فترة الانقطاع في الصوم | الصوم الانقطاعي لابد من فترة انقطاع (الصوم الانقطاعي)، لأننا لو أكلنا من بدء اليوم بدون انقطاع، لصرنا نباتيين وليس صائمين. وحتى الصوم في اللغة هو الامتناع أو الانقطاع. فلا بد إذن أن نمتنع عن الطعام لفترة معينة. فترة الانقطاع عن الطعام تختلف من شخص لآخر. وذلك لأسباب كثيرة نذكر من بينها: 1-يختلف الناس في درجتهم الروحية. فهناك المبتدئ الذي لا يستطيع أن ينقطع عن الطعام لفترة طويلة. وأكثر من هؤلاء الناسك الذي يستطيع أن يطوي الأيام صومًا، كما كان يفعل آباؤنا الرهبان و المتوحدون و السواح. 2-يختلف الصائمون في سنهم. فمستوي الطفل أو الصبي في الصوم، غير مستوي الشاب أو الرجل الناضج، غير ما يستطيعه الشيخ أو الكهل. 3- يختلف الصائمون أيضًا في صحتهم، فما يحتمله القوي غير ما يحتمله الضعيف. كما أن المرضي قد يكون لهم نظام خاص، أو يعفون من الانقطاع حسبما تكون نوعية أمراضهم وطريقة علاجهم. 4- يختلف الصائمون كذلك في نوعية عملهم. فالبعض يقومون بأعمال تحتاج إلي مجهود جسدي كبير. والبعض أعمالهم مريحة يجلسون فيها إلي مكاتبهم بضع ساعات في اليوم. واحتمال هؤلاء للانقطاع غير احتمال أولئك. 5- هناك أيضا نظام التدرج. فقد يبدأ الصائم الأسبوع الأول من صومه بدرجة انقطاع معينة، تزداد علي مر الأسابيع، حتى يكون انقطاعه في آخر الصوم أعلي بكثير من نقطه البدء. وهذا التدرج نافع وينصح به الآباء الروحيون. علي انه قد يوجد حد ادني لهذا الانقطاع. وربما يختلف هذا الحد الأدنى من صوم إلي آخر. فالصوم الكبير مثلًا يكون حده الأدنى أعلي من باقي الأصوام. والحد الأدنى في أسبوع الآلام يكون أعلي مما في الصوم الكبير نفسه والبعض كانوا يطوون الفترة من بعد خميس العهد إلي قداس العيد. وأيام البرامون في أصلها تطوي أيضا. أما الضعفاء فلهم تسهيل خاص. ومع كل ذلك، فيمكننا أن نضع قاعدة هامة وهي: فترة الانقطاع تكون حسب إرشاد أب الاعتراف. وذلك حتى لا يبالغ فيها البعض فتتبعهم جسديًا، وقد تتعبهم روحيًا أيضا إذ تجلب لهم أفكارًًا من المجد الباطل. كما أن العض من الناحية الأخرى قد يتهاون بطريقة تفقده فائدة الصوم. والأفضل أن يشرف أب اعتراف علي هذا الأمر. علي أنه من جهة النظام العام للكنيسة في فترة الانقطاع، نود أن نسأل سؤالًا: هل هناك علاقة بين الانقطاع عن الطعام والساعة التاسعة؟ يبدو أن هناك علاقة.. لأنه في طقس الكنيسة الخاص بصلاة الساعة التاسعة نلاحظ إختيار فصل الإنجيل الخاص بمباركة الطعام بعد فترة من الجوع (لو 9: 10-17). وواضح أننا في صلاة الساعة التاسعة نذكر موت السيد المسيح علي الصليب، فلماذا إذن هذا الفصل من الإنجيل الخاص بمباركة الطعام؟ يبدوا أن نظام الانقطاع كان عمومًا إلي الساعة التاسعة، فيصلي الناس هذه الساعة بإنجيلها المناسب، ثم يتناولون طعامهم. ولما كانت غالبية السنة صومًا، ولكي لا يتغير نظام الصلاة اليومية بين الإفطار و الصوم، بقي هذا الفصل من الإنجيل علي مدار السنة.. حتى في الأيام التي ليس فيها انقطاع، يذكرنا بمباركة الرب للطعام قبل الكل أيًا كان الموعد.. و المعروف أن الساعة التاسعة من النهار هي الثالثة بعد الظهر، علي اعتبار أن النهار يبدأ علي الأغلب من السادسة صباحا. وعلي أية الحالات، لا داعي لاستفاضة في بحث هذه النقطة، مادامت فترة الانقطاع تتغير من شخص إلي آخر، كما إننا تركنا تحديدها لأب الاعتراف ولحالة الصائم الروحية... والمهم عندنا هو الوضع الروحي لفترة الانقطاع. فلا نريد ان ندخل في شكليات أو في قوانين خاصة بفترة الانقطاع، إنما نريد أن نتحدث عن الطريقة التي يستفيد بها الإنسان روحيًا من فترة انقطاعه عن الطعام. لأنه قد ينقطع إنسان عن الطعام إلي التاسعة من النهار أو غلي الغروب أو إلي ظهور النجم، ولا يستفيد روحيًا، إذ كان قد سلك بطريقة غير روحية. فما هي الطريقة الروحية إذن؟ 1-ينبغي أن تكون أن تكون فترة الانقطاع فترة زهد ونسك. فلا تهتم فيها بما للجسد. أي لا تكون منقطعًا عن الطعام، وتظل تفكر متى تأكل.. إنما ينبغي أن تكون فترة الانقطاع فترة زاهدة ناسكة، ترتفع فيها تمامًا عن مستوي الكل وعن مستوي المادة وعن مستوي الطعام. 2-وبعد فترة الانقطاع لا تأكل بشهوة. فالذي ينقطع عن الطعام، ثم يأكل بعد ذلك ما يشتهيه، أو يتخير أصنافًا معينة تلذ له، هذا لا يكون قد أخضع جسده أو أمات شهواته. وإذ يأكل بشهوة، أو إذ يأكل ما يشتهي، يدل علي انه لم يستفيد روحيًا من فترة الانقطاع، ولم يتعلم منها الزهد و النسك..! أنظر ما قاله دانيال النبي عن صومه " لم آكل طعامًا شهيًا "(دا 10:3). وهكذا يكون يهدم ما يبنيه، بلا فائدة..! وليس الصوم هو أن نبني ونهدم ثم نبني ثم نهدم، بغير قيام..! 3-ولا تترقب نهاية فترة الانقطاع، لتأكل. أن جاء موعد الكل، فلا تسرع إليه. وحبذا لو قاومت نفسك، ولو دقائق قليلة وانتظرت. أو إن حل موعد تناولك للطعام، قل لنفسك: نصلي بعض الوقت ثم نأكل، أو نقرأ الكتاب ونتأمل بعض الوقت ثم نأكل، ولا تتهافت علي الطعام.. الزهد الذي كان لك أثناء فترة الانقطاع، فليستمر معك بعدها. فهذه هي الفائدة الروحية التي تنالها. أجعل روحياتك هي التي تقودك، وليس الساعة. وادخل إلي العمق. العمق الذي في الامتناع عن الطعام. الذي الارتفاع عن مستوي الكل، وعن مستوي المادة، وعن مستوي الجسد. وبالنسبة إلي فترة الانقطاع وموعدها، حبذا لو وصلت بك إلي الشعور بالجوع فهذا أفيد جدًا.. هنا ونحدثك عن عنصر الجوع في الصوم.