منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 13 - 03 - 2014, 03:49 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,467

السيد المسيح يواجهه خيانة يهوذا

كان شيئًا قاسيًا جدًا على قلب المخلص الرقيق الممتلئ بالحب، والممتلئ بأسمى معاني النُبل والإخلاص والوفاء، أن يواجه الخيانة من قِبَل أحد تلاميذه الأخصاء المقربين.
في ذلك نتذكر قول الشاعر:
وظلم ذوى القُربى أشدّ غضاضةً على النفس من وقع الحسامِ المهنَّدِ
ولكن السيد المسيح بالرغم من ذلك تعامل مع يهوذا بمنتهى الرفق، وبمنتهى الاتضاع.
* "أنت إنسان عديلي إلفي وصديقي" (مز55: 13)
عاش يهوذا مع السيد المسيح أكثر من ثلاثة أعوام متصلة، بعد أن اختاره السيد المسيح ضمن الاثني عشر، ليكون معه، وليكون تلميذًا له، ولتصير له وظيفة رسولية. تلامس يهوذا مثل سائر التلاميذ مع السيد المسيح عن قرب، حسبما قال معلمنا يوحنا الإنجيلي؛ التلميذ الذي كان يسوع يحبه "الذي سمعناه. الذي رأيناه بعيوننا. الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1يو1: 1).
استمع يهوذا إلى عظات السيد المسيح الممتلئة بالنعمة والحكمة والحياة، تلك التي شهدت لها الجموع، إذ كانوا يتعجبون من كلامه المؤثر العميق كقول المزمور عنه "انسكبت النعمة على شفتيك" (مز44: 2).
رأى يهوذا ما في السيد المسيح من صفات روحية جميلة، تلك التي عبّر عنها القديس يوحنا في إنجيله: "ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب، مملوءًا نعمةً وحقًا" (يو1: 14).
رأى معجزاته الفائقة للطبيعة، واستجابة الآب السماوي التلقائية له في كل ما يطلبه، مثلما قال السيد المسيح مخاطبًا الآب: "وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي" (يو11: 42).
رأى التفاف الناس حوله، ومحبتهم الجارفة له، وتجاوبهم مع تعليمه.. خاصة الخطاة الذين تركوا حياة الخطية.. حينما سمعوا مناداته بالتوبة لاقتراب ملكوت الله.
اختبر يهوذا عن قرب محبة السيد المسيح الفياضة نحوه ونحو الآخرين، ولمس وداعته ولطفه وعطفه وترفقه بالضعفاء.
كانت هناك عشرة وصداقة عجيبة بين السيد المسيح وتلاميذه الاثني عشر. فكان يأكل معهم ويقيم معهم، ويأخذهم معه إلى الهيكل كما إلى الجبال والوديان، والحقول، وضفاف الأنهار والبحيرات، وفي السفن في المياه. اصطحبهم معه في خلوات روحية بعيدًا عن الجموع، يعلّمهم الصلاة، ويفسّر لهم الأمثال، ويقول لهم "قد أعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات" (مت13: 11) كما اصطحبهم في ترحاله؛ في جولاته مناديًا وكارزًا بملكوت الله.
بل أكثر من ذلك أعطاهم سلطانًا أن يصنعوا الأشفية والآيات والعجائب باسمه المبارك. وحتى الشياطين صارت تخضع لهم باسمه. وكان يقول لهم الأعمال التي أنا أعملها سوف تعملونها بل وأكثر منها.
السيد المسيح يواجهه خيانة يهوذا
# "الذي معه كانت تحلو لنا العشرة" (مز 55: 14)

أمام كلهذه العلاقة الوثيقة، والصداقة العميقة، اختلج قلب السيد المسيح في أسى، وهو ينظر إلى خيانة التلميذ الذي باعه بثلاثين من الفضة.. بأبخس ثمن يمكن أن يُباع به إنسان.
وهنا نتذكر كلمات داود النبي في المزمور التي كتبها بروح النبوة يصف بها مشاعر وأفكار مخلصنا الصالح وهو يواجه هذا الموقف المؤلم:

السيد المسيح يواجهه خيانة يهوذا
"لأنه ليس عدوٌّ يعيِّرني فأحتمل، ليس مبغضي تعظّم علىّ فأختبئ منه. بل أنت إنسان عديلي إلفي وصديقي. الذي معه كانت تحلو لنا العشرة. إلى بيت الله كنا نذهب في الجمهور.. ألقى يديه على مسالميه. نقض عهده. أنعم من الزبدة فمه وقلبه قتال. ألين من الزيت كلماته وهى سيوف مسلولة" (مز55: 12-14، 20، 21).
السيد المسيح يواجهه خيانة يهوذا
كيف تصرف السيد المسيح باتضاع؟

