|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب السهر الروحي - البابا شنوده الثالث مقدمة حدثناك في كتابنا السابق عن [اليقظة الروحية] الذي وضعناه هنا في موقع الأنبا تكلا. واليوم نحدثك بمشيئة الرب عن [السهر الروحي]. والسهر الروحي هو شيء غير اليقظة الروحية. اليقظة الروحية معناها أن إنسانًا كان في غفوة أو غفلة، أو في حياة الخطية، ثم استيقظ، أي تنبه إلى نفسه وإلى حالته. وهذه هى بداية التوبة.. أما السهر الروحي فقد يأتي بعد اليقظة الروحية لمن كان خاطئًا من قبل. ولا يشترط فيه أن يكون الإنسان خاطئًا من قبل.. هذا السهر الروحي هو حالة إنسان بار، ساهر على خلاص نفسه، أي أنه دائمًا في حالة استعداد روحي. هو حالة إنسان متنبه روحيًا لخلاص نفسه، ولكل ما يحيط به من أجواء، ومن حروب العدو.. ومتنبه أيضًا لكل ما تجول في نفسه من أفكار ومن تغيرات.. وسهر الروح يتعلق به أيضًا سهر الجسد. والكتاب الذي بين يديك يتحدث عن هذين الأمرين معًا. إنه ثمرة ثلاث محاضرات ألقيت في هذا الموضوع في الكاتدرائية الكبرى بدير الأنبا رويس يوم الجمعة 30/6/1972، ويوم الجمعة 7/7/1972، ويوم الجمعة 21/7/1972، ومحاضرة رابعة في نفس الموضوع ألقيت يوم 7/2/1982 في دير القديس الأنبا بيشوي ببرية شيهيت.. وقد رأينا أن ننشر لك هذه المحاضرات تكملة لموضوع اليقظة الروحية. والسهر الروحي هو عنصر من عناصر (معالم الطريق الروحي) الذي نعد كتابًا عنه نرجو أن يصدر قريبًا بمشيئة الله. شنودة الثالث |
04 - 02 - 2014, 04:57 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب السهر الروحي - البابا شنوده الثالث
سهر الجسد مع الروح سهر الجسد سهرًا روحيًا + أما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة "[مر 13: 37] + اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة "[متى 26: 41] يوجد سهر للجسد، وسهر للروح. ويهمنا بالأكثر سهر الروح. وسهر الروح معناه أن يكون الإنسان ساهرًا على خلاص نفسه، أي متيقظًا ومتنبهًا لكل ما يتعلق بهذا الخلاص. أما سهر الجسد الذي نقصده، فليس هو مجرد عدم النوم. فقد يسهر أشخاص في اللهو والعبث والخطية. وقد يسهر آخرون في أمور تتعلق بمشغوليات العالم الحاضر، دون أن يخطر الله على فكرهم! والبعض قد يسهرون ليالي صاخبة، أو يسهرون في ضياع أنفسهم. ولكن سهر الجسد الذي نقصده، هو سهر بطريقة روحية.. إنه سهر الجسد في عمل الروح، مع الله.. سهر الجسد هذا، يساعد على سهر الروح، ويشترك معه. فالذي ينام كثيرًا بالجسد، يمكن أن تنام روحه أيضًا، أو على الأقل في أثناء هذا النوم الكثير، لا يكون منشغلًا بعمل روحي. وحرب النوم هى حرب مشهورة في الكتب النسكية والروحية.. لذلك ما أجمل قول الرب لتلاميذه في البستان: اسهروا وصلوا، لئلا تدخلوا في تجربة (متى 26: 41) وهنا لا يطلب منهم السيد السهر فقط، إنما السهر مع الصلاة، أو السهر في الصلاة. وهذا ما نقصده بقولنا "سهر الجسد في عمل الروح".. أو سهر الجسد مع الله. ولم يكن الرب محتاجًا في بستان جثسيمانى إلى سهر تلاميذه معه، إنما كان هذا نافعًا لهم هم "لئلا يدخلوا في تجربة". وكأنه يقول لهم: وإن لم تصلوا، يكمن أن تقعوا في تجربة، " اسهروا إذن، وصلوا". وهذا يوافق تمامًا قول المزمور: "في الليالي ارفعوا أيديكم أيها القديسون، وباركوا الرب" (مز 133) وقد وبخ السيد تلاميذه بقوله "أما قدرتم أن تسروا معي ساعة واحدة؟!" (مر13: 37). ولعل البعض يسأل: أتكفى ساعة واحدة يطلبها الرب منا في السهر؟ فنقول: إنك إن سهرت مع الرب ولو ساعة واحدة، فإن هذه الساعة ستوقظ روحك، تشجعك على السهر ساعة ثانية، وربما أيضًا ثالثة ورابعة.. ويصبح السهر عادة عندك. وكما أن دقيقة نوم، قد تحرك إلى نوم كامل، كذلك ساعة سهر يمكن أن تساعدك على سهر طويل0على أننا نلاحظ في عبارة الرب كلمة جميلة وهى: "سهرتم معي". وليس مجرد السهر، بل السهر مع الرب. اسهروا إذن مع الرب، ولو ساعة واحدة، فإنها ستكون بركة لليل كله.. ولا تقتصر فائدتها على مجرد الساعة.. فما فائدتها إذن؟ ساعة الصلاة بالليل، تقدس فراشك، وتقدس عقلك الباطن.. لذلك قبل أن تنام، قدس فراشك بالصلوات، بحديث القلب مع الله. وافرش سريرك بالتسابيح والمزامير والترانيم والألحان والتأملات الروحية لكي تستطيع أن تنام على فراش مقدس، ويكون الله هو آخر ما يلصق بذهنك قبل النوم، وأخر صورة تصحبها معك في رحلة النوم ومسالك الأحلام إلى أن تستيقظ،رحلة النوم التي يقودك فيها العقل الباطن وما اكتنزته فيه من أفكار ومشاعر وصور وأخبار. وهكذا فإن ساعة الصلاة قبل النوم، تساعدك على نوم طاهر نقى، بما تغرسه في ذهنك من أفكار روحانية.. وبالتالي تقدس أحلامك أثناء النوم. آباونا القديسون كانوا يقطعوا ليلهم ونومهم بالصلاة.. فلا يسمحون لأنفسهم بفترة نوم طويلة ينقطعون فيها عن الحديث مع الله.. وإنما -حسب ترتيب الكنيسة في صلوات الأجبية- جعل النوم من ثلاث هجعات، لكل هجعة صلاة، وتشملها كلها صلاة نصف الليل.. إذن ما أجمل ألا يعود الإنسان نفسه على النوم الطويل. وكلما صحا من نومه، عن قصد أو غير قصد، يرفع قلبه إلى الله ولو بصلاة قصيرة، ولو ببارة واحدة، أو كلمة حب، أو فكر روحي، أو تأمل. ولكن هل الليل له أهمية خاصة في الصلاة؟نعم، الليل له أهمية خاصة. ولهذا قيل في المزمور "في الليالي ارفعوا أيديكم أيها القديسون وباركوا الرب".. وقد قيل عن السيد المسيح نفسه إنه كان يقضى الليل كله في الصلاة (لو 6: 12). وكان يقضى هذا الليل في جبل الزيتون، وفى بستان جثسيمانى.. وقيل في المزمور الكبير "ذكرت في الليل اسمك يا رب" (مز 119: 55). وقيل أيضًا "في نصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك" (مز 119: 62). والكنيسة المقدسة تعطى أهمية كبيرة لصلوات الليل.. ثلاث صلوات تقال في نصف الليل، تعقبها التسبحة اليومية في الليل أيضًا. وصلاة النوم، وصلاة الستار، في الليل كذلك، وأيضًا صلاة الغروب التي نقول في تحليلها "نشكرك يا مليكنا المتحنن، لأنك منحتنا أن نعبر هذا اليوم بسلام، وأتيت بنا إلى المساء شاكرين".. وحتى صلاة باكر نقول فيها "سبقت عيناي وقت السحر، لأتلو في جميع أقوالك".. فلماذا كل هذه الأهمية لليل؟يقول ماراسحق: الليل مفروز لعمل الصلاة. بل يقول أكثر من هذا "صلاة واحدة يصليها الإنسان بالليل، أحسن من مائة صلاة يصليها في النهار. فلماذا كل هذا الاهتمام بالليل؟ ولماذا يصلح للعمل الروحي أكثر مما يصلح النهار؟ إنه الليل الهادئ الساكن، البعيد عن صخب الطبيعة، وعن صخب الناس. إنه الليل الذي يمكن للإنسان فيه أن ينفرد بالله، بعيدًا عن المشغوليات وعن المعطلات، وبعيدًا عن المحادثات البشرية وكثرة الكلام، والضوضاء.. نعم، ما أكثر ما يعطلك الناس بالنهار، بزياراتهم وأحاديثهم وأفكارهم وخلطتهم، حتى ما يبقى لك وقت تقضيه مع الله، يضاف إلى هذا انشغالك بعملك ومسئولياتك حيال المجتمع الذي تعيش فيه. أما في الليل الهادئ، فإنك تستطيع أن تلتقي بالله.. ولكن ليس هذا عذرًا تقدمه عن انشغالك بالنهار وتقصيرك في الصلاة.. ولكن الذي نقصده هو أن الفرص في الليل أوفر، والحالة أهدأ، وما تضيعه بالنهار على الرغم منك، يمكنك أن تعوضه في الليل قيل عن أبينا إسحق أب الآباء: وخرج اسحق ليتأمل في الحقل عند المساء (تك 24: 63) كان المساء إذن وقتًا مناسبًا للتأمل منذ أيام الأيام الأول ولعل هذه الآية هى أول آية وردت في الكتاب المقدس عن التأمل.. أحدثكم في هذه الليلة عن السهر. ولعلكم لاحظتم أن الليالي الماضية كانت ليالي قمرية، وكانت الطبيعة ساكنة جميلة. والإنسان في أمثال هذه الليالي ينظر إلى السماء الصافية والليل الهادئ، وكأن صوتًا يصرخ في داخله ويقول (اليوم حرام فيه النوم).. إن الله قد خلق هذه الطبيعة الجميلة لكم. وهى في جمالها وفى هدوئها تذكرنا بقول المزمور "السموات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه" (مز 19: 1). يخاطبها داود فيقول: سبحي الرب أيتها الشمس والقمر. سبحيه يا جميع كواكب النور. سبحيه يا سماء السموات" (مز 148: 3، 4). عجيب أن السماء والنجوم تسبح الله، ونحن صامتون.. ندعوها في الأبصلمودية، في ألحان التسبحة، أن تسبح الله جميعها.. ولكن هل نحن في الليل نسبح الله معها..؟ أم أننا نضيع الليل، ولا نستفيد منه روحيًا، مثل الذين أفسدوا الليل بضوضائهم وعبثهم وأغانيهم، وصيروا الليل صاخبًا كالنهار، بل قد يكون عندهم أكثر صخبًا ولهوًا من النهار.. أما أنتم أيها المباركون، فاكتسبوا صداقة الليل.. لكن تستطيعوا أن تسلكوا حسنًا في النهار.. إن الذي يقي الليل في الصلاة، أو يقضى جزءًا كبيرًا منه في العمل الروحي، هذا من الصعب عليه أن تخطئ أثناء النهار.. لأن قلبه شبعان بالله طول الليل. المشكلة أن العدو يقابلك بالنهار وأنت غير محصن وغير مؤيد بقوة روحية. فلما تأخذ هذه القوة بالليل، تستطيع أن تحارب بها بالنهار.. الرصيد الروحي الذي أخذه القلب بالليل، ينفعه في حروب النهار.. ليتكم إذن تكسبون صداقة الليل، فإن ذلك سيساعدكم أيضا على كسب صداقة النهار. ليتكم إذن الليل معينًا لكم، يوصلكم إلى الله.. وعلى الأقل، إن لم يكن الليل مصدرًا روحيًا لكم، فلا تسمحوا أن تجعلوا منه مجالًا للخطية. وإنما "في الليالي ارفعوا أيديكم أيها القديسون، وباركوا الرب" (مز 133). وأنا أحدثكم الآن في الصيف، حيث يسهل السهر ويحلو.. لأن البعض لا يقوون على السهر في الشتاء، إذ يحتجون بالبرد، وبحاجتهم إلى الدفء تحت الأغطية، مما يقودهم إلى النوم.. ولكن ما عذر الإنسان إذا لم يسهر في الصيف؟ نقول هذا لا لنعطى سماحًا بعدم السهر في الشتاء.. وإنما هو تدريب على السهر الآن حيث الأمر سهلًا. والذي يتدرب على السهر صيفًا، يسهل عليه ذلك في الشتاء. إنه تعود السهر، وتعود مناجاة الله فيه، وأصبح لا يستغنى عنه مطلقًا، سيان كان ذلك في الصيف أو الشتاء، في الدفء أو في البرد.. فالسهر يعطى نشاطًا للجسد، والنوم قد يعطيه خمولًا.. وخمول الجسد بالنوم، يصحبه خمول الروح، حيث لا صلاة ولا تأمل، ولا تمتع بالوجود في حضرة الله.. ودفء الجسد بكثرة النوم قد يثير عليه محاربات.. وبخاصة إذا استرخى الإنسان على فراشه بلا نوم، لفترة من الوقت.. وهذا المسترخي أو المتوخى، قد يسرح فكره، في أي موضوع، وربما يقف عند موضوع خاطئ ويستقر فكرة، وهكذا يخطئ بفكره قبل أن ينام.. ونفس الوضع نقوله عمن يستيقظ ويبقى في فراشه. إن النوم الكثير له عيبان: إما حرارة الجسد أو خموله، وحرارة الجسد تتعب الشباب. وخمول الجسد يعود الكسل وكلا الأمرين ضاران روحيًا وجسديًا. لذلك ننصحك أن تسهر، وتكون نشيطًا جسدًا وروحًا.. وإن لم تستطع السهر بالليل، استيقظ مبكرًا بالنهار.. فالمرتل يقول في المزمور "يا الله أنت إلهي، إليك أبكر، عطشت نفسي إليك" (مز 63: 1). وهنا التبكير المقدس، الذي من أجل الله، الذي فيه تعطى لله باكورة يومك وباكورة وقتك. ويكون الله هو أول من تتحدث إليه في هذا اليوم.. تقوم بسرعة من نومك، وتقدم قلبك لله، لكن يملاْ هذا القلب حبًا وطهارة، ولكي تبدأ بدءًا حسنًا، وتشرق فيك الحواس المضيئة والأفكار النورانية وتبدأ نهارًا مقدسًا. ويتعاون نهارك مع ليلك في بناء حياة روحية سليمة لك، محترسة من كل خطأ. وخذها قاعدة: النهار المحترس يساعد على ليل مقدس، والليل المقدس يساعد على نهار محترس.. والإنسان الروحي يسهر على قدر ما يستطيع في العمل الروحي، حتى يكون له قلب مستيقظ حتى أثناء نومه، كما تقول عذراء النشيد "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" (نش 5: 2). وكتشجيع لكم على السهر، ليتكم تتأملون في سهر القديسين.. |
||||
04 - 02 - 2014, 05:01 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب السهر الروحي - البابا شنوده الثالث
سهر القديسين هنا وأتذكر إنني في إحدى المحاضرات منذ أعوام، طلبت إليكم -كتدريب روحي- أن تتأملوا في موضوع (ليالى القديسين)، وتجمعوا من سير القديسين كل المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع.. وطبيعي أن القديسين كانوا يقضون لياليهم في العمل الروحي: في الصلاة، والتسابيح، والتأمل، وأحيانًا في القراءة الروحية أو في التلاوات الروحية.. القديس أرسانيوس، كثيرًا ما يقضى الليل واقفًا يصلى.. وهو رافع يديه نحو السماء.. كان يقف متجهًا إلى الشرق وقت الغروب، الشمس خلفه. ويظل واقفًا يصلى حتى تطلع الشمس من أمامه. وكان يقاوم النوم.. والقديس الأنبا بيشوى، كانت له طريقته في السهر.. كان يقضى الليل ساهرًا. وغذ يخشى أن يغلبه النوم كان يربط شعره بسلسلة مثبتة في الحائط، حتى إذا غفا من ضعف الجسد، تشده السلسلة فيصحو. وهكذا يرغم جسده على السهر. وكما قال السيد المسيح "الروح نشيط. أما الجسد فضعيف (مت 26: 41). على أن الأقوياء في الروح، لا يخضعون لضعف الجسد، بل يرغمونه -أراد أو لم يرد- على السهر مع الروح، والإشتراك معها في عملها الروحي. على أن أعجب ما قرأته عن سهر القديسين هو تدريب القديس مقاريوس الإسكندرى.. دخل في تدريب شديد جدًا، قضى فيه عشرين يومًا "لم يطبق فيها جفنًا على جفن"، حتى قال "أحسست بعدها أن أعصاب مخي قد يبست"(*). كل ذلك وهو سهران، ليلًا ونهارًا، وقائم في الصلاة، بعقل مجتمع غير مشتت، وبسيطرة عجيبة على جسده وفكره، مفصلًا الصلاة على الراحة.. كان سهر القديسين مصحوبًا