مزمور 111 (110 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
هذا المزمور والذي يليه زوجان يتألف كل منهما من 10 أعداد ويحتوي كل منهما على 22 عبارة رتبت كقصيدة إذا جمعت أوائل حروف أبياتها كونت حروف الأبجدية العبرية. وتبدأ كل عبارة بحرف من الأحرف العبرية الأبجدية. فضلًا عن ذلك، فكل عبارة تتألف في صورتها الاصلية على الأغلب من ثلاث كلمات عبرية وفي كلتا القصيدتين يحتوي العددان الأخيران على ثلاث عبارات وليس على عبارتين، كما في سائر الأعداد. والمزموران يعالجان موضوعين توأمين (مز111) فرح وتسبيح للرب و(مز112) مدح وثناء الرجل التقي (الثابت في المسيح الذي يأكل جسده ويشرب دمه).
تصلي الكنيسة هذين المزمورين المتتاليين في صلاة الساعة التاسعة. ففي (مز111) تسبح الرب على عمله الخلاصي العجيب، وأن جلال عمله قائم إلى الأبد. وأنه أعطى خائفيه طعامًا. وأنه أرسل فداءً لشعبه. وما هو الطعام الذي أرسله لشعبه؟ "خذوا كلوا هذا هو جسدي،.. هذا هو دمي" لذلك نصلي إنجيل إشباع الجموع في هذه الساعة، فالمسيح جاع وعطش ليشبعنا. وينهي المرتل مزموره بدعوة لكل إنسان أن يخاف الرب. فالمسيح صنع فداءً أبديًا لشعبه ولكن علينا أن نتمم خلاصنا بخوف ورعدة، هو أعطانا سلطانًا أن ندوس على الخطية فعلينا أن نستخدم هذا السلطان ونعيش في بر. ولذلك يأتي المزمور (112) ليثني على الرجل التقي. مرة أخرى نرى صورة لضرورة أن يأتي عيد الفطير وراء عيد الفصح.
ينسب بعض الدارسين هذا المزمور والمزمور (112) لداود، على أنه كتبهم للتسبيح في الصلوات، ولم يكن لهما مناسبة معينة.
الآيات (1-3): "هللويا. أحمد الرب بكل قلبي في مجلس المستقيمين وجماعتهم.عظيمة هي أعمال الرب مطلوبة لكل المسرورين بها. جلال وبهاء عمله وعدله قائم أي الابد "
أحمد الرب= "اعترف للرب" (سبعينية). في مجلس المستقيمين= يسهل في مجلس المستقيمين أن نسبح الله ونذكر عجائبه ونفرح به، لذلك يوصينا المرتل في المزمور الأول أن نتجنب مجلس المستهزئين. عظيمة هي أعمال الله= في خلقة العالم جلال وبهاء عمله وعدله قائم إلى الأبد= طالما قال إلى الأبد فالمقصود عمله الفدائي لأن السماء والأرض تزولان. وعدله الآن ربما يبطئ لأنه طويل الأناة لكن عدله سيظهر في دينونة الأشرار وإلى الأبد.
الآيات (4، 5): "صنع ذكرًا لعجائبه. حنَّان ورحيم هو الرب. أعطى خائفيه طعامًا. يذكر إلى الأبد عهده."
صنع ذكرًا لعجائبه= رتب الله عيد الفصح ليذكر شعبه خروجهم من مصر بيد رفيعة. وكل أعيادنا نذكر فيها أعماله العجيبة معنا (ولادته، صليبه، قيامته....) ففي كل مناسبة نذكر عمله ونسبحه. بل مع اشراقة كل صباح نذكر قيامته فجرًا. ومع كل توبة نطلب أن تكون قلوبنا مذودًا يولد فيه. أعطى خائفيه طعامًا= والسيد المسيح أعطى لشعبه طعامًا في البرية هو المن وحفظوا قسط ذهب فيه بعض المن في قدس الأقداس ليذكروا به عجائب الرب في البرية (عب4:9). والمسيح قدم لنا جسده ودمه طالبًا أن نصنع هذا لذكره، فذبيحة الصليب في كل قداس تكون أمامنا، ونذكر بها صليبه وفدائه ونأكل جسده ونشرب دمه لنثبت فيه. والله لا يهتم فقط بغذائنا الروحي بل بالغذاء الجسدي، فالمسيح أشبع الجموع بخمس خبرات وسمكتين (إنجيل التاسعة) وإن كان الله يهتم بالغذاء المادي فبالأولى يهتم بالغذاء الروحي لنثبت فيه ويمكننا أن نقاوم محاربات إبليس وننتصر عليه بنعمة ربنا يسوع له المجد.
آية (6): "أخبر شعبه بقوة أعماله ليعطيهم ميراث الأمم."
لقد رأى الشعب في خروجهم من مصر قوة يد الله. ليرثوا كنعان. ونحن رأينا في الصليب قوة ذراع الله (المسيح) الذي أعطانا السماء ميراثًا.
الآيات (7، 8): "أعمال يديه أمانة وحق. كل وصاياه أمينة. ثابتة مدى الدهر والأبد مصنوعة بالحق والاستقامة."
أَعْمَالُ يَدَيْهِ أَمَانَةٌ = "الله ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع18:1). فالله لا يعمل عملاً إلا ويكون للخير. وكل من يتبع وصايا الله، لا يجد سوى الخير فوَصَايَاهُ أَمِينَةٌ = هذه الوصايا لم تكن لجيل معين بل للأبد. وما لا نفهمه الآن من أعمال وأحكام وقضاء الله سنفهمه بعدئذ. ولكن علينا أن نسلم بحكمته وبأنه صانع خيرات.
آية (9): "أرسل فداء لشعبه. أقام إلى الأبد عهده. قدوس ومهوب اسمه."
الفداء هو الذي تم بالصليب، أما فداء الشعب وخروجهم من مصر فكان رمزًا له.
آية (10): "رأس الحكمة مخافة الرب. فطنة جيدة لكل عامليها. تسبيحه قائم إلى الأبد."
هذه نصيحة المرتل لكل من يسمع، وهي مدخل للمزمور التالي.