الهيكل والطقوس
تدور أحداث السفر الثاني حول الهيكل في أورشليم، بل أن قداسة الهيكل هي المضمون الذي يوحد السفر كله، وتبدو الرسالة التمهيدية (1: 10 - 2: 18) هامة جدًا في هذا الشأن، ومن المؤكد أن محرره هو كاهن معاصر ليهوذا ومطلّع جيد على الأسفار والتقاليد، وتدعو الرسالة إلى اتحاد يهود مصر مع اخوتهم في فلسطين، للاحتفال بعيد التجديد (تطهير الهيكل) كما تحتوي الرسالة على كيفية الاحتفال بذلك، مع الإشارة إلى عيد المظال (1: 18) والذي تراعي طقوسه في الاحتفال بتطهير الهيكل، على نحو ما قام به سليمان عند تدشين الهيكل (راجع 2مكا 2: 12 وقارن مع ملوك أول 8: 65 وأخبار أيام ثان ص 7) كما يحثّ الكاتب المحتفلين على استخدام النار المقدسة مشيرًا في ذلك إلى نحميا (2مكا 1: 18- 26 و2: 13) وإلى إرميا في (2مكا 2: 1) حين أمر المسبيين أن يحملوا معهم النار المقدسة1.
كما يشير كاتب السفر إلى أهمية هيكل أورشليم وأحقيته بالعباده وضرورة الأمانة له، فهو أعظم وأقدس وأشهر معبد في الأرض كلها (2: 19، 22 و5: 15 و14: 31 و15: 18) فمن خلاله يسكن الله بين شعبه (14: 35، 36)، ذلك مقابل الهيكل الذي أقامه "حونيا" الكاهن الذي لجأ إلى مصر بسبب الاضطهاد في أورشليم (1) (1) في القرن الرابع استطاع سنبلط السامري الحصول على إذن الإسكندر الأكبر في تشييد هيكل للسامريين في جرزيم وجعل صهره منسى رئيس كهنه له وهو الذي طرد من يهود أورشليم لزواجه سامرية هي ابنه XXX وبالطبع لم يعترف اليهود بالهيكل الذي بناه البطالمة لليهود في مصر ورئيس كهنته أونيا.
وأما في أورشليم نفسها، فقد كان تدنيس الهيكل وإبطال السبت والختان والذبيحة والتعدي على الناموس، هو الشرارة الأولى للثورة المكابية بقيادة متتيا أبو المكابيين، حيث تطلّب ذلك منهم القيام بصلوات وأصوام استدرارًا لمراحم الله (2مكا 3: 15) وإذ كلّل الله كفاحهم بالنصر قاموا بتطهير الهيكل باحتفال عظيم، أصبح فيما بعد عيدًا قوميًا شعبيًا مازالوا يحتفلون به حتى اليوم، ويسمّى عيد "الأنوار" أو "الحانوكا" وهو المذكور في (يوحنا 10: 22) حيث اشترك السيد المسيح في الاحتفال به.
لقد هدموا حجارة المذبح الذي دنسه أنطيوخس أبيفانيوس، وألقوها خارجًا وجاءوا بغيرها ونالوا حريتهم الدينية فختنوا من لم يختتن، وعاد السبت إلى مكانته، واستؤنفت الذبائح في الهيكل واستردت الشريعة مكانتها وقوتها. لقد دافعوا عن السبت حتى الموت! وعن الصوم فاقتاتوا بالحشائش البرية بينما كانوا يسكنون المغائر (1مكا 2: 29 - 41).
وعندما أراد ألكيمس، رئيس الكهنة غير الأمين، هدم الحائط المتوسط الذي يقع بين الأمم واليهود ليتيح بذلك الفرصة للأمم الوثنية الدخول إلى القدس ثار عليه اليهود. وفي صلاة الصلح للقديس غريغوريوس اللاهوتي يقول... "والحاجز المتوسط نقضته، العداوة القديمة هدمتها..." وهو يقتبسه بدوره من رسالة معلمنا بولس الرسول إلى أفسس "لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحدًا ونقض حاجز السياج المتوسط" (2: 14) (1). وهناك فرق بين رغبة ألكيمس من دخول الأمم إلى الهيكل ورغبة السيد المسيح في دخولهم إلى حضن الله، فقد أراد ألكيمس أغرقة اليهود وإدماجهم في الحضارة اليونانية، بينما أراد السيد المسيح أن يقبلهم إليه في شركة الخلاص، وفي حين أن اليهود خشوا من تأثير الوثنيين على الهيكل والشعب، أراد المسيح لهم أن يذوقوا بركات الخلاص ومواهب الروح القدس.