|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قوة القيامة قيامة السيد المسيح من الأموات، كانت الحدث الأكبر، الذي هز كيان اليهود فحاولوا أن يقاوموه بكافة الطرق، حتى أنهم قالوا عن القيامة إن هذه الضلالة الأخيرة، ستكون أقوي من الضلالة الأولي، التي هي كرازة المسيح. فماذا كانت قوة القيامة، وماذا كان مفعولها؟ *** 1- لقد خرج المسيح من القبر وهو مغلق.. ولم يكن ذلك غريبًا عليه، أو علي القوة المعجزية التي له. فقد خرج أيضًا من بطن القديسة العذراء وبتوليتها مختومة. وكذلك في ظهوراته لتلاميذه بعد القيامة، دخل علي التلاميذ وهم مجتمعون في العلية "والأبواب مغلقة" (يو 20: 19). 2- ومن قوة القيامة، أن المسيح قام بذاته لم يقمه أحد.. كل الذين قاموا من قبل، اقامهم غيرهم: فابن أرملة صرفة صيدا أقامة إيليا النبي (1 مل 17: 22). وابن الشمونمية أقامة أليشع النبي (2 مل: 36). وأما ابنة يايرس وابن أرملة نايين، ولعازر، فهؤلاء أقامهم المسيح. ولكن المسيح نفسه قام بذاته، لأنقوة القيامة كانت فيه، وما كان ممكنًا أن يمسك من الموت، إذ أن فيه كانت الحياة (يو 1: 4). 3- وقد قام المسيح علي الرغم من كل الحراسة المشددة، وضبط القبر، والحراس، والأختام والحجر الكبير الذي علي باب القبر.. القوة العالمية بذلت كل جهدها، ولكنه كان أقوي منها. ودلت قيامته علي أنه كان أقوي من كل العوائق. كانت قيامته انتصارًا علي كل معارضيه ومقاوميه، وانتصار علي الموت وعلي الهاوية وعلي القبر وعلي الحجر الكبير وعلي الأختام وعلي الأكفان اللاصقة.. لذلك لما عرفه القديس بولس، قال "لأعرفه وقوة قيامته" (في 3: 10). إنه عرف قوة قيامته، إذ رآه بعد هذه القيامة حينما ظهر له نور عظيم في طريق دمشق (أع 9). لذلك وثق هذا الرسول بقوة قيامة المسيح، أمكنه أن يدخل في شركة آلامه متشبهًا بموته. ونفس هذه القوة في القيامة، اختبرها القديس يوحنا الحبيب بالنسبة إلي المسيح، حينما ظهر له "ووجهه يضئ كالشمس في قوتها" (رؤ 1:16). كانت قوته وهو داخل القبر، أعظم من كل قوة تقف خارج قبره. لقد ترك القبر في وقت لم يعرفه أحد، في فجر الأحد. وبقي الحجر الكبير في موضعه، إلي أن أتي ملاك ودحرجه لإعلان القيامة التي كانت قد تمت. وبذلك أمكن للنسوة أن يرين القبر فارغًا.. 4- مظاهر قوته بعد القيامة: هذه بعض نواحي القوة التي رآها الناس علي الأرض، إلي جوار قوة الظهورات المتعددة، وقوة الصعود إلي السماء والجلوس عن يمين الآب. وقوة دخوله إلي العلية والبواب مغلقة وقوة تحويله للتلاميذ من قوم ضعفاء خائفين إلي أبطال ينشرون الكرازة بكل قوة وبلا مانع.. وكما كانت قيامته قوية، هناك قوة أخري سبقت قيامته.. 5- قوته ما بين الموت والقيامة: تلك قوته بعد موته، التي استطاع بها أن يفتح أبواب الجحيم، ويخرج الأرواح التي في السجن بعد أن كرز لها بالخلاص (1 بط 3: 19) استطاع بهذه القوة أن ينزل إلي أقسام الأرض السفلي، وأن يسبي سبيًا، ويعطي الناس عطايا الفداء، ثم يصعد أيضًا بعد القيامة فوق جميع السموات لكي يملأ الكل (أف 4: 8-10). 