بالصلاة والمطانيات، وأيضًا بالدموع. ولعلكم قرأتم في البستان قصة ذلك الراهب الحريص الذي كان مشهورًا بدموعه في الصلاة. وكان له صديق يهتم ببستان وقد طلب منه أن يساعده في ري هذا البستان. فأجابه هذا الراهب الحريص بقوله "إذهب أنت إرو بالنهار، وأنا أروى بالليل "يقصد دموعه التي يروى بها نفسه العطشانة إلى الله.. يعوزنا الوقت إن تحدثنا عن كل قصص القديسين.. فالسهر عمل اساسى في حياة الآباء، وعنصر روحي ما كانوا يستغنون عنه. ويمكنك أن تقرأ عن ذلك في كتب بلاديوس، وجيروم، وكاسيان، وروفينوس، وبستان الرهبان، والسير المتفرقة عن حياة قديسى البرارى.. و"سهر الليل في الصلاة" عبارة وردت في طقس سيامة الرهبان، كما قيل عنهم في إحدى مدائح شهر كيهك "سهارى ليل ونهار، صارخين قائلين قدوس". على أن السهر ليس فضيلة خاصة بالرهبان وحدهم.. إنما السهر فضيلة للخدام أيضًا، ولجميع الناس.. فالقديس بولس الرسول يتحدث عن خدمته وخدمة زملائه أيضًا فيقول".. في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله في صبر كثير.. في أسها في أصوام.." (2كو 6: 4، 5). وهكذا ترينا طريقة معاملته للجسد: يسيطر عليه من جهة الطعام، فيقدم له الأصوام، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.ويسيطر عليه من جهة النوم، فيقدم له الأسهار.. وبهذا يظهر نفسه كخادم (وليس كراهب..).. وكما كان بولس الرسول، كان داود الملك أيضًا، وهو أيضًا خادم للرب، في ميدان آخر.. هذا نسمعه يقول "إني لا أدخل إلى مسكن بيتي، ولا أصعد على سرير فراشي، ولا أعطى لعينى نومًا، ولا لأجفاني نعاسًا، ولا راحة لصدغي، إلى أن أجد موضعًا للرب.." (مز 131). ومزامير داود مملوءة بحديثه عن سهره الليل في الصلاة.. إن الذين تعودوا السهر مع الله، إذا ناموا تكون قلوبهم أيضًا معه.. هؤلاء إذا ناموا، يحلمون بالإله المحبوب الذي يملأ قلوبهم.. ويقول ماراسحق عن نوم هؤلاء، إن خيالات أحلامه أطهر وأقدس من صحو غيرهم ممن لا يعلمون عملًا روحيًا مثلهم. ولا شك أن الذي ينشغل في النهار بعمل روحي، يملأ قلبه بالمشاعر المقدسة: هذا إذا نام، تخرج من عقله الباطن في نومه صور روحية جميلة، وربما يصلى. أيضًا وهو نائم، أو تكون له في أحلامه تأملات روحية عميقة.. هل نتطرق من هذا الموضوع (أحلام القديسين).. إنها أحلام في نوم. ولكنه نوم أقدس من سهر كثيرين.. هل نتكلم عن السلم الذي رآه أبونا يعقوب واصلًا بين السماء والأرض، وكان الملائكة القديسون يصعدون وينزلون عليه (تك 28).. أم نتكلم عن أحلام يوسف الصديق، أحلام دانيال النبي، وأحلام قديسي البراري، وأحلام قديسي الخدمة، والرؤى المقدسة في حياة هؤلاء وأولئك. ما رآه بولس الرسول، وما رآه يوحنا الحبيب، وما رآه أنطونيوس الكبير، وما رآه هرماس (في كتابه: الراعي). إن موضوع (أحلام ورؤى القديسين) موضوع طويل، ربما يحتاج إلى كتاب خاص. فأعتذر اليوم عن الخوض في تفاصيله، وأرجع إلى حديثنا عن السهر الروحي.. واكتفي بأن أقول أن هناك نومًا عند البعض أقدس من صحو عند آخرين. وأقول أيضًا: إن كان لك سهر روحي مقدس، يكون لك أيضًا نوم روحي مقدس.. وإن رفعت عينيك إلى الله في سهرك، تستطيع حينما تطبقهما أن تراه أيضًا. وكما قال أحد الأدباء الروحيين: أغمضت عيني، لكن أراك.. ما علاقتك إذن بالليل، وسهر الليل، وإله الليل؟ الليل الذي ليس لك عذر فيه.. ولا تستطيع أن تقول عنه كما تقول في صلاتك عن النهار "ثقل النهار وحره، لم أحتمل لضعف بشريتي". وهوذا الليل أمامك، لا ثقل فيه ولا حره.. نعود ونكرر عبارة ماراسحق: الليل مفروز لعمل الصلاة ويقول القديس بولس الرسول "واظبوا على الصلاة، ساهرين فيها بالشكر" (كو 4: 2).. هنا ونتذكر العبارة التي قالها رئيس النوتية موبخًا بها يونان النبى: "مالك نائمًا؟ قم أصرخ إلى إلهك" (يون 1: 6). قم ساهرًا في الليل، حسب دعوة الكنيسة التي تقول "قوموا يا بني النور، لنسبح رب القوات، لينعم علينا بخلاص نفوسنا". ثم نقول للرب "عندما نقف أمامك جسديًا، أعطنا يا رب يقظة، لكي نفهم كيف أمامك وقت الصلاة" (صلاة نصف الليل).. وقم أيضًا باكرًا من النوم، وقل مع داود النبي في المزمور (سبقت عيناي وقت السحر، لأتلو في جميع أقوالك" (مز 119). حقًا أين نهرب من هذه الآية؟ أسهروا يا لأخوتي وصلوا، حسب أمر الرب لنا.. لا تجعلوا عيونكم تثقل بالنوم، ولا أجسادكم تثقل بالنوم.. مارسوا السهر حتى يصبح لكم عادة. ولتكن أجسادكم نشيطة، وأرواحكم أيضًا نشيطة. اسهروا مع الرب، لأنه يوبخنا بقوله "أما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة؟ واعلموا أن السهر مع الرب له دلائل روحية. |
||||
04 - 02 - 2014, 05:07 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب السهر الروحي - البابا شنوده الثالث
السهر مع الرب هذا السهر يدل بلا شك على محبة الإنسان لله، وعلى محبة القلب للصلاة.. فمحبة الله هى التي تدفع الإنسان إلى قهر الجسد، والسيطرة على رغبته في الراحة وحاجته إلى الراحة، وذلك لكي يستمر في حديثه مع الله دون يمنعه النوم عن ذلك.. إن سهر الإنسان في الصلاة، يدل على أن محبته لله أكثر من محبته لذاته، بمعنى أنها أكثر من محبته لراحته.. أو أنه يرى راحته الحقيقية في الله وفى الحديث معه.. والسهر يدل على أن الروح هى المسيطرة وليس الجسد.. وأن الجسد صارت له أهداف روحية. ومن هنا أمكن أن يشترك مع الروح في عمل واحد، هو الحديث مع الله. والسهر يدل على أن مشاغل النهار لم تعطل الروح.. إن العقل الذي تسيطر عليه مشاغل النهار، وما فيه من أحداث وأخبار وانفعالات، هذا لا يستطيع أن يتفرغ لله، بل تبقى أفكار النهار في ذهنه يشرد فيها عقله. أما الذي يسهر في الصلاة، فإنه يدل على أنه طرح مشاغل النهار وراء ظهره، بحيث لا يبقى في عقله وفى قلبه سوى الله وحده،أما عن العالم واهتماماته فقد مات الجميع في قلبه. وهذا يذكرنا بقول القديس يوحنا التبايسى لما سئل: ما هى الصلاة الطاهرة التي بلا طياشة فأجاب: هذه الصلاة هى الموت عن العالم. مات العالم وكل اهتماماته من لقلب، فأصبح الفكر يصلى بلا طياشة. حقا إن سهر الجسد في الصلاة فضيلة كبيرة. وكن سهر الروح فضيلة أكبر. |
||||
04 - 02 - 2014, 05:11 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب السهر الروحي - البابا شنوده الثالث
