ و15:37). واضح أنه تلقى قسطا كبيرا من التعليم، فصار يجيد التحدث باليونانية واللاتينية إلى جانب العبرانية.
كانت أسرته متدينة للغاية، ملتصقة جدا بيسوع المسيح. من أقاربه القديس برنابا ابن عمه، والقديس بطرس. لعبت والدته مريوم دورًا هامًا في الأيام الأولى في كنيسة أورشليم (5). كونها هي أول كنيسة مسيحية في العالم، فيها أسس السيد المسيحالافخارستيا المقدسة (مر 14:12-26)، وفيها ظهر الرب للتلاميذ بعد قيامته، وأرسل روحه القدوس عليهم.
التصق الشاب مرقس بالرب، الذي اختاره أحد السبعين رسولا (6). أشير إليه في الكتاب المقدس في بعض الأحداث الخاصة بالرب؛ فقد كان حاضرا في عرس قانا الجليل، وهو الرجل الذي كان حاملًا الجرة حينما ذهب تلميذان ليعدا الموضع للفصح (مر 14: 13 و14 لو 22: 11) وهو ذات الإنسان الذي هرب عريانًا عند الصليب (مر14: 51) (7) لهذا تصر الكنيسة على دعوته: ثيؤريموس أي ناظر الإله، لمنع مغالطات بعض المؤرخين.
القديس مرقس والأسد
يرمز الأسد للقديس مرقس، لسببين:
1- بدأ إنجيله بوصف يوحنا المعمدان كأسد يزأر في البرية (مر 1: 3).
2- قصته الشهيرة التي وصفها القديس سويرس بن المقفع: حدث أن أسدا ولبؤة ظهرا ليوحنا مرقس ووالده ارساليس وهما في الطريق إلى الأردن. ارتعب الأب، وطلب من ابنه أن يهرب ويبقى هو يلاقى مصيره؛ لكن يوحنا مرقس أكد لوالده أن يسوع المسيح ينقذهما، ثم بدأ يصلي، فسقط الوحشان ميتين وآمن الأب بالسيد المسيح، وبعد زمن قليل رقد.
كرازته مع الرسل
في البداية رافق القديس بطرس في رحلاته التبشيرية داخل أورشليم واليهودية. وبعد ذلك رافق القديسين بولس وبرنابا في أول رحلتيهما التبشيرية إلى أنطاكيا وقبرص وأسيا الصغرى. لسبب أو آخر تركهما راجعا إلى بلده (أع 13: 13) في الرحلة الثانية رفض القديس بولس أن يأخذه معه لأنه سبق فقطع الرحلة الأولى ورجع، بسبب هذا انفصل القديس برنابا عن القديس بولس، وذهب الأول إلى قبرص مع ابن عمه مرقس (أع 15: 36-41). هناك رقد في الرب وقام القديس مرقس بدفنه.
بعد ذلك احتاج القديس بولس إلى القديس مرقس وقاما بالكرازة معا في كولوسي (4: 11) وروما (فى 24؛ 2تي 4:11) وربما في فينسيا.
فى أفريقيا
عمل القديس مرقس الحقيقي هو في أفريقيا، فقد ترك روما إلى بنتابوليس (8)، موطن ميلاده. إذ ألقى بذار الإيمان وصنع معجزات كثيرة. سافر إلى مصر عبر الواحات بصحراء ليبيا فصعيد مصر، ثم إلى الإسكندرية، حيث دخلها من الباب الشرقي عام 61م.
عند وصوله تهرأ حذاؤه، فذهب إلى إسكافي يدعى انيانوس. وإذ استخدم الإسكافي مخرازا ثقب يده، فصرخ "يا الله الواحد". تهلل القديس مرقس بهذا، وبعد شفائه لجرحه بطريقة معجزية، تشجع وبدأ يكرز لأول من قبل الإيمان (9). التهبت الشعلة، وأخذ انيانوس الرسول إلى بيته حيث اعتمد هو وأهل بيته وكثيرون تبعوه.
