" ثمَّ ٱرتحلنا من حوريب وسلكنا كل ذلك القفر العظيم المخوف الذي رأيتم في طريق جبل الأموريين كما أمرنا الرب إلهنا، وجئنا إلى قادش برنيع، فقلت لكم: قد جئتم إلى جبل الأموريين الذي أعطانا الرب إلهنا، ٱنظر، قد جعل الرب إلهك الأرض أمامك، ٱصعد، تملَّك كما كلَّمكَ الرب إله آبائك، لا تخف ولا ترتعب... لكنَّكم لم تشاءوا أن تصعدوا وعصيتم قول الرب إلهكم، وتمرمرتم في خيامكم وقلتم: الرب بسبب بغضته لنا قد أخرجنا من أرض مصر ليدفعنا إلى أيدي الأموريين لكي يهلكنا... وسمع الرب صوت كلامكم فسخط وأقسم قائلاً: لن يرى إنسان من هؤلاء الناس، من هذا الجيل الشرير، الأرض الجيدة التي أقسمت أن أُعطيها لآبائكم... فأجبتم وقلتم لي: قد أخطأنا إلى الرب، نحن نصعد ونحارب حسب كل ما أمرنا الرب إلهنا، وتنطّقتم كل واحد بعدة حربه وٱستخففتم الصعود إلى الجبل، فقال الرب لي: قل لهم لا تصعدوا ولا تُحاربوا، لأنِّي لست في وسطكم، لئلا تنكسروا أمام أعدائكم، فكلمتكم ولم تسمعوا، بل عصيتم قول الرب وطغيتم وصعدتم إلى الجبل، فخرج الأموريون الساكنون في ذلك الجبل للقائكم، وطردوكم كما يفعل النحل، وكسروكم في سعير إلى حرمة... (ثمَّ لاحقًا قال لهم الرب) قوموا ٱرتحلوا وٱعبروا وادي أرنون، ٱنظر، قد دفعت إلى يدك سيحون ملك حشبون الأموري وأرضه، ٱبتدئ تملَّك، وأثر عليه حربًا، في هذا اليوم أبتدئ أجعل خشيتك وخوفك أمام وجوه الشعوب تحت كل السماء، الذين يسمعون خبرك يرتعدون ويجزعون أمامك ".
(تثنية 1 : 19 – 44، 2 : 24 – 25).
يمتلئ الكتاب المُقدِّس بالوعود الثمينة التي أعطاها الرب لشعبة ولأولاده، لكنَّ الرب بحكمته الفائقة والبعيدة عن التقصِّي، جعلَ لكل وعد وقت ونهج لتتميمه، وأرسلَ لنا الروح القدس لكي يُعلِّمنا ويقودنا، حتَّى نتمِّم خطته ومشيئته لكل واحد منَّا على الصعيد الشخصي، وعلى صعيد الجماعات (كنائس، خدمات كبيرة، إرساليات، مدن وبلدان... إلخ).
وما أُريده من خلال هذا التأمُّل هوَ أن أُبرز لكَ أهميَّة أوقات الله، وأهميَّة ٱحترام هذه الأوقات بدقة متناهية، وخطورة تخطِّيها.
يمتلئ الكتاب المُقدَّس بالتأكيدات الواضحة، أنَّهُ دون قوة الرب، لا يُمكن لشعبه ولأولاده أن يمتلكوا أراضي جديدة أو أن ينجحوا في أي عمل يقومون به، لا سيَّما على صعيد خدمة الرب وٱمتداد الملكوت، وقد ٱخترت لكم هذا المقطع الذي يؤكِّد هذا الكلام:
" أللهمَّ بآذاننا قد سمعنا، آباؤنا أخبرونا بعمل عملته في أيامهم في أيام القدم، أنتَ بيدك ٱستأصلتَ الأمم وغرستهم، حطَّمتَ شعوبًا ومدَّدتهم، لأنَّه ليـس بسيفهم ٱمتلكوا الأرض ولا ذراعهم خلَّصتهم، لكن يمينك وذراعك ونور وجهك، لأنَّك رضيت عنهم " (مزمور 44 : 1 – 3).
