|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هيبا بطل الرواية أو راهب شيطان د. يوسف زيدان وعزازيله وضع الدكتور زيدان شخصية الراهب هيبا، بطل الرواية، موضع خاص جدًا، كمحرك الرواية والشخصية المحورية فيها الذي تدور من حوله الأحداث ويدير الحوارات ويتكلم طوال الوقت بلسان وفكر د. زيدان ويعبر عما يريد أن يقوله. والذي قال من خلاله كل ما يريد قوله والإساءة به للمسيحية! كما عبر به عن الصورة التي أراد أن يغرسها في ذهن القارئ وهي صورة لمسيحية متعصبة لا وجود لها إلا في خياله! ووضع على لسانه ما أراد أن يشوه به رجال الكنيسة الذين أراد أن يصورهم كقساة متجبرين لا يعرفون للرحمة أو الشفقة معنى فلم يرحموا لا اليهود ولا الوثنيين! وقد صور د. زيدان راهبة كمولود لأب وثني، طيب ومسالم ورحيم، يمثل الخير والحب والجمال، يقوم بصيد السمك لتقديمه لكهنة معبد خنوم الذي يقع عند الطرف الجنوبي لجزيرة الفنتين (فيله) الذين تركهم المؤمنون بديانتهم التي هجرها أهلها وانضموا للمسيحية، بل والمحاصرين من المسيحيين الذين يصورهم بالقتلة والوحوش وسافكي الدماء! وأم مسيحية تتآمر بصورة غير أخلاقية مع أهلها المسيحيين لقتل زوجها! وقد وضعها المؤلف في صورة الشريرة القاسية التي لا تعرف للحب وللرحمة وللعشرة الزوجية معنى! في مشهد يصور القتلة المتوحشين الذين يقتلون بلا رحمة ولا شفقة وهم يهللون بالترنيمة الشهيرة: "المجد ليسوع المسيح، والموت لأعداء الرب"! هذا المشهد الذي علق بذهن هيبا طوال حياته! فيقول د. زيدان بلسان هيبا في حوار متخيل مع نسطور: "لم يكن البوح يوما من صفاتي، ولا الاطمئنان لأحد. غير أني رحت ليلتها، احكي لنسطور عن معبد الإله خنوم الذي يسقبل جريان النيل، عند الطرف الجنوبي من جزيرة الفتنين الواقعة جنوب مصر، بالقرب من أسوان. حكيت له عن المهابة المعتقة والقدسية المبثوثة في إرجاء المعبد وأسواره منذ قرون، وحكيت عن أبي الذي كان يحمل السمك كل يومين، للكهنة الحزانى المتحصنين في المعبد منذ سنين. الكهنة المحصورين، المتحسرين على اندثار ديانتهم، مع انتشار عقيدة المسيح. كان أبي يصحبني في قاربه، كلما زار المعبد ليقدم للكهنة نصف ما علق في شباكه من سمك، خلال اليومين. كنا نذهب للمعبد خفية، وقت الفجر. لم استطع منع ما انفلت من دموعي، حين وصفت له فزعي المهول في ذاك الفجر المروع، يوم كنت في التاسعة من عمري، فقد تربص بنا عوام المسيحيين عند المرسى الجنوبي، القريب من بوابة المعبد. كانوا يختبئون خلف الصخور من قبل رسوّ القارب، ثم هرولوا نحونا كأشباح فرت من قعر الجحيم. قبل أن نفيق من هول منظرهم، كانوا قد وصلوا إلينا من مكمنهم القريب.. سحبوا أبي من قاربه وجروه على الصخور ليقتلوه طعنا بالسكاكين الصدئة التي كانوا يخبئونها تحت ملابسهم الرثة. كنت أزوم متحصنا بانكماشي في زاوية القارب، وكان أبي غير متحصن بشيء يصرخ تحت طعناتهم مستغيثا بالإله الذي كان يؤمن به. كهنة خنوم أفزعتهم الأصوات التي شقت السكون، فاصطفوا بأعلى سور المعبد ينظرون إلى ما يجرى تحتهم بوجل واضطراب.. كانوا يرفعون أيديهم مبتهلين لآلهتهم مستصرخين! ما كانوا يدركون أن الآلهة التي يعبدونها. ماتت منذ زمن بعيد. وان دعاءهم الفزع، لن يسمعه احد.. ولن يجبر أبي من أولئك السفاحين أحدّ.. ولن يدرك عمق عذاباتي من بعد. ذاك الفجر أحدّ. - يا مسكين. وهل اقترب الجهال يومها منك؟ ليتهم قتلوني لأستريح للأبد... نظروا نحوى بعيون ذئاب قد ارتوت، وجاءوا للقارب، فخطفوا مشنة السمك، وقذفوا بها في وجه بوابة المعبد المغلقة بإحكام، ثم حملوا جثة أبي المتهرئة، فالقوا بها فوقها. اختلط دمه ولحمه وأسماكه بتراب الأرض التي ما عادت مقدسة، ثم تملكتهم نشوة الظفر والارتواء، فتصايحوا وقد رفعوا أزرعتهم الملطخة بدم أبي وراحوا وبأيديهم السكاكين الصدئة المضرجة بالدم، يلوحون في وجه الكهنة المذعورين فوق السور.. مضوا من بعد ذلك متهللين مهللين بالترنيمة الشهيرة: المجد ليسوع المسيح والموت لأعداء الرب.. المجد ليسوع المسيح، والموت لأعداء الرب.. المجد ليسوع.."[2]. ويقول أيضًا: "كيف تنمحي الذكريات.. أمي.. كيف ارتضت الزواج بواحد من القتلة، أبي كان رجلا طيبا، لم أره ينهرها يوما، ولم يضربني قط. كان يأخذني ليلقي شباكه في النيل من فوق الصخور البيضاوية، التي يعتقد أنها بيض سماوي مقدس هبط مع ماء النيل، ليحمي الواقف عليه من التماسيح، التي هي أيضا مقدسة. كنت افرح بالأسماك العالقة في شباكه، وكان يفرح لفرحي... لماذا أمعنوا في قتله، علي هذا النحو؟.. يا يسوع المسيح.. إنني اشعر بحرقة قلب العذراء ولوعتها عليك... أحس بعمق عذاباتها، يوم دقوا المسامير في يديك وقدميك المشبوحتين فوق الصليب. فانا مشبوح مثلك فوق صليب الذكريات، وملتاع مثلها بحرقة الفقدان"[3]. ثم يأخذه عمه المسيحي فيصير مسيحيًا. بل ويجعل الرواية تبدأ بمولد هذا الراهب في جنوب مصر سنة 391 ميلادية، وهى نفس السنة التي أُعلنت فيها المسيحية ديانةً رسميةً للإمبراطورية الرومانية، موحيًا بأن تحول الإمبراطورية إلى المسيحية هو تحول إلى العنف والقوة والإرهاب الديني ونبذ الآخر! وهو هنا يتجاهل أكثر من ثلاثمائة سنة من الاضطهاد الدموي الذي قاساه المسيحيون على أيدي اليهود والرومان بلا هوادة والذي استشهد فيه آلاف بل عشرات الآلاف من المسيحيين عبر هذه السنين ودمرت فيه كنائسهم وأحرق فيه الكثير من كتبهم وأرتد فيه الآلاف عن المسيحية بسبب شدة وقسوة هذا الاضطهاد الدموي! كما تجاهل الخلفيات التاريخية والظروف التي أدت لأحداث العنف ولوى عنق الحقيقة وحول المظلوم إلى ظالم والظالم إلى مظلوم! كما سنرى. وينهي أحداث الرواية بمجمع أفسس المسكوني سنة 431م، الذي ناقش أفكار نسطور وحكم عليها بالهرطقة! وكأن هذا المجمع هو سبب انحراف المسيحية وبداية عصور الظلام! والسؤال هنا؛ ما الذي جعل د. زيدان يفعل ذلك؟ هل هو تأثره بالفكر الغربي الإلحادي كما يبدو واضحًا في الكثير من أقواله وما نسبه للمسيحية من أفكار لا أساس لها من الصحة، كما سنبين؟ أم كونه أستاذا للفلسفة الإسلامية، والفلسفة تعتمد بالدرجة الأولى على دراسة أفكار ونظريات الفلاسفة الوضعية في جميع العصور ومن كل المدارس؟ ومع احترامنا للفلسفة والفلاسفة نوضح أن الفلسفة مبنية على فكر بشري، وضعي، والفلاسفة مجموعة من الشيع والمدارس التي لا تتفق مع بعضها البعض إلا في حرية الفكر، فمنها الملحد واللاديني والمادي والوجودي والمؤمن بوحدة الإله والكون والمؤمن بأن للكون إله كلي القدرة دون أن تربطه بدين معين رابطة.. الخ، وفي معظمها ترفض الإعلان والوحي الإلهي، ومن ثم تختلف كثيرًا عن الوحي والإعلان الإلهي، وفي الأغلب ترفضه كلية! وهذا ما يبدو واضحًا أيضا في فكر د. زيدان. أم أنه فعل ذلك مثلما يفعل الذين يشتغلون بالدين المقارن من الإخوة المسلمين؟ وهذا مشكوك فيه، لأنه أعتبر علم الكلام الإسلامي مجرد تطور للاهوت المسيحي وما يسميه، هو، باللاهوت العربي السابق. وتتضح لنا أفكاره ومنهجه وربما عقيدته من خلال حديثه عن شخصية عزازيل بل وشخص الله ذاته وتصويره بأن السعادة والاستمتاع ليس بالتفرغ للعبادة لله أو بتخيل حياة بعد الموت يمكن أن نكافئ فيها، بل في هذه الدنيا! وأن الإنسان يمكن أن يجد ذاته في متع الحياة وخاصة الجنس وممارسة الشهوات الجسدية! هذا على الأقل ما وضعه على لسان بطله هيبا الذي يتكلم بلسانه، بل وما جعله يغرق فيه! فأننا لا نرى أمامنا راهبًا ناسكًا بمفهوم الرهبنة كما يعرفها كل العالم المسيحي، بل راهبًا منحلًا من كل القيود وغارقًا في الجنس والشهوات الجنسية! وكأن الدكتور زيدان يقول لنا؛ أن الزهد الحقيقي والنسك الحقيقي هو الانغماس في الجنس والشهوات الجنسية أكبر وقت ممكن! بل وجعل راهبه بلا أي مقدس يقدسه سوى اللهو والانطلاق لحرية دنيوية بلا قيود! ويقول موقع العربيةنت (15 سبتمبر 2008م) نقلا عن صحيفة أخبار الأدب المصرية، تعليقا على انغماس الراهب في الجنس: "والمشكلة أن هذا الراهب فيه ضعف شديد أمام المرأة، وقد تعرض لتجارب نسائية مرتين، وفشل في المرتين فشلا ذريعتا. كانت تجربته الأولي في الإسكندرية، أمام أوكتافيا، وهي سيدة جميلة من الوثنيين، تعبد إله البحر (بوسيدون)، وقد تنبأت لها العرافة أن رجلها المنتظر سيأتيها من البحر، فراحت تذهب كل يوم إلي البحر لانتظاره، حتى كان اليوم الأول للراهب في الإسكندرية، ونزل إلي البحر، وتوغل فيه، لولا أن وجد امرأة على الشاطئ تشير إليه فانتبه وخرج من البحر ليجدها في انتظاره، وتجد فيه حبيبها المنتظر. يقضي البطل مع أوكتافيا ثلاث ليال سويا، وخلال هذه الفترة يعرف الجنس لأول مرة في حياته، وينسي أنه راهب في البداية، ويفكر في الخروج من الرهبانية في بعض الأحيان، ويسيء الظن بها في بعض الأحيان، ويقرر التمرد، لكنه في كل الأحيان ينتهي بالتراجع أمامها، ولا تنتهي العلاقة بينهما إلا حين تقوم بطرده. وعندما ترك مصر واستقر ببلاد الشام، بدأ الراهب التجربة الثانية مع فتاة مسكينة (مرتا) أعطاها رئيس الدير غرفة خارج الدير لتسكنها مع خالتها، مقابل أن تغني في الكنيسة في أيام الآحاد، وكلف البطل باعتباره شاعرا أن يشرف على تدريبها هي ومجموعة من الأطفال، إلا أنه وقع في هواها وبادلته حبا بحب، ووقع معها في الخطيئة، وصار أسير هواها، وتطور الأمر بسرعة، فقد عرضت عليه (مرتا) أن يتزوجها، وأن يهجرا الدير وحياة الرهبنة ويرحلا إلي مصر معا، فيعمرا بيت أسرته القديم، وتنجب له ذرية تملأ عليهما البيت، إلا أنه في هذه اللحظة تذكر أنه جاء في إنجيل متي الرسول، مكتوب: من يتزوج مطلقة، فهو يزني.. حينئذ كان لابد أن تصفعه مرتا بقولها: نزني؟ وما الذي كان بيننا بالأمس في الكوخ؟ ألم نكن نزني [4]؟". بل أن ما صوره د. زيدان عن عشق الراهب للنساء ولهفته على أن يقضي مع عشيقاته كل أيام حياته يبين لنا وكأن الخلاص الحقيقي، من وجهة نظره، كما صوره من خلال الصراع الداخلي بين الراهب وبين نفسه، عزازيل، هو في اللهو والعبث وممارسة الجنس الذي أفاض في شرحه والذي جعل الراهب يقبل عليه وكأنه أكسير الحياة، بل والجنة التي يجب أن يبقى فيها إلى الأبد! والذي يضعه في حالة تضاد مع الإيمان المسيحي، دون أن يوحي لنا ولو لحظة أنه كسر نذره كراهب أختار أن يعيش حياة البتولية، ودون أن يشعر ولو لحظة واحدة بأنه وقع في خطية الزنا المحرمة في جميع الأديان! بل جعله يقبل على الزنا والجنس المحرم دون تردد، وكأنه آدم الذي يعود إلى الجنة مرة أخرى بالاستمتاع بالجنس المحرم! فعندما يصف علاقته بأوكتافيا خادمة السيد الصقلي، والذي يشرح علاقته بها في 51 صفحة متواصلة[5]، غير الصفحات التي تكلم فيها عن ندمه لأنه خرج من جنتها! يترك نفسه لها تفعل به ما تشاء! بل واستفاض في شرح الأوضاع الجنسية، التي من الصعب جدا أن نضعها هنا! وبعد أن ترك الراهب أوكتافيا مطرودًا من جنتها يتذكر دائما، وخاصة عندما تحل به النوائب والمرتبطة دائما بشخص نسطور، بل ودائما ما يربط بين ما يصوره أنه حدث لنسطور وتفكيره في جنته المفقودة مع أوكتافيا ثم مع مرتا: "الآن.. آه يا أوكتافيا المسكينة.. لو كنت قد صبرت علي قليلا. ولو كنت اعرف ما يخبئه لي الزمان... أو... الآن... أن يدي ترتجفان... أوكتافيا... الحبيبة، المسكينة... ما عدت قادرا علي الكتابة"[6]. بل ويربط علاقاته بالنساء بحبه لنسطور؟! "أي ذكرى مؤلمة بالضرورة. حتى لو كانت من ذكريات اللحظات الهانئة، فتلك أيضا مؤلمة لفواتها.. أود لو خرجت هذه اللحظة إلى حافة سور الدير، وصرخت إلى جهة الشمال حيث حوصر نسطور، وإلى جهة الجنوب حيث غابت مرتا.. ولو صرخت بكل ما في القلب من الم فهل يصل الصوت أم يصل الموت، أم يصلينا الفوات الدائم والأحزان؟"[7]. ويصف أوكتافيا بالتي تضحي بنفسها في محاولة لإنقاذ الفيلسوفة هيباتيا على عكس المسيحيين الذين قتلوها وأحرقوا جثتها! أنه يضع المرأة الوثنية التي يمارس معها الجنس في مقابلة مع المسيحية الأرثوذكسية وتكون هي دائما الأفضل! بل ويضعها كمرادفة لفكر نسطور وآريوس وكل من وصفتهم المسيحية الأرثوذكسية بالهراطقة! وهذا واضح جدا في حديثه عن المرأة الثانية في جنته، التي تكلم عنها في أكثر من عشرين صفحة، والتي يتوق أن لا يفارقها، بل والتي كما يبدو في نهاية الرواية أنه ترك الرهبنة وتخلص منها إلى الأبد ليلحق بها في خمارات حلب! مارتا، والتي يقول في أول حديث عنها: "وفي غمرة تلك الأيام الغائمة، لمحت مرتا لأول مرة. ولم يخطر ببالي يوم رأيتها، أني سوف أحترق بنارها اللاهية"[8]! ويضيف: "مرتا التي ستعصف بكياني"[9]! كما يتذكر دائمًا "أوكتافيا نائمة في ثوبها الحريري الشفاف"[10]! وهذا عكس حياة الراهب الذي يود أن يذوب أو يحترق بنار الحب الإلهي، ولكن راهب الدكتور يوسف زيدان يحترق في نار الشهوة الجنسية اللاهية ولا يجد خلاصه إلا في ترك الرهبنة نهائيًا والذهاب وراء