لوحظ نشر المسيحية بهدوء إذ ثار الوثنيون وكانوا يطلبون القديس مرقس في كل موضع. وإذ أحدق به الخطر سام أسقفا (أنيانوس)، وثلاثة كهنة، وسبعة شمامسة لخدمة الجماعة. إن حل به خطر، ترك الإسكندرية إلى برقة، ومنها إلى روما حيث التقى بالقديس بطرس وبولس، وبقى هناك حتى استشهادهما عام 64م.
إذ عاد إلى الإسكندرية (عام 65م)، وجد القديس مرقس أن المسيحيين قد ازداد عددهم جدا. وصاروا قادرين على بناء كنيسة لها اعتبارها فىبوكاليا.
استشهاده
في عام 68م، جاء عيد القيامة في ذات يوم عيد سيرابيس، فاجتمع عامة الوثنيين الثائرين في هيكل سيرابيس بالإسكندرية، وهجموا على المسيحيين ببوكليا، ألقوا القبض على القديس مرقس وحيث ربطوه وصاروا يسحبونه في شوارع المدينة الرئيسية. فكانت الجماهير تصرخ: "ليؤتي بالثور إلى بوكاليا"، حيث كان الموضع صخريا، هناك كانت الثيران تعلف لذبحها للأوثان.
ألقى القديس في السجن عند المساء، حيث تمتع برؤية ملاك يشجعه، قائلا: "لقد جاءت ساعتك يا مرقس، الخادم الصالح، لكى تنال مكافأتك. تشجع، فقد كتب اسمك في سفر الحياة.". وإذ اختفى الملاك شكر القديس مرقس الله الذي أرسل له ملاكه. فجأة ظهر له المخلص نفسه، وقال له" السلام لك يا مرقس تلميذي وإنجيلي". صرخ القديس: "يا ربى يسوع المسيح"، لكن الرؤية اختفت.
فى الصباح، سحب مرة أخرى في المدينة، ربما أثناء موكب الغلبة ليرابيس، حتى تنيح. مزق جسده الملطخ بالدماء، وقد أرادوا حرقه لكن ريحا هبت وأمطارا سقطت بغزارة فتفرقت الجماهير. سرق المسيحيون جسده، ودفنوه سرا في مقبرة نحتت في صخرة تحت مذبح الكنيسة.
وفاته
أثناء الانشقاق الذي حدث بين الأقباط والملكيين (10)، احتفظ الأقباط بالرأس والآخرون بالجسد. وفى عام 644م. تسلل جندي إلى الكنيسة حيث كان الرأس مدفونا، فأخذها إلى سفينة حاسبا إياها كنزا. وإذ أمر عمرو بن العاص (قائد الفرق العربية) أن تترك السفن الإسكندرية بقيت هذه السفينة على الشاطئ لا تتحرك، عندئذ اعترف الجندي بما فعل، فرد عمرو الرأس إلى البابا بنيامين (11).
لم يبق جسد القديس في مصر، إذ سرق ونقل إلى فينيسيا بواسطة تجار إيطاليين. لقد بنوا كاتدرائية عظيمة باسمه هناك، معتبرين أن القديس شفيعهم. وفى عام 1968 قدم البابا بولس السادس جزءا من رفات القديس إلى البابا المصري كيرلس السادس، بقي محفوظا في الكاتدرائية الجديدة بالقاهرة.
أعماله الرسولية
كان القديس مرقس رسولا ذا فكر متسع، فكانت خدمته مثمرة، غطت ميادين كثيرة، ضمت:
+ الكرازة في مصر، بنتابوليس، اليهودية، آسيا الصغرى، ايطاليا، خلالها سام أساقفة وكهنة وشمامسة.
+ أقام مدرسة الإسكندرية، التي دافعت عن المسيحية ضد مدرسة إسكندرية الفلسفية، وقدمت لنا عددا كبيرا من الآباء العظام.
+ كتب ليتورجية الافخارستيا، التي عدلها القديس كيرلس، حاليا تعرف بليتورجيا القديس كيرلس.
+ كتب الإنجيل بحسب مارمرقس.