"لا تنظرن إلىّ لكوني سوداء، لأن الشمس قد لوّحتني. بنو أمي غضبوا علىّ. جعلوني ناطورة الكروم. أما كرمي فلم أنطره" (نش 1:6) كان حريًا باليهود الذين عرفوا الإله الحيّ أن يكرزوا للأمم بهذا الإله في ظل اليهودية لكن المسيح يوبخهم بقوله "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيين المراؤون لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون.. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تطوفون البحر والبرّ لتكتسبوا دخيلا واحدًا. و متى حصل تصنعونه ابنًا لجهنم أكثر منكم مضاعف" (مت 23:13،15)..
وأود أن أشير هنا إلى ما جاء بمثل الابن الضال بإنجيل معلمنا لوقا (15:1132) فإلى جانب أن هذا المثل يتكلم عن محبة المسيح للخطاة نجد أن الابنان يشيران للعالم في ذلك الوقت الذي كان منقسما إلى يهود وأمم. فالابن الأكبر يشير إلى اليهود لأن معرفتهم لله والوحدانية سابقة لمعرفة الأمم (الابن الأصغر). ونلاحظ كلمات الابن الأكبر حينما عاد. وشعوره من نحو أخيه "فدعا واحد من الغلمان وسأله ما عسى أن يكون فقال له أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن لأنه قبله سالمًا، فغضب ولم يرد أن يدخل"(15:26 28). ثم يأتي حديثه مع أبيه "لما جاء ابنك هذا (ولم يقل أخي) الذي أكل معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المُسمن" هذا بالرغم من أن السيد المسيح لم يذكر أنه أكل معيشته مع الزواني بل "بذر أمواله بعيش مسرف" (15: 13) فهذا يمثل شعور اليهود (الابن الأكبر) من جهة الأمم. وهذا يظهر روح الكبرياء والغطرسة والازدراء. كان خليقًا باليهود المتنصرين أن يسندوا الأمم ويكرزوا لهم بالصليب، لكنهم عوض الكرازة وقفوا يعيرونهم بالسواد وبوضاعة أصلهم وشرورهم السابقة بسبب الوثنية.. أما الأمم فأجابوا بأن سوادهم لم يجبلوا إليه، ولا يرجع إلى أنهم من طينة غير طينة اليهود لكن لأنهم نزلوا تحت الشمس فلوّحتهم!! يقول أوريجانوس "صارت سوداء لأنها نزلت (تحت الشمس)، لكنها حالما بدأت تطلع (نش 8: 5 – من هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها) مستندة على ابن أختها (الذي جاء من نسل داود حسب الجسد) وملتصقة به، ولا تسمح بشيء يفصلها عنه، حتى صارت بيضاء وجميلة. إن سوادها يتبدد تمامًا وتضئ بأشعة النور المحيط بها. هكذا تعتذر كنيسة الأمم لبنات أورشليم (اليهود) عن سوادها قائلة: لا تحسبن يا بنات أورشليم أن السواد الظاهر على وجهي طبيعي، لكن لتفهمن أنه قد حدث بسبب تجاهل شمس العدل (البرّ) لي. فإن "شمس العدل" لم يصوب أشعته علىّ مباشرة، لأنه وجدني غير مستقيمة. أنني شعب الأمم الذي لم يتطلع إلى شمس العدل ولا وقفت أمام الرب.. فأنني إذ لم أومن في القديم اختارك الله ونلت أنت رحمة واهتم بكِ "شمس العدل"، بينما تجاهلني أنا، ولّوحني بسبب عصياني وعدم إيماني. أما الآن فإنك إذ صرتِ غير مؤمنة وعاصية، صار لي رجاء أن يتطلع (شمس العدل) إلىّ أنا فأجد رحمة". إن هذا يوضح ما قاله الرسول بولس "إن القساوة قد حصلت جزئيًا لإسرائيل إلى أن يدخل ملء الأمم.. فأنه كما كنتم أنتم مرة لا تطيعون الله ولكن الآن رحمتم بعصيان هؤلاء" (رو 11: 25، 30) (انظر نص السفر هنا في موقع الأنبا تكلا).. كان الأمم في القديم مثقلين بشمس التجارب، محرومين من شمس العدل (البر)، فأعطيت الفرصة لإسرائيل أن يختاروا وينعم عليهم بالرحمة. أما الآن إذ رفض اليهود المسيح شمس البر وسقطوا تحت العصيان وعدم الإيمان، تمتعت كنيسة الأمم بالمسيح شمس البرّ.. لقد زال عنها سوادها القديم بإشراق شمس البّر عليها. ولم تعد شمس الخطية تقوى عليها كما يقول المرتل "لا تحرقك الشمس بالنهار ولا القمر بالليل" (مز 121: 6).