|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة أ - تفسير سفر المزامير تطويب الطاعة بقلبٍ غير منقسمٍ[1 - 8] إن كانت الموعظة على الجبل وهي قلب العهد الجديد بدأت بالتطويب فإن سفر المزامير وهو قلب العهد القديم قد بدأ أيضًا بالتطويب (مز1:1)، وها هو المزمور 119، قلب سفر المزامير، أي قلب القلب يبدأ بالتطويب. يبدأ "مزمور التوراة" هذا، أو "مزمور الوصية" بالتطويب، لأن الوصية تدخل بالإنسان إلي الحياة التي بلا عيب، فيحفظ المؤمن الحق ويصنع البرّ في كل حين (مز 3:106)، يتقي الرب (مز 1:112)، ويسلك في طرقه (مز 1:128؛ أم 32:8؛ لو 28:11). إنه يدخل إلي الحياة المطوّبة، أي يعود إلي الحياة الفردوسية التي فقدها الإنسان الأول بعصيانه للوصية. غاية الوصية الدخول إلي ملكوت الفرح، فيتهيأ المؤمن للعرس الأبدي السماوي، إذ قيل: "طوبى للذين يصنعون وصاياه لكي يكون سلطانهم على شجرة الحياة، ويدخلون من الأبواب إلي المدينة" رؤ 14:22. إنهم يعودون لا إلي جنة عدن حيث شجرة معرفة الخير والشر، وحيث الشيطان والحية يخدعان، وإنما إلي أورشليم العلىا حيث السيد المسيح نفسه شجرة الحياة يشبعهم ويمجدهم. الأن كيف ننعم بتطويب الطاعة هذا؟ 1. الطاعة بالمسيح طريقنا الملوكي 1. 2. طاعة سلوك عملي 1. 3. طاعة بالدراسة والفحص 2. 4. طاعة بكل القلب 3. 5. طاعة المثابرة 4 -5. 6. طاعة لكل الوصايا 6. 7. طاعة بفرح 7. 8. طاعة وسط الآلام 8. من وحي المزمور 119 (ا) 1. طاعة بالمسيح "طريقنا الملوكي" "طوباهم الذين بلا عيب في الطريق" [1]. إن كان واضع هذا المزمور هو داود النبي أو غيره من رجال الله القديسين، فهل كان يشعر باستحقاقه للتطويب الإلهي بكونه بلا عيب في الطريق؟ ليس من أحد - في العهد القديم أو العهد الجديد - بلا خطية أو بلا عيب إلا السيد المسيح، حمل الله الذي بلا عيب (1 بط 19:1)... لهذا يمكننا القول بأن من أراد أن يتمتع بالتطويب لزمه أن يحمل سمات سيده القدوس، أي أن يصير مقدسًا بالتصاقه بالرب، الذي وحده يقول: "أنتم طاهرون" (يو 10:13)، لأن دمه يطهر من كل دنس (1 يو 7:1)، هو كفارة عن خطايانا (1 يو 2:2). التطويب ليس سعادة أو فرحًا مجردًا، وإنما هو تمتع بالشركة مع الله، فيه يشعر الإنسان المؤمن بأن الله هو بره وفرحه وسعادته، يرى في داخله قانون الله أو وصيته هي قانونه الطبيعي، فتطابق حياته مشيئة الله، وتفيض أعماقة بالقداسة كنبعٍ طبيعي! هذا هو سرّ تهليل النفس المتحدة بالله خلال السيد المسيح الكلمة الإلهي بالروح القدس! بينما يئن العالم في بؤس إذ يشعر بالاحتىاج وعدم الشبع، إذ بشعب الله الحقيقي يفرح ويتهلل متنعمًا بعربون الحياة المطوّبة السماوية. بقوله "الذين بلا عيب في الطريق" [1]، يقصد حفظ طريق الوصية الإلهية، بالمعنى الإيجابي والسلبي معًا. فالإنسان المطوّب هو ذاك الذي يتمم الوصية بعمل الخير والامتناع عن الشر. يقول ربنا يسوع المسيح: "أنا هو الطريق" يو 6:14؛ فيه نبلغ طريق الملك (عد 17:20)، الطريق الواحد (غلا 14:5)، وهو طريق حي (عب 19:10)، طريق المحبة (1كو 31:12)، والقداسة (إش 8:35)، والبرّ (2بط 21:2)، والحياة (مت 14:7) والحق (2بط 2:2)، والخلاص (أع 17:16)، والكمال (مت 48:4؛ 21:19). 