طقس الكنيسة في سهر الليل الكنيسة المقدسة تشجع أولادها على سهر الليل، وترتل لهم مزمور 133 "في الليالي ارفعوا أيديكم أيها القديسون وباركوا الرب".. وتقدم لهم برنامجًا في السهر يشمل: 1- مقدمة كل صلاة، مع مقدمة خاصة.. 2- صلاة نصف الليل، من ثلاث هجعات. 3- تسبحة نصف الليل (الأبصلمودية). ونبدأ طبعًا بالصلاة الربانية، حسبما علم الرب تلاميذه. ثم صلاة الشكر، عملًا بقول داود النبي "في نصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك" (مز 119). ثم المزمور الخمسين، طالبين من الرب الرحمة وغفران خطايانا. وتوقظ الكنيسة أبناءها النائمين بالجسد، ليشتركوا معًا في صلاة واحدة وتسبحة واحدة يقدمونها إلى الله.. فتغنى في آذانهم أنشودتها الجميلة "قوموا يا بني النور لنسبح رب القوات..". أعطنا يا رب يقظة، لكي نفهم كيف نقف أمامك وقت الصلاة.. معلمة إيانا أيضًا أن اليقظة والسهر هما عطية من الله، وليس الأمر مجرد اجتهاد بشرى، بل هى في طلب معونته، تختم مقدمة الصلاة بقولها "قم أيها الرب الإله، ولتتبدد جميع أعدائك.." وأعداء الرب هم الشياطين الذين يقاومون سهرنا وصلواتنا وصلتنا بالله.. وهناك ملاحظة جميلة في صلاة نصف الليل وهى: 1- إن الكنيسة تصلى أن يقبل الله هذا الصلاة..فترتل في أكثر من موضع قول المرنم في المزمور الكبير: "فلتدن وسيلتي قدامك يا رب.." "فلتدخل طلبتي إلى حضرتك". وذلك لأنه ليست كل صلاة مقبولة أمام الله، إنما علينا أن نصلى من أجل قبول الله لصلواتنا، ومن أجل دخولها إلى عرشه.. وهذا المزمور الكبير (مز 119) الذي نصليه في نصف الليل، هو مزمور كله حب وعواطف وعمق، تسكب فيه النفس مشاعرها أمام الله.. ويحتاج هذا المزمور إلى كتاب خاص للتأمل في ما يحويه من اشتياق النفس إلى الله، وحبها له.. 2- أي أن المصلى يقف أولًا، ليقدم حبه للرب..وهذا هو الهدف الأول من السهر، حيث يقول القلب لله، من خلال كلمات هذا المزمور العجيب: "من كل قلبي"، "محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي"، "ناموس فمك خير لي من ألوف ذهب وفضة"، "كلماتك حلوة في حلقي، أفضل من العسل والشهد في فمي". " لك أنا فخلصني"، "نفسي في يديك كل حين، وناموسك لم أنس"، "أبتهج أنا بكلامك، كمن وجد غنائم كثيرة"... 3-وإلى جوار الحب، يوجد الصراخ إلى الرب..سواء في المزمور الكبير، أو باقي مزامير الليل كلها، وتشمل أيضًا مزامير الغروب والنوم.. إن القلب الشاعر بضعفه، يتوجه إلى الله مصدر كل قوة، صارخًا إليه، طالبًا تدخله ومعونته.. كما يقول في أول مزامير صلاة النوم "من الأعمال صرخت إليك يا رب، يا رب استمع صوتي" (مز 130). وكما يقول أيضًا في (مز 141) "بصوتي إلى الرب صرخت، بصوتي إلى الرب تضرعت. أسكب أمامه توسلي، أبث لديه ضيقي.." وفى صلاة الغروب يقول المصلى "إليك يا رب صرخت في حزني فاستجبت لي" (مز 120). 4-وفى صلاة نصف الليل توجد تعزيات بمعونة الله..فنقول فيها "المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون، لا يزول إلى الأبد" (مز 125). وأيضًا "نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا" (مز124)، وأيضًا "عظم الرب الصنيع معنا فصرنا فرحين" (مز 126)، وأيضًا "سبحي الرب يا أورشليم.. أنه قوى مغاليق أبوابك.. الذي جعل تخومك في سلام" (مز 147). ويعوزنا الوقت إن تكلمنا عن باقى المزامير. فننتقل إلى نقطة أخرى: معونة الله المعزية كما تبدو في قطع الأبصلمودية.. الأبصلمودية تذكرنا بأعمال الله العجيبة مع البشر. فالهوس الأول يركز على شق البحر الأحمر، والنجاة من عبودية فرعون، وقوة الله التي خلصت أيضًا من سيحون ملك الأموريين وعوج ملك باشان وباقى الأعداء.. وإبصالية الهوس الثالث نتغنى فيها بنجاة الثلاثة فتية من أتون النار، وكيف سبحوا الرب وهم في الأتون،. كلها أحداث تعزى كل من هو في ضيقة أو تعب.. 5-لذلك تمتلئ صلوات الليل بالتسبيح..سواء التسبيح الوارد في المزامير، أو الوارد في الأبصلمودية. إنه شكر للرب، تأمل في عجائبه الكثيرة، لأنه إلى الأبد رحمته، كما في الهوس الثاني. وتسبيح لله الذي تسبحه الطبيعة كلها، بما في ذلك الكائنات السمائية أو كل الطبائع الأرضية حتى الحيوانات والطيور والجبال والأنهار.. إنها سيمفونية تسبيح تشترك فيها كل عناصر الطبيعة. يشعر فيها المصلى في نصف الليل، أن الإنسان ليس هو وحده الذي يسبح الله، إنما الخليقة كلها. إنه كنائب عن الطبيعة يدعوها كلها لتسبح الرب.. كما يظهر ذلك في الهوس الثالث والهوس الرابع، مع تسبيح للرب بكل آلات الموسيقى والطرب.. ما أعجب هذا، وما أعمق تأثيره في القلب. يضاف إلى هذا ما في المزامير "سبحي يا نفسي الرب" (مز145)، و" سبحوا الرب يا جميع الأمم" (مز 116). بل إن الصلاة كلها تسمى كلها تسمى في الأجبية تسبحة، فيقال "تسبحة الغروب من النهار المبارك"، "تسبحة النوم".. 6- الاعتراف بالخطية، وتبكيت النفس: ليس فقط في المزمور الخمسين، إنما في كثير من المزامير.. وقطع الأجبية.. عبارات عديدة فيها تبكيت للنفس أمام الله: " أفنيت عمرى في اللذات والشهوات، وقد مضى منى النهار وفات"، "لكل إثم بحرص ونشاط فعلت، ولكل خطية بشوق واجتهاد ارتكبت"، "توبي يا نفسي مادمت في الأرض ساكنة"، "أي جواب تجيبي، وأنت على سرير الخطايا منطرحة، وفى إخضاع الجسد متهاونة؟"، "اللهم اغفر لي فإني خاطئ"، "أعطني يا رب ينابيع دموع كثيرة، كما أعطيت في القديم للمرأة الخاطئة".. وأمثال هذه الصلوات كثير.. 7- وصلاة الليل تذكر الإنسان بالموت والدينونة والاستعداد للأبدية.." هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل.."، "ها هوذا الختن يأتي في نصف الليل".. تتكرر عبارة "الآن يا رب تطلق عبدك بسلام "في إنجيل صلاة النوم، وفى آخر صلاة نصف الليل.. مع إيقاظ للنفس "تفهمي يا نفسي هذا اليوم الرهيب واستيقظي"، "يا رب إن دينونتك لمرهوبة.. تفتح الأسفار، وتنكشف الأعمال.. " الإنسان يحتاج إلى هذا التذكار، لئلا يجرفه التيار.. وما أجمل أن الكنيسة تضع صلوات يتذكر فيها الإنسان يوم الموت حتى لا تغره الحياة. ويتذكر يوم الدينونة، حتى يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله. ويتذكر مجيء المسيح ثانية، حتى يشعر بفناء هذا العالم.. ويختم بقوله للرب: "نعم يا رب، سهل لنا أن نكون في تلك الساعة، بغير خوف، ولا اضطراب، ولا وقوع في الدينونة". 8- وفى تذكار خطايانا، توجهنا الكنيسة إلى التشفع بالقديسين.. التشفع بالعذراء، والملائكة القديسين الذين انتقلوا رسلًا وأنبياء وشهداء وآباء ورعاة.. نقول لكل واحد منهم "أطلب من الرب عنا، لينعم علينا بغفران خطايانا". 9- وتشمل صلوات الليل معاني أخر..كالاعتماد الكامل على الله، وسؤاله التدخل في حياتنا.. ومثل اتضاع النفس وانسحاقها أمامه. 10- ويدخل في طقس الكنيسة اللحن والموسيقى.. والموسيقى واللحن يساعدان على يقظة الجسد. كما أنهما يغذيان المشاعر بتأثيرات روحية عميقة وفيها نرى المصلى يعبد الله بفرح، ويسبحه بالآلات الموسيقية كما ورد في المزمور 150، الذي نرتله في الهوس الرابع. |