بمنتهى الحب، وطول الأناة، وبمنتهى الصبر والاتضاع تعامل السيد المسيح مع تلميذه الخائن يهوذا الإسخريوطي..
لم يكن السيد المسيح يرغب في هلاك ذلك الصديق الذي كانت تحلو له العشرة معه..
دعنا إذن نبدأ القصة من أولها:
·كان يهوذا ميالًا نحو المال. وأراد السيد المسيح أن يعوِّضه عن هذا الميل بطريقة سليمة، فسمح له أن يكون أمينًا للصندوق "كان الصندوق عنده" (يو12: 6).
·وبالرغم من ذلك، فقد أعمى الشيطان قلبه، وكان يسرق أموالًا من الصندوق. ولكن السيد المسيح أطال أناته عليه، ولم يفضحه في وسط التلاميذ، مع أنه "كان سارقًا وكان الصندوق عنده، وكان يحمل ما يُلقى فيه" (يو12: 6).
·وقد تطاول يهوذا بفكره وبكلامه على السيد المسيح، حينما سكبت المرأة طيبًا من ناردين خالص كثير الثمن عليه، إذ قال: "لماذا هذا الإتلاف، لأنه كان يمكن أن يُباع هذا الطيب بكثير (بأكثر من ثلثمائة دينار -حسب إنجيل معلمنا مرقس الرسول) ويعطى للفقراء" (مت26: 8، 9، انظر مر14: 5). "قال هذا ليس لأنه كان يُبالى بالفقراء. بل لأنه كان سارقًا، وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يلقى فيه" (يو12: 6).
وبالرغم من هذا التذمر وهذا التطاول، فقد أجاب السيد المسيح باتضاع وأناة عجيبين وقال: "لماذا تزعجون المرأة، فإنها قد عملت بي عملًا حسنًا.. فإنها إذ سكبت هذا الطيب على جسدي، إنما فعلت ذلك لأجل تكفيني" (مت26: 10، 12). وأعلن الرب محبته الزكية من خلال قبوله الموت والتكفين..
لم يعيّر السيد المسيح يهوذا بأنه سارق للصندوق، ولأموال الفقراء.. بل قال: "الفقراء معكم في كل حين. وأما أنا فلست معكم في كل حين" (يو12: 8، مت26: 11).
والعجيب أن هذا الموقف قد تكرر في الأسبوع الأخير، مرة قبل الفصح بستة أيام (في يوم السبت السابق للفصح)، ومرة قبل الفصح بيومين (في يوم الأربعاء السابق للفصح). وفي المرة الثانية وصل تذمر يهوذا إلى ذروته.
كان يهوذا هو المذنب، وقام بقلب الحقائق.. ولكن السيد المسيح احتمل تطاوله عليه، وأجاب بطريقة موضوعية، دون أن يشهره أو يفضحه، وحتى لم يعاتبه فيما بعد على ما بدر منه، ولا ما هو فيه من طمع وجسارة.. بل أراد أن يعطيه الفرصة ليراجع نفسه في ضوء الحقيقة التي كان هو أول من يعرفها.
أراد السيد المسيح أن يغلب الشر بالخير وأن يقدّم الإحسان للمسيئين إليه.. وحتى لم يحاول أن يفضحهم.. بل تركهم لعل ضمائرهم تبكتهم نتيجة لِما أظهره نحوهم من حب في مقابل إساءتهم.
عجيب أنت يا رب في اتضاعك، وفي احتمالك لأخطاء من أساءوا إليك يا قدوس!!
السيد المسيح يواجهه خيانة يهوذا
سلّم يهوذا نفسه للشيطان

في الأسبوع الأخير أصيب التلاميذ بالقلق، لسبب ما سبق السيد المسيح فأنبأهم به، وهم صاعدون إلى أورشليم عن تسليمه إلى أيدي أناس خطاة فيجلدونه، ويصلبونه، ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم (انظر مت20: 18، 19)، وقبل الفصح بيومين أخبرهم بموعد صلبه (انظر مت26: 1، 2).
ولكن للأسف فقد كانت مشاعر حزن التلاميذ في جانب، بينما كانت مشاعر يهوذا الإسخريوطي في جانب آخر..
كانت محبة المال قد سيطرت تمامًا على قلبه، وأعمى الشيطان بصيرته، وشعر أنه بصلب السيد المسيح سيفقد الصندوق الذي كان معه وسيتوقف عن الحصول على المال المسروق.
ضاعت آماله وأحلامه في المجد والغنى والمملكة الأرضية، ولم ينظر بإيمان إلى القيامة المجيدة التي أنبأ بها السيد المسيحتلاميذه، ولا إلى الملكوت الروحي، ولا إلى ملكوت السماوات، وأمجاده الأبدية.
فقرر أن يبيع سيده ليربح من وراء موته مالًا، ويعوّض جزءًا مما سوف يفقده.
كانت الأرض والمسائل الأرضية هي شاغله، وليست الأبدية والسماويات.
ولعل في هذا ما يبكّت السبتيين وشهود يهوه وكل أصحاب عقيدة الملكوت الأرضي للسيد المسيح.
عنيف هو الشيطان في تأثيره على قلب من يقبل مشورته ونصائحه "وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا سمعان الإسخريوطي أن يسلّمه" (يو13: 2).
السيد المسيح يواجهه خيانة يهوذا
الشيطان يتآمر