2. طاعة سلوك عملي إن كان مسيحنا هو الطريق الملوكي الذي به وفيه نطوّب، يليق بنا أن نسير فيه، فتصير الطاعة سلوكًا عمليًا. لذا يقول المرتل: "السالكون في ناموس الرب" [1]. يربط المرتل المعرفة بالحياة العملية، فالوصية ليست مجالًا للمعرفة العقلأنية الجافة بل هي ممارسة حيَّة عملية. لذا بدأ المزمور الخاص بالكلمة بالكشف عن الحياة التي بلا عيب والسلوك العملي بالوصية. يقول الأب نسطوريوس في مناظرات يوحنا كاسيان: * لم يقل (المرتل) في المحل الأول "طوبى للذين يطلبون شهاداته" ثم يضيف: "طوبى للذين بلا عيب في الطريق"، لكنه يبدأ بالقول: "طوبى للذين بلا عيب في الطريق"، موضحًا بجلاء أنه ما من إنسان يأتي بلياقة ليطلب شهادات الله ما لم يسلك أولًا بلا عيبٍ في طريق المسيح بحياته العملية. لذلك فالذين ذكرتهم أنت لا يملكون هذه المعرفة التي لا ينالها الدنسون، هذه التي يتحدث عنها الرسول الطوباوي: "يا تيموثاوس احفظ الوديعة (المسلمة لك)، معرضًا عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات المعرفة الكاذبة الاسم"1 الأب نسطوريوس الحياة المطوّبة التي يعلنها المرتل هنا، والتي يشتهيها كل مؤمنٍ حقيقي هي مكافأة تقدم لنا عن الإيمان الحي العملي. * يحمل الإيمان (وعدًا) بالحياة الأبدية، لأنه أساس صالح. وتحمل الأعمال الصالحة أيضًا ذات (الوعد)، لأن البار يُمتحن بكلماته وأعماله... البرّ والمعرفة يجعلان الإنسان مطوَّبًا، وقد لاحظنا فعلًا أن طوباوية الحياة الأبدية هي مكافأة الأعمال الصالحة1. القديس أمبروسيوس * يليق بنا أن نتطلع إلي وصايا الله عندما تُقرأ، أو عندما تستدعيها الذاكرة وذلك كمن يتطلع في مرآة كقول الرسول يعقوب. مثل هذا الإنسان يريد أن ينظر إلي وصايا الله كما في مرآة ولا يرتبك، لأنه يختار لا أن يكون سامعًا للوصايا فحسب بل وعاملًا بها. لهذا يرغب في أن تتجه طرقه نحو حفظ قوانين الله. كيف تُوجه إلا بنعمة الله؟ وإلا فإنه لا يجد في شريعة الله مصدر فرحٍ بل مصدر ارتباكٍ، إن اختار أن ينظر إلي الوصايا ولا يعمل بها. القديس أغسطينوس * الأن الطريق غير قابل للخطأ، أعني يسوع المسيح؛ إذ يقول: "أنا هو الطريق والحياة". هذا الطريق يقود إلي الآب، إذ يقول "ليس أحد يأتي إلي الآب إلا بي" (يو 6:14.2). القديس أغناطيوس الأنطاكي 3. طاعة بالدراسة والفحص "طوباهم الذين يفحصون عن شهاداته" [2]. إن كان السيد المسيح هو الطريق الملوكي الذي يسلكه الذين بلا عيب فيدخلون إلي حضن الآب بروح الطاعة التي للمسيح الذبيح، فإنه هو أيضًا "الشَّاهِدِ الأَمِينِ" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 1: 5؛ 