حالة الإسكندرية الدينية المعقدة وقت ماري مرقس
واجه هذا القديس في الإسكندرية أكبر وضع معقد، إذ وقف أمام جمهرة من الديانات والعبادات المتنوعة..
كانت هناك الديانة اليونانية بكل آلهتا تحت زعامة زيوس كبير آلهة اليونان كما قامت من نتائجها عبادة سيرابيس الإله الوثني العظيم الذي اجتمعت فيه عبادة المصريين واليونانيين معًا..
وكانت في الإسكندرية أيضا العبادة الرومانية التي أدخلتها الدولة الرومانية الحاكمة بآلهتها الكثيرة تحت زعامة جوبتر كبير آلهة الرومان.
وكانت هناك أيضًا العبادة اليهودية بأنبيائها وناموسها وريعتها الإلهية، وما أدخله عليها الكتبة والفريسيون من بدع وتفسيرات باطلة. وكان اليهود قد كثروا في الإسكندرية وبخاصة منذ أيام بطلميوس الأول، حتى خصصوا لهم حيين أحياء المدينة الخمسة.
وكان هناك بعض من يهود مصر قد حضروا يوم الخمسين في أورشليم، ولا شك أن كثيرين منهم قد آمنوا بالمسيحية.
كما أن اسم المسيح كان قد وصل إلى أفراد هناك، عن طريق أبولس الإسكندري الذي قيل عنه في سفر أعمال الرسل إنه كان " مقتدرا في الكتب وخبيرا في طريق الرب وحارًا بالروح..وكان في أخائية يفحم اليهود جهرا مبينا بالكتب أن يسوع هو المسيح" (أع 18: 24 – 27).
وربما كان بعض يهود الإسكندرية قد وصلتهم كلمة الرب عن طريق القديس سمعان القانوي، أو عن طريق "العزيز ثاؤفيلس" الذي كان على صلة وثيقة بالقديس لوقا البشير.ولكن هذه كلها كانت حالات فردية قليلة وسط ذلك الوسط الوثني الطاغي في الإسكندرية.
وبالإضافة إلى كل هذه العبادات، كان هناك حكماء الفرس والهند، مع كهنة مصر، وكثيرين من قادة لفكر الوثني.
فأصبحت المدينة خليطا من عشرات العبادات الوثنية، ومجالا للجدل الفلسفي والنقاش الديني، في مكتبة الإسكندرية ومتحفها ومدرستها الشهيرة، بين العلماء والفلاسفة ورجال الدين ومن يوم كل تلك المؤسسات الفكرية، وينشر جدله خارجها..
ووقف مارمرقس وحيدا أمام كل هذه الأديان والفلسفات، يصارعها جميعا،
وينتصر عليها جميعًا بقوة الله العاملة فيه ومعه، وقد دخل الإسكندرية متعبًا من المشي، وقد تمزق حذاؤه من كثرة السير..