||||
04 - 02 - 2014, 05:16 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب السهر الروحي - البابا شنوده الثالث
أهمية سهر الروح + إصحوا واسهروا الأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه" [ابط 5: 8] + طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم جاء سيدهم يجدهم ساهرين [لو 12: 37] إن سهر الروح هو سهر الإنسان على خلاص نفسه.. ولا شك أن هذا أمر خطير، ينبغي أن يضعه كل قلب في عمق أعماق اهتمامه. ولذلك نضع أمامنا قاعدة هامة وهى: إن سهر الروح أهم بلا شك من سهر الجسد.. وذلك بمقدار ما أن نوم الروح، هو أخطر بكثير من نوم الجسد.. الأسباب واضحة وهى: 1- الجسد قد ينام في الغالب ثمانى أو تسع ساعات، ثم يصحو من تلقاء ذاته، دون احتياج إلى مجهود من أحد لكي يوقظه.. أما الروح فقد تنام سنوات.. وربما تظل نائمة إلى ساعة الموت، وهى لا تدرى بذاتها، أو لا تدرى بحالتها، ولا تشعر.. تنزلق من حفرة إلى حفرة، ومن متاهة إلى متاهة، ومن ظلمة إلى ظلمة. 2- من الجائز أن تنام الإنسان ولا يخطئ.. والكل ينامون، حتى القديسون ينامون أيضًا بالجسد ولا يخطئون.. أما نوم الروح فهو خطية، لأن معنى ذلك أنها غافلة وساهية عن خلاصها.. 3- نوم الجسد قد يكون نومًا طبيعيًا، وشيئًا لازمًا. أما نوم الروح فهو شيء غير طبيعي، فالمفروض في الروح أن تكون ساهرة مع الرب. ولذلك فإن السهر هو الشئ اللازم لها، وليس النوم.. 4- قد ينام الجسد، والقلب مستيقظ.. أما نوم الروح، فهو نوم شامل، يشترك فيه القلب والضمير والعقل، سواء كان الجسد ساهرًا أو غير ساهر.. فالقلب نائم من جهة مشاعره نحو الله، والضمير نائم لا يؤدى عمله في التوبيخ ولا في التوجيه، والعقل نائم لا يفكر في مصيره ولا في نتائج نوم الروح. من أجل هذا كله، أوصى الكتاب بسهر الروح.. لقد طوب الرب الساهرين فقال "طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين" (لو 12: 37). وما معنى كلمة (ساهرين) هنا؟ معناها أن يكون كل منهم ساهرًا على خلاص نفسه وعلى أبديته، منتبهًا إلى روحياته، بكل حرص، "واخد باله من نفسه"، أي يكون مهتمًا بنفسه ومصيرها.. سهران على كل دقيقة من دقائق وقته، كيف يقضيها حسنًا. وفى نفس الوقت الذي يطوب الرب فيه الساهرين، نراه يحذر من عدم السهر بقوله ".. لئلا يأتي بغته فيجدكم نيامًا" (مر 13: 36). أي لئلا يبغتكم الموت وأنتم في غفلة، أو في حالة لامبالاة.. تجرفكم المياه في بحر العالم الزائل، وأنتم غير مستعدين لملاقاة الرب، ولا لتلك الساعة، ولا يخطر هذا الاستعداد على فكركم. وهكذا تضيع حياتكم..! لذلك مازلت أذكر ذلك الرجل البار الذي كان يقف في الدير ليصلى، فيقول بكل قلبه "لا تأخذني يا رب في ساعة غفلة".. واضح إذن أن سهر الروح الذي يأمرنا به الرب، إنما هو سهر مدى الحياة سهر دائم.. إنه سهر الحياة كلها، استعدادًا لساعة الموت. وفى ذلك يقول الرب "اسهروا إذن لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت: أمساءً، أم نصف الليل، أم صياح الديك، أم صباحًا. لئلا يأتي بغتة فيجدكم نيامًا" (مر13: 34 -36). ويقول أيضًا *إسهروا وصلوا، لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت (مر 13: 33). إذن فالاستعداد للأبدية هو السبب الأول للسهر الروحي. أما السبب الثاني الذي يوجب سهر الروح، فهو أن الشيطان ساهر أيضًا، يجول كأسد يزأر فلا بد من الاستعداد له بالسهر. وفى هذا قال القديس بطرس الرسول: * "اصحوا واسهروا، لأن إبليس خصمكم يجول كأسد زائر، ملتمسًا من يبتلعه هو" (1بط 5: 8) ويقول الرسول بعد هذا "فقاوموه راسخين في الإيمان".. وكيف يمكن لإنسان مهتم بخلاص نفسه، أن يقاوم عدوًا قويًا مثل هذا، يجول كأسد، إلا إذا كان ساهرًا. فإن لم يسهر سيبتلعه العدو. ولهذا، فإن الرب يعرض السبب الثالث للسهر في قوله: * "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (مت 26: 41) إننا نطلب من الرب في الصلاة الربانية، ألا يدخلنا التجارب بل ينجينا من الشرير. والرب بنعمته سيحمينا من التجارب، ولكنه في نفس الوقت يوجهنا إلى دورنا في هذا المجال، فيقول "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة".. السهر إذن أمر إلهي، ويشرح لنا كيف ننجو من التجارب: هو يعين، ونحن نسهر. وبهذا ندخل في شركة مع الروح القدس في العمل.. ذلك لأن كثيرًا من التجارب تصيبنا بسبب تهاوننا.. بسبب تراخينا وإهمالنا وعدم سهرنا على خلاص أنفسنا.. هنا وتعجبني عبارة ذكرها الإنجيل المقدس عن الرعاة الذين عاصروا قيل عنهم إنهم كانوا: رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم (لو 2: 8) كانوا سهرانين على غنمهم "يحرسون حراسات الليل، لئلا يبغتهم وحش إذا ناموا فيفترس غنيماتهم أو يختطفها في الظلام، دون أن يحسوا هم.. فهل أنت أيها القارئ العزيز مثل هؤلاء الرعاة، تحيا حياتك الروحية ساهرًا تحرس حراسات الليل، لئلا يبغتك العدو، سلطان الظلام، وينتهز فرصة نومك فيختطف روحياتك التي هى في حراستك، والتي ينبغى أن تسهر لتحرسها،أو يختطف منك رعيتك أو تلاميذك، إن كنت خادمًا ومسئولًا عن آخرين، والمفروض أن تسهر لحراستهم، وبخاصة إن كان العدو يجول كاسد يزأر.. إن السهر هو أيضًا صفة من صفات الله كراع.. هذا الذي قيل عنه إنه "لا ينعس ولا ينام" (مز 120). فإن كنا قد خلقنا على صورة الله، وعلى شبهه ومثاله (تك 1: 26)، فلتكن لنا صفة السهر هذه -ولو بقدر- على قدر ما تحتمل طبيعتنا.. الله يسهر لأجلنا. ونحتاج أن نسهر معه لأجل أنفسنا. أنظروا ماذا يقول سفر النشيد عن تخت سليمان، الذي يرمز هنا إلى عرش الله.. يقول "حوله ستون جبارًا.. "أي رجال الحرب القادرون على القتال، الذين دخلوا في حروب الرب كجبابرة.. وماذا عن هؤلاء؟ يقول الوحي الإلهي: "كلهم قابضون سيوفًا ومتعلمون الحرب. كل رجل سيفه على فخذه، من هول الليل" (نش 3: 7، 8). عبارة سيفه على فخذه، تعنى حالة الاستعداد، الاستعداد لأية حرب روحية، تحاول أن تبعد القلب عن الله. فما دام هناك ليل، وليل مرعب له هول، يجول فيه عدو الخير الذي لقبه الرب بسلطان الظلام (22: 53)، إذن لابد أن تكون ساهرًا "تحرس حراسات الليل "وأنت قابض على سيفك، ومستعد للحرب مع العدو، الذي قد يأتي خفية، وفى الظلام، ليضع أمامك خطية أو تجربة، ويحاول إسقاطك إن الغافلين والمتهاونين،والذين يعيشون في التراخي واللامبالاة، هؤلاء لا يصلحون للحروب الروحية ضد قوات الشر الملتهبة. إنما يصلح كل جبار بأس، ساهر، يحرس حراسات الليل، وسيفه على فخذه من هول الليل.. المطلوب منكم في سهركم، أن تحرسوا حراسات الليل، والمطلوب منكم أيضًا، أن تكونوا متعلمين الحرب.. هنا وأذكر قول داود النبي: مبارك الرب صخرتى: "الذي يعلم يدي القتال، وأصابعي الحروب (مز 144: 1). أي مبارك الرب الذي يعلمني أسرار الحرب الروحية، وكيف أدخل في الجهاد الروحي، وكيف أقاتل الشياطين، وكيف أفهم أساليبهم وخططهم وحيلهم. وكيف أكون ساهرًا باستمرار متيقظًا لكل حرب يثيرها الشيطان.. في الواقع أن عبارة السهر، تعنى أيضًا والاستعداد.. تعنى أن يكون الإنسان مستعدًا لكل حرب روحية، متنبهًا لكل خطية تحاول أن تزحف إلى قلبه، أو تحاول أن تسيطر على إرادته، وملتفتًا تمامًا إلى كل أفكار الشيطان.. وكما قال القديس بولس الرسول في هذا السهر ضد الشيطان: "لأننا لا نجهل أفكاره" (2 كو 2: 11). السهر يعنى أن يكون الإنسان مستعدًا للحروب الروحية. ويعنى أيضًا أن يكون مستعدًا للأبدية.. وفى هذا الاستعداد، أعطانا الرب مثال العذارى الحكيمات.. لقد كن ينتظرن العريس، والجاهلات أيضًا كن كذلك.. ولكن الحكيمات تميزن على الجاهلات بأنهن زيت لمصابيحهن في آنيتهن. ولذلك يقول الكتاب عبارة هامة جدًا في مجئ العريس.. يقول متى 25: 10: والمستعدات دخلن معه إلى العرس، وأغلق الباب". والاستعداد هو السهر. ولذلك فإن الرب ختم هذا المثل بقوله "فاسهروا إذن لأنكم لا تعلمون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها إبن الإنسان" (مت 25: 13). ويقول في إنجيل معلمنا لوقا "فكونوا أنتم إذن مستعدين.." (لو 12: 40)، والاستعداد يعنى السهر، السهر الروحي الدائم.. هنا ونسأل: ما الفرق بين أقدس وأخطأ خاطئ؟ الفرق أن القديس سهران ومستعد. أما الخاطئ فغافل ومتهاون. إن الشيطان يحارب الاثنين معًا، يحارب القديس كما يحارب الخاطئ تمامًا، وربما أكثر والاثنان معرضان للسقوط، وفيهما الضعف البشرى، وليس أحد منهما معصومًا.. لكن الفرق، وهو أن الشيطان حينما يأتي لمحاربة القديس، يجده مستعدًا له، سهران للقائه، وسيفه على فخذه، وهو متعلم الحرب.. أما الخاطئ فيجده الشيطان غافلًا عن خلاص نفسه، لا سلاح في يده، ولا قدرة على القتال، فيصبح سقوطه سهلًا. فهل أنت في حالة استعداد؟ وهل أنت في سهر روحي مستمر، لا تؤخذ فيه على غفلة؟ إن لم تكن ساهرًا، فابدأ السهر. ولكن ما مظاهر هذا السهر وهذا الاستعداد؟ يقول السيد الرب في ذلك (في 12: 35): "لتكن أحقاؤكم ممنطقة، ومصابيحكم موقد.." "الأحقاء الممنطقة" تعنى الاستعداد: الاستعداد للعمل أو للسفر، وكلاهما لازم في السهر الروحي. ولعل أول مرة سمعنا فيها أمرًا إلهيًا بهذا، كان في يوم الفصح، والشعب مستعد لمغادرة أرض العبودية، والعبور إلى حيث يكونون تحت قيادة الرب نفسه.. أمرهم الرب في تلك الليلة أن تكون "أحقاؤكم مشدودة" (خر12: 11). أي أن يكونوا مستعدين للسفر وللعبور وللخروج من عبودية الخطية. والإنسان الذي يشعر بغربته في هذا العالم الحاضر، وبأنه مسافر منه إلى مدينة الله، تكون أحقاؤه ممنطقة ومشدودة باستمرار وسواء في عمله الروحي، أو استعداد للسفر.. والراهب الذي يمثل الغربة عن العالم، والاستعداد للأبدية، يلبس دائمًا منطقة على حقويه، كيوحنا المعمدان (مت 4: 3). |
||||
04 - 02 - 2014, 05:19 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب السهر الروحي - البابا شنوده الثالث
كيف يكون الاستعداد للأبدية 1- إنه أولًا استعداد بالتوبة: ولذلك نقول في صلاة الليل "توبي يا نفسي ما دمت في الأرض ساكنة.. انهضي من رقاد الكسل، وتضرعي إلى المخلص بالتوبة قائلة: اللهم ارحمني وخلصني"، "أعطني يا رب ينابيع دموع كثيرة، كما أعطيت في القديم للمرأة الخاطئة.. واجعلني مستحقًا أن أبل قدميك اللتين اعتقتانى من طريق الضلالة.. وأقتنى لى عمرًا نقيًا بالتوبة"، "أنعم لنفسي المسكينة بتخشع، قبل أن يأتي الانقضاء وخلصني"، "ربما أن الديان حاضرًا اهتمي يا نفسي وتيقظي..". إن صلاة الليل، كما وضعها الكنيسة، حث على التوبة. يصليها الإنسان، فيتخشع أمام الله، ويعرف أهمية السهر الروحي على خلاص نفسه، بالاستعداد، بالتوبة والاعتراف والدموع، والدوام في ذلك.. حتى إن كان متغافلًا يصحو إلى نفسه. وبسهر جسده في الصلاة، يقتنى سهر الروح.. وماذا عن كيفية الاستعداد؟ نقتنيه بالتوبة وأيضًا: 2- بالجهاد والعمل الصالح: الإنسان الساهر يجاهد بكل قوته ليقاوم كل قوى الشر، كما قال بطرس الرسول "اصحوا واسهروا لأن إبليس عدوكم يجول كأسد زائر.. فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط 5: 8، 9). هذه المقاومة للشيطان، تمثل الجهاد الروحي، الذي هو عنصر أساسي من عناصر السهر الروحي. وهذا الجهاد ليس سلبيًا، إنما له إيجابيته بالعمل الصالح.. لذلك نذكر أنفسنا في بدء صلاة الليل ببداية المزمور الكبير "طوباهم الذين يفحصون عن شهاداته ومن كل قلوبهم يطلبونه "لكي ندرك في سهرنا أنه يجب أن نكون بلا عيب في طريق الرب، ونهتم بناموسه ووصاياه.. حينئذ لا تخزى. 3-وهكذا يأتي الاستعداد أيضًا، بالالتصاق بوصايا الرب.فالمصلى يقول للرب في صلاة الليل "لو لم تكن شريعتك هى تلاوتى، لهلكت حينئذ في مذلتى" (مز 119). نعم إن شريعتك تعلمني السهر "مصباح لرجلي كلامك، نور لسبيلي"، "أخفيت أقوالك في قلبي لكي لا أخطئ إليك"، "ذكرت في الليل اسمك يا رب، وحفظت شريعتك" (مز 119). وكما أن الأحقاء الممنطقة تعنى الاستعداد للعمل وللسفر كذلك المصابيح الموقدة، تعنى الاستنارة الروحية الدائمة.. الإنسان الساهر على خلاص نفسه هو إنسان له هذه الاستنارة، يرى ما هو النافع لخلاصه وما هو الضار. فهو حكيم عيناه في رأسه، أما الجاهل فيسلك في ظلام (جا 2: 14). والنور الذي في الإنسان الروحي الساهر، كما يصلح لخلاصه يصلح للآخرين أيضًا.. هو مصباح موقد، يوضع على المنارة ليضئ لكل من في البيت (مت 5: 15) والمصباح يوقد بالزيت. وهذا الزيت كان سر نجاح الحياة الروحية للخمس العذارى الحكميات، وهن مثال للسهر الروحي السليم (مت 25)،.فإلى أي شيء يرمز الزيت؟ الزيت في مصباح الساهر يرمز إلى الروح القدس وعمله.. ورموز الزيت للروح القدس، أمر واضح جدًا في الكتاب المقدس. وكان يمثل المسحة المقدسة التي يحل بها الروح القدس، كما في مسح الملوك، وفى مسح الكهنة في العهد القديم. وكما في سر مسحة الميرون في العهد الجديد (1يو2: 20، 27). والخمس العذارى الحكيمات الساهرات اللائي احتفظن بالزيت في آنيتهن، يرمزن إلى النفوس الساهرة على خلاصها التي تحتفظ بعمل الروح القدس فيها.. ولكن ما تفاصيل هذا السهر الروحي؟ وكيف يكون؟ |
||||
04 - 02 - 2014, 05:29 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب السهر الروحي - البابا شنوده الثالث