3: 14) الذي اعترف الاعتراف الحسن أمام بيلاطس بنطس، وشهد للحب الإلهي ببذل دمه بسرور (عب13:13) من أجل البشرية. يليق بنا كأعضاء جسد المسيح أن نطلب شهاداته ونفحصها، فمن جهتنا ليس لنا ما نقدمه، إنما نأخذ مما له من شهادات حق لنقدمها باسمه، قائلين: "حفظت وصاياك وشهاداتك" [168]. مادمنا نعيش في هذا العالم نجلس عند قدمي كلمة الله المتجسد نتتلمذ على يديه ونتدرب على الشركة معه بروحه القدوس. بالمسيح يسوع الشهيد الأعظم نُحسب شهداء، إذ نشهد عن إنجيله بقبولنا الألم بفرح. لا نعجب إن كان قد بدأ المرتل بتطويب السالكين في الطريق الملوكي بلا عيب، يلي ذلك تطويبه الذين يفحصون عن شهاداته، فكما أن الوصية الإلهية تدخل بنا إلي الحياة التي بلا عيب، فإن الحياة التي بلا عيب بدورها تدخل بنا إلي فهمٍ جديدٍ. واستنارة لمعرفة الوصية. لهذا يوصينا القديس البابا أثناسيوس الرسولي، قائلًا: [بالإضافة إلي الدراسة والتمتع بالمعرفة الحقيقية للكتب المقدسة، فإن كمال الحياة ونقاوة النفس والتشبه بالمسيح في الفضيلة أمور مطلوبة... فمن يريد أن يفهم ذهن الكُتَّاب المُقدسين يلزمه أولًا أن يغتسل ويتطهر بالحياة المقدسة ويقتدي بالقديسين أنفسهم بسلوكه مثلهم3.] 4. طاعة بكل القلب يُنسب التطويب إلي البسطاء الذين يطلبون الله دون سواه من كل القلب. فالبساطة عكس التعقيد. القلب البسيط يحمل اتجاهًا واحدًا، ويسير في طريق واحدٍ، وله غاية واحدة هي حب الله؛ أما القلب المعقد فيعرج بين طريق وآخر، بين محبة الله ومحبة العالم. "ومن كل قلوبهم يطلبونه" [2]. القلب هو البصيرة الداخلية التي بها يمكننا معاينة الله خلال التوبة، لأننا فقدنا تمتعنا برؤيته بسبب خطايانا التي أفسدت بصيرتنا الداخلية. الإنسان الذي يتقدس في المسيح يسوع "الطريق الملوكي"، ينشغل فكره بشهاداته وقلبه بطلبه، بمعنى آخر تتقدس كل إمكانياته العقلية والعاطفية. يفحص الفكر عن شهادات الرب مشتاقًا أن يموت معه كل يوم، ويطلبه بالقلب ليتحد معه ويسكن معه أبديًا. يطلبه من كل قلبه الملتهب بنار الحب الإلهي، فلا يكون لآخر موضع معه في القلب. يطلب المؤمن الرب من كل قلبه، فلا يعرف التعريج بين الفرقتين، إذ لا يستطيع العالم بكل إغرءاته، والخطية بكل لذتها، وإبليس بكل حيله وخداعاته أن يتسللوا إليه. إن كان المؤمنون يطلبون الرب من كل قلوبهم، إذ يختبرون عذوبة السيد المسيح "طريقهم" الأوحد، فإن غير المؤمنين (اليهود) إذ يرفضونه إنما يجحدون النبوات عنه، هذه التي هي "طرقه" التي قدمها إليهم عبر العصور. يقول المرتل: "لأن صانعي الإثم لم يهووا أن يسلكوا في سبله (طرقه)" [3]. يميز أنثيموس أسقف أورشليم بين السيد المسيح "الطريق"، والأنبياء "طرق الرب" قائلًا: [وأما النبي فقال في السطر الأول "الطريق" بصيغة المفرد، وأما في السطر الثالث فقال "طرقًا" بصيغة الجمع. فالطرق الكثيرة هي تعاليم الأنبياء والرسل والمعلمين الذين يرشدون الناس