كان للشيطان دور واضح في التآمر على صلب السيد المسيح، وقد أخفى السيد المسيح لاهوته عن الشيطان لكي يتركه في حماقته يتآمر ولكي يفضح شره وتآمره وعداوته لله وللإنسان بالصليب.
وقف حب الله وحكمته في مواجهة كراهية الشيطان وحماقته،وانتصر الحب وانتصرت الحكمة، وافتضح الشيطان أمام الخليقة العاقلة من الملائكة والبشر القديسين.
عن هذا كتب معلمنا بولس الرسول مبينًا عمل السيد المسيح في خلاصنا وفي الانتصار على الشيطان بالصليب "إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضدًا لنا وقد رفعه من الوسط مسمّرًا إياه بالصليب. إذ جردّ الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه" (كو2: 14، 15). والمقصود طبعًا بالرياسات والسلاطين أي الشيطان وكل قواته الشريرة كما كتب أيضًا "فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف6: 12).
إذن لقد أشهر السيد المسيح الشيطان جهارًا وجرّده من سلطته ظافرًا به في الصليب. ولكن يلزمنا أن نفحص جانبًا من مؤامرة الشيطان التي أدّت إلى صلب مخلصنا الصالح، والدور الذي لعبه في هذه المؤامرة.
السيد المسيح يواجهه خيانة يهوذا
مؤامرة الخيانة

أوعز الشيطان إلى رؤساء اليهود أن يتآمروا على صلب السيد المسيح ولكن وقفت أمامهم بعض العقبات فكان الشيطان معينًا لهم في تذليلها.
تكلّم إنجيل معلمنا لوقا البشير عن هذا الأمر فقال: "وقرب عيد الفطير الذي يُقال له الفصح. وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يقتلونه، لأنهم خافوا الشعب. فدخل الشيطان في يهوذا الذي يُدعى الإسخريوطي وهو من جملة الاثني عشر. فمضى وتكلّم مع رؤساء الكهنة وقواد الجند كيف يسلّمه إليهم. ففرحوا وعاهدوه أن يعطوه فضة. فواعدهم. وكان يطلب فرصة ليسلّمه إليهم خلوًا من جمع" (لو22: 1-6).
هنا يظهر تدخل الشيطان واضحًا، حتى أنه دخل في يهوذا الإسخريوطي حتى يُقَسِّى قلبه ويجعله يتورط في هذه المؤامرة الشنيعة ويفرح أعداء السيد المسيح ويعدهم بتسليمه إليهم في مكان خالٍ من الجماهير لأنه يعرف الأماكن الخاصة التي يذهب إليها مع تلاميذه.
ولكن دور الشيطان لم ينته عند هذا الحد لأنه لابد أن يكمل الطريق إلى النهاية، لئلا يتراجع يهوذا عن نيته الشريرة. لهذا استمر الشيطان يتعامل مع يهوذا في كل مراحل المؤامرة.
ويوضح معلمنا يوحنا البشير ذلك عندما تحدث عن العشاء الأخير قبل صلب السيد المسيح حينما أكل الفصح مع تلاميذه فقال: "فحين كان العشاء، وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا سمعان الإسخريوطي أن يسلّمه" (يو13: 2).
في هذه المرحلة كان السيد المسيح سيوجّه تحذيرات وإنذارات ليهوذا لكي لا يرتكب خطيته الفظيعة. وكان الأمر يحتاج إلى تقسية إضافية لقلبه من الشيطان لئلا يلين أمام الإنذارات المرعبة "كان خيرًا لذلك الرجل لو لم يولد" (مت26: 24) هكذا فعل الشيطان فاستمر في ترغيب يهوذا في ارتكاب فعلته الشنعاء.
وعندما ابتدأ السيد المسيح يحدد من هو الذي سيسلمه كان الأمر محرجًا جدًا بالنسبة ليهوذا الإسخريوطي أمام السيد المسيح وأمام التلميذ الذي كان يسوع يحبه. إذ أن يوحنا الحبيب حينما سأله: يا سيد من هو؟ "أجاب يسوع: هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه. فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطي. فبعد اللقمة دخله الشيطان.. فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت وكان ليلًا" (يو13: 26، 27، 30).
شيء عجيب جدًا أن السيد المسيح حينما غمس لقمة الفصح اليهودي في المرق حسب طقس الفصح وأعطاها ليهوذا ليأكلها؛ دخله الشيطان!!
لقد خشى الشيطان أن يتراجع يهوذا أمام إنذارات السيد المسيح وأيضًا أمام موّدته كصديق لأنه أطعمه بيده الطاهرة "ليتم الكتاب الذي يأكل معي الخبز رفع علىّ عقبه" (يو13: 18).
لهذا لم يكتفِ الشيطان بأنه دخل في يهوذا حينما ذهب وتواعد مع رؤساء الكهنة والكتبة أن يسلّم السيد المسيح إليهم خلوًا من جمع في مقابل ثلاثين من الفضة، ولا اكتفى الشيطان بأنه ألقى في قلب يهوذا وقت العشاء أن يسلّم المسيح، بل دخله مرة ثانية حينما أعطاه السيد المسيح اللقمة. وحينئذ صمم يهوذا أن يتمم فعل الخيانة الرهيب. إن المشكلة ليست في اللقمة التي أعطاها له السيد المسيح، ولكن المشكلة هي في أنه قد فتح قلبه للشيطان ليدخل فيه مرارًا وتكرارًا وأن يضع فيه ما شاء من أفكار الطمع والتآمر والخيانة.
وهكذا فعل الشيطان أيضًا مع اليهود الذين لم يؤمنوا بالسيد المسيح كما كتب يوحنا الإنجيلي عنهم "ومع أنه كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم يؤمنوا به. ليتم قول إشعياء النبي الذي قاله يا رب من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب. لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا لأن إشعياء قال أيضًا: قد أعمى عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم" (يو12: 37-40). فمن الذي أعمى عيونهم؟ إنه الشيطان الملقب بإله هذا الدهر كما كتب القديس بولس الرسول "الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضئ لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله" (2كو4: 4).
السيد المسيح يواجهه خيانة يهوذا
التآمر على تسليم السيد المسيح

