الذات في محيط العطاء
محبة الذات تقف حائلًا منيعًا ضد الآخرين، وضد حياة البذل، والعطاء.
مثال لذلك الغنى الغبي وإهماله للعازر المسكين (لو16). ومثال لذلك أيضًا كل المصابين بالبخل والتقتير، والذين يهملون دفع البكور والعشور والنذور، لكي ينفقوه على الذات.
على أن المحب لذاته قد يعطي، ولكن في حدود معينة لا تصطدم بذاته ورغباتها..
هو قد عطي من فضلاته ولا يستطيع مطلقًا من أعوزه، كما فعلت تلك الأرملة القديسة التي طوبها الرب له المجد (لو21: 4).
· ومهما أعطي، فإنه يعطي خارج ذاته، ولا يمكنه مطلقًا أن يبذل ذاته. المحب لذاته، لا يمكنه أن يضحي بذاته من أجل غيره، ولا يمكنه أن يفتدي غيره بنفسه. وإن وجد خطرًا يلحق به إن دافع عن غيره، يضع حدًا لدفاعه. لأن ذاته هي الأهم في نظرة!... حقًا ما أبعد محبة الذات عن التضحية، وعن الفداء، وعن الاستبسال في الدفاع عن الآخرين.
بل قد تقف الذات حائلًا ضد الخدمة أيضًا، بحجة ضيق الوقت أيضًا. فالمحب لذاته يعطي للخدمة ما فضل من وقته كما يعطي الفقراء من فضلاته.
ومن الجائز أن يعتذر عن الخدمة، ولا يلتزم بمواعيدها، إن طرأت عليه مشغولية ما، فإنه يفضلها على الخدمة، مهما كانت نتائج ذلك بالنسبة إلى الخدمة.
إن كان الأمر هكذا، فماذا نقول إذن عن الاستشهاد؟
المحب لذاته لا يستطيع ان يقدم على الاستشهاد، لأن نفسه عزيزة عليه، ولهذا كان لابد للشهيد أن يتخلص أولًا من محبة الذات والاهتمام بها هذا الاهتمام الباطل الذي لا يحفل بأبديتها.
الشهيد من أجل الله يبذل ذاته.
وهناك درجة أقل من الشهادة، وهي إعطاء الإنسان ذاته لله بتكريسها له. فالتكريس درجة عليا في الخدمة، يهب المكرس فيها كل وقته لله، على شرط أن يبعد التكريس أي تكبر به الذات، إنما تكريس تبذل فيه الذات.
والإنسان المنكر لذاته، حينما يعطي إنما يعطي خير ما عنده.
لآته لا يحب الخير لذاته، بقدر ما يحب الخير لغيره، وفي ذلك يقول الرسول عن المحبة إنها" لا تطلب ما لنفسها" (1كو13).
المحب لذاته لا يمكنه أن يعطي خير ما عنده، بل يحتجزه لنفسه.
وأسوأ ما في محبة الذات في هذه الناحية أن يعطى الإنسان شيئًا ثم يندم عليه فيسترجعه.
ننتقل الآن إلى نقطة أخري عن الذات وهي: أخطاء الذات في المعاملات.