إلي الاستقامة. وأما الطريق الواحد فهو ربنا يسوع المسيح القائل: "أنا هو الطريق والحق"، لأنه يوصل الذين يتبعونه إلي أبيه.] لم يقل المرتل "لأن صانعي الإثم لم يسلكوا في سبله" وإنما قال "لم يهووا"، فإن المؤمنين الحقيقيين يطلبون الرب ويهوونه بكل قلبهم، بكونه موضع حبهم وشوقهم ولذتهم، أما الأشرار فلا يطيقون الرب ولا يقبلون بره أو قداسته. طاعة الأبرار تنبع عن لذة داخلية وحنين لله نفسه، وعصيان الأشرار ينبع عن جفاف القلب وبروده من نحو الله. 5. طاعة المثابرة إذ يفتتح المرتل هذا المزمور بإعلأن الطوبى لمن يلتقي بالسيد المسيح بكونه "الطريق" [1]، بدء الطريق ونهايته، إذ هو "الألف والياء، البداية والنهاية" رؤ 8:1، يسأل أن يدعوه الله للتمتع بهذا الطريق والثبوت فيه باستقامة، قائلًا: "فياليت طرقي تستقيم إلي حفظ حقوقك" [5] لا يكفينا أن نُدعى إلي الطريق فنناله، وإنما نصرخ إلي الله أن يبقينا فيه فتستقيم طرقنا باتحادنا مع الطريق الحق الذي وحده بلا عيب ولا انحراف. الرب هو البكر الذي يبدأ معنا، وهو الذي يرافقنا حتى ننجز رسالتنا بروح الجهاد المستمر والمثابرة بالرب. تؤكد كلمات المرتل أن الله لم يقدم لنا وصيته وهو يعلم أن حفظها مستحيل كما يظن البعض1. * للرب الباكورة (بدء العمل) والأنجازات (تكملته). فلكي أبدأ السير في الطريق يلزم أن أُدعى، لأنه: "من الرب خطوات الرجل، أما الإنسان فكيف يفهم طريقه؟" أم 24:20. ولكي لا انحرف عن الطرق المستقيمة وحتى لا أسلك في طريق معوج أقول بأسلوب التمني: "فيا ليت طرقي تستقيم إلي حفظ حقوقك". فإنني لا أحفظ حقوقك ما لم تكن طرقي تحت إرشادك وتدبيرك. العلامة أوريجينوس مثابرتنا لا تعني إلا جهادنا المستمر بعمل النعمة فينا، لذا نصرخ دومًا مع المرتل، قائلين: "فياليت طرقي تستقيم إلي حفظ حقوقك" [5]. لأنه بدون نعمته نتعثر في الطريق فننحرف. وكما يقول أحد الآباء [إذ توجد عوائق عديدة تقاوم الفضيلة، تُحسب كأنها موانع تعوق مسيرة الإنسان، لهذا يترجى (المرتل) إزالتها. بهذا يصير الطريق ممهدًا، كما جاء في كلمة الرب: "أعدوا وهيئوا طريق شعبي، ارفعوا عن شعبي حجر المعثرة" (إش 14:57؛ 10:62). كمثال كان حجر العثرة بالنسبة لداود النبي والملك هو اشتهاء امرأة والرؤية التعيسة لها (2 صم 2:11)، وبالنسبة لعيسو اشتهاء طبق عدس (تك34:25)، وبالنسبة لشاول حب الغنى والثروة (1مل20). الرب هو الذي يمهد الطريق نازعًا كل هذه العوائق، فيعين عاشق الجمال بسحب جموحه في الشهوة وجذبه إلي السماء.] ويقول القديس أغسطينوس: [لن تتم هذه الأمور التي أمر بها الله إلاَّ كعطية من مقدم الوصايا وبمعونته، لأنه باطلًا نسألها إن كنا نقدر أن نتممها دون معونة نعمته1]. كل الذين يبتغون الغنى أو الشهوة لا يكفون عن السهر مع العمل ليلًا ونهارًا والبحث عن كل طريق لتحقيق أهدافهم، فبالأولى الذين يطلبون الله ويبتغون السكنى الأبدية معه أن يثابروا في حفظ وصاياه، وأن يكون جهادهم هو مادة صلواتهم الدائمة. كلما دخلوا إلي الطريق اشتاقوا إلي أعماق جديدة حتى ينسوا ما هو وراء ويمتدوا إلي ما هو قدام، يطلبون عمل نعمة الله التي تسندهم حتى النفس الأخير. بهذا تتناغم حياتهم مع صلواتهم، وينسجم جهادهم مع فيض نعمة الله المجانية. 