كان رؤساء الكهنة يبحثون عن شخص يصير دليلًا لهم، ليلقوا القبض على السيد المسيح بعيدًا عن الجموع، خوفًا من الشعب الذي استقبل السيد المسيح كملك عند دخوله إلى أورشليم في يوم أحد الشعانين.
وقد سجّلت لنا الأناجيل هذه الأحداث كما يلي:
·"حينئذ اجتمع رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب إلى دار رئيس الكهنة الذي يدعى قيافا. وتشاوروا لكي يمسكوا يسوع بمكر ويقتلوه. ولكنهم قالوا ليس في العيد لئلا يكون شغب في الشعب" (مت26: 3، 4).
·"وقرب عيد الفطير الذي يقال له الفصح. وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يقتلونه. لأنهم خافوا الشعب. فدخل الشيطان في يهوذا.. وكان يطلب فرصة ليسلمه إليهم خلوًا من جمع" (لو22: 3-6).
·"وكان.. رؤساء الكهنة والفريسيون قد أصدروا أمرًا أنه إن عرف أحد أين هو، فليدل عليه لكي يمسكوه" (يو11: 57).
·"وخرج مع تلاميذه إلى عبر وادي قدرون حيث كان بستان، دخله هو وتلاميذه. وكان يهوذا مسلمه يعرف الموضع. لأن يسوع اجتمع هناك كثيرًا مع تلاميذه" (يو18: 1، 2).
ولخّص القديس بطرس الرسول هذا الأمر بقوله المدوّن في سفر أعمال الرسل: "كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا الذي صار دليلًا للذين قبضوا على يسوع إذ كان معدودًا بيننا" (أع1: 16، 17).
كانت المسألة تحتاج إلى شخص يعرف جيدًا تحركات السيد المسيح، ويحدد للذين يريدون أن يمسكوه المكان والزمان بعيدًا عن الجموع. ولم يكن الأعداء يحلمون بأن يأتيهم واحد من تلاميذه ليكون دليلًا لهم. ولهذا فقد فرحوا جدًا حينما وجدوا ضالتهم المنشودة في شخص يهوذا الخائن.
والعجيب جدًا أن قمة التصعيد في نفسية يهوذا قد حدثت حينما ضاعت فرصته في أن يحصل على ثمن الطيب الكثير الثمن الذي سكبته المرأة على السيد المسيح.
ولهذا فبمجرد أن نطق السيد المسيح بعبارته عن المرأة ساكبة الطيب: "الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يُخبر أيضًا بما فعلته هذه تذكارًا لها" (مت26: 13). ذهب يهوذا بعدها مباشرة إلى رؤساء كهنة اليهود "حينئذ ذهب واحد من الاثني عشر الذي يُدعى يهوذا الإسخريوطي إلى رؤساء الكهنة. وقال ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم. فجعلوا له ثلاثين من الفضة. ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلمه" (مت26: 14-16).
لم يخرج يهوذا مندفعًا فقط من العلية في ليلة العشاء الرباني من وسط التلاميذ، ولكن أيضًا في اليوم السابق خرج من بيت سمعان الأبرص في بيت عنيا.. وقد تركه السيد المسيح يذهب ولم يكشف تآمره لأحد مع أنه كان يعلم بكل تحركات يهوذا وبخيانته له و"بكل ما يأتي عليه" (يو18: 4).
السيد المسيح يواجهه خيانة يهوذا
وفى العشاء الأخير

