أسبوع الفصح المقدس - أسبوع البصخة، أسبوع العبور ، وليس أسبوع الآلام
كلمة [ بصخة ] هي كلمة آرامية ، أي عبرية دارجة وأصلها " فصحפֶּסַח ، وقد انتقلت إلى اللغة اليونانية بكلمة πάσχα (بصخة) ، معناها عبور أو تجاوز ، وليس لها أي علاقة للكلمة التي تأتي بمعنى [ الألم أو الآلام ] فالكلمة اليونانية التي تُفيد معنى الألم أو الآلام هي πάσχω (بصخو) ، وكلمة [ بصخو = الألم أو الآلام ] تختلف معناها تمام الاختلاف عن كلمة [ بصخة ] ، وربما حدث هذا التداخل بسبب الكلمة اللاتينية passio والتي تعني الألم والمعاناة Suffering
وكلمة بصخة مرتبطة بذبيحة ، والتي تُسمى [ ذبيحة الفصح ] ، وذبيحة الفصح معناها الذي نستشفه من كلام الله حينما يتكلم عن وليمة الفصح وتقديم الحمل حسب قصده من هذه الكلمة (هو فصح للرب ) ، بمعنى أنه ليس مجرد وليمة عادية للأكل والشرب ، يشترك في أكلها مقدموها ، ولكن هذا الحمل المذبوح يخص الرب الذي سيجتاز في أرض مصر تلك الليلة ، ويضرب كل بكر فيها من الناس والبهائم ؛ ودم هذا الحمل ( فصح الرب ) المرشوش على بيوت بني إسرائيل هو العلامة التي يراها الرب في اجتيازه فيعبر عنهم ويُخلّصهم من ضربة الهلاك والموت . فهو عبور أو فصح للرب الذي نجاهم من الموت وصار سبب حريتهم الدائمة ...
ولنا أن ندقق في معنى لفظة عبور ، لأن كلمة [ فصح = عبور ] ليس أساس معناها العبري مرتبط بكلمة العبور التي نعرفها مثل ما نقول [ وقام وعبر النهر أو حبيبي تحول وعبر ] ولكن لفظة عَبَرَ في كلمة فصح ليس لها نظير آخر في اللغة العبرية بمعنى العبور العادي ، بل تأتي بمعنى منفرد عن باقي المعاني التي تدل على العبور ، لأنها معناها الدقيق حسب أصلها [ يبسط جناحيه فوق ] بغرض الحماية ، مثل الطيور المرفرفة أو الدجاجة التي تُخبئ فراخها تحت جناحيها لتحميهم ، فكلمة فصح ، تعني الستر والحماية كالمبيت تحت الأجنحة المبسوطة ( المفرودة لتغطي ) ، وهذا المعنى نجده عند الرب يسوع حينما قال [ يا أورشليم يا أورشليم ... كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا ] (لوقا13: 34) ، وطبعاً المعنى واضح في ذبيحة الفصح من جهة الاحتماء خلف دم الحمل والأكل منه ، والمعنى هو أن شعب الله تحت حماية أجنحة القدير القهار وغالب كل قوى الشر التي تتبدد من أمام وجهه كالدخان المُشتت أمام أقل ريح تعبر أمامه ، فالله يحرس شعبه [ يعبر الرب الباب ولا يدع المُهلك يدخل ] (خروج12: 23) ، فخلاص شعب إسرائيل في أرض العبودية بدأ في الليلة التي ذُبح فيها خروف الفصح ، واحتموا خلف الأبواب المُلطخة بالدم . فإنها ليلة القضاء والدينونة ، ولكن موت خروف الفصح أعطى المغفرة للشعب ، لأن دم الخروف سترهم من غضب الله المُعلن على الخطايا ، وهكذا كان يوم صليب الرب وآلامه الخلاصية يوم قضاء ودينونة الخطية والقضاء على الإنسان العتيق وحرية وفك وعتق وخلق إنسان جديد يتجدد كل يوم حسب صورة خالقه [ إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه ] (كولوسي3: 9و 10)
+ عموماً – مما سبق – نجد أن لهذا الفصح مكانة خاصة جداً في الكتاب المقدس ، لذلك نجد أن اليهود يحتفلون بهذا العيد تذكاراً خالداً لهم ، يعيدونه في كل الأجيال عيداً للرب وفريضة أبدية لتذكار خلاص الشعب من العبودية في مصر ، وهذا هو أول ذكر لأول عيد يفرضه الرب للاحتفال به فريضة أبدية ، لأنه عيد الحرية ، وهذا العيد ليس بالعيد العادي لأن فيه تطلع إلى الخلاص على يد المسيا الآتي الذي يصنع عهد حرية حقيقي وأبدي ، وهذا ما قاله الرب يسوع فصحنا الحقيقي : " فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً " (يو 8 : 36)
