السعادة الزوجية حماية من الأمراض العصرية
وجدتهما في طرقات المشفى يستند عليها وهي تمسك بيده، تساعده على المسير، تلفه بذراعها وكأنها تلفه بقلبها، رأيتها تمعن في مساعدته اما لحب عتيق بينهما، أولإحساسها بالذنب تجاهه، فابتسمت لهما وسألت عن حالته فقالت أصابته جلطة في المخ لكن مرت ـ والحمد لله ـ بسلام.
فسألت: وما هو سبب الجلطة ؟
قالت: جاءته على اثر ثورة وعصبية ونرفزة ذات ليلة ثم بات ليلته واستيقظ لايتكلم بل لا ينطق، فقط ينظر الينا ويبكي
فسألتها: هل هو عصبي المزاج بطبعه؟ هل كان عادة ما يتعصب ويستثار؟
قالت نعم، كان هكذا دائما
ثم تململ الرجل وبصعوبة شديدة حاول ان يتكلم معبرا عما يجول بداخله؛ فقال كلمات لم افهم الا: منها لله. انها هي السبب. وحاولت هي ان تسكته وكاد ان يستجيب لأوامرها ولكنني افسحت له المجال واشرت اليها ان دعيه يعبر عما بداخله فهذا احسن لحالته.
فقال بكلمات متهدلة: كنا اسعد زوجين على وجه الدنيا، اشير لها فتفهمني، تنظر الي فأفهم ماتريد، وكانت هي تقدم الي ما يدور في خلدي، قبل ان ينطق به لساني. وبدأت العبرات تتساقت من عينيه، فبدأت هي تتململ من الحديث المحرج وابدت رغبتها في ان تذهب به الى سريره ليستريح، وفهمت انها ارادت الهروب، فهممت بالانصراف، لكنه احكم قبضته على معصمي متشبثا به ومتكئا علي فوجدت انه من اللياقة ان اذهب معه الى حيث سيرقد، وهناك بدأ يسترسل في حديثه بسعادة بالغة وكأنه فرح لانه وجد من يسمعه وقال: كان حالنا كما وصفت لك من اسعد الاحوال ثم فتح الله علينا ورزقنا المال الوفيروتدرجت بنا الاحوال من حسن الى احسن وصعدنا السلم الاجتماعي والمالي درجة درجة لكن الحب كان يتضاءل بيننا درجة درجة.
اصيبت زوجتي بسعار الموضة وبكل ما هو جديد وحديث في كل شيء من ملابس وبرفانات وحلي والماس واحجار كريمة واصواف وحرير، وسهرات وسفريات ورغبات متلاحقة.
وانتقلنا من بيتنا المتواضع الى فيلا كبيرة، وكل هذا وهي تحتفظ بوجه عبوس وصرامة شديدة فإما ان استجيب لطلباتها وبسرعة أو تقيم الدنيا ولا تقعدها، وتحيل حياتي الى هم وغم ونكد، حاولت ان اهديها الى الايمان حاولت ان ازرع فيها التقوى والورع ولما فشلت فشلا ذريعا، تمنيت بل ودعوت الله ان ياخذ المال الذي اعطاني ويعود بي الحال إلى ماكنت عليه من فقر وعوز. كانت دائما عصبية المزاج ثائرة الطبع بل منهارة الاعصاب غاضبة من كل شيء نافرة من كل شيء، كارهة لكل شيء، وتحولت حياتنا الى جحيم مستعر، وكلماتنا الى طلقات نارية محرقة متبادلة، كل منا يكيل للاخر اللعن والسباب بمناسبة وبغير مناسبة وظللنا على هذا الحال حتى حدث لي ما حدث، واصيبت هي بمرض الهستيريا العصبية، واكتئاب نفسي، وتسبب سوء العلاقة الزوجية في سوء الحالة الصحية.
وهنا التفت – أنا - اليها حانقا غاضبا اريد ان اصب عليها جام غضبي ولكنني عجباً رأيت، رأيتها وقد غسلت وجهها بدموع الندم، وتحولت عيناها الى جمرتين حمراويتن باكيتين حزينتين، وبدلا من ان اثور عليها أشفقت عليها كما اشفقت عليه من قبل فلقد كانت فريسة للشيطان واطماع النفس وعبودية الهوى وعجبت لهما ولكل من على شاكلتهما يضيعان اجمل ايام العمر واحلى لياليه في نكد وهم وغم، يتباريان ليظهرا من الاقوى ،وصاحب النفوذ، والذي لا يخضع ولا يلين، والاقدر على ان يأخذ ولا يعطي، وتكون النتيجة ان يصابا بأمراض نفسية وعصبية وجلطات قلبية ومخية، وغيرها.
اعزائي الازواج ارجوكم لا تضيعوا اجمل ايام العمر بين مشاكل، ومشاحنات، وتبارٍ بالعضلات وتفاخر بالانساب وتنابز بالالقاب، فالعمر يركض والحياة تنتهى رويدا رويدا ،والجمال سيخبو، والقوة ستضعف، وعضلاتكما ستفتر، ونفوذكما سيزول، والايام الحلوة ستنقضي، وقد يجلس احدكما في نهاية عمره على كرسي متحرك ويبحث عمن يأخذه الى الحمام فلا يجد اقرب من شريك عمره، بل قد يطلب منه ان يساعده في قضاء حاجته، وقد يحمله من والى سريره، وقد يستعطفه ليحضر اليه كوبا من الماء، واذا اشتدت عليه الازمة القلبية فلا يجد اقرب منه ليعطيه الدواء، فكيف تكون حالتك النفسية حينها وانت الذي او التي كنت تهدد وتوعد وتزبد وترغد، ارجوك فكر وفكري في ذلك اليوم واعدا له عدته قبل ان يأتي ذلك اليوم – لاسمح الله- فاننا لنرى اشياء عجيبة واحوالا غريبة بين الناس عندما تخفت عنهم الاضواء وتنسحب من حولهم الكاميرات ويعيشان كبر السن والعوزوالحاجة والهم والمرض، يستوي في ذلك الغني والفقير، القوي والضعيف، الوزيروالغفير.
اخي القارئ اختي القارئة عيشا لحظتكما بكل حب، عيشا يومكما بكل ود، قدما المعروف، واعملا الخير قبل ان يأتي يوم لاتستطيعان فيه عمل الخير،مد يدك اليها الان وساعدها في ضعفها قبل ان تمد يدك اليها طالبا عونها . قولي له اني احبك قبل ان يتحجر اللسان وتحدقي فيمن حولك ولا تتفوهي وتريدي ان تعبري فتفشلين. لا تجعلا الايام الجميلة ايام الصحة والجمال والغنى والشباب والرغبة والحب، تمر دون ان تشعرا بها ثم تفيقا في الايام العجاف التي لا جمال فيها ولا مال ولا حب ولا رغبة صدقاني ،اذا لم ينطق اللسان بالحب اليوم فسيتلعثم عنها غدا. واذا لم تتعانقا اليوم فلن تقوى ايديكما عليه غدا. واذا لم تتراحما اليوم فستكونان محلا للقسوة غدا. واذا لم تتحابا امام ابنائكما فلن يعرف ابناؤكما الحب غدا. ابحثا عن السعادة الزوجية وحققاها في اسرتكما