قال السيد المسيح لتلاميذه على مائدة الفصح: "شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد، حتى يكمل في ملكوت الله" (لو22: 15، 16).
لهذا حرص السيد المسيح جدًا أن لا يعلم يهوذا بمكان إعداد الفصح وتأسيس سر العشاء الرباني، الذي أمر السيد تلاميذه أن يصنعوه لذكره إلى مجيئه الثاني، في اليوم الأخير.
لم يرغب السيد المسيح في أن يحرج يهوذا، أو أن يكشف أمره لباقي التلاميذ، أو أن يطرده بعيدًا.. بل تركه حتى خرج مسرعًا قبيل تقديس الخبز والخمر في سر القربان المقدس.
أخفى السيد المسيح مكان اجتماعه ليأكل الفصح مع تلاميذه عن جميع التلاميذ.. "فأرسل بطرس ويوحنا قائلًا: اذهبا وأعدا لنا الفصح لنأكل. فقالا له أين تريد أن نعد؟ فقال لهما إذا دخلتما المدينة يستقبلكما إنسان حامل جرة ماء. اتبعاه إلى البيت حيث يدخل. وقولا لرب البيت يقول لك المعلم أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي. فذاك يريكما علية كبيرة مفروشة، هناك أعدّا. فانطلقا ووجدا كما قال لهما. فأعدا الفصح" (لو22: 8-13).
حتى التلاميذ الذين أرسلهم لإعداد الفصح لم يكن معلومًا لهم المكان، وإنما أعطاهم علامة عجيبة لا يستطيع أي إنسان أن يستنتج منها شيئًا. وذهب التلميذان ووجدا كما قال لهما المعلم، وبقيا هناك حتى وصل السيد المسيح مع تلاميذه الباقين دون أن يلاحظ أحد لماذا فعل المعلم هكذا.
كان السيد المسيح يريد أن يمنح يهوذا فرصته الأخيرة ليأكل معه طعام عيد الفصح.. وأن يغسل له السيد المسيح رجليه مع باقي التلاميذ، وأن يوجه إليه التحذيرات الأخيرة، قبل أن يرتكب الخائن فعلته الشنعاء.
أراد السيد المسيح أن يؤجل خطية يهوذا إلى آخر فرصة ممكنة، فأخذه معه إلى العلية.. وغمس اللقمة بيده وأعطاه، لعله يشعر بالمودة والحب ولطف معاملة السيد المسيح له، الذي لم يحرمه من أن يأكل معه، بالرغم من تآمره عليه واتفاقه مع رؤساء الكهنة على تسليمه إليهم.
كيف لم تشعر يا يهوذا بترفق السيد المسيح بك، ورغبته الأكيدة في خلاصك مثل الباقين، حينما قال لك إن "ابن الإنسان ماضٍ كما هو مكتوب عنه" (مر14: 21)؟!!
بدأ السيد المسيح يوبخ يهوذا على ما أضمره في قلبه من الشر، فقال لبطرس عند غسل الأرجل: "أنتم طاهرون ولكن ليس كلكم، لأنه عرف مسلمه. لذلك قال لستم كلكم طاهرين" (يو13: 10، 11).
وقال أيضًا لتلاميذه ويهوذا في وسطهم: "لست أقول عن جميعكم، أنا أعلم الذين اخترتهم. لكن ليتم الكتاب، الذي يأكل معي الخبز رفع علىَّ عقبه" (يو13: 18).
وحينما تذكر اللحظة الحاسمة، التي سوف تأتى حينما تصل خيانة يهوذا إلى قمتها، "اضطرب بالروح، وشهد وقال الحق الحق أقول لكم إن واحدًا منكم سيسلمني" (يو13: 21).
في كل ذلك لم يشأ السيد المسيح أن يكشف يهوذا شخصيًا لسائر التلاميذ، فقال: "واحد منكم".. وقال: "أقول لكم الآن قبل أن يكون، حتى متى كان تؤمنون أنى أنا هو" (يو13: 19).
كان ينبغي أن يخبرهم ليعلموا أنه سلّم نفسه للموت بإرادته وسلطانه، ولم يباغته شيء. لأن هذا هو دليل محبته، إذ بذل ذاته فداءً عن العالم. كان ينبغي أن يفهموا بعد أن يتم الفداء أنه هو الله الظاهر في الجسد (انظر 1تى3: 16). لهذا أخبرهم ولكنه لم يعرِّض يهوذا للخطر في وسط التلاميذ، ولم يخبرهم عن اسمه علانية، حتى "حزنوا جدًا وابتدأ كل واحد منهم يقول له هل أنا هو يا رب" (مت26: 22). و"كان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض، وهم محتارون في من قال عنه" (يو13: 22).
وحتى حينما سأل يوحنا السيد المسيح سرًا، لم يجبه بالاسم، لكي لا يلاحظ أحد.. بل أعطاه علامة فقط، وغالبًا لم توجد فرصة لكي يخبر يوحنا أحدًا بإجابة السيد المسيح قبل خروج يهوذا. لأنه خرج فورًا بعد إتمام تلك العلامة، وهذا ما أوضحه يوحنا في إنجيله:
"وكان متكئًا في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يحبه. فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه. فاتكأ ذاك على صدر يسوع، وقال له يا سيد من هو؟ أجاب يسوع هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه. فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطي. فبعد اللقمة دخله الشيطان. فقال له يسوع ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة. وأما هذا فلم يفهم أحد من المتكئين لماذا كلّمه به. لأن قومًا إذ كان الصندوق مع يهوذا، ظنوا أن يسوع قال له: اشتر ما نحتاج إليه للعيد، أو أن يُعطى شيئًا للفقراء. فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت. وكان ليلًا. فلما خرج قال يسوع الآن تمجّد ابن الإنسان، وتمجّد الله فيه" (يو13: 23-31).
لو كان بطرس قد علم بالأمر قبل خروج يهوذا، لما كان قد سمح له أن يخرج. ولكن المرجح أنه علم من يوحنا بعد خروج يهوذا، وبعد مرور وقت كاف لا يسمح لبطرس بتتبعه..
السيد المسيح يواجهه خيانة يهوذا
"ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة" (يو13: 27)

