لماذا أريد أن أحصل على قوة من الرب، وعلى مواهب الروح ومسحة الروح، وأطرد الشياطين وأُقيِّد القوي؟
بالطبع سيكون جواب الجميع.. " لكي أُخلِّص النفوس التي أسرها إبليس ".
ويأتي السؤال الأهم.. لماذا أريد أن أُخلصها؟
ولا تتعجب من هذا السؤال.. لا سيما عندما تحاول الإجابة عليه، تحت ضوء الروح القدس، الذي يكشف خفايا القلوب ودوافعها بصدق، لا يُمكن معهُ التستر أبدًا..
يعقوب ويوحنا، وهما المُقرَّبيْن جدًا من الرب.. أرادا ٱستخدام القـوة لإنزال نار من السماء لكي تأكل أُناسًا من السامرة، فٱنتهرهم يسوع:
" فلمَّا رأى ذلك تلميذاه، يعقوب ويوحنا قالا: يا رب أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعلَ إيليا أيضًا، فالتفتَ وٱنتهرهما وقال: لستما تعلمان من أي روح أنتما، لأنَّ ٱبن الانسان لم يأتِ ليهلك أنفس الناس، بل ليخلِّص... " (لوقا 9 : 54 – 56).
كما أرادا لاحقًا.. أن يتسلطا على الآخرين بسبب قربهما من الرب.. وأرادا أن يجلسا على يمين ويسار الرب في السماء.. أمّا باقي التلاميذ فكانَ لهم الفكر نفسه، لأنهم ٱغتاظوا من يعقوب ويوحنا، وبدأوا يتساءَلون من منهم يكون الأعظم.. ويأتي الرب في هذه المناسبة، ليضع لهم هذا التعليم الذهبي:
" حينئذٍ تقدَّمت إليه أم ٱبني زبدي، مع ٱبنيها، وسجدت وطلبت منه شيئًا، فقال لها ماذا تريدين؟ قالت لهُ: قُلْ أن يجلس ٱبنايَ هذان، واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك، فأجاب يسوع وقال: لستما تعلمان ما تطلبان... فلمَّا سمع العشرة ٱغتاظوا من أجل الأخوين... (وكانت بينهم أيضًا مشاجرة، من منهم يظن أنه يكون أكبر)... فدعاهم يسوع وقال: أنتم تعلمون أنَّ رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلطون عليهم، فلا يكون هكذا فيكم، بل من أرادَ أن يكـون فيكـم عظيمًا فليكن لكم خادمًا، ومـن أرادَ أن يكـون فيكـم أولاً فليكن لكم عبدًا، كمـا أنَّ ٱبـن الانسـان لـم يأتِ ليُخدم بـل ليَخدم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين... " (متى 20 : 20 – 28، لوقا 22 : 24).
فلا تتعجب أبدًا من سؤالي كما سبقَ وقلت لكَ.. فإن كانَ الرسل الذين ٱختارهم الرب.. وإن كانَ يعقوب ويوحنا المقرَّبيْن جدًا منهُ.. قد أغرتهم القوة والشهرة.. وحاولوا ٱستخدامها في البداية، من أجل التسلط والحصول على مراكز.. فهذا سيحصل مع كل واحد منا بكل تأكيد، فلنكن حذرين.. ولهذا السبب جاء الروح القدس برسالته هذه لنا، ونحن نخطو خطوات جديدة، بٱتجاه الطلب من الرب، لكي يمسحنا بقوة كبيرة كأفراد وككنيسة، لكي نمتلك أراضٍ جديدة، ولكي نُقيِّد إبليس، وننهب النفوس من سجنه الملظم..
وبما أنَّ التعلُّم من الرب، ومن سيرة حياته هوَ الأضمن لنا..
فتعالَ نرى لماذا شفى يسوع المرضى.. وحرَّر المقيدين.. وأخرجَ الشياطين.. ولماذا جاءَ إلى أرضنا..
بوضوح قالها الرب لتلاميذه: " عندما تنالون قوة من الأعالي، وشهرة ومجد.. لا تتسلطوا على الناس.. لا تطلبوا المجد لأنفسكم.. ولا تطلبوا الجلوس عن يميني وعن يساري.. ولا تتشاجروا وتتقاتلوا من أجل تصنيف أحدكم الأعظم في ما بين الناس أو في ما بين إخوته.. لا.. فالقوة التي سأمنحكم إياها، هدفها أن تكونوا خدام لغيركم.. كما فعلت أنا.. ولكي تخدموا غيركم وليسَ لكي تُخدموا.. وأخيرًا لكي تبذلوا أنفسكم من أجل كثيرين كما فعلت أنا ".
وماذا ايضًا؟
" ولمَّا رأى الجموع تحنَّن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها... ثمَّ دعا تلاميذه الإثني عشر وأعطاهم سلطانًا على أرواح نجسة حتى يُخرجوها، ويشفوا كل مرض وكل ضعف " (متى 9 : 36 – 10 : 1).
السبب واحد: " تحنَّنَ عليهم "، ودعـا التلاميـذ وأعطاهم السلطان علـى إبليس ومملكته، للسبـب نفسـه: " يشفوا الناس من كل مرض ومن كل ضعف ".
هذا هوَ قلب الرب.. وهذا هوَ هدف القوة والمسحة والمواهب وتقييد القوي ونهب النفوس منهُ.
أشفقَ عليهم.. رآهم مشتتين كغنم بلا راعي.. رقَّ قلبه على أمراضهم ومعاناتهم وضعفهم.
جـاء ليخدمهم، وليسَ ليخدموه.. وهوَ الذي عانى منهم كل ما عاناه، وصولاً إلى الصليب !!!