6- أما السيد المسيح فقد دل بقيامته علي أنه كان أقوي من الموت، وعلي أن موته لم يكن ضعفًا منه،ولا كان صمته أثناء محاكمته ضعفًا منه.. لو كان قد تكلم، لأفحم سامعيه وأقنعهم. ولكن هذا لم يكن هدفه، إنما هدفه كان أن يفدينا. ولذلك عندما طلبوا إليه أن ينزل من علي الصليب لم يفعل مع أنه كان يستطيع.. إذ كان هدفه أن يموت عنا ويتألم نيابة عنا، ويدفع ثمن الخطية كفارة لنا وفداء. القيامة دلت علي أن صمت المسيح لم يكن ضعفًا.. فقوة القيامة أقوي رد علي من يتهمون المسيح بالضعف، أو من يظنون صلب المسيح دليلًا علي معجزه!! بالقيامة، ثبت أن صمت المسيح، كانت له أهدافه السامية. * لقد صمت، لأنه كان يريد أن يبذل نفسه عنا.. لو أنه تكلم لأفحم سامعيه وأقنعهم. ولو أنه دافع عن نفسه، لكان سيكسب القضية بلا شك. وكم من مرة رد علي رؤساء اليهود وشيوخهم وكهنتهم، فلم يجدوا جوابًا.. بل أنهم شاهدوا قوة كلامه وهو بعد صبي في الثانية عشر من عمره. والشعب الذي سمعه، شهد أنه كان يتكلم بسلطان. إن صمت المسيح في محاكمته، دليل علي أنه مات بإرادته. ولقد قال عن نفسه، إنه يضعها من ذاته، لا يستطيع أحد أن يأخذها منه. له سلطان أن يضعها، وسلطان أن يأخذها ولقد قدمها ساعة الصلب، وأخذها ساعة القيامة. لقد أسلم المسيح روحه حبًا وبذلًا، وليس ضعفًا وعجزًا. وكما قام في قوة. لا ننسي أنه مات في قوة.. لقد صرخ بصوت عظيم عندما أسلم الروح، بينما كان الجسد في عمق الإنهاك، وقد تصفي ماؤه ودمه، وأرهقه الجلد والمشي والضرب والنزيف، والتعليق علي الصليب.. وهو قد مات بالجسد.. ولكنه بلاهوته كان حيًا لا يموت. استطاع في موته أن يبشر الراقدين في الجحيم علي رجاء، واستطاع أيضًا أن يفتح الفردوس المغلق، ويدخل فيه اللص مع آدم وبنيه من قديسي العهد القديم. واستطاع أيضًا أن يقوم، وتسخر قيامته من الحراس ومن الأختام، ومن الحجر الكبير الموضوع علي القبر. لم يحد أن أحدًا-غير المسيح-هزم الموت بسلطانه وحده، وقام بإرادته، وخرج من قبر مغلق، عليه حجر ضخم ويحرسه جنود مسلحون.. 7- وقوة قيامة المسيح كانت تحطيمًا لرؤساء كهنة اليهود ولكل الصدوقيين. كان دليلًا علي جريمتهم في محاكمته وتقديمه للصلب. وكان دليلًا علي كذب كل إدعاءاتهم السابقة. وبالقيامة يصبحون مدانين أمام الشعب. لذلك لما نادي التلاميذ بالقيامة في كل مناسبة، قال لهم رؤساء الكهنة "أما أوصيناكم وصية أن لا تعلموا بهذا الاسم. وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم، وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان" (أع 5: 28). وكانت قوة القيامة ترعب رؤساء اليهود. لأنها كانت تدل علي بره. فلو كان مدانًا، ما كان ممكنًا له أن يقوم. وكما كانت القيامة دليلًا علي بره، كانت في نفس الوقت دليلًا علي ظلم هؤلاء الرؤساء، وعلي تلفيقهم للتهم ضده، هؤلاء الذين كانوا فرحوا حينما ظنوا أنهم قد تخلصوا منه وقتلوه. إن الحديث عن ظهوره بعد قتلهم له، كان يرعبهم.. والرسل القديسون لم يكفوا مطلقًا عن توبيخهم في هذه النقطة بالذات. وهكذا قال لهم القديس بطرس الرسول بعد معجزة شفاء الأعرج "إله آبائنا مجد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم، وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه! ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل! ورئيس الحياة قتلتموه، الذي أقامه الله من الأموات، ونحن شهود علي ذلك.." (أ ع 3: 13-15). 8- أما الصدوقيون فلا يؤمنون بالقيامة عمومًا. لذلك كانت قيامة المسيح برهانًا عمليًا خطيرًا علي مسار عقائدهم وتعليمهم. ولذلك قاوموا القيامة بكل قواهم، وقاوموا التلاميذ في مناداتهم بالقيامة. وهكذا يقول الكتاب "فقام رئيس الكهنة، وجميع الذين معه الذين هم شيعة الصدوقيين، وامتلأوا غيرة. فألقوا أيديهم علي الرسل، ووضعوهم في حبس العامة.." (أ ع 5: 17، 18). ولكن قوة القيامة، كانت أقوي من هؤلاء جميعهم ومن مقاوماتهم. حقًا إن قيامته من الموت كانت أقوي من نزوله عن الصليب، كما أن قيامته كانت دليلًا علي أنه مات بإرادته وليس مرغمًا.. وبخاصة لأنه قام بذاته دون أن يقيمه أحد. وخرج من القبر بذاته والقبر مغلق، كما خرج من بطن العذراء وبتوليتها مختومة.. حقًا كما قال عن نفسه إن له سلطان أن يضعها، وله سلطان أن يأخذها (يو 10: 18). 9- كانت قيامته دليلًا علي أنه أقوي من الموت، وبالتالي فهو أيضًا أقوي من كل قوة البشر التي تقتل وتميت.. كان أقوي من ظلم الأشرار، ومن كل مؤامرتهم وسلطتهم. عملوا كل ما يستطيعونه، حتى حكموا عليه، وسمروه علي الصيب، وتحدوه مستهزئين به وظنوا أنهم قد انتصروا، وبخاصة لأن المسيح ظل طوال فترة محاكمته وتحدياتهم صامتًا.. "وكشاة تساق إلي الذبح، كنعجة صامته أمام جازيها". قيامته دلت علي أن موته كان بذلًا، ولم يكن قهرًا. وكان الإيمان بقيامته يعني الإيمان بحبه وبذله وفدائه للبشرية. وكان يعني الإيمان بقوته وبكل ما قاله من قبل عن نفسه وعلاقته بالآب. هذه قوة الذي مات بالجسد، وكان بلاهوته حيًا لا يموت. إنها قوة ذلك الذي قال ليوحنا في سفر الرؤيا "أنا الأول والآخر، والحي وكنت ميتًا. وها أنا حي إلي أبد الآبدين آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ 1: 17، 18). هذا القوي الذي قام "ناقضًا أوجاع الموت "إذ لم يكن ممكنًا أن يمسك منه (أع 2: 24). 10- وقوة قيامة المسيح التي تمتاز بها عن كل قيامة سابقة. إنها قيامة لا موت بعدها، قيامة دائمة أبدية.. فكل الذين أقيموا من الموت، عادوا فماتوا ثانية، ولا يزالون حتى الآن تحت سلطان الموت، ينتظرون القيامة العامة. أما المسيح فقد قام حيًا إلي أبد الآبدين، لا سلطان للموت عليه. وبهذا لقبه الكتاب بأنه "باكورة الراقدين" (1 كو 15: 20).. 11- ومن قوة قيامة المسيح، أنها قيامة ممجدة.. لقد قام بجسد ممجد: لا يتعب، ولا يمرض ولا ينحل، ولا يجوع ولا يعطش.. جسد أمكنه أن يخرج من القبر المغلق، وأن يدخل والأبواب مغلقة، كما أمكنه أن يصعد إلي السماء. ونحن ننتظر في القيامة العامة أن نقوم هكذا أيضًا. وكما قال الرسول "ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع، الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون علي صورة جسد مجده.." (في 3: 21). 