الانفصال عن الله بالخطية
لا شك أن الخطية إنفصال عن الله وعن شركته.
إنها إنفصال عن القداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب.. لأنه لا يعاين الله إلا أنقياء القلب (مت 5: 8). فالذي يفقد نقاوته بالخطية، لا يمكن أن تري عينه الله. بل يكون قد إنفصل عنه هكذا وقفت الخطية طوال تاريخها كحاجز بين الله والإنسان..
وصار يمثل ذلك الحاجز المتوسط في خيمة الإجتماع.
هذا الحاجز - أو الحجاب - الذي كان يفصل الشعب عن قدس الأقداس، فلا يستطيعون الدخول إليه (خر 26: 33)، رمزًا إلي إنفصالهم عن الله بالخطية.. هذا الحاجز الذي هدمه المسيح بصليبه، ونحن في كل يوم - بخطايانا - نحاول أن نبنيه مرة أخري!!
الكتاب يقول عن العذارى الجاهلات إنه قد "أغلق الباب"، ووقفت هؤلاء الجاهلات خارجًا (مت 25: 11)، بينهن وبين الرب هذا الفاصل، هذا الباب المغلق. يتضرعن قائلات: "يا ربنا يا ربنا، أفتح لنا"، فلا يفتح لهن. بل يقول لهن: "إني لا أعرفكن"..
لقد إنفصلن عنه تمامًا، وعن ملكوته وعن عرسه، وإنفصلن أيضًا عن العذراي الأخريات الحكيمات..
وفي قصة الغني ولعازر، نقرأ عن نفس الإنفصال. لعازر في حضن أبينا إبراهيم، والغني ينظر "من بعيد". وقد قد قال له أبونا إبراهيم "بيننا وبينكم هوة عظيمة قد أثبتت.." (لو 16: 26).
الأبرار في الآخر، يكونون في أورشليم السمائية، مسكن الله مع الناس.. وهذه لا يدخلها شيء دنس، ولا ما يصنع رجسًا.. إلا المكتوبين في سفر الحياة (رؤ 21: 27). ينفصل الأبرار عن الخطاة إلي الأبد.
يفصل الله الأبرار عن الخطاة، والقمح عن الزوان، والخراف عن الجداء.. ويطرح الأشرار في الظلمة الخارجية..
الظلمة تعني إنفصالهم عن النور، أي عن الله. وتعني إنفصالهم عن المدينة المنيرة، أورشليم السمائية. وعبارة الخارجية تعني أنهم خارج جماعة المفديين الغالبين الأبرار، بعيدًا عن القديسين، الذين كانت حياتهم بعيدة عن حياتهم ومنفصلة عنها.
إذن الخاطئ سينفصل في السماء عن جميع أحبائه علي الأرض.
هنا علي الأرض الكل معًا: القديس مع الخاطئ. ولكنهم في السماء سينفصلون. فإن كان أحد علي الأرض يحب إنسانًا بارًا، فإنه لن يراه في المساء، إلا إذا تاب ههنا، وصار باراص مثله، وإستحق بهذا أن يوجد في الموضع الذي سيوجد فيه ذلك البار.
أما إن ظل خاطئًا، فقد إنقطعت صلته بذلك الحبيب إلي الأبد، مهما كان إبنًا، أو أخًا، أو أبًا، أو صديقًا..
لا بد أن يكون مثله، ليتمتع بعشرته في الأبدية..
فإن كان الإثنان اللذان يحبان بعضهما البعض خاطئين معًا، فماذا يحدث؟ أقول إن العذاب الذي يلاقيه كل منهما في الأبدية، لا يعطيه فرصة أن يفكر في غيره، بل عذاب غيره يكون عذابًا اَخر مضافًا إليه، وليس متعة لعشرته.
الحل الوحيد إذن، الذي يجمع المحبين، ليتمتعوا بالعشرة معًا هي أن يحيوا ههنا في بر، ويجتمعوا معًا في السماء.
الخطية إذن تفصل الإنسان عن الله وعن القديسين وعن أحبائه وتفصله عن الملائكة أيضًا..
فالكتاب يقول إن ملائكة الله "حالة حول خائفيه وتنجيهم"فإن كنت من خائفي الرب تتمتع بعشرة الملائكة هنا وفي السماء أيضًا.. أما الخطاة فإنهم يفصلون أنفسهم عن طغمة الملائكة، التي لا تحتمل أن تري أعمالهم الردية.. بينما في وقت خطيتهم يحيط بهم الشياطين، يشجعونهم علي ما هم فيه!
