|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 89 - تفسير سفر المزامير عادة تبدأ المزامير بالشكوى، وتنتهي بالتسبيح على التعزيات والاستجابة الإلهية ولكن هذا المزمور له اتجاه عكسي، فهو يبدأ بتسبيح الله على إحساناته القديمة ومعاملاته مع شعبه واختياره ووعوده لداود بتثبيت مملكته. ثم يبدأ الشكوى أن حال شعب الله الآن مؤلِم بعد أن اختفى كرسي داود. لذلك نحدد ميعاد كتابة المزمور بأنه بعد السبي. ثم يصرخ المرنم لله بأن يذكر وعوده لداود ويعيد أمجاده لشعبه. والكنيسة في أي محنة عليها أن تصلي بنفس الأسلوب، لقد أعطى الله لكنيسته أمجادًا كثيرة ولكن حال الكنيسة الآن يختلف عن حال كنيسة الآباء بسبب خطايانا لذلك فلنصرخ ونصلي لله بلا يأس ليعيد مراحمه لنا، ولنؤسس صلواتنا على عهد المسيح وعلى استحقاقات دم المسيح، كما أسس المرنم صراخه على وعود الله لداود أبو المسيح بالجسد. الآيات (1-7): "بمراحم الرب اغني إلى الدهر. لدور فدور اخبر عن حقك بفمي. لأني قلت أن الرحمة إلى الدهر تبنى. السموات تثبت فيها حقك. قطعت عهدا مع مختاري. حلفت لداود عبدي. إلى الدهر اثبت نسلك وأبني إلى دور فدور كرسيك. سلاه. والسموات تحمد عجائبك يا رب وحقك أيضًا في جماعة القديسين. لأنه من في السماء يعادل الرب. من يشبه الرب بين أبناء الله. إله مهوب جدًا في مؤامرة القديسين ومخوف عند جميع الذين حوله." المرنم يسبح الله على مراحمه، الرحمة إلى الدهر تبني= المرنم يرى الآن أن الصورة سوداء وكرسي داود قد سقط. ولكنه بإيمان يرى مراحم الله أنها إلى الأبد= لأني قلت= هو في إيمانه بمحبة الله رأى أن هذا الوضع لا يمكن له أن يستمر، فلقد وعد الله داود. ووعده ومراحمه ثابتة لا تسقط، بل هي تزداد من يوم إلى يوم كأنها بناء يبنى، بل سيستمر هذا البناء إلى الأبد في أورشليم السماوية. والآن حتى وأن كانت مظلة داود ساقطة لكن الله سيعود ويبنيها (عا11:9). والسموات تثبت فيها حقك= أي حتى لو كنا نرى هنا الآن بعض الظلم والآلام تقع على القديسين، وهذا يسبب لنا بعض الإحباط، ولكن وعود الله لن تسقط وسنرى تحقيقها في السماء. قطعت عهدًا مع مختاري.. إلى الدهر أثبت نسلك= هذا الكلام قيل لداود فعلًا (2صم12:2-14) والمرنم يعتمد عليه ليستعيد شعب الرب أمجاده. ولكن مختار الرب حقيقة هو المسيح ابن داود. وهذا هو من يقال عنه أن نسله أي مؤمنيه وكنيسته تثبت إلى الدهر. السموات تحمد عجائبك فنحن الأرضيون لا نستوعب كل أعمالك العجيبة بسبب أن عيوننا طمستها محبة العالم. مؤامرة القديسين= أي جماعاتهم يمجدون الله، جماعات القديسين أو الملائكة. الآيات (8-14): "يا رب إله الجنود من مثلك قوي رب وحقك من حولك. أنت متسلط على كبرياء البحر. عند ارتفاع لججه أنت تسكنها. أنت سحقت رهب مثل القتيل. بذراع قوتك بددت أعداءك. لك السموات. لك أيضًا