12- وكما كانت قيامة المسيح قوية في ذاتها كذلك كانت قوية في تأثيرها علي الكنيسة والجميع.. استطاعت أن تغير مجري الأمور تمامًا من كل ناحية: فالتلاميذ الذين كانوا خائفين لا يجرأون علي المجاهرة بانتسابهم للمسيح، أخذوا من القيامة قوة عجيبة علي الكرازة. وبطرس الذي سبق فأنكر المسيح أمام جارية، استطاع بكل شجاعة أن يقول لرؤساء الكهنة "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أ ع 5: 29) "نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع 4: 19). 13- ولعل القوة التي أخذها التلاميذ من القيامة تتركز في نقطتين: (أ) عرفوا تمامًا أن السيد المسيح أقوي من الموت. لقد انتصر علي الموت. وكما نقول في صلوات الكنيسة "بالموت داس الموت "أي أنه لما مات، أمكنه أن يدوس هذا الموت حينما قام. ومعرفة التلاميذ بهذه الحقيقة، تثبت إيمانهم، وتذكروا قول الرب "إني اضع نفسي لآخذها أيضًا. ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن اضعها. ولي سلطان أن أخذها أيضًا" (يو 1: 17، 18). (ب) وعرفوا أيضًا بقيامة المسيح أنهم سيقومون مثله إن ماتوا. وبهذا ما عادوا يخافون مطلقًا من الموت، إذ تحطمت كل هيبة الموت أمامهم لما داسه المسيح وخرج من القبر حيًا وبكل مجد. وظل عدم الخوف من الموت صفة ملازمة لهم، وضفة ملازمة لكل أعضاء الكنيسة. بل أن بولس الرسول يقول أكثر من هذا "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح فذاك أفصل جدًا" (في 1: 23). 14- ومن قوة قيامة المسيح تثبيت الإيمان: أربعين يومًا قضاها المسيح مع تلاميذه يحدثهم عن الأمور المختصة بالملكوت (أع 1: 3). في هذه الفترة ثبتهم في الإيمان، وشرح لهم جميع التفاصيل الخاصة به. ووضع لهم كل نظم الكنيسة وطقوسها وكل قواعد الإيمان وعقائده. فخرج من الفترة التي قضاها معهم المسيح بعد القيامة، وهم في منتهي القوة الروحية والإيمانية، استطاعوا بها أن يواجهوا العالم كله، ثابتين راسخين. و أصبحوا يتكلمون عن القيامة بخبرة قوية.. كما يقول القديس يوحنا الحبيب "الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا.." (1 يو 1: 1) فلم تعد القيامة مجرد عقيدة نظرية، بل صارت شيئًا رأوه بأنفسهم وعاينوه. ومنحتهم هذه الخبرة قوة في الإيمان أمكنهم أن ينقلوها إلي العالم بأسره في ثقة وفي يقين. 15- قوة القيامة تظهر في القيامة ذاتها، وفي ملابساتها، وفي نتائجها وما حدث بعدها أيضًا.. فهي لم تكن قيامة فردية للسيد المسيح فحسب، إنما كانت قيامة لنا جميعًا كانت عربونًا للقيامة العامة، ولأورشليم السمائية، وللأبدية بكل ما فيها من نعيم حسب الوعود الإلهية.. وكانت قوية في الدلالة علي طبيعة المسيح ما هي.. ومن هو هذا الذي يستطيع أن يقوم هكذا. وكانت مقدمة أيضًا لمعجزة الصعود.. وكانت ردًا مفحمًا علي الصدوقيين الذين لا يؤمنون بالقيامة، كما لا يؤمنون بالأرواح ولا بالملائكة. |
|