|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إشراقة المسيّا استقرّت الشمسُ في كبد السماء مُعلنةً عن زمان الدفء لأهالي الإسكندريّة الذين زارهم ليلها القارص البرودة وتركَ آثاره داخل أبدانهم. جلست روحامه بجانب سارة التي بدأت تستفيق وتفتح عينيها بتثاقلٍ. كانت تُداعِبُ شعرها بلمساتِ أمٍّ حانيةٍ وهي تقول: ـ كيف حال صغيرتي اليوم؟ مطّت سارة شفتيها لتُعبِّر عن بقايا ألمٍ قائلةً: أبارك الربّ .. تلفّتت حولها بعينيّها التي تحاول الانفلات من ظلام الأجفان، وقالت: أين أنا؟ ـ نحن في نَزْلِ المحبّة الخاص بالمسيحييّن .. ـ هل ماريا هي التي جاءت بنا إلى هنا؟ ـ لقد رأى بعضهم أنّنا وحدنا وقد غُشي عليك فحملوك وجاءوا بك إلى ههنا وقد سهروا على راحتك طوال الليل. ـ إنّهم أُناسٌ طيبون .. ـ بالفعل فهم ملائكةٌ في ثيابِ بشرٍ. ـ هذا عكس ما سمعناه قبلاً. ـ لقد ضلّلنا الكثيرون ونحن صِغار ليخفوا عنّا الحقيقة .. نظرت روحامه لوجه سارة وقد علت وجهها مِسحةٌ من الفرح والهدوء وهي تقول: سارة .. لقد آمنت أنّ يسوع الناصري هو المسيّا .. أمالت سارة جسدها المُثخنُ بالجراح ممّا سبّب لها ألمًا، بدا على وجهها المُنقبض، وقالت: هل آمنت بتعاليم المسيحييّن لأنّهم آوونا ليلةً عندهم؟!! أجابت روحامه وهي لا تزال تداعب شعرها في حنوٍّ: لا يا حبيبتي، فلقد قضيت طوال النهار، وأنت نائمة، أسمع عن حياة يسوع الناصري وتعاليمه ومعجزاته فوجدت أنّ هذا لا يمكن أن يُحقِّقه بشرٌ مخادعٌ .. لقد آمنت أنّ المسيح جاء بالحبّ للبشريّة، كما وَهَبَ الغفران للجميع دونما تمييز .. صمتت سارة لبُرهة قبل أن تقول: لا أخفيك سِرًّا يا أمّي فلقد لاقيت من ماريا، الفتاة المسيحيّة، حنوًّا لم أعهده في أحدٍ من قبل بالرغم من جفوتي معها ونحن سجينتان. ـ ألم أقل لك .. إنّ الإيمان يا سارة يُختبرُ من خلال الحبّ، وحُبّ المسيحييّن للجميع ليس له مثيل .. نظرت سارة في عينيها نظرة طفل وهي تقول: وماذا عرفتي عن إله المسيحييّن، حدثيني عنه .. بدأت تقصُّ لها روحامه كلّ ما سمعته من الكاهن عن حياة يسوع .. ثمّ قالت لها: حينما تستردّين عافيتك سيبدأ المُعلّم بإرشادنا إلى الحياة المسيحيّة .. ـ ومن هو المُعلِّم؟ ـ يدعونه كليمندس .. بينما كانت روحامه وسارة يتجاذبان أطراف الحديث، انتبهت سارة وإذ بأعينٍ تتفرّس فيها في صمتٍ وأسى، إنّه أبشالوم الذي نهب المدينة نهبًا من شرقها إلى غربها ليُلاقي سارة. حينما رأته حاولت تحويل وجهها وكأنّها نعامةً تضعُ وجهها في التراب آملةً ألاّ يراها الصيّاد وهي خائرة. اقترب من مِرقدها وهو يقول: سارة .. كيف حالك اليوم؟؟ قامت روحامه لتفسح لهما مكانًا للحديث وخرجت من الغرفة. أجابت سارة بوجهٍ خجلٍ وكأنّه قد التفّ بحريرٍ قرمزي: أباركُ الربّ.. قال أبشالوم: لم أعرف بما حدث إلاّ منذ قليل .. لماذا لم تأتي إليّ بعد ما حدث؟؟ ـ لم أستطع أنْ أواجهك بعار ولادتي، فأنا ابنة لـ … ـ أنا لا أهتمّ برَحِمِ الماضي الذي أطلقك إلى الوجود، فأنت لي حاضرٌ طاهرٌ نقيٌّ برئٌ لطالما حلمت به في ليالي غربتي .. ـ إنّ مجتمعنا لا يرحمُ مَنْ هم مثلي؛ إنّهم يَشْهِرون الماضي سيفًا على رقبة كلّ مَنْ يحاول أنْ يتحرّر منه، ليولَد من لحظات الحاضر المفعم بالأمل .. ـ أنا لا أعبأ بأحدٍ .. ـ ولكنّني لا أستطيع أنْ أكون سببًا لطردك من بيت أبيك ومن وسط مُعلّميك ومن بين الحي اليهودي جُملةً. لقد ذُقت مرارة الرفض ولا أحتمل أنْ أُلقي بك في لُجّة هذا المصير القاسي .. ـ دعيني اختار طريقي، وطريقي معك في أي مكان .. ـ أنت لم تعرفُ قسوة ليالي الإسكندريّة على الفقراء وخاصّة اليهود منهم .. دخلت إلى الغرفة فتاةٌ لتطمئن على سارة، وكانت تسألها عن حالها بوجهٍ صبوحٍ ارتسمت عليه ابتسامةٌ كعادة أهل المكان. وحينما اطمأنّت عليها قالت لها: سأُحضِر لك طعام الغذاء بعد نصف الساعة. أومأت سارة إيماءة موافقة مشفوعة بشكرٍ صامت. نظر إليها أبشالوم قائلاً: ولكن ماذا تفعلين في هذا المكان؟ أليس هذا هو نَزْلُ المسيحيّين؟!! حكت له سارة عن كلّ شيءٍ بدءًا بماريا التي عرفتها في السجن وقد كانت تحاول أنْ تُخفِّف من كربها، وكيف كانت تُشجّعها أثناء لسعات السياط القاسيّة، كما أوضحت له كم يعاملونها في المكان بحُبٍّ غامرٍ وكأنّها واحدة منهم، دون أي مقابل. وبدأت تشرح له عن حوارها مع أمّها عن يسوع، المسيّا، الذي جاء ليبذر الحبّ في أرض العالم الجافّة وكيف كان يُلاحقه قادة اليهود ويؤلبون ضدّه جموع الشعب خوفًا على مراكزهم وطموحاتهم الماديّة والسياسيّة .. كانت تحكي بينما كان وجه أبشالوم شاردًا وكأنّه يواجه مُعلّمه الرابي موشى الذي يُلقي عليه بنظرات الغضب لأنّه يسمع عن إله المسيحيّين .. كان يشعر بقلبه يقبل الكلمات إلاّ أنّ عقله الذي تكدّس بافتراءات الرابيّين ضدّ المسيّا وقف حائلاً بينه وبين كلمات سارة. كان كلام سارة يتآلف ويجدل مع نصّ المزمور الثاني والعشرين ونصّ إشعياء شبكةً قد اقتنصته للمسيّا. ما أقسَى الحقيقة التي تُخالفُ قناعاتنا القديمة وتُرسِلُ لنا شعًاعًا ذهبيًّا ليرينا ذبول إيماننا القديم وعقائدنا السابقة. وما أعتَى الصراع مع قوى التقاليد والعادات والاحتفالات الدينيّة والمُسلّمات الإيمانيّة التي تترعرع في مجتمعٍ أُحادي التعليم لا يسمح بصوتٍ للآخر في ساحته. ولعلّ المشاعر التي قد فطرت على صورة المجمع وأصوات الرابيّين ورفقة المدراش وسُكُون السبت ووليمة الفصح هي التي تقود التمرُّد على جِدّة الحياة التي كانت تبنيها النعمة من خلال كلمات سارّة. كان الصراع متأجّجًا ما بين العقل الذي يتحصَّن بالذاكرة التي تُلقي بسهامها على يسوع، وبين نقاوة الحياة ولا محدوديّة القدرة وقوّة التأثير التي لحياة يسوع تلك التي لا يُخطئها بصيرٌ. ـ أبشالوم .. هل تسمعَ ما أقول؟ ـ نعم .. ـ وما لك صامتًا؟؟ ـ لا شيء .. فقط أريد أنْ أسمع عن إيمان المسيحيّين .. ـ إذًا تأتي معنا إلى المُعلِّم .. ـ المُعلِّم!! ـ نعم .. المُعلِّم كليمندس، ولكن قبلها يمكنك أنْ تعرج على الكاهن لتطرح عليه تساؤلاتك وتشكو إليه حيرتك. خرج أبشالوم سائلاً عن مكان الكاهن، وحالما وجده أطلعه عمّا يجيش في صدره من صراعٍ وما يحوم فوق عقلِه من شكوكٍ. فما كان من الكاهن إلاّ أنْ اصطحبه لغرفةٍ صغيرةٍ قد احتوت القليل من البرديّات والرقوق. جذب إحداها وأعطاها لأبشالوم. ـ ما هذا؟؟ ـ إنّه نصٌّ كتبه الشهيد يوستين قبيل استشهاده بعدَّة أعوام يحوي حوارًا مع تريفو اليهودي حول فَهْم النصوص المُقدّسة ومدى مطابقتها لحياة الربّ يسوع كمسيّا حقيقي جاء إلى العالم والعالم لم يعرفه. أخذ أبشالوم البرديّة وخرج خارجًا وجَلَسَ في ركنٍ بدا أنّه يخلو من المارّة. فتحها وبدأ يقرأ حتّى وصل إلى الفقرة التي تقول: ختانكم هو الأوّل وقد أُجري ويعمل أيضًا بالحديد وتبقَى قلوبكم قاسية أمّا ختاننا .. أُجري بأحجارٍ منحوتةٍ؛ أي بالأقوالِ التي وَعَظَ بها الرُسل، ومن حجر الزاوية، ومن الحجر الذي انقطع لا باليدّين. هذا الختانُ ختننا من عبادة الأصنام ومن كلِّ شرٍّ. لقد خُتنت قلوبنا من كلِّ فسادٍ إلى حد أّننا فرحون بأنْ نموت لأجل اسم الحجر الجميل الذي منه ينبع ماءٌ حيٌّ لقلوبِ الذين بواسطته يُحبّون أبَا الكون الذي يروي مَنْ يريدون أنْ يستقوا ماءَ الحياة … |
25 - 04 - 2014, 10:15 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: إشراقة المسيّا
مشاركة جميلة جدا ربنا يبارك حياتك |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
المسيّا وابن الله هو (مر 1: 1-4) |
ام لملك إسرائيل المسيّا المنتظر |
كان محتومًا أن المسيّا يأتي في صورة عبد |
آمن الناس بمجيء المسيّا دون أن يروه |
آمن الناس بمجيء المسيّا دون أن يروه |