السهر على الهدف الروحي أولا: ليكن لك هدف الروحي الإنسان الروحي الساهر على خلاص نفسه، هو إنسان له هدف ثابت قوى لا يتحول. وهذا الهدف هو محبة الله، وملكوت الله في قلبه. فهل لك هذا الهدف؟ أم أنت تحيا بلا هدف، بلا خطة، بلا اتجاه ثابت، يوم يسلمك ليوم، وليل يسلمك لليل، دون أن تدرى ما أنت فيه..؟! ضع لك إذن هدفًا روحيًا. واسهر على هذا الهدف باستمرار، وراقبه لئلا يضعف أو يتغير. ولا تكن مثل كثيرين بدأوا بالروح وكملوا بالجسد (غل 3: 3) لأنهم لم يكونوا ساهرين. ما أسهل أن يتغير هدفك في الطريق إن لم تكن ساهرًا.. كثيرون بدأوا بهدف سليم هو محبة الله. وكمظهر هذه المحبة، أو كتعبير عن هذه المحبة، دخلوا في محيط الخدمة، أنهم يريدون أن يدخل الناس في محبة الله مثلهم. وبمرور الوقت تحولت الخدمة إلى هدف، فقدوا فيه محبتهم لله. وأعطوا الخدمة كل جهدهم ووقتهم وتفكيرهم، حتى لم يبق لهم وقت يقضونه مع الله في صلاة أو تأمل..! وهكذا فترت حياة هؤلاء، وبالتالي فترت خدمتهم، ولم تعد خدمة لها الطابع الروحي! أو آخرون من أجل محبة الله دخلوا الخدمة. ولأنهم لم يكونوا ساهرين على أنفسهم، تحولت الخدمة عندهم بمرور الوقت إلى لون من الرئاسة والسيطرة والسلطة وتأكيد تفوق الذات، وحلت الذات محل الله، وضاعوا وضاعت خدمتهم. والبعض بدأوا بمحبة الله كهدف سليم. ومن محبتهم لله أرادوا أن يتعمقوا في معرفته، وبحثوا عن هذه المعرفة في الكتب.. وبمرور الوقت أصبحت الكتب هى هدفهم. وتوسعت بهم المعرفة حتى خرجت عن محبة الله، وتاهوا في معارف متعددة. وبعضهم وقعوا في شكوك، أو أوقعوا غيرهم في شكوك. واستهوتهم المعرفة حتى تحولوا إلى عقل صرف لا تشغله محبة الله! وأدخلتهم المعرفة في صراعات مع من يخالفونهم في الرأى. وفى صراعاتهم نسوا الله الذي يتصارعون من أجله. وجرفتهم الدوامة التي جرفت كثيرين. أما أنت فإن دخلت في الخدمة أو المعرفة، فاسهر على نفسك، واحرص فيهما على هدفك الحقيقي الذي هو محبة الله وملكوته على قلبك.. واحترس من الأهداف الجانبية.. أو احترس من الأمور الجانبية، التي تسرقك أثناء عدم انتباهك وعدم سهرك، وتتحول إلى أهداف! فتسعى إليها بكل قلبك، ناسيًا هدفك الحقيقي.. إسهر إذن، وفتش نفسك بين الحين والآخر، وفتش أهدافك،واذكر عبارة القديس أرسانيوس: "تأمل يا أرسانى في ما خرجت لأجله". وكان للقديس أرسانيوس كل الحق في أن يخاطب نفسه بهذه العبارة، لأن كثيرين دخلوا الرهبنة "من أجل عظم محبتهم في الملك المسيح".. ولكنهم إذ لم يكونوا ساهرين على هدفهم الروحي، تطوروا بمرور الوقت، ونسوا هذه المحبة، ونسوا نذورهم ووعودهم الأولى، وتحولوا إلى وضع مختلف تمامًا عن الوضع الذي بدأوا به هذا الطريق الروحي. أخشى أن تنظر روحك في مرآة، فتقول من هذا؟! لست أنا ما أراه في المرآة! تنظر إلى ذاتها بعد وقت، فتجد بدلها شخصية أخرى، ليست هى ذاتها التي بدأت الطريق الروحي بطريقة روحية. ولكن لعدم سهرها على هدفها، تغيرت دون أن تدرى.. والإنسان الساهر على خلاص نفسه، إن لاحظ تغيرًا في هدفه، يعالجه بسرعة، ويصلحه بسرعة، متنبهًا إلى نفسه، ولا يعطى فرصة لهذا التغير يثبت فيها وجوده ويرسخ أقدامه.. وكما يسهر الإنسان على هدفه ويلاحظه، هكذا ينبغى أيضًا أن يسهر على الوسائل التي يستخدمها في تحقيق هدفه، مراعيًا أن تكون روحى، وصالحة لتوصيله إلى الهدف. |
||||
04 - 02 - 2014, 05:33 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب السهر الروحي - البابا شنوده الثالث
السهر على الوسائل الهدف الروحي، ينبغي أن تكون الوسيلة المؤدية إليه، هى وسيلة روحية مثله.. ويجب أن يسهر الإنسان الروحي على وسائله، ويراجعها، ويرى هل أوصلته إلى هدفه أم لا؟ وما السبب وربما تكون له وسائط روحية، ولكن دخلت إليها الروتينية.. عليه إذن أن يراجع نفسه ويراقبها: هل صلواته ومزاميره وقراءاته تحولت إلى شكليات وروتين، وأصبحت بلا روح وبلا ثمر؟ هل اعترافه بخطاياه تحول إلى مجرد عادة مع بقاء حاله كما هو؟ هل تناوله بغير خشوع وبغير توبة حقيقية؟ ثم الوسائل الأخرى التي يسلك فيها لتوصله إلى محبة الله، هل هى فعلًا مملوءة بالمحبة، أم أصبحت منفردة بذاتها لا تظهر فيها مطلقًا محبة لله. والساهر على خلاصه، يحترس من الوسائل التي تتحول إلى أهداف.. هل الخدمة مثلًا هى مجرد وسيلة توصل إلى الالتصاق بالله، أم تحولت الخدمة إلى هدف في ذاته، ويمكن أن تدخل إليها طرق عالمية وأساليب غير روحية لا ترضى الله! كما أصبحت مجالًا للظهور، مجرد عمل من أعمال النشاط أو الذكاء! هل محبة الناس تحولت إلى علاقات شخصية وصداقات بشرية، لا دخل لله فيها، وليس لها أي هدف روحي، ولا أي ثمر روحي.. مجرد عمل اجتماعي!! وهل الفضيلة أصبحت مجرد حرص على رضا الآخرين، أو رضا النفس عن ذاتها، دون أن تصبح وسيلة يملك بها الرب على القلب. وهل الصوم أصبح مجرد تدريب لتقوية الإرادة وقمع الجسد، أو صبح مجرد عادة أو طاعة للقوانين الكنيسة، أو لعدم إعثار الآخرين، دون أن يدخل الله فيه! الإنسان الساهر على خلاص نفسه، يراقب وسائله ويعالجها.. لئلا تتحول كلها إلى روتين، وإلى عادة، وينسى الهدف الأصلي منها، وهو محبة الله..! ويقينًا أن الشيطان لا مصلحة له في أن يحارب ممارسات لها الشكل الروحي، ولكن لا صلة لها بمحبة الله، ولا عمق ولا روح.. إسهر إذن على نفسك، وعالج، وصحح مسارك إلى الله. وماذا أيضًا تسهر عليه؟ |
||||
04 - 02 - 2014, 05:35 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب السهر الروحي - البابا شنوده الثالث
كن ساهرًا في حروبك الروحية الإنسان الساهر على خلاص نفسه، ويرقب كل خطية تسعى إليه. وينتبه بكل يقظة قلب إلى الحروب الداخلية والحروب الخارجية التي تهاجم حياته الروحية. ولا يكون ساهرًا فقط، بل ساهرًا ومقاتلًا، حتى لا يهزمه الشيطان.. لأن كثيرًا من الخطايا، تسبقها الغفلة أو التهاون.. فيقع الإنسان في الخطية دون أن يشعر، وحينما يحس أنه قد سقط، يكون قد تورط وقطع شوطًا فيها. لذلك نحن نطلب من الله في تحليل صلاة الستار قائلين "امنحنا عقلًا مستيقظًا "أى منتبهًا غير غافل.. إن الشيطان يعمل في الظلام، حتى لا ندرك أعماله ولا نراها، لذلك سماه الرب "سلطان الظلام" (لو 22: 53). هذا الذي يعمل في الظلمة الخارجية، خارج الحياة مع الله.. وحالة غفلة النفس، هى حالة ظلمة لا ترى فيها ولا تدرك.. الإنسان السهران، لا يسهل أن يخدعه الشيطان.. وكما يقول القديس بولس الرسول عن الشيطان".. لأننا لا نجهل أفكاره" (2كو 2: 11). فالإنسان الساهر على حياته الروحية التي يفهم بها حيل العدو فيهرب منها. ولا يضربه الشيطان بضربة شمال، ولا بضربة يمين. وضربة الشمال هى التساهل والتسامح مع الخطية