يوسف الصديق
بإنجاب البنين استراح أبونا أبو الآباء من الصراع بين زوجتيه ليئة وراحيل ولكنه دخل في مرحلة صراع أخري في محيط الأبناء.
نلاحظ أنه كما أن يعقوب أحب راحيل أكثر من ليئة، كذلك أبني راحيليوسف وبنيامين، أكثر من جميع أبناء ليئة. علي أن الله -تبارك اسمه- عوض ليئة عن هذا الأمر، فجعل السلطة كلها في نسل ليئة. إذ جعل الكهنوت في سبط لاوي وهو ابن ليئة، وجعل الملك في سبط يهوذا، وهو أيضًا ابن ليئة. بل أن السيد المسيح نفسه ولد من سبط يهوذا، أي من نسل ليئة كذلك. يوسف هو أول ابن ولد ليعقوب من راحيل. وبولادته بدأت مرحلة هامة في تاريخ هذه الأسرة، بحيث تحول تاريخها من أبينا يعقوب إلي أنه يوسف.
وأصبح علينا أن نتحدث عن يوسف باعتباره عنصرًا أساسيًا، ثم نعود أخيرًا إلي أبينا يعقوب.
شخصية يوسف
تميزت شخصية يوسف بعدة أمور منها:
1 كان إنسانًا محبوبًا.
2 كان ناجحًا وحسن التدبير. وكان الرب معه.
3 كان مثالًا في العفة.
4 كان رجل أحلام، كما كان مفسرًا للأحلام.
5 كان صبورًا، حتى حول الله الشر إلي خير.
6 كان بارًا بأبيه، وبأخوته الذين ظلموه.
7 كان أفضل (وزير تموين) عرفته مصر.
وسنتناول الآن الصفات واحدة فواحدة..
يوسف الشخصية المحبوبة
1- كان يوسف هو الابن المحبوب لأبيه. فلماذا؟
· كان كما قلنا أنه ابن الزوجة المحبوبة راحيل.
· قد ولد بعد فترة طويلة من الانتظار، حينما فتح الله رحم راحيل فولدته، وقالت "قد نزع الله عاري. ودعت أسمه يوسف" (تك 30: 22- 24). ودائمًا يكون الابن محبوبًا، إذ ما ولد بعد طول اشتياق: مثل إسحق بالنسبة إلي إبراهيم (تك 22: 2)، ومثل صموئيل بالنسبة إلي حنة أمراه ألقانه (1صم 2: 1). ومثل يوحنا (المعمدان) بالنسبة إلي أبيه ذكريا (لو 1: 67: 69).
· وبالنسبة إلي أبينا يعقوب إسرائيل كان يوسف محبوبًا منه، لأنه ابن شيخوخته. وهكذا يقول الكتاب "وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر أبنائه، لأنه أبن شيخوخته (تك 37: 3).
· وكان يوسف أيضًا جميلًا. قال عنه الكتاب إن كان "حسن الصورة وحسن المنظر" (تك 39: 6). وهذا الجمال صفه خص بها الله بعض شخصيات الكتاب المشهورة: مثل موسي النبي (عب 11: 23) وداود النبي أيضًا (1صم 16: 18).
2- وكما كان محبوبًا من أبيه كان محبوبًا في بيت فوطيفار.
· كان محبوبًا من فوطيفار "فوكله علي بيته، ودفع إلي يده كل ما كان له... فترك كل ما كان له في يد يوسف. ولم يكن يعرف شيئًا إلا الخبز الذي يأكل" (تك 39: 4، 6)
· وامرأة فوطيفار أيضًا، أحبت يوسف. ولكنها انحرفت له.. (تك 39: 7- 10).
3- وحتى في السجن. كان يوسف محبوبًا كذلك.
"فدفع رئيس بيت السجن إلي يد يوسف جميع السري الذين في بيت السجن. وكل ما كانوا يعملون هناك، كان هو العامل. ولم يكن رئيس بيت السجن ينظر شيئًا ألبته مما في يده" (تك 39: 22، 23). وفي السجن أيضا كان موضع محبة وثقة المسجونين. وهكذا وثق به رئيس سقاة فرعون ورئيس خبازيه، وقصًا عليه حلميهما لكي يفسرهما لهما..
4- وكان يوسف محبوبًا من فرعون أيضًا:
" ومحسن كلام يوسف في عيني فرعون جميع عبيده. فقال فرعون لعبيده: هل نجد مثل هذا، رجلًا فيه روح الله "ثم قال فرعون ليوسف: انظر قد جعلتك علي كل أرض مصر. وخلع من يده وجعله في يد يوسف. وألبسه ثياب بوص، ووضع طوقًا من ذهب عنقه. وأركبه في مركبته الثانية. ونادوا أمامه أركعوا "وقال فرعون ليوسف: بدونك لا يرفع إنسان يده لا رجله في كل أرض مصر (تك 41: 37-44).