عمليًا نُدرك بأنَّ الشعب هُم من قاتلوا، وهم من قتلوا الأعداء، وهم من صعدوا وتملَّكوا الأرض، وعمليًا أيضًا نرى أننا كمؤمنين في العهد الجديد، نُصلِّي ونتشفَّع ونُحارب ونكرز بالكلمة ونربح النفوس للرب، لكن وكما تقول كلمة الله، فإنَّه في العالم الروحي غير المنظور، تقوم ذراع الرب بتحقيق كل هذه الأمور.. فالرب يقول: يدي ٱستأصلت الأمم وحطَّمت الشعوب.. ويميني وذراعي ونور وجهي خلَّصوا الشعب، والله هوَ الذي يؤيِّد عملنا اليوم في ربح النفوس بآيات ومعجزات، وهوَ من يجذب النفوس إليه ويفتح قلوبهم، لكي يتعرَّفوا إليه ويقبلوا خلاصه.
والمقطع الذي أدرجناه من سفر التثنية، يؤكِّد هذه الأمور أيضًا، فموسى قال للشعب، ٱصعدوا وتملَّكوا الأرض التي أعطانا إياها الرب إلهنا، ويقول لهم أيضًا: أن الرب يجعل خشيتنا وخوفنا أمام وجوه أعدائنا.. إذًا بعد هذا الكلام الواضح، لا يبقى مجال للشك والتاويل، أنَّ النصرة والنجاح، هما من يد الرب، عندما يرضى علينا، وعلى ما نقوم بهِ.
لكنَّ هذا المقطع يُعلِّمنا أمرًا هامًّا للغاية عن توقيت الله، وضرورة التقيُّد به للحصول على هذه الوعود، ولامتلاك الأرض وربح النفوس.. كما يُظهر لنا خطورة تفويت هذا الوقت.
طلب الرب من شعبه أن يصعدوا إلى جبل الأموريين، لأنَّهُ وهبهُ لهم، لكنهم رفضوا تنفيذ أمره في التوقيت الذي حدَّدُه لهم، وتمرمروا على الرب، وجلبوا على أنفسهم غضب الله.. وعندما أبلغهم موسى أن الرب غضب عليهم، وقرَّرَ أن لا يُدخلهم الأرض، قالوا لهُ:
قد أخطأنا إلى الرب، نحن نصعد ونُحارب حسب كل ما أمرنا الرب إلهنا.
قرروا الإنصياع لأمر الرب بالصعود إلى جبل الأموريين لامتلاكه، وتنطَّقوا بعدة الحرب.
لكنَّ موسى نقل لهم كلام الرب الذي يقول:
لا تصعدوا ولا تُحاربوا، لأنِّي لست في وسطكم، لئلا تنكسروا أمام أعدائكم..
التوقيت لم يعد مناسبًا بالنسبة للرب.. والرب لن يكون في وسطهم.. ولو عُدنا للمعادلة التي ذكرناها سابقًا، بأن النصر يأتي من الرب، وليس من سواعد وأسلحة المحاربين، لأدركنا أنهم سينهزمون لا محالة.. لكنهم لم يسمعوا لموسى، ولم يحترموا توقيت الله وأمره، فٱنهزموا كما أنبأهم موسى:
فخرج الأموريون الساكنون في ذلك الجبل وطردوهم كما يفعل النحل، وكسروهم في سعير إلى حرمة.
ما أخطر عدم التقيُّد بتوقيت الله يا أحبائي.. إنَّهُ يأتي بالهزيمة الصعبة..
ولو أكملنا التأمُّل بباقي هذا المقطع، لقرأنا أنَّ الرب عادَ وطلبَ من الشعب الارتحال لمحاربة ملك الأموريين، لأنَّهُ دفعَ أرضهم مجدَّدًا لشعبه.. وٱقرأ معي دقَّة الوحي:
" في هذا اليوم أبتدئ أجعل خشيتك وخوفك أمام وجوه الشعوب تحت كل السماء ".
في هذا اليوم بالتحديد.. ليسَ البارحة.. ولا غدًا.. بل في هذا اليوم بالتحديد..
الشعب نفسه.. الأسلحة نفسها.. التكتيك نفسه.. لم ينجحوا عندما تحركوا خارج توقيت الله..
ولكن في التوقيت المُحدَّد من الرب.. كل شيء نجح.. فلنتعلَّم !!!
ٱختار الله سبط يساكر من بين أسباط شعبه، وجعلهُ خبيرًا في الأوقات:
" ومن بني يساكر الخبيرين بالأوقات، لمعرفة ما يعمل إسرائيل، رؤوسهم مئتان وكل إخوتهم تحت أمرهم " (أخبار الأيام الأول 12 : 32).