ويشرح القديس أغسطينوس كلمة " فصح – بَصخة " رابطاً بينها وبين حمل الله الذي أنقذنا من سلطان الظلمة وسيادة الموت وعبر بنا إلى سلطان النور وقوة الحياة لملكوت مجد لا يزول ، فيقول : [ " بَصخة " ليست كما يظن البعض – أنها كلمة يونانية الأصل ، ولكنها كلمة عبرية ، ومع ذلك فإنه يوجد توافق شديد في معنى هذه الكلمة في كلتا اللغتين . فمن حيث الكلمة اليونانية παθεν التي تعني : " يتألم " ، فقد اعتقدوا أن كلمة " بَصخة " تعني " التألم " ، كما لو كان الاسم قد أُشتق من الفعل يتألم . ولكن الكلمة في لغتها الأصلية – أي العبرية – بَصخة تعني العبور ، لأن شعب الله كان قد احتفل بالبصخة للمرة الأولى عندما عبروا البحر الأحمر في هروبهم من مصر . والآن تم الرمز النبوي وصار حقيقة عندما سيق المسيح كحمل إلى الذبح ، حتى بدمه المرشوش على قوائم أبوابنا ، أي بإشارة صليبه المرسوم على جباهنا يمكننا أن ننجو من الهلاك الذي ينتظره هذا العالم ، مثل إسرائيل بنجاته من عبودية المصريين وإهلاكهم . وأصح عبور نعمله هو حينما نعبر من تبعية الشيطان إلى المسيح ، ومن هذا العالم غير المستقر إلى ملكوته الثابت إلى الأبد . وهكذا فإننا بكل تأكيد يستحيل علينا أن نعبر إلى الله الدائم إلى الأبد ما لم نترك هذا العالم الزائل .
والرسول في تمجديه لله من أجل هذه النعمة التي أنعم بها علينا يقول : " الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته " ( كو1: 13)
هذا الاسم " بَصخة " الذي تكلمت عنه ، يُطلق عليه باللاتينية Transitus أي عبور ، ويفسرة لنا الإنجيلي المبارك ( يوحنا ) عندما يقول : " أما يسوع قبل عيد الفصح ، وهو عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم ( بَصخة ) إلى الآب " ( يو13: 1 ) . وترون هذا أننا أمام بَصخة وعبور (ينتقل) . فمن أين وإلى أين نعبر ؟ - من هذا العالم إلى الآب . وهكذا أُعطي الرجاء للأعضاء في رأسهم (أي المسيح راس الكنيسة) أنهم بدون أدنى شك سوف يتبعون ذاك الذي عبر أمامهم .
وماذا عن غير المؤمنين الذين انفصلوا تماماً عن هذا الرأس وأعضائه ؟ ألا يعبروا هم أيضاً ، نظراً إلى أنهم لن يبقوا هنا دائماً ؟
إنه من الواضح أنهم سيعبرون ، ولكن هناك عبور من العالم ، وعبور آخر مع العالم ؛ فالعبور إلى الآب شيء ، والعبور إلى العدو شيء آخر . فالمصريون أيضاً عبروا ، ولكنهم لم يعبروا البحر إلى المملكة ؛ بل عبروا في البحر للهلاك ]
ويقول الشهيد يوستين (165م) : [ إن الذين خلصوا من شعب إسرائيل في مصر إنما خلصوا بدم الفصح الذي مسحوا به قوائم أبوابهم وأعتابهم ، لأن الفصح كان المسيح الذي ذُبح في ما بعد !! فكما أن دم الفصح خلَّص الذين كانوا في مصر ، هكذا دم المسيح يحفظ من الموت الذين يؤمنون به . ولكن هل هذا يعني أنه إذا لم تكن هذه العلامة موجوده على الأبواب كان الله يُخطئ في معرفة ( الذين له ) ؟ كلا ، ولكن هذه العلامة كانت استعلاناً مسبقاً عن الخلاص الذي سيتم بدم المسيح الذي به يخلّص جميع الخطاة في كل الأمم عندما يتقبلون الصفح عن خطاياهم ولا يعودون يخطئون ]
ويؤكد القديس هيبوليتس (235م) نفس هذا المفهوم قائلاً : [ إن الدم عندما مُسح به كعلامة صار هو السرّ القائم في ختم دم المسيح . نعم إن هذه العلامة لم تكن هي ذات الحقيقة بعد ولكنها مثال للحقيقة الآتية : أن كل الذين يأخذون هذا الدم ينطبع على نفوسهم ، كما حدق وانطبع على بيوت اليهود عندما مُسحوا به كأمر الناموس ، فكل الذين ( أخذوا هذه المسحة ) يعبر عنهم الهلاك .