الملاحظ هنا أن السيد المسيح قال هذه العبارة ليهوذا، على سبيل التوبيخ والإنذار للتوبة. لأن يهوذا هو الذي كان يتعجل أي فرصة مواتية، ليذهب سريعًا إلى رؤساء الكهنة الذين كانوا ينتظرون مجيئه بفارغ الصبر.
لم يقل له السيد المسيح "اذهب بسرعة لتسلمني لليهود". ولكن قال: "ما أنت تعمله" تاركًا له حرية الاختيار بين أحد أمرين:
·إما أن يعمل عمل التوبة بسرعة فيتأهل للتناول من جسد الرب ودمه، إذ يترك عنه الخيانة ويبقى مع التلاميذ.
·أو أن يخرج سريعًا ويخلى المجال، ليتمكن السيد المسيح في العلية من تأسيس سر العشاء الرباني، الذي لا يستحق يهوذا أن يشترك فيه، وبحيث يتم ذلك قبل القبض على السيد المسيح في البستان.
وقد اختار يهوذا -كما سبق السيد المسيح وأنبأ- الخيار الثاني. وخرج للوقت لأنه كان قد سلّم قلبه بالكامل للشيطان.. وبعد خروجه ومعه شيطان قلبه، بدأ السيد المسيح في تقديس القربان إذ قال "الآن تمجّد ابن الإنسان وتمجّد الله فيه" (يو13: 31). لم تكن لقمة الفصح اليهودي التي أعطاها السيد المسيح ليهوذا قبل خروجه هي السبب في دخول الشيطان فيه. أما قول الكتاب "بعد اللقمة دخله الشيطان" (يو13: 27)، فهو مرتبط بقوله السابق لهذا الأمر "وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا سمعان الإسخريوطي أن يسلِّمه" (يو13: 2).
كان السبب الحقيقي لدخول الشيطان في يهوذا، هو إصراره على الخيانة، بالرغم من محبة السيد المسيح وتحذيراته له. وتخلى النعمة عنه في نهاية الأمر لأنه لم يستحقها، بل رفضها وبإصرار.. والنعمة لا تفرض وجودها على أحد..
أليس هذا هو ما حذر منه السيد المسيح من التجديف على الروح القدس؟.. وهو ما ينتج عن رفض التوبة وبإصرار إلى النهاية؟!
السيد المسيح يواجهه خيانة يهوذا
حسن التدبير

عامل السيد المسيح يهوذا الإسخريوطي بمنتهى الرفق والرقة، في مقابل خيانته الشنيعة، وحتى حينما حرمه السيد المسيح من التناول من الأسرار المقدسة، فقد فعل ذلك بطريقة حسن التدبير، وحسن اختيار الزمان والمكان.
فبسابق علمه كان يعرف أن يهوذا يتحيّن الفرصة للذهاب لرؤساء الكهنة، ولا يرغب في البقاء بعد انتهاء الفصح اليهودي، بل كان كل همه أن يعرف خط سير السيد المسيح.
أثناء الفصح اليهودي حذَّره السيد المسيح من الخيانة بقوله: "إن ابن الإنسان ماضٍ كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يُسلَّم ابن الإنسان. كان خيرًا لذلك الرجل لو لم يولد" (مت26: 24).
كان التحذير شديدًا وعميقًا ومؤثرًا.. ولكن يهوذا لم يبالِ.. وحينما سأل يهوذا السيد المسيح "هل أنا هو يا سيدي" (مت26: 25). أجاب السيد المسيح وقال له: "أنت قلت" (مت26: 25).
بعد هذه التحذيرات قال السيد المسيح ليهوذا: "ما أنت تعمله، فاعمله بأكثر سرعة" (يو13: 27). وبهذا ترك له حرية الاختيار بين البقاء والتراجع عن الخيانة، وبين الخروج الذي كان يهوذا يتعجله.
وكما رأينا، اختار يهوذا أن يخرج مسرعًا.. وهنا بدأ السيد المسيح في تأسيس سر الشكر، وتقديس القربان والكأس التي للعهد الجديد. وذلك بعد أن خرج الذي أضمر خطية في قلبه.
بكل هذا التدبير العجيب صنع السيد المسيح العشاء الرباني بعد خروج يهوذا.. وغالبًا ظن يهوذا أن الفصح اليهودي لم يكن باقيًا بعده سوى الختام والتسبيح.
كانت أقدس اللحظات قد أوشكت.. وخرج الخائن.. غير الطاهر (انظر يو13: 10، 11)، وأصبح الجو مهيئًا ليمنح السيد المسيح أعظم عطية في الوجود لتلاميذه.. وهو ما تقول عنه الترنيمة:
هذا عشا العريس قدّم للعروس والوعد بالفردوس لحافظ العهد
في بساطة واتضاع عجيبين أعطى السيد المسيح جسده لتلاميذه قائلًا: "خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم. اصنعوا هذا لذكرى" (لو22: 19، انظر مت26: 26).
وسبق أن قال لهم: "من يأكل جسدي ويشرب دمى يثبت في وأنا فيه" (يو6: 56).
هؤلاء التلاميذ الضعفاء المساكين.. وهم قوم بسطاء وأغلبهم من الصيادين.. أعطاهم السيد المسيح سر حبه الأمين.. في ليلة آلامه.. جسده الذي يقسم عنهم، ودمه الزكى الثمين الذي يسفك لأجل كثيرين.. وهو فرح جميع القديسين.
أعطاهم السيد المسيح عربون الحياة الأبدية، بيده الطاهرة الطوباوية، حين لم تعد للخيانة في الحاضرين بقية.. مترفقًا بضعف الباقين الذين كانت محبتهم حقيقية، ولكنها كانت تنتظر قيامته القوية.
وهنا نتذكر ما كتبه قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الرب حياة قداسته- عن القوة التي تمنحها القيامة في أبيات ذهبية (نظمت سنة 1951 م.):
قم حطم الشيطان لا تُبق لدولته بقية قم بشر الموتى وقل غفرت لكم تلك الخطية
قم قو إيمان الرعاة ولِمّ أشتات الرعية واغفر لبطرس ضعفه وامسح دموع المجدلية
واكشف جراحك مقنعًا توما فريبته قوية
كانت خطية يهوذا في خيانته هي عدم المحبة. أما باقي التلاميذ في ضعفهم أثناء آلام السيد المسيح وصلبه، فكانت محبتهم تنتظر قوة وفاعلية الروح القدس، لكي تكون قادرة على هدم كل محاربات الشيطان..
هناك فرق بين الهزيمة والخيانة.. فالجندي الأمين في الميدان من الممكن أن ينهزم وقتيًا، ولكنه ليس من الممكن أن يخون..
مثل هذا الجندي يحتاج إلى معونة من قيادته القوية، سواء بالأجناد أو بالسلاح والعتاد. وهذا ما يفعله الله مع أولاده المخلصين الأمناء، إن انهزموا وقتيًا في ضعف، وصرخوا إليه طالبين المعونة لخلاصهم.
السيد المسيح يواجهه خيانة يهوذا
لماذا خان سيده