والتسيب. أما ضربة اليمين فهى المغالاة في الطريق الروحي، حيث يرتئى الإنسان فوق ما ينبغى (رو 12: 3). الإنسان السهران، يكون له فكر حكيم، يدرك حيل العدو.. لا يمكن أن تخدعه الخطية. ويستطيع أن يميز تمامًا الخطايا التي تلبس ثياب الحملان، وتأتى إليه في شكل فضيلة! يستطيع أن يميز القسوة التي تأتيه باسم الحزم، والشهوة التي تأتيه باسم الحب والعطف. يستطيع أن يميز حب مديح الناس، الذي يأتيه في هيئة تقديم قدوة صالحة لفائدتهم.. وهكذا في كل ما ثمر عليه من حروب في الخارج أو مشاعر في الداخل، يتذكر قول القديس يوحنا الحبيب (1 يو 4: 1): لا تصدقوا كل روح. بل أمتحنوا الأرواح، هل هى من الله ذلك لأن الشيطان كما قال الكتاب "بغير شكله إلى شبه ملاك نور" (اكو 11: 14). إن كان يدفع أحدًا للارتفاع إلى فوق في الروحيات، بغير حكمة وبغير مشورة، إنما يرفعه ليسقطه من علو، أو ليرميه في الكبرياء، أو يوصله إلى مستوى لا يستطيع أن يستمر فيه، ثم يوقعه في الكآبة والحيرة.. أما الإنسان الساهر فلا يقبل من الشيطان نصيحة، مهما كانت تبدو ومخلصه، أو تبدو نافعة!! وإن كان الشيطان يغير شكله إلى شبه ملاك نور، فإن هذا ينبهنا إلى نقطة هامة وهى أن: الساهر لا تخدعه الرؤى ولا الأحلام الكاذبة.. الذي في غفلة، قد تخدعه الرؤى والأحلام. أما الساهر على روحياته، فإنه يفحصها جميعًا، ويميز ما هو من الله ويرفض الباقى. لست أريد أن أتفيض كثيرًا في الحديث عن حروب الشياطين، فموعدنا بها كتاب سنصدره في الشهر المقبل إن شاء الله عن الحروب الروحية، فيه باب أساسى عن حروب الشياطين،أما الآن فإننا نركز على السهر الروحي في هذه الحروب فنقول: الإنسان الساهر لا يدخل في حرب، وهو في حالة ضعف.. إنه لا يدخل في قتال مع الشيطان، إلا وهو مستعد له، سيفه على فخذه من هول الليل. أما إن أحس ضعفًا في دخله، فإنه يبعد عن كل حرب خارجية يثيرها الشياطين. بل يهرب من العثرات على قدر طاقته مهما كان تبدو خفيفة00 يهرب من الخطايا القريبة، ومن الخطايا البعيدة أيضًا.. من الخطايا التي يمهد الشيطان طريقها بعد أسبوع أو شهر أو سنة ويقول لنفسه في حرص الساهر.. أنا عارف أن هذه السكة سوف تتعبنى، ولو بعد فترة طويلة، فالبعد عنها من الآن أفضل وأسلم وهكذا يراقب نفسه من الداخل، ويراقب العدو من الخارج.. هذا هو الإنسان الساهر روحيًا: يراقب نفسه باستمرار، يراقب مشاعره وأفكاره وحالة قلبه الداخلية. فإن وجد في نفسه ضعفًا معينًا، أو ميلًا في وقت ما نحو الخطية، أو تراخيًا مقصودًا في مقاومتها.. يسرع بإقامة حالة طوارئ بالنسبة إلى نفسه، ويزيد من حراسته، ويدعمها بالوسائط الروحية العميقة.. ولا يترك العدو يهاجمه، وهو في حالة غفلة أو عدم إهتمام، أو وهو في حالة ضعف أو لا مبالاة. وكما قال أحد القديسين: الخطية يسبقها أما الشهوة، أو الغفلة أو النسيان. والساهر يحترس من هذه كلها. ويراقب نفسه ويرى ما يصلح لها، ويقويها، ولا يدعها تكون فريسة سهلة لعدو الخير المتربص لافتراسها0 وإن وجد الحرب شديدة عليه، يصرخ كما في قطع صلاة الستار "يا رب أنت تعرف يقظة أعدائى. وضعف طبيعتى أنت تعرفه يا خالقى. فاسترنى بأجنحة صلاحك، لئلا أنام نوم الوفاة". هذا ما يفعله الساهر الذي يراقب نفسه. لهذا أقول لكم في صراحة: راقبوا أنفسكم جيدًا، بدلًا من أن يراقبكم الناس. وكما قال القديس مقاريوس الكبير "أحكم على نفسك، قبل أن يحكموا عليك". إصحوا لأنفسكم. إفحصوا أنفسكم من الداخل. راقبوا أفكاركم ومشاعركم وحواسكم. وإن كان أحد منكم غير ساهر، ولم يراقب نفسه، وراقبه غيره، ووجد فيه عيبًا، ووجهه إليه، أو انتقده روحية، أن يرسل له الله من يوقظه. وكما قال القديس يوحنا ذهبى الفم: الذى يبكتك على خطاياك، إتخذه لك صديقًا.. ينبغى أن تشكر مثل هذا، الذي لم يتركك مستمرًا في غفوتك، فأيقظك. كإنسان سائرًا في الطريق، وأمامه حفره سيقع فيها وهو غير ملتفت، فوجد من يجذبه بعيدًا عنها، ولو في عنف، ولو بكلمة شديدة. المهم أنه أنقذه، فيستحق الشكر نعم، إن كنت غافلًا عن نفسك، فأنت محتاج إلى من ينبهك فتصحو، قد يكون هذا الذي يوقظك أحد أعدائك أو أحد معارضك، فينتقدك، أو يشتمك، أو يهاجمك، بسبب أخطائك. لكنه على كل حال.. يوقظك.. فافرح بهذا الذي أيقظك، حتى لو فعل ذلك بعنف.. إعتبره مثل الملاك الذي دخل السجن، وضرب جنب القديس بطرس ليوقظه ولينقذه (أع 12: 7)0 واعتبره مثل الحوت الذي ابتلع يونان، لينقذه من الغرق في البحر.. لا يتضايق إذن إن أيقظتك إهانة أو مشكلة. قل كما قال المرنم في المزمور "خير لى يا رب أنك أذلتنى. لكي أتعلم وصاياك" (مز 119). إحتفظ بسهرك. وضع أمامك مبادئ تساعدك على استمرار السهر. مبادئ، أو آيات من الكتاب، أو أقوال قديسين، تضعها أمامك على مكتبك، أو تعلقها أمامك على الحائط، أو تكتبها في مفكرة لتقرأها باستمرار كأنها "سفر تذكرة" (ملا 3: 16). أو إتصل باستمرار بالأشخاص أصحاب المبادئ، أو أصحاب المستويات العليا في الروح، الذين كلما تراهم تصحو نفسك، وتتبكت على خطاياك، وتعود إلى سهرك.. ولا تغضب منه إطلاقًا. إنه يوقظك لتسهر. وإن كنت ساهرًا على خلاص نفسك، تراقبها، وتراقب كل خطية تحاربك، وتراقب الشياطين وكل خططهم وكل فخاخهم.. فهناك نصيحة أخرى هامة وهى: كما تراقب الخطايا الظاهرة، راقب أيضًا خطاياك الخفية: إهتم بهذا أيضًا.. أعنى الخطايا الساكنة في أعماق النفس من الداخل، الخطايا الكامنة في أعماق العقل الباطن، والتي تكون مصدرًا لأفكار وظنون وأحلام وحركات للنفس تبدو غير إرادية.. راقب كل هذه، حاول أن تعالجها. كن كحارس ديدبان على نفسك. وتمثل بالزارع الحكيم. الزارع الذي يكون متيقظًا تمامًا، منتبهًا لكل ما يحيط بزرعه وما يلزم له. يراقب الجو، الحرارة، البرودة، الرياح، العواصف، ويحمى زرعه من كل هذا. كما يرقب مواعيد الرى، ومواعيد السماد العضوى والكيماوى. ويرقب الآفات أو الحشرات التي تهاجهم الزرع، ويقاومها ويخلصه منها. كما يرقب ما يطرأ على زرعه من ذبول أو إصفرار، ويعرف سببه ويعالجه. ويرقب النمو والثمر.. هذا مزارع ناجح، ساهر على صالح مزروعاته. إفعل أنت أيضًا هكذا بالنسبة إلى حياتك، فتحيا.. إرقب كل خطية من بدايتها.. ولا تنتظر عليها حتى تكبر وتتأصل.. حالما تلمح الفكر الخاطئ آتيا من بعيد، اطرده أو اهرب منه، ولا تتركه يدخل إلى ذهنك ويتمكن. ولا تدع الفكر يتحول إلى شعور، ويضعف إرادتك. إنما كمراقب ساهر على حفظ تخومه، ينذر بالخطر إن رأى عدوًا آتيا من بعيد.. هكذا مع الخطية قاومها من قبل أن تسيطر. قل لها كما قال المرنم في المزمور "يا بنت بابل الشقية.. طوبى لمن يمسك أطفالك، ويدفنهم عند الصخرة" (مز 136). |
||||
|