جاءت هذا الآية ضمن مقطع يتكلَّم عن حفل تنصيب داود ملكًا.. وقد حدَّدت الكلمة دور كل سبط في هذا الحفل، فمنهم من يحمل الأتراس والرماح، ومنهم من يهتم بالإصطفاف، ومنهم من يهتم بالتنصيب... لكنَّ يساكر هوَ من حدَّدَ توقيت هذا التنصيب وفقًا لخطة الرب..
والكلمة قالت: إخوتهم من باقي الأسباط يكونون تحت أمرهم !!!
لم يُعطِ الرب الإمرة لمن يحملون السلاح ولا أدوات الحرب، المُتعارف أنها هيَ التي تحسم المعارك.. بل جعل الإمرة لخبيري الأوقات.. لأنَّه كما ذكرنا سابقًا أن يد الرب هيَ التي تحسم المعارك وليست الأسلحة.. لكن المهم معرفة توقيت الله.. ولذلك كانت الإمرة لأصحاب الخبرة في التوقيت..
كم هوَ هام هذا الكلام، وكم ينبغي أن نتَّضِع تحت يدي الروح القدس، لكي يُعلن لأرواحنا المغزى الحقيقي لهذا الكلام.
الملك داود وقع في فخ عدم ٱحترام أوقات الله، فدفعَ ثمنًا غاليًا:
" وكان عند تمام السنة في وقت خروج الملوك، أنَّ داود أرسلَ يوآب وعبيده معهُ، وجميع إسرائيل، فأخربوا بني عمون وحاصروا ربّة، وأما داود فأقام في أورشليم، وكـان فـي وقـت المسـاء أنَّ داود قـام عـن سريـره وتمشَّى علـى سطـح بيـت الملـك، فـرأى مـن علـى السطـح ٱمـرأة تستحـمّ، وكانـت المـرأة جميلة المنظر جدًّا " (2 صموئيل 11 : 1 – 2).
ولو أكملت التأمُّل بباقي الإصحاح وما يليه، لاكتشفت أن داود زنى مع تلكَ المرأة فحبلت، ثمَّ عادَ وأمرَ بقتل زوجها، وتعرَّض لعقاب قاسي..
كان التوقيت لخروج الملك للحرب، لكنه لم يحترم التوقيت، فحصل ما قرأناه.. فلنكن حذرين..
وتحذير أشد في هذا السياق، صدر عن الرب يسوع شخصيًا، عندما قال لأورشليم هذا الكلام:
" فإنَّهُ ستأتي أيام ويُحيط بـك أعـداؤك بمترسـة، ويُحدقون بـك ويحاصرونـك مـن كـل جهـة، ويهدمونـك وبنيـك فيكِ، ولا يتركـون فيـك حجرًا على حجر، لأنَّكِ لـم تعرفي زمان ٱفتقادك " (لوقا 19 : 43 – 44).
وهذا ما حصل لأورشليم بالضبط سنة 70 ميلادية، عندما دخلَ إليها القائد الروماني تيطس، وفعل بها كل ما قاله الرب.. لم يقل الرب بسبب خطاياكِ، مع أنها هيَ السبب الحقيقي الذي يقف وراء ما حصل ويحصل للعالم أجمع.
لكن العقاب وقع بسبب عدم معرفتها للتوقيت الإلهي، لزمن الإفتقاد، لأنَّ الرب يُمهل ويُعطي زمان طويل لكي يتوب الناس ويعودون عن شرورهم، لكن هناك توقيت حاسم لتنفيذ العقاب على الشرور، وهذا ما لم تعرفه أورشليم عندها، فجاءَ عليها الخراب.. كلام يحتاج إلى عمل عميق للروح القدس، لكي يزرعه في أرواحنا، حتَّى نُدرك الهدف الحقيقي والعملي منهُ.. فلنسأله أن يفعل..
يقول سفر الجامعة:
" لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السموات وقت " (جامعة 3 : 1).
لكل شيء.. ليسَ لأمر واحد، بل لكل.. لكل.. لكل شيء وقت.. فلا يوجد أمر في خطة الله وحساباته غير مرتبط بوقت يُحدّده الرب، وبكل تأكيد يُعلنه لنا، فهذا شوق قلبه، وهوَ يُريدنا أن نكون خبراء في الأوقات، ومميّزين للأوقات، لكي ننجح بكل ما نقوم بهِ.