اختار السيد المسيح يهوذا الإسخريوطي وهو يعلم مسبقًا أنه سوف يخونه ويسلّمه لأعدائه من اليهود. ولكن بالرغم من ذلك فإن السيد المسيح حاول أن يثنيه عن خيانته وأنذره بعواقبها. ولكن يهوذا أصر على الخيانة ولم تنفع معه النصائح والإنذارات ولم يؤثر فيه العتاب والتوبيخ.
إن الرب يظل أمينًا وفيًا حتى ولو خانه أصدقاؤه. وقد تألم السيد المسيح كثيرًا لسبب خيانة أحد تلاميذه له. وكان هذا من الأسباب التي جعلت نفسه حزينة جدًا حتى الموت في ليلة آلامه. ولكن بالرغم من ذلك فإنه قد اختار يهوذا الإسخريوطي ليكون واحدًا من الاثني عشر، ويؤدى دوره في تسليم السيد المسيح وبهذا يصير وسيلة لتحذير كل تلاميذ الرب من الخيانة وبشاعتها.
وفى أسبوع الآلام تركِّز الكنيسة في الخميس الكبير وقراءاته على واقعة خيانة يهوذا، وتمنع التقبيل لعدة أيام في هذا الأسبوع المقدس استنكارًا للقبلة الغاشة التي سلّم بها يهوذا سيده ومعلمه إلى اليهود، الذين حكموا عليه بالموت وأسلموه إلى الرومان ليصلبوه.
وينبغي علينا أن نتنبه في طقس البصخة المقدسة أن يهوذا لم يتناول من جسد الرب ودمه، بل أكل فقط من عشاء الفصح اليهودي وحينما غمس السيد المسيح اللقمة في المرق وأعطاه، خرج للوقت. وبعدها بدأ السيد المسيح في تقديس الخبز والخمر وتأسيس سر الافخارستيا أي التناول المقدس. وقد سبق أن نشرت مجلة الكرازة مقالًا تفصيليًا بهذا الخصوص استنادًا إلى ما ورد في الأناجيل الأربعة. كما أن قداسة البابا شنودة الثالث أطال الرب حياته قد نبّه مرارًا وتكرارًا أن يهوذا لم يتناول من جسد الرب ودمه. وكذلك فإن المجمع المقدس في جلسته في عيد العنصرة (يونيو 2002م) قد نبّه إلى تصحيح قراءات عظات قطمارس البصخة المقدسة katameooc واستبعاد العبارات التي تشير إلى تناول يهوذا من جسد الرب ودمه الأقدسين.
السيد المسيح يواجهه خيانة يهوذا
نبوات عن خيانة يهوذا