فالدم كعلامة هو الخلاص ، كما كانت على البيوت كذلك على النفوس ، لأن النفوس بالإيمان وبالروح القدس ما هي إلاَّ بيوت (هياكل) مقدسة . هذا هو سرّ البصخة العامة ( العبور ) للعالم كله ]
_______ خطأ التسمية بأسبوع الآلام_______
عموماً سُميَّ خطأ الأسبوع الأخير من الصيام المقدس الذي ينتهي بيومي الجمعة العظيمة وسبت النور ، بأسبوع الآلام ، مع أن في الأصل كان يُسمى أسبوع الفصح المقدس كما نرى هذا المُسمى في الرسالة الفصحية للقديس أثناسيوس الرسولي فيقول في رسالته الفصحية الثانية [ ... وبعد أن نُكمَّل الصوم ، لنبدأ أسبوع الفصح المُقدس ]
وبعد زمن القديس أثناسيوس الرسولي ، بدأ الحديث عن هذا الأسبوع في مصر ينحصر في تعبير [ أسبوع البصخة ] . ففي القانون رقم (57) من قوانين البابا أثناسيوس الثاني (489 – 496م) في أواخر القرن الخامس ، يرد فيه تعبير [ أسبوع البَصخة ] المقدسة ، فضلاً عن قوانين الرُسل القبطية التي دُوَّنت في حدود هذا الوقت عينه ، لا تذكر عن هذا الأسبوع سوى تعبير [ أسبوع البصخة ] وهو نفس ما نجده في قوانين العلامة هيبوليتس القبطية . وهو أيضاً ما نجده في قوانين القديس باسيليوس الكبير ، حيث يرد فيها تعبير [ البصخة ] ، أو [ البصخة الكبيرة ]
عموماً عندما نقول [ أسبوع البَصخة ] أو [ أسبوع الفصح ] فالمعنى هنا واحد من حيث أساس اللفظة اللغوية ، أي [ أسبوع العبور ] ، فكلمة بَصخة تعني [ عيد الفصح ] عند اليهود ، كما أنها كانت تعني قديماً [ أسبوع الفصح ] عند المسيحيين منذ القرون الأولى ، أي الأسبوع الذي يسبق عيد القيامة ...
أما تعبير [ أسبوع الآلام ] وهي التسمية الشائعة اليوم ، فهي تسمية غير دقيقة ، لأنها اعتمدت على الشكل الخارجي مركزة على آلام الرب وجردتها من معناها الحقيقي ، فجعلت الكل يغفل عن ربطها بالفصح لتتضح الرؤيا لآلام الرب الخلاصية والمفرحة لكل خاطئ أثيم ليستطيع أن يقترب من الله تائباً معتمداً على الآلام الخلاصية التي هي رجاءه الحي ، فشتان ما بين الآلام التي تعني التَّوجُّع والمعاناة والعقاب والتي تُبكي الإنسان وتحزنه وتلبسه السواد وتأثر في داخله عاطفياً فيبكي مثل ما بكت بنات أورشليم على الرب يسوع ، وبين الآلام الخلاصية والمُحيية ، لأن الآلام التي جازها الرب من أجلنا نحن الخطاة والأثمة لنعبُر بها معه إلى القيامة والحياة . وهكذا قد تحوَّل مفهوم الألم في المسيح الرب من وسيلة عقوبة إلى هبة إلهية ، تقود من يجوزها إلى الحياة والمجد : [ إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه ] (رو 8 : 17)