6. طاعة لكل الوصايا في مثابرتنا لحفظ الوصايا باستقامة قلب نقبل ناموس المسيح كله، فلا نعرف أنصاف الحلول. نقبل الحياة الجديدة فيه بناموسها السماوي الروحي، نتفهم أسرار العهدين القديم والجديد وشرائعهما، لا على مستوي الحرف القاتل، وإنما على مستوى الروح الذي يبني. بهذا نقول: "حينئذ لا أخزى إذا ما تطلعت على جميع وصاياك" [6]. * مادمنا نقول أن الأنبياء هم الطرق، فعندما نقرأ الشرائع والنواميس والأنبياء نكون قد سلكنا باستقامة في الطريق بالرب، فنفهم طرقه وندركها، حينئذ لا نخزى أبدًا، إذ تصير هي طرقنا فنحفظ جميع وصايا الله. العلامة أوريجينوس * من يحفظ وصية ويترك غيرها يكون قد غدر بجميع الوصايا، إذ يهين الله الذي أوصى بها وربطها بعضها ببعض. فإن الذي قال لا تزنِ قال أيضًا لا تسرق، فإن سرقت تصير مدينًا للشريعة كلها، ولكن من يحرص على جميع الوصايا لا يخزى في يوم الدينونة الرهيبة. أنثيموس أسقف أورشليم إن كان العصيان للوصية قد دفع بأبوينا إلي الخزي، إذ يقول آدم: "سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت" تك 10:3، فإن طاعة السيد المسيح على الصليب قد نزعت عن المؤمنين اللعنة وأزالت الخزي وفتحت أبواب الفردوس حتى للص التائب! من يعصى الوصية يدخل إلي العار والخزي، ومن يبغى الطاعة الكاملة لا الجزئية للوصايا يجني ثمر المجد، ويرتدي ثوب العرس، ويترنم بفرح قائلًا: "حينئذ لا أخزى إذا ما تطلعت على جميع وصاياك" [6]... فالوصية هي ارتباط بالكلمة الإلهي الذي يهبه بهاءً ومجدًا أمام الآب وملائكته وقديسيه، ويهبه مهابة وسلطانًا ليدوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو. 7. طاعة بفرح وتسبيح "أشكرك يا رب باستقامة قلبي إذ عرفت أحكام عدلك" [7]. إذ يقدس السيد المسيح "الطريق" طرقنا يهبنا "استقامة القلب"، عندئذ يفيض القلب شكرًا وتسبيحًا لله. وكأن استقامة الطرق أو نقاوة القلب لا تنزع عنا الخزي فحسب [6]، وإنما تهبنا حياة الفرح الداخلي الذي يُترجم بالشكر والتسبيح. بغير هذه الاستقامة لن نستطيع أن نشارك السمائيين تسابيحهم مهما رددنا من تسابيح أو ترانيم في مخدعنا أو في الكنيسة... * الذي لم يستقم قلبه بعد، إنما يوجد فيه انحراف، لن يشكر (يحمد) الله ولا يقبل الرب اعترافه. العلامة أوريجينوس يعترف المرتل لله من أجل عمله في حياته حيث يهبه استقامة القلب ويقدم له معرفة أحكامه، فيشكره ويحمده. * هنا لا نجد اعترافًا عن خطايا، بل حمدًا، وذلك كما يقول (السيد المسيح) نفسه الذي ليس فيه خطية: "اعترف لك أيها الآب رب السماء والأرض" مت 25:11. حقًا إذ صارت طرقي