متى كان الإنسان متيقظًا، فإنه يحتاج بين آن وآخر إلى وقفة مع نفسه، يطمئن فيها على مسيرته... على موقفه وموقعه من الله، وكلما كان مدققًا كلما فعل ذلك على فترات متقاربة، تصل مع ذوى القامات الروحية العالية إلى العمل اليومي، وهو ما نسميه محاسبة النفس، والتي هي عبارة عن وقفات (محطات) إجبارية، يخضع فيها الإنسان نفسه للفحص والمحاكمة والمراجعة، وبذلك يمكنه تدارك أي انحراف عن الطريق، ورصد أي تغير طرأ على مسيرته.
في رسالته إلى أهل أفسس تحدث القديس بولس عن الحياة القاسية التي يحياها المؤمنون هناك، في ظل الخطية المنتشرة بصورها المتعددة، تمشى في الشوارع برأس مرفوعة بغير حياء، "ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين" (مت24: 12)
حتى أن الإنسان قد يفقد مع الوقت القدرة على التفريق بين ما هو جيد وما هو رديء...
وتلعب المحاكاة (التقليد) دورًا كبيرًا في انتشار الخطية، بسبب اختلاط المفاهيم والتقدير النسبي للخطية من جهة والخطأ من جهة أخرى... إذ قد تتحول الخطايا إلى مجرد أخطاء... وتتحول بالتالي الأخطاء إلى مجرد سلوكيات عادية غير منتقدة!
من ثمّ نصحهم القديس بولس أن يسلكوا لا كجهلاء مسوقين بكل ريح... لا إرادة لهم... ناظرين تحت أقدامهم فقط، بل كحكماء يطلبون الحكمة من الله والاستنارة حتى يستطيعوا التمييز بين الأمور المتخالفة (رومية18:2، فيليبي10:1) فهم لا ينتمون إلى هذه الأرض المملوءة بالشرور والتجارب، وإنما إلى السماء، فإليها اشتياقهم ... وفيها أعظم آمالهم، حيث الحياة مع الله في ملكوته.