قال الرب لتلاميذه:
" أما تقولون أنه يكون أربعة أشهر ثم يأتي الحصاد؟ ها أنا أقول لكم: ٱرفعوا أعينكم وٱنظروا الحقـول أنَّها قد ٱبيضَّت للحصاد " (يوحنا 4 : 35).
المنطق والمنظور يُحدِّدان التوقيت للحصاد، لكنَّ الرب يقودنا إلى رؤية أعمق، إلى رؤية في العالم الروحي، ليس حسب ما تراه أعيننا وتسمعهُ آذاننا الطبيعية، بل حسب ما يقوله الرب ويُعلنه لنا، قال لهم: ٱرفعوا أعينكم.. ٱرفعوها إلى فوق.. إلى السماء، التي منها وحدها تصدر التوقيتات الإلهية الصحيحة..
أنتم تقولون بعد أربعة أشهر وفقًا للعيان.. أمَّا أنا فأقول: الآن.. وهذا ما أهدف إليه من خلال هذا التأمُّل، أن نغدو خبراء في الأوقات، لكي نُتمِّم خطة الله في وقتها المحدد، ونعرف زمن ٱفتقادنا، لكي لا نُضيِّع الفرصة، ولكي لا نتعرض للمخاطر التي تأملنا ببعضها..
البعض قد يقول: " الله رحوم، وهوَ يُعطي فرصًا كثيرة، وإن أخطأنا ولم نتجاوب مع إحدى الفرص أو التوقيتات، فهوَ سيعطينا فرصًا أخرى بكل تأكيد ".
أنا لست أحدّ من نعمة الله التي لا يُمكن لبشر أن يحدَّها، أو أن يعرف غناها، ولست أنا بكل تأكيد من يُملي على الله ما ينبغي أن يفعله، وما لا ينبغي أن يفعله، لكنني أُعلن لكَ كلمة الله في هذا السياق.. وأدعوك أن تكون كموسى الذي قال:
" السرائر للرب إلهنا، والمعلنات لنا ولبنينا إلى الأبد، لنعمل بجميع كلمات هذه الشريعة " (تثنية 29 : 29).
أي لنترك الأسرار التي لم يُعلمنا الرب بها لهُ، ولنترك عدم محدودية نعمته وغناها لهُ، لكن لنعمل بما أعلنهُ لنا الرب في شريعته، وما أعلنهُ لنا في هذا السياق، هوَ أن نكون خبراء في الأوقات، نحترم توقيتاته بكل جديَّة وحزم ولا نتخطَّاها، لكي ننجح، ولكي لا نجني نتائج خطرة ومدمِّرة..
واليوم أين موقعنا من هذا الكلام، وماذا ينبغي أن نتعلَّم؟
اليوم الرب يقول لنا: هذا زمان ٱفتقاد لكنيسته في لبنان وفي المنطقة، زمن الحصاد لما زرعناه عبر السنين.. الرب سمع صلواتنا.. ورأى دموعنا، ودخل صراخنا أُذنيه..
وقد أخبرنا في مطلع هذا العام قائلاً:
" قومي ٱستنيري لأنَّهُ قد جاءَ نورك ومجد الرب أشرق عليك... فتسير الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك، ٱرفعي عينيك حواليك وٱنظري، قد ٱجتمعوا كلّهم، جاءوا إليكِ، يأتي بنوك من بعيد، وتُحمل بناتك على الأيدي، حينئذٍ تنظرين وتنيرين ويخفق قلبك ويتسع، لأنَّهُ تتحوَّل إليك ثروة البحر ويأتي إليك غنى الأمم... مجد لبنان إليكِ يأتي... وبنو الذين قهروك يسيرون إليك خاضعين، وكل الذين أهانوكِ يسجدون لدى باطن قدميك... عوضًا عـن كونك مهجورة ومبغضة بلا عابر بكِ، أجعلك فخرًا أبديًا فرح دور فدور " (إشعياء 60 : 1 – 15).
لنثق بكلمة الرب هذه.. نحترم أوقاته.. نثبت في وجه كل ما يناقضها.. رافعين ترس الإيمان في وجه كل الظروف المُعاكسة وسهام العدو.. مُكملين الصلاة والتشفُّع والحرب بقيادة الروح القدس.. لكي نجني كل ما تعدنا به هذه الكلمة.. ولكي لا نفوِّت زمن ٱفتقادنا.