لم يستخدم القوة لأية أغراض أخرى كما ٱشتهى التلاميذ..
عندما تحنَّنَ قلبهُ على الجموع، وصنع معجزة السمكتين والخمسة أرغفة لكي يُطعمهم، حاولوا خطفهُ لكي يُنصِّبوه ملكًا.. وهوَ وحدهُ المستحق.. فماذا فعل؟
" فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا: إنَّ هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم، وأمَّا يسوع، فإذ عَلِمَ أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكًا، ٱنصرفَ أيضًا إلى الجبل وحده " (يوحنا 6 : 14 – 15).
رفضَ كراسي المجد التي تأتي بها القوة وصنع الآيات والمعجزات.. وذهبَ إلى المكان الوحيد الذي يفيد الشعب.. إلى الجبل، حيثُ كان يقضي الليل كلهُ يصلي من أجلهم ومن أجل تحريرهم وشفائهم.. وهذا ما ينبغي علينا فعله.. نرفض أن نجعل من القوة والمسحة والآيات والعجائب، فرصة لكي نُنصِّب أنفسنا ملوكًا، طالبي شهرة وتسلط على الآخرين، بل ننفرد بالله لكي نصلي ونتشفع في الخفية للناس، من أجل أنَّ الرب قد ملأَ قلوبنا بالشفقة والمحبة من أجلهم..
" ٱحذروا أن تعملوا بركم أمام الناس بقصد أن ينظروا إليكم... وإذا تصدقت على أحدٍ، فلا تنفخ أمامك في البوق... لتنال مديحًا من الناس... ولا تصلي في زوايا الشوارع لكي يراك الناس... ولا تعبس عندما تصوم، لكي تظهر صائمًا للناس... بل إن كنتَ تفعل كل ذلكَ من أجل أنكَ تتحنَّن على الناس وتُشفق عليهم وتريد خلاصهم، إفعل ذلكَ في الخفية، في المكان الذي لا يراك فيه الناس ويمجدوك، بل يراك الرب وحدهُ.. وعندها يتأكد أنكَ تقوم بكل ذلكَ محبةً بالناس، وليسَ محبةً بالمجد الذي قد تناله من الناس " (متى 6 : 1 – 18).
كُنْ من جماعة الذين يصنعون كل الخير والمعجزات.. فقط في الخفية.. عندها فقط سيطمئن الرب بأن يمدك بالقوة والمسحة والمواهب.. لكي تمتلك أراضٍ جديدة.. تُقيِّد القوي وتنهب النفوس حبًّا بهم فقط !!!
بولس الرسول أدركَ هذه الحقائق.. عرفَ قلب الرب.. وعرف السبب الحقيقي الذي جعلَ الرب يشفي المرضى.. ويُحرِّر المقيدين.. ويُخرج الشياطين.. ويُخلِّص النفوس.. عـرفَ المحبة غير المشروطة التـي كانـت تملأ قلب الرب.. المحبـة الـذي جعلتهُ يقـول: " ليـس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه " (يوحنا 15 : 13).
ولأنهُ عرفَ هذا، وهوَ الذي جرت على يده معجزات غير المعتادة، حتى كان يؤتى عن جسده بمناديل، أو مآزر إلى المرضى، فتزول عنهم الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة منهم.. وهوَ الذي نالَ عددًا كبيرًا من الإعلانات والرؤى، وسمع كلمات لا يُنطق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها.. قالَ في رسالته إلى أهل كورنثوس..
" إن كنتُ أتكلم بألسنة الناس والملائكة... وإن كانت لي نبؤة وأعلم جميع الأسرار وكل علم، وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال... وإن أطعمت كل أموالي، وإن سلّمت جسدي حتى أحترق... ولكـــن.. ليسَ لي محبة، فقد صرت نحاسًا يطن أو صنجًا يرن.. وسأكون لا شيء ".
(1 كورنثوس 13 : 1 – 3).
غريب أمر هذه الآية: " وإن سلّمت جسدي حتى أحترق ".
هل يُعقل أن يُسلِّم أحد جسدهُ لكي يحترق، دون دافع محبة الآخرين والاستعداد للموت من أجلهم؟
يبدو أنهُ نعم.. قد يفعل أحدهم ذلك بهدف الافتخار أمام الناس، والدافع ليسَ المحبة.. وإلاَّ لما كانَ بولس قد حذَّرنا من ذلك، لذا يبقى أهم سؤال تسأله لنفسك عندما تقوم بأي عمـل، أكـانَ صغيرًا أم كبيرًا، لماذا أقوم به؟ وتُعطي الفرصة للروح القدس أن يُجيبك !!!
أحبائي: لنأتِ في هذا اليوم إلى الرب، ولنطلب منهُ أن يكون هدفنا الوحيد من طلب القوة والمسحة والمعجزات وإخراج الشياطين وتقييد القوي ونهب أمتعته.. هوَ نفس هدف الرب يسوع المسيح.. ليسَ الشهرة ولا حب الظهور أمام الناس.. وليسَ التسلط عليهم.. وليسَ.. وليسَ.. وليسَ أي شيء آخر.. سوى أمر واحد: المحبة.. الشفقة.. الرحمة.. التحنن.. عليهم وعلى معاناتهم، وعلى أمراضهم وضعفهم.. وعلى عدم السماح لإبليس أن يأخذهم إلى بحيرة الكبريت والنار.. لأننا نحبهم ونريد أن ننقذهم..
عندها فقط سيطمئن الرب، ويمدك بالقوة والمسحة والمواهب والمجعزات.. وسترى أنهُ لن يرفض لكَ طلبًا في هذا الخصوص..