· وعن هذا الأمر قال يوسف لأخوته فيما بعد أن الله "جعلني أبًا لفرعون، وسيدًا علي كل بيته، ومتسلطًا علي كل أرض مصر" (تك 45: 8)..
5- علي أن محبة يعقوبليوسف، سبب له حسدًا في قلوب أخوته!
ذلك لأنه "صنع له قميصًا ملونًا. فلما رأي أخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع أخوته، ابغضوه ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام" (تك 37: 3، 4). وهنا نلمح خطأ في أبينا يعقوب: فكما أنه لم يعدل بين أبنائه. وكان لذلك أثره الذي تسبب في عداوة يوسف له، وصلت إلي محاولتهم قتله (تك 37: 18). وهكذا صار يعقوب عثرة لبنيه في تصرفه..
موضوع القميص الملون درس يقدمه لنا الكتاب:
درس في أن الأب يجب ألا يثير الأخوة بمعاملة واحد منهم أفضل من الباقين، حتى لا يحقدوا عليه. كذلك علي الأم أن تكون عادلة في معاملتها لأبنائها. فأن أنجبت أبنا جديدًا لا يصح أن تعطيه حنانًا مبالغًا فيه أمام الطفل الأكبر منه، بل تعطي الطفل الأكبر فرصة أن يحب الصغير، وكأنه لعبة جديدة أحضرها له والداه.
لا تظنوا أن الأطفال ملائكة لا يتأثرون ولا يغيرون؟
ما أكثر العراك الذي يقوم بين الأطفال من أجل لعبة يتميز بها أحدهم، أو بسبب ملابس، أو نوع من الحلوى، أو لون من التدليل أو المعاملة المفضلة.. لذلك أن كان لك طفلان، وأحضرت لهمًا لعبًا، اشتر من كل لعبة اثنتين متشابهين، لكل واحد منهما واحدة تشبه الأخرى. وأن قلت لواحد منهما كلمه مديح، قل مثلها أو ما يشبهها للأخر حتى لا تثير أحدهما الآخر..
تصوّروا، حتى رسل المسيح تعبوا من هذه النقطة ذاتها، وبلا سبب من جهة المسيح!!
فلما أتت أم أبني زبدي إلي السيد المسيح وقالت له "قل أن يجلس ابناي هذان: واحد عن يمينك والآخر عن يسارك في ملكوتك"،ومع أن السيد لم يستجب لهذه الطلبة قال لها، "أما الجلوس عن يميني وعن يساري، فليس لي أن أعطية إلا للذين اعد لهم من أبي (مت 20: 21- 23).. إلا أنه علي الرغم من هذا يقول الإنجيل "فلما سمع العشرة (الرسل)، اغتاظوا من اجل الآخرين الأخوين" (مت 20: 24).. فإن كان هذا قد حدث مع الرسل، فلماذا إذن عن باقي الناس! إن الإنسان الكامل هو الذي يحب الكل. أن الله يشرق علي الصالحين والطالحين، ويمطر علي الأبرار والشرار. أن أنجح مربي، هو الذي يشعر كل واحد أن له محبة خاصة في قلبه هو بالذات.. وهذا ما ينبغي أن يراعيه خدام التربية الكنسية سواء مع الأطفال أو مع الشبان.. لقد فرح يوسف بالقميص الملون، ولم يدر أنه سيكون سببًا لمشاكله. وأبوه يعقوب ظن أنه بهذا القميص يقدم خيرًا لإبنه، ولم يدر أنه سيقدم به التجارب والضيقات لهذا الابن الصغير المحبوب!
خطأ في طفولة يوسف
لم يكن القميص الملون هو السبب الوحيد لتجارب يوسف..
إنما كان حديثه عن أحلامه هو سبب آخر..
ربما كان إنسانًا بسيطًا من النوع الذي يقال عنه "أن "الذي علي قلبه، هو علي لسانه" ولكن في الواقع إن أحاديثه عن أحلامه سبب حسدًا من أخوته له، بل أيضًا سببت لهم غيظًا له، وتقدمًا له عليهم!! وهكذا يقول الكتاب:
" وحلم يوسف حلمًا وأخبر أخوته، فازدادوا أيضًا بغضًا له (تك 37: 5).