مرتا التي يصف ما تم من علاقة جنسية معها بصورة لا يمكن تدوينها هنا[11]. وكما صور علاقته بأوكتافيا، عشيقته الأولى، بالجنة المفقودة، راح يقول عن علاقته بمرتا، عشيقته الثانية، أنه كان يجب أن يجثو عند قدميها ويموت في أحضانها، فراح يقول: "لم أستطع منع ابتسامتي، فاتسعت ابتسامتها، واشتدت توجهات الروح في عينيها. التفتت ناحيتي بكلها، فالتصق نظري بصدرها. لم أستطع تحويل عيني عن الموضع الذي أود أن أميل برأسي عليه، ولم تنزعج هي من ثبات نظرتي على الموضع المحرم. لعلها أرادت أن تبيح لي هذا الحرم، لتهدئ الأحزان التي تستبد روحي منذ سنين، وتنهى زمن الحرمان... آه لو ملت برأسي على صدرها. كان يجب أن أجثو أمامها، وأضع رأسي بين نهديها، وتضمني إليها، فأخبو فيها وأموت"[12]. بل ويربط د. زيدان دائمًا بين تمنى الراهب لنصرة نسطور وفوزه هو بالانطلاق مع مرتا فيقول: "فربما تأتيك بعد أيام اعتكافك الأربعين، أخبار نصرة نسطور من بعد هزيمته! وربما سترى مرتا مرة ثانية في ثوبها الدمشقي الخلاب، وتأخذها معك يوم رحيلك المنتظر (أي خروجه من الدير والرهبنة بلا عودة)، فتهنأ بها بقية عمرك، ويهدأ قلبك الملتاع"[13]! هذه هي السعادة التي يتوق إليها راهب د. زيدان! والجنة المفقودة التي يتمنى أن لا يفقدها وأن لا يفارقها مرة أخرى، بعد أن فقدها آدم! عبث وجنس ومجون!! ثم يضيف "إنه صوت عزازيل. كان يستعطفني بنداء باطني عميق: لا تفقد مرتا، مثلما فقدت أوكتافيا قبل عشرين عامًا[14]. "أصير هرمًا في الخمسين من العمر، وتصير هي امرأة جميلة في سن الثلاثين تصبو إلى الرجال وترنو إليها العيون الطامعة، وقد تمتد نحوها الأيدي. هل سأقضى معها السنوات الأخيرة من عمري حارسًا لها، منها؟.. هل سينتهي بي الحال حارسًا لامرأة، بعد حياة تقلبت فيها أحوالي، حتى إنني ما عدت أعرف لي وصفًا محددًا: هل أنا طبيب، أم راهب، أم مكرس، أم ضائع، أم مسيحي، أم وثنى"[15]. " في جوف الليل، عادت الأفكار الجامحة لتجتاحني لماذا لا أقوم الآن فأخذ مرتا بعيدًا عنهما؟ أو أترك كل شيء ورائي وارحل إلى أفسس؟ لن يعرفني هناك الرهبان والأساقفة السكندريون سابقا بالقرب من نسطور في محنته، وقد ينقلب الحال لصالحي، حين يصل الإمبراطور والأساقفة المؤيدون له ولسوف ينصره الإمبراطور فهو أسقف عاصمته، سأعود معه إلى القسطنطينية بعد انقضاء هذه المحنه"[16]. " أنت قلق يا هيبا مما فيك لأنك تعرف ما سوف يحدث في أفسس، وتعرف انك ستفقد مرتا، مثلما فقدت من قبل ما كان لك حلم النبوغ في الطب، الأمر في إدراك سر الدين، الغرام بأوكتافيا، الولع بهيباتيا، الاطمئنان بالغفلة، الإيمان بالخرافات.. كان الصوت يأتيني هذه المرة هامسًا، واضح النبرات، ثم صارت ملاح الوجه، أبين اظهر كان يشبهني، وكان الصوت صوتي هذا أنا أخر، غير، محبوس بداخلي لا بأس لو حدثت نفسي قليلا وصارحتها بما يجب السكوت عنه، اشتياقي لمرتا، وخشيتي عليها، وخشيتي منها، وأنا تائه في صحراوات الذات، وغير مستبشر بضربة الأسقف كيرلس المتوقعة في أفسس، فسوف تكون مروعة. كيرلس هو رأس الكنيسة الإسكندرية، المرقسية وكلمات مرقس تعنى ضمن ما تعنيه المطرقة الثقيلة التي نسميها في بلادنا المرزبة". |
|