مستقيمة أعترف لك، لأنك أنت الذي جعلتها هكذا، وهذا حمد لك لا لي... القديس أغسطينوس تتهلل نفس المرتل إذ "عرف" أحكام عدل الله، وكأن "المعرفة الروحية" التي يتمتع بها المؤمن كهبة إلهية، والتي تدخل به إلي استقامة القلب وتقديس الروح، تهب فرحًا بينما المعرفة العقلية البشرية فتزيد الغم. يقول الجامعة: "لأن في كثرة الحكمة كثرة الغم، والذي يزيد علمًا يزيد حزنًا" جا18:1. شتان ما بين الحكمة البشرية والحكمة الإلهية، أو بين المعرفة الإنسانية والمعرفة الروحية! المعرفة البشرية تكشف الضعف ولا تهب إمكانية إصلاحه، أما المعرفة الإلهية فتفضح ضعفنا لتستر عليه بغنى النعمة ... فنصير "تامين وكاملين، غير ناقصين في شيء" يع4:1. إذ يشكر المرتل الله من أجل ما وهبه من معرفة جديدة إنما يفتح الباب لينال معرفة أعمق وأعظم، لأنه كما يقول مار إسحق السريانيإنه ليست عطية بلا زيادة إلا التي بلا شكر. على أي الأحوال نلاحظ خلال هذا المزمور أن المرتل يطلب المزيد من المعرفة والعلم الإلهي. بهذا يؤكد لنا أننا مادمنا على الأرض يليق بنا أن نلتحق بمدرسة السيد المسيح ونجلس عند قدميه كي نتتلمذ له1. 8. طاعة وسط الآلام "حقوقك أحفظ، فلا ترفضني إلي الغاية (النهاية)" [8]. لكي نتمتع بالتطويب يليق بنا إذ نتعرف على السيد المسيح طريق البر الإلهي، نمسك به، ونقبل عمله فينا، ونخضع لأرادته، فنطيع الوصية بالسلوك والكلام والقلب، نطيعها في شموليتها فلا نقبل منها جانبًا دون آخر، نقبلها تحت كل الظروف. هذا الأمر تمتع به المرتل خلال استقامة قلبه الذي دفعه إلي حفظ حقوق الله، أو كما يقول العلامة أوريجينوس: [إنني سوف لا أمارس أمرًا ما يخالف مقاصد أحكامك.] هنا يتحدث المرتل بلغة الثقة والعزيمة الهادئة "حقوقك أحفظ"؛ بعدما تحول من الصلاة والطلبة إلي الفرح والتسبيح من أجل غنى نعمة الله وعمله فيه... ولئلا تتحول الثقة إلي كبرياء ذاتي أو افتخار بشري كما فعل معلمنا بطرس الرسول حين قال: "لو اضطررت أن أموت لن أنكرك" مت35:26، يقول المرتل: "لا ترفضني (تتركني) إلي النهاية". كأنه يقول في هدوء "حقوقك أحفظ" لأني أتمتع بنعمتك المجانية، فلا تتخلى عني حتى نهاية جهادي. هذه هي نية المرتل، وهذا هو تعهده في المسيح يسوع، لكنه إذ يخشى الضعف أمام تجربة ما أو خطية ما يسأل الله ألا يرفضه أو يتركه إلي الغاية أو إلي النهاية. * قوتي محدودة عندما اجتاز تجربة ما، فلا تتركني إلي النهاية. "ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ، لتستطيعوا أن تحتملوا" 1كو13:10. إنه لا يتركنا إلي "النهاية". يقول للذين تركوه: "أنتم تركتموني وأنا أيضًا تركتكم" 2أي5:12. أما بالنسبة لنا فنطلب ألا نكون مرفوضين، بل نكون في يده لا يتركنا أبدًا "إلي الغاية". إن حدث إن تركنا، فلنستغيث من جديد بالمسيح يسوع. العلامة أوريجينوس * يحدث أحيانا أن أُترك بعضًا من الوقت لكي أُمتحن في تجربة ما. فإذا ما احتملت