الأرض. المسكونة وملؤها أنت أسّستهما. الشمال والجنوب أنت خلقتهما. تابور وحرمون باسمك يهتفان. لك ذراع القدرة. قوية يدك. مرتفعة يمينك. العدل والحق قاعدة كرسيك. الرحمة والأمانة تتقدمان أمام وجهك." المرنم يسبح الله على قدرته وأعماله. فهو قادر أن يسكن أمواج البحر الهائج وهذا صنعه المسيح. أَنْتَ سَحَقْتَ رَهَبَ مثل القتيل = رهب تعني متكبر، وهي تشير إلى مصر. والله سحق مصر بضربات عشر وسحق جيشها تحت مياه البحر الأحمر فصارت لا قوة لهاكقتيل غير قادر على شئ. وكان هذا رمزاً لسحق الشيطان المتكبر. ولكن الشيطان الآن أيضا مثل القتيل فهو قد ضعفت قوته ولكنه لم ينتهى تماما وهذا معنى قوله مثل. وكان المسيح ذراع الله هو الذى سحق الشيطان =بِذِرَاعِ قُوَّتِكَ بَدَّدْتَ أَعْدَاءَكَ. والله خلق كل ما في السماء والأرض، الكل له. وأعلى ما في الأرض من جبال يعجز أمامها الإنسان فهي صنعة يدي الله، وذكر المرنم قمتين من أعلى قمم كنعان وهما تَابُورُ وَحَرْمُونُ. وأحد الجبلين يقع في الشرق والجبل الآخر في الغرب. ولاحظ قوله من قبل الشِّمَالُ وَالْجَنُوبُ. أي الكل لله. وجبل تابور هو جبل التجلي. وهنا نرى الجبل يهتف لأنه سمع صوت الآب يشهد للابن. الآيات (15-18): "طوبى للشعب العارفين الهتاف. يا رب بنور وجهك يسلكون. باسمك يبتهجون اليوم كله وبعدلك يرتفعون. لأنك أنت فخر قوتهم وبرضاك ينتصب قرننا. لأن الرب مجننا وقدوس إسرائيل ملكنا." المرنم يطوب الشعب الذي عرف الرب وفهم مراحمه وصار يسبحه، لأنهم رأوا أن الله بقوته هذه غير المتناهية هو سندهم وقوتهم وحمايتهم لأنه ملكهم وهم رعيته. الآيات (19-37): "حينئذ كلمت برؤيا تقيك قلت جعلت عونا على قوي. رفعت مختارا من بين الشعب. وجدت داود عبدي. بدهن قدسي مسحته. الذي تثبت يدي معه. أيضا ذراعي تشدده. لا يرغمه عدو وابن الإثم لا يذلله. واسحق أعداءه أمام وجهه واضرب مبغضيه. أما أمانتي ورحمتي فمعه وباسمي ينتصب قرنه. واجعل على البحر يده وعلى الأنهار يمينه. هو يدعوني أبى أنت. الهي وصخرة خلاصي. أنا أيضا اجعله بكرا أعلى من ملوك الأرض. إلى الدهر احفظ له رحمتي. وعهدي يثبت له. واجعل إلى الأبد نسله وكرسيه مثل أيام السموات. أن ترك بنوه شريعتي ولم يسلكوا بأحكامي. أن نقضوا فرائضي ولم يحفظوا وصاياي. افتقد بعصا معصيتهم وبضربات إثمهم. أما رحمتي فلا انزعها عنه ولا اكذب من جهة أمانتي. لا انقض عهدي ولا اغيّر ما خرج من شفتيّ. مرة حلفت بقدسي أنى لا اكذب لداود. نسله إلى الدهر يكون وكرسيه كالشمس أمامي. مثل القمر يثبت إلى الدهر. والشاهد في السماء آمين. سلاه." المرنم هنا يشير للرؤيا التي رآها ناثان النبي بخصوص داود وولادته لسليمان وذكرت كلماتها في (2صم12:7-17). ولكن هذه الكلمات المذكورة هنا مخصصة للمسيح ففيها كثير لا يمكن أن يقال عن داود أو سليمان بل عن المسيح