وردت نبوة عن يهوذا في المزمور المائة والتاسع (مز109: 8) واقتبسها القديس بطرس الرسول في حديثه عنه بعد انتحاره وعند اختيار متياس الرسول بدلًا منه والمذكور في سفر أعمال الرسل (أع1: 20) "لتصر داره خرابًا ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر"وهذا المزمور يحوى كلامًا كثيرًا عن يهوذا الإسخريوطي ويبدأ بعبارة "يا إله تسبيحي لا تسكت. لأنه قد انفتح علىّ فم الشرير وفم الغش.." (مز109:1، 2).
ويستطرد المزمور فيقول "فأقم أنت عليه شريرًا وليقف شيطان عن يمينه. إذا حوكم فليخرج مذنبًا وصلاته فلتكن خطية. لتكن أيامه قليلة ووظيفته ليأخذها آخر.. من أجل أنه لم يذكر أن يصنع رحمة بل طرد إنسانًا مسكينًا وفقيرًا والمنسحق القلب ليميته. وأحب اللعنة فأتته ولم يسر بالبركة فتباعدت عنه" (مز109: 6-8، 16، 17).
وهنا يكشف المزمور سر هلاك يهوذا الإسخريوطي في عبارة "وأحب اللعنة فأتته ولم يسر بالبركة فتباعدت عنه" (مز109: 17).
أحيانًا يحاول البعض أن يدافعوا عن يهوذا الإسخريوطي ويقولون إن يهوذا قد قدّم خدمة للبشرية بتسليمه السيد المسيح لليهود لكي يتم الفداء والخلاص. وأن السيد المسيح قد اختاره لهذا الغرض.
ولكن السيد المسيح أنذر يهوذا بأن الخلاص سيتم؛ من خلال خيانة يهوذا أو بدونها. ولكن ويل لمن يقوم بهذه الخيانة. وقد سجلت الأناجيل قول السيد المسيح هذا بحضور يهوذا: "إن ابن الإنسان ماضٍ كما هو مكتوب عنه. ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يُسلَّم ابن الإنسان. كان خيرًا لذلك الرجل لو لم يولد" (مت 26: 24).
وها هو أيضًا المزمور يوضح أن يهوذا قد "أحب اللعنة فأتته، ولم يسر بالبركة فتباعدت عنه" (مز109: 17).
وقد كشف المزمور بهذا مشاعر قلب يهوذا الداخلية أنه أحب اللعنة، ولذلك جاءته هذه اللعنة. أحب أجرة الظلم، وجاءت معها اللعنة. أحب الخيانة، وجاءت معها اللعنة. أحب مشورة الشياطين، وجاءت معها اللعنة. أحب مؤامرة الأشرار، وجاءت معها اللعنة.
كذلك فإنه لم يسر بالبركة فتباعدت عنه. لم يسر برفقة السيد المسيح، فتباعدت عنه البركة. لم يسر برفقة التلاميذ المخلصين، فتباعدت عنه البركة. لم يسر بحضور القداس الإلهي الأول، فتباعدت عنه البركة. لم يسر بمرافقة السيد المسيح ومشاركته في ليلة آلامه، فتباعدت عنه البركة. لم يسر بحديث السيد المسيح عن صلبه وقيامته، فتباعدت عنه البركة. لم يسر بوظيفته الرسولية، فتباعدت عنه البركة. لم يسر بأن يصنع رحمةً بل طرد المنسحق القلب ليميته، فتباعدت عنه البركة.
ماذا نقول عنك يا يهوذا؟ لقد صرت نذيرًا وتحذيرًا لكل من تسول له نفسه الخيانة. لقد أحزنت قلب سيدك الذي قدّم لك الحب وصار يقول: "بدل محبتي يخاصمونني. أما أنا فصلاة. وضعوا علىّ شرًا بدل خيرٍ، وبغضًا بدل حبي" (مز109: 4، 5).
السيد المسيح يواجهه خيانة يهوذا
نهاية الخائن

بعد تسليم السيد المسيح، وصدور حكم مجمع اليهود عليه بالموت، لم يحتمل يهوذا الإسخريوطي أسلوب الرقة والمحبة التي عامله بها السيد المسيح من قبل.. ووضع الشيطان في قلبه أن يمضى ويقتل نفسه.
وبالفعل إذ لم تكن في قلبه محبة ولا اتضاع، لم يلجأ إلى السيد المسيح تائبًا معتذرًا عما بدر منه، بل مضى وشنق نفسه..
وهكذا نرى أن لطف الله وأناته الذي يقتادنا إلى التوبة، هو نفسه يصير سبب دينونة لنا، إن لم نتراجع عن خطايانا بقلوب ملؤها الحب والثقة في الله.
عن ذلك قال معلمنا بولس الرسول: "غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكنك من أجل قساوتك، وقلبك غير التائب، تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة" (رو2: 4، 5).
كثير من الدروس نستطيع أن نتعلمها من خيانة يهوذا، وموقف الرب منه، ومعاملاته الممتلئة حنوًا من نحوه، ومصيره الذي اختاره لنفسه وذهب إليه بإرادته..
أيها الرب يسوع المسيح، ليتنا نفهم شيئًا من سرك العجيب، فنتأملك بالدهش.. وتعجز كلماتنا عن أن تصف فضائلك يا ملك القديسين.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
اختلج قلب السيد المسيح في أسى، وهو ينظر إلى خيانة التلميذ
ايقونة خيانة يهوذا والقبض على المسيح من فن الكتابة البيزنطي
السيد المسيح يواحهه خيانة يهوذا
خيانة يهوذا الإسخريوطى للسيد المسيح
خيانة يهوذا والقبض على المسيح


الساعة الآن 05:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024