المصاعب في كرامة، أخرج من التجربة منتفعًا. نعم، إن أتيت حالًا لتعينني، وبلغت إلي نهاية الصراع بطريقة حسنة أنال الإكليل. إذ أعدائي مصارعون مفزعون، "لا تتركني إلي الغاية"، حتى لا انهزم. العلامة أوريجينوس * "لحقوقك أحفظ، فلا تخذلني إلي الغاية"، أي أن المحن العالمية تمنعني عن حفظ حقوقك؛ لكنك لا تتركني أُمتحن فوق طاقتي لأني ضعيف. أنثيموس أسقف أورشليم يشبه القديس يوحنا ذهبي الفم الله بمربية مملوءة حنانًا، أو بأمٍ تربي طفلها الصغير، فإنها تضع يديها تحت يديه وهي تعلمه المشي. فجأة تسحب يديها فيسقط الطفل ويرفع عينيه متطلعًا إلي أمه في عتاب. تعود الأم فتحمله وتقبِّله، لكنها تكرر الأمر مرة ومرات حتى يتعلم المشي. هكذا يفعل الله المربي لنفوسنا فإنه كمن يتركنا إلي لحظات وقت التجارب حتى نختبر الألم وننمو وننضج روحيًا. إنه يسحب يديه من تحت أيدينا، لكن عينيه تترفقان بنا، وهم يهتم بكل حياتنا. لذا نصرخ إليه: "لا ترفضني إلي الغاية (النهاية)". في اختصار نقول إن تطويب الطاعة يقوم على الآتي: 1. طاعة في المسيح الطريق الملوكي [1]، نسلكه بإخلاص مع دراسة مستمرة للنمو في الشركة معه. 2. طاعة عملية سلوكية [1]. 3. طاعة كاملة: يبحث عنها العقل، ويطلبها القلب [2،3]. 4. طاعة الجهاد المستمر [4،5]، في كل الوصايا وليست جزئية [6]. 5. طاعة تبدأ بالبحث مع الصلاة والطلبة، وتنتهي بالفرح والتسبيح [7]. 6. طاعة الثقة في عمل النعمة [8]. 7. طاعة بفرحٍ وتسبيحٍ وسط الآلام [8]. من وحي المزمور 119 (ا) هب لي الحياة المطوبة أيها الابن المطيع! * "طوبى للذين بلا عيب في الطريق". من منا بلا عيب إلا أنت أيها الطريق الحق؟! هب لي أن أتحد بك، فأُحسب مطوبًا. بدونك أحسب عاصيًا وكاسرًا للناموس، وبك أتمتع بروح الطاعة وتكميل الناموس، فقد جئت ابنا مطيعًا حتى الموت، موت الصليب! وحدك لم تكسر الناموس بل أكملته بالطاعة! لأتحد بك فأدخل إلي أحضان أبيك وأتمتع بطوباوية فريدة! * وأنت واضع الناموس سُررت أن تخضع له بالطاعة؛ هب لي فيك السرور بالسلوك به، فأتنقى وأتطهر وأفهم بالأكثر وصاياك. تُرى هل أحفظ وصاياك فأتمتع بعطية فهمها؟! أم تهبني فهمها، فأُسر بحفظها وأثابر لعلى أبلغ كمالها؟! إني محتاج إليك فأنت تعطيني المسرة بها، تهبني الطاعة مع المثابرة في التنفيذ! وتهبني الأرادة المقدسة والفهم الفائق!! اتحادي بك أيها الابن المطيع يهبني هذا كله! * هب لي أيها الابن الوحيد روح الطاعة، هب لي الأرادة المقدسة والقلب المستقيم، فأفرح بكل وصايك وأسلك فيها مهما كانت تكلفتها. لا أعرف أنصاف الحلول بل أطلب جميع وصاياك! تتحول حياتي إلي شركة تسبيح وحمد مع السمائيين! * لا يتركني العدو المصارع أن أتهلل بطاعتي لك، يمرر حياتي بالآلام، فلا تتركني إلي النهاية يا مخلصي العجيب، حول حياتي إلي سلسلة نصرات لا تنقطع. ليكن صراعي لنموي لا لتحطيمي. أنمو فيك وأتهلل بك أيها الابن المطيع. |
|