فقط. حِينَئِذٍ كَلَّمْتَ بِرُؤْيَا تَقِيَّكَ = يشير لرؤيا ناثان جَعَلْتُ عَوْنًا عَلَى قَوِيٍّ = اختار الله داود الذي رآه قوياً ودعمه ليصير ملكاً على شعبه . وهذه تقال عن المسيح الإله القدير القوي. وبعد تجسده خضع لضعف بشريتنا فجاع وعطش وتألم، بل جاءته ملائكة تقويه (لو43:22). فالله أعانه ليتم عمل الخلاص. والمسيح كان إنساناً كاملاً = مُخْتَارًا مِنْ بَيْنِ الشَّعْبِ. وفي (20) داود مُسِحَ والمسيح مُسِحَ بحلول الروح القدس عليه.عَبْدِي = أخلى ذاته أخذاً صورة عبد (في7:2). ذِرَاعِي تُشَدِّدُهُ = الله أعطى لداود قوة ضد أعدائه. وقيل هذا عن المسيح (يو10:14). ولم يوجد عدو أذل داود (22) والشيطان جَرَّب المسيح وغلبه المسيح. أَجْعَلُ عَلَى الْبَحْرِ يَدَهُ = سلطان المسيح على العالم. وَعَلَى الأَنْهَارِ يَمِينَهُ = هم الرسل الذين نشروا الكرازة بقوة. هُوَ يَدْعُونِي أَبِي = هذه عن المسيح الابن بالطبيعة. إِلهِي = بحسب الجسد يدعو الآب إلهه (يو17:20). أَجْعَلُهُ بِكْرًا = هذه لا تقال عن داود وهو الصغير بين إخوته، إنما عن المسيح (رو29:8). وصارت كنيسته إخوة له بل جعلهم ملوكاً= أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ الأَرْضِ (رؤ5:1 ، 6). إِلَى الدَّهْرِ أَحْفَظُ لَهُ رَحْمَتِي = رحمة الله لكنيسة المسيح هي إلى الدهر، وهي تعطي للكنيسة كعطية بإسم المسيح. وقوله إِلَى الدَّهْرِ فيه إشارة للكنيسة وليس لمملكة داود التي انتهت سنة 586 ق.م. وَأَجْعَلُ إِلَى الأَبَدِ نَسْلَهُ = نسل داود انتهى بموت صدقيا آخر ملوك يهوذا. ونسل المسيح هم المؤمنين نسله الروحي (عب13:2). وعرش المسيح في قلوبهم فيحولها إلى سماء وعرشه وسط كنيسته لا نهاية له لأن كنيسته تنتقل من الأرض إلى السموات. وإبتداء من آية (30) نسمع عن الأب الذي يؤدب أبناءه إن أخطأوا وتعوجوا. وهذا ما حدث مع نسل داود وما يحدث مع المؤمنين الآن. كُرْسِيُّهُ كَالشَّمْسِ = داود بدأ حكمه حوالي 10 قرون قبل الميلاد تقريباً، والشمس كانت قبله بألاف ملايين السنين، أما كرسي المسيح النوراني فهو أزلى وقبل الشمس نفسها. والمسيح مشبه بشمس البر (ملاخي 4) وكنيسته التي تستمد ضوءها منه مشبهة بالقمر= مِثْلَ الْقَمَرِ يُثَبَّتُ إِلَى الدَّهْرِ = وكنيسة المسيح هي أيضاً ثابتة طالما الأرض والقمر موجودان. الآيات (38-45): "لكنك رفضت ورذلت. غضبت على مسيحك. نقضت عهد عبدك. نجست تاجه في التراب. هدمت كل جدرانه. جعلت حصونه خرابا. أفسده كل عابري الطريق. صار عارا عند جيرانه. رفعت يمين مضايقيه. فرحت جميع أعدائه. أيضًا رددت حد سيفه ولم تنصره في القتال. أبطلت بهاءه وألقيت كرسيه إلى الأرض. قصرت أيام شبابه غطيته بالخزي. سلاه." وصف للحالة المحزنة التي صار عليها كرسي داود بالذات بعد سقوط أورشليم وأسر ملوكها بواسطة ملوك بابل، وحرق