قال حلمت "هنا نحن حازمون حزمًا في الحفل، وإذا حزمتي قامت وانتصبت. فاحتاطت حزمكم وسجدت لحزمتي "فماذا كان رد الفعل عند أخوته لما سمعوا حلمه هذا؟ لقد قالوا "له "ألعلك تملك علينا ملكًا، أم تتسلط؟ "وازدادوا أيضًا بغضًا له من أجل أحلامه ومن أجل كلامه" (تك 37: 6-8).
لم تكن حكمة منه أن يخبر أخوته بحلم يخضعهم فيه له.
والأسوار من هذا أنه حلم حلمًا أخر له نفس المغزى، وقصه علي أخوته أيضًا (تك 7: 9): قال إني قد حلمت حلمًا أيضًا. وإذا الشمس والقمر واحدًا عشر كوكبًا سأجده لي "فحسده أخوته. أما أبوه فحفظ الأمر في قلبه. غير أنه انتهر أمام أخوته، وقال له "ما هذا الحلم الذي حلمت؟!" هل نأتي أنا وأمك وأخوتك ونسجد لك؟!".
أحلام التمجيد يليق بها الإخفاء، حتى لا تثير حسًا.
بل من الصالح أن يخفيها الإنسان عن نفسه، أي لا يعود يتذكرها، حتى لا تسبب له ارتفاع القلب من الداخل. ربما أن يوسف لم يضع في قلبه مثل لك النتائج.. أو أنه لم يستطيع أن يحتمل إخفاء الحلم، دون أن يخبر به غيره وببساطه فعل، ولكنها بساطة غير حكيمة.. علي أن أمر هذه الأحلام لم يكن بسيطًا علي أخوته. فلما ذهب لكي يفتقدهم في المرعي. ورأوه من بعيد، واحتالوا أن يميتوه "قال يعضهم لبعض: هوذا هذا صاحب الأحلام قادم" (تك 37: 18، 19).
خطأ أخر وقع فيه يوسف، وهو توصيل النميمة.
كان ابن سبع عشرة سنة، وكان يرعي الغنم مع أخوته أبناء امراتي أبيه (جاريتيه بلهفة وزلفة. يقول الكتاب "وأتي يوسف بنميمتهم الرديئة إلي أبيهم" (تك 37: 2). كان خطأ أن يفعل هذا، ولو أن الكتاب لم يذكر لنا النتائج السيئة لهذا الخطأ.. نقطة اخري في شخصية يوسف، وهي أنه:
كان ناجحًا، وكان الرب معه
ينطبق عليه ما قيل في المزمور الأول عن الرجل البار إنه "كل ما يعمله ينجح فيه (مز 1: 3). كان ناجحًا كغلام يرعي الغنم. وقد نجح في افتقاده لأخوته وطلب سلامتهم (تك 37: 12- 17). وكان يوسف ناجحًا في بيت فوطيفار. فقيل عنه "وكان الرب مع يوسف، فكان رجلًا ناجحًا. وكانت بركة الرب في بيت المصري.
وكان يوسف أنجح سجين، وأنجح وزير تموين.
قيل عنه "أن الرب كان معه ومهما صنع كان الرب ينجحه" (تك 39: 23). لذلك ترك رئيس بيت السجن كل شيء في يده. أما نجاحه كوزير تموين، فواضح من أنه أنقذ مصر من المجاعة، في حكمة مدي سبع سنين، وكذلك البلاد المجاورة.
فضائل أخرى
1 كان أنسانًا مثالًا للعفة والطهارة الجسد. وهذا ما سوف نتحدث عنه، حينما نذكر قصته مع امرأة فوطيفار.
2 كان لا يكافئ الشر بالشر، ولا ينتقم لنفسه، وهذا ما سوف نتحدث عنه في لقائه في مصر مع أخوته.
3 كان إنسانًا بارًا بأبيه. وهذا ما حدث حينما استضافه في مصر، وقدمه لفرعون، واعتني به طول فترة المجاعة. واهتم به وبإكرامه بعد موته.
4 كان إنسانًا حكيمًا حسن التدبير. وقد ظهر هذا في حسن تدبيره لبيت وأملاك فوطيفار، وأيضًا في حسن تدبيره لتموين مصر أثناء المجاعة. وقد شهد فرعون لحكمته، ولذلك قلده شئون مصر.
5 كان أمينًا من نحو الله، واسم الله علي لسانه في أرض غربته.
6 كان بارًا بأبيه وأسرته. ولم يستح -وهو في علو رتبته- من أن أباه وإخوته مجرد رعاة. وقدمهم هكذا لفرعون.
7 كان حساس المشاعر. وقد بكي تأثرًا وحبًا في مواقف متعددة كما نري في قصة حياته.