فالخطية إذن، ليست هي إنفصالًا عن الله وحده، بل أيضًا عن ملائكته وقديسيه وسمائه وملكوته، في الأرض وفي السماء..
واضح في قصة الإبن الضال أنه إنفصل عن أبيه.
إنفصل عن الآب. طلب ذلك ونفذه فعلًا، وذهب إلي كورة بعيدة (لو 15: 13). وفي نفس الوقت الذي إنفصل فيه عن الآب، إنفصل عن بيته الذي يرمز إلي الكنيسة بيت الله، وإنفصل عن أعضاء أسرته الذين يرمزون إلي جماعة المؤمنين.
وهكذا حدث للخروف الضال: إنفصل عن الراعي، وعن الحظيرة، وعن باقي الخراف.. في نفس الوضع حدث للدرهم المفقود (لو 15).
الخطية إنفصال عن الله، وإنفصال عن البر والخير، بطبيعتها..
إنها إنفصال عن الخطية الإلهية التي رسمها الله لخلاصك، وإنفصال عن الخط الإلهي الذي يريدك الله أن تسير فيه. هي إنفصال عن الحق، وسير في الباطل، والحق هو الله (يو 14: 6)..
بدأ الإنفصال عن الله من أول خطية اَدم..
إنفصل اَدم عن المحبة والدالة والعشرة التي كانت بينه وبين الله، فأصبح يخاف منه، ويختبئ من وجهه، وإن سمع صوته يهرب من لقائه، لا يستطيع أن يراه! أو بأي وجه يراه؟!
هذا من ناحية. ومن ناحية أخري، إنفصل اَدم عن شجرة الحياة، وعن الجنة، مكان لقائه مع الله (تك 3: 22، 23).
وماذا أيضًا؟.. إنفصل كذلك عن الصورة الإلهية التي كانت له. فلم يعد بعد الخطية علي شبه الله ومثاله.
كانت نتيجة خطيته هي الإنفصال عن الله، ونفس الخطية ذاتها كانت إنفصالًا عن الله. فكيف ذلك؟
كان الله يدبر أمور اَدم في الجنة، ويرسم له الخط الذي يسير فيه. ولكن اَدم في خطيئته بدأ يستقل عن الله، ويري ما هو الصالح لنفسه، وما هو المستقبل الذي يشتهيه حين يصير هو وحواء "مثل الله، عارفين الخير والشر" (تك 3: 5). وبدأ الإنسان الأول يختار له أصدقاءه ومشير يه الذين يسمع لهم أكثر من الله. ويتصرف كشخصية مستقلة قائمة بذاتها.. وهكذا إنفصل عن الله في ذات الخطية وخالف الله.
وقايين لما أخطأ، إنفصل أيضًا عن الله..
وصار تائهًا وهاربًا في الأرض، خائفًا ومرتعبًا. لأنه في إنفصاله عن الله، إنفصل عن المعونة والسلام، وليس عن البر فقط. وهكذا قال للرب عبارته المملوءة مرارة وحسرة "إنك قد طردتني اليوم.. ومن وجهك أختفي" (تك 4: 14).
لعله نفس الخوف الذي خافه داود النبي حينما قال "لا تطرحني من قدام وجهك، وروحك القدوس لا تنزعه مني" (مز 50).
إن عبارة "حتي متي تحجب وجهك عني" (مز 12) أخف بكثير من طرد الإنسان من أمام وجه الله، كما حدث لقايين.
وعقوبة شاول كانت أصعب، إذ "فارق روح الرب شاول" (1 صم 16: 14). ولذلك قيل بعدها مباشرة "وبغته روح ردئ من قبل الرب". لقد إنفصل عن الله، فأصبح للشياطين سلطان عليه..
صار كمدينة غير محصنة، وكبيت بلا حماية، تعبث به الشياطين.
ما أصعب التدرج في الإنفصال عن الله..
عصيان لله، خصومة مع الله، إنفصال عن الله، حجب وجه الله عن الإنسان، مفارقة روح الرب للإنسان، طرحه من قدام وجه الله، لتبغته الأرواح الرديئة..
بل هناك وضع أصعب في الإنفصال، وهو ما قيل عن الغصن الذي لا يصنع ثمرًا، إنه "يقطع ويلقي في النار" (يو 15: 6) (مت 3: 11).. نهاية مؤلمة حقًا، لغصن كان في يوم من الأيام، من أغصان الكرمة. ولكنه الآن إنفصل عنها وعن باقي الأغصان.
إذن فالخطية كذلك هي إنفصال عن الكنيسة..