|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يهيئ للرب شعبًا مستعدًا "يهيئ للرب شعبًا مستعدًا" (لو 1: 17). نعم، ما أجمل هذه العبارة التي قالها ملاك الرب في البشارة بميلاد يوحنا المعمدان: إنه "من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس، ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم. ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته.. لكي يهيئ للرب شعبًا مستعدًا" (لو 1: 15 – 17) وقيل أيضًا عنه في نبؤة ملاخي "هأنذا أرسل ملاكي، فيهيئ الطريق أمامي" (ملا 3:1) (مر 1: 2). و كيف يهيئ الطريق قدام الرب؟ بأنه "كان يكرز قائلًا: يأتي بعدي من هو اقوي مني، الذي لست انا أهلًا أن أنحني وأحل سيور حذائه" (مر 1: 7) (مت 3: 11) "أعدوا طريق الرب، اصنعوا سبله مستقيمة" (مت 3: 3). وكيف كان يوحنا يهيئ للرب شعبًا مستعدًا؟.. ذلك بقيادتهم إلي التوبة.. كان يكرز بمعمودية التوبة. ويقول للناس: "أنا أعمدكم بماء التوبة"، "اصنعوا ثمار تليق بالتوبة" (مت 3: 11، 8). نقول هذا لأن كثيرين كل خدمتهم هي قيادة الناس إلي مجرد المعرفة، وليس إلي التوبة.. لكن ما أجمل المعرفة التي تقود إلي التوبة.. التي لا تخاطب العقل فقط، إنما تعمل في القلب ليلتصق بالله.. لقد خلق الله شعبًا يملأ الأرض كلها. وهو يريد، الجميع يخلصون، وإلي معرفة الحق يقبلون (1 تي 2: 4). وقد ترك الرب هذا الشعب إلى مجموعة من الوكلاء (لو 12: 42) أو إلي مجموعة من الكرامين (مت 21: 33). لكي يعدوا للرب شعبًا مستعدًا. ووضع أمامهم هذه الآية: "من رد خاطئًا عن ضلال طريقه، يخلص نفسًا من الموت ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5: 20). و المعروف أن الخلاص بالمسيح وحده، الذي "ليس بأحد غيره الخلاص" (أع 4: 12). فما معني عبارة "يخلص نفسًا "هنا؟ معناها: يقودها إلي الخلاص الذي بالمسيح يسوع. أو يهيئ هذه النفس للخلاص، بالإيمان والتوبة. في يوم من الأيام ذهب صموئيل النبي إلي بيت لحم، ليمسح واحدًا من أولاد يسى البيتلحمي ملكًا للرب. فقال: "تقدسوا وتعالوا معي إلي الذبيحة". ويقول الكتاب عنه: "وقدس يسى وبنيه، ودعاهم إلي الذبيحة" (1 صم 16: 5). فما معني كلمة "قدسهم "هنا؟ معناها نفس العبارة: هيأ للرب شعبًا مستعدًا.. وهذا الوضع ذاته قيل عن الشعب قبل سماعهم الوصايا العشر.. "قال الرب لموسى: اذهب إلي الشعب، وقدسهم اليوم وغدًا.. ويكونوا مستعدين.. فأنحدر موسى، وقدس الشعب.." (خر 19: 10، 14). هو أيضا هيا للرب شعبًا مستعدًا، لسماع كلمته.. ما أعظم هذا الأمر، أن نهيئ للرب شعبًا مستعدًا.. شعبًا مستعدًا لقبول الخلاص، شعبًا مستعدًا لنوال نعمة الرب في المعمودية (إن كانوا كبارًا) أو في التقدم للتناول من الأسرار المقدسة.. شعبًا مستعدًا للتوبة، مستعدًا للشركة مع الروح القدس، أو مستعدًا لخدمة الرب وبناء ملكوته.. أنظروا ماذا يقول بولس الرسول: " خطبتكم إلي رجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (1 كو 11: 2). من فيكم يستطيع أن يقدم نفوسًا عفيفة للرب؟ يهيئ له نفوسًا مستعدة لمحبته..كانت هذه هي وظيفة يوحنا المعمدان. لقد هيأ هذه العروس أي الكنيسة- للرب. هيأها له بالتوبة، بمعمودية التوبة. ولما سلمها له، وقف في فرح يقول: "من له العروس فهو العريس. أما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح.. إذن فرحي هذا قد كمل" (يو 3: 29). و عروس الرب قد تكون نفسًا واحدة، أو شعبًا أو شعوبًا. قد تكون فصلًا في التربية الكنسية، وقد تكون كنيسة بالنسبة إلي أب كاهن، وقد تكون إيبارشية بالنسبة إلي أب أسقف. وقد تكون شعبًا أو شعوبًا كمسئولية الآباء الرسل، وغيرهم من الأنبياء. وقد تكون الكنيسة كلها التي يقدمها المسيح، حينما يسلم الملك للآب (1كو 15: 24)، أو هي أورشليم السمائية التي أبصرها القديس يوحنا الرائي: ".. كعروس مزينة لعريسها" (رؤ 21: 2). نعم، هذه هي وظيفة الخدام والوعاظ والكهنة والرعاة وكل صيادي الناس، أن يهيئوا هذه العروس – أي النفوس – لعريسها، مزينة بالفضائل "معطرة بالمر واللبان، وبكل أذرة التاجر" (نش 3: 6). إنهم يهيئون النفوس، فتبدو جميلة أمام الرب. تلبس ثوب البر، أو تلبس ثيابًا من نور، وينشدون لها تلك الأغنية الجميلة "كل مجد إبنة الملك من داخل، مشتملة بثياب موشاة بالذهب، ومزينة بأنواع كثيرة" (مز 45). كان هذا أيضًا هو عمل الأنبياء في العهد القديم، وعمل الوحي الإلهي، الذي هيأ شعبًا مستعدًا لقبول الخلاص والفداء والتجسد الإلهي، بنبوءات ورموز.. وهو أيضًا عمل الملائكة القديسين الذين قيل عنهم: " أليسوا جميعهم أرواحا خادمة، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14). هؤلاء هم الملائكة الحالة حول خائفي الرب وتنجيهم من كل شر.. هؤلاء الذين نقول عنهم للرب في صلواتنا باستمرار "أحِطنا يا رب بملائكتك القديسين، لكي نكون في معسكرهم محفوظين ومرشدين". تهيئة النفوس هي أيضًا مسئولية كل الذين يعملون في كرمه. فأحدهم يغرس، والثاني يسقي، والله ينمي. وكلهم عاملون مع الله (1 كو3: 6، 9).. ولكن من أجل قلة العاملين في تهيئة النفوس للرب، لذلك يقول لنا: "الحصاد كثير، ولكن الفعلة قليلون. أطلبوا إلي رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده" (مت 9: 37). و مع ذلك يحتاج الرب إلي فعلة من نوعين.. لا يكونون مثل أولئك الكرامين الأردياء الذين قال لهم الرب "ملكوت الله ينزع منكم، ويعطي لأمة تعمل ثماره" (مت 21: 43). والذي يهيئ للرب شعبًا مستعدًا عليه أن يكون طويل البال، لا يضجر بسرعة. حتى إن كانت الشجرة لا تصنع ثمرًا لسنوات طويلة، لا يقطعها للتو، بل يتركها سنة أخري، وينقب حولها ويضع زبلًا، لعلها تأتي بثمر (لو 13: 8). هناك كثيرون مسئولون أن يهيئوا للرب شعبًا مستعدًا، منهم الآباء والأمهات في محيط الأسرة. الأطفال في أيديهم عجينه لينة يمكنهم تشكيلها بالطريقة التي ترضي الرب، بالتعليم والتدريب، وبالقدوة الحسنة، وبوضع الأساس الروحي القوي، الذي تبني عليه الحياة الروحية راسخة، لا تزعزعها محاربات العدو من الخارج.. للأسف كثير من الأسرات، تهمل تربية أولادها، معتمدة علي الكنيسة ومدارس الأحد. ولكن هذا لا يعفيها مطلقًا من المسئولية أمام الله، ناسين قول الكتاب: " رب الولد في طريقه. فمتى شاخ أيضًا، لا يحيد عنه" (أم 22:6). و أيضًا قول الرسول "أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم، بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره" (أف 6: 4). إن التاريخ يحدثنا عن أمهات قديسات، أعددن للرب أبناء صالحين قادوا شعوبًا. مثل يوكابد الذي كان من ثمرة بطنها وتربيتها موسى النبي، ومريم النبية، وهارون رئيس الكهنة. وكذلك تلك الأم القديسة التي أنجبت القديس باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية كبادوكيا، وأخيه القديس غريغوريوس أسقف نيصص، وأخيه القديس بطرس اسقف سبسطية، وأختهم القديسة ماكرينا المرشدة الروحية ورئيسة الدير.. هؤلاء الأمهات القديسات أدركن عمل الإشبين في الكنيسة. الكنيسة تسلم الأمهات الأطفال بعد المعمودية لكي يقمن -كإشبينات- بتربية هؤلاء الأطفال تربية روحية في مخافة الله ومحبته. فإن قامت الأمهات بواجبهن الروحي، يمكنهم حينئذ إعداد شعب مستعد للرب. وتستطيع الأم أن تعطي ابنها من الروحيات أضعاف ما تعطيه له مدارس الأحد، وتحفظ له النقاوة التي خرج منها من المعمودية، بل تنميها أكثر وأكثر. وتهيئ أبناءها للرب وخدمته.. وينشأ الأبناء علي حياة القداسة في (كنيسة البيت).. كذلك عمل الكنيسة أن تهيئ للرب شعبًا مستعدًا.. تقوم بتهيئته عن طريق الكرازة ونشر الإيمان، وعن طريق الأسرار المقدسة: وبخاصة المعمودية والمسحة المقدسة، وسري التوبة والإفخارستيا. وكانت الكنيسة في القديم تهيئ المؤمنين للعماد عن طريق فصول الموعوظين، وشرح قانون الإيمان لهم كما في كتاب القديس كيرلس الأورشليمي. بل كانت الكنيسة تعد شعبًا مستعدًا للاستشهاد. تعلمه تفاهة الحياة الأرضية، وتدربه علي حياة الزهد في المادية وتثبته في حياة الإيمان، وتشرح له كيف أن الموت مع المسيح أو لأجل المسيح يؤهله إلي الحياة معه في الفردوس. وأن الموت ليس سوي انتقال إلي حياة أفضل في عشرة الله وملائكته وقديسيه.. وما أكثر الكتب التي حفظتها لنا مكتبة أقوال الآباء وموضوعها [الحث علي الاستشهاد].. وبهذا كله كان الشهداء يتقبلون العذابات والموت في شجاعة وفرح.. كانت الكنيسة تعد المؤمنين أيضًا للأبدية. تعدهم لملاقاة الرب، سواء في الموت الشخصي أو في مجئ الرب. وكانوا يستخدمون عبارة (ماران اَثا) أي ربنا آت، كما كثب القديس بولس الرسول (1 كو 16: 22). تعدهم للأبدية، بعد الخوف من الموت، وبحياة التوبة والقداسة، وبالتعليق بالسماء والحياة الأخرى. وبقول بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا" (في 1: 23). كانت الكنيسة تعدهم ضد الشكوك والهرطقات. بتثبيتهم في الإيمان المستقيم، ويقول القديس بطرس "مستعدين في كل حين، لمحاربة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم" (1 بط 3: 15). وكانت الكنيسة تعد شعبها بالرد علي كل الهرطقات والبدع، بالمجامع المقدسة وكتب الآباء وبالتعليم القوي، حتى لا ينحرف أحد عن إيمانه بما يبذره المبتدعون من شكوك.. وكانت الكنيسة بمداومة التعليم تهيئ للرب شعبًا مستعدًا. كما قال القديس بولس لتلميذه تيموثاوس "لاحظ نفسك والتعليم وداوم علي ذلك. فإنك إن فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا" (1 تي 4: 16). وهكذا كانت الكنيسة تشترك أن يكون الأسقف صالحًا للتعليم (1 تي 3: 2) "لكي يكون قادرًا أن يعظ بالتعليم الصحيح، ويوبخ المناقضين" (تي 1: 9).وحتى بالنسبة إلي المخطئين، تقول الدسقولية "أصلح الذنب بالتعليم". وكانت الكنيسة تعد للرب شعبًا، بالتأديب أيضًا.. كما يقول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف "وبخ انتهر عظ" (2 تي 4: 2) "الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع، لكي يكون عند الباقين خوف" (1 تي 5:20). ومن أجل الاحتفاظ بقدسية الكنيسة أمر القديس بولس من جهة خاطئ كورنثوس "أن يسلم مثل هذا للشيطان لإهلاك الجسد، لكي تخلص الروح في يوم الرب" (1 كو 5: 5). ووبخ أهل كورنثوس قائلًا لهم "اعزلوا الخبيث من بينكم" (1 كو 5: 13). ويقول القديس يهوذا غير الإسخريوطي "وخلصوا البعض بالخوف، مختطفين من النار، مبغضين حتى الثوب المدنس من الجسد" (يه 23). وكانت الكنيسة تهيئ للرب شعبًا، عن طريق الصلاة وتشجيع صغار النفوس والضعفاء. إذ يقول الرسول في ذلك "شجعوا صغار النفوس، اسندوا الضعفاء، تأنوا علي الجميع" (1 تس 5: 14). ويقول أيضًا "اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم، والمذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (عب 13: 3). وقيل عن السيد المسيح له المجد إنه كان "قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (مت 12: 20). ومن أجل تهيئة شعب لله، كانت الكنيسة تصلي أن يرسل الرب فعلة لحصاده، وأن يعطي الرب قوة الخدام، وحكمة للرعاة وسمعًا وقبولًا من المخدومين. كذلك تشجع الشعب علي السهر الدائم علي خلاص أنفسهم، كما قال الرب "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (مت 26: 41). وكما قيل عن حراسات الليل إنهم كانوا "كلهم قابضون سيوفًا ومتعلمون الحرب. كل رجل سيفه علي فخذه من هول الليل" (نش 3: 8). و الكنيسة تعد للرب شعبًا مستعدًا في الحروب الروحية. تقول لأولادها "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الإيمان" (1 بط 5: 8، 9). وتجعلهم مستعدين لملاقاته، بضبط النفس، وبالصلاة، والتداريب الروحية، والمداومة علي الاعتراف والتناول، مستعدين ضد كل غواية وفكر "مستأسرين كل فكر لطاعة المسيح" (2 كو 10: 5). في كل ما قلناه أسأل نفسك: كم نفسًا استطعت أن تهيئها للرب، حتى تكون مستعدة للحياة معه والثبات فيه؟ |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
النبوتان تكشفان عن شخص "السابق للرب" الذي يهيئ له الطريق |
لا تجعل فمك مستعدًا بل قلبك |
كن مستعدًا |
لم يكن لوط مستعدًا في يوم الحرب |
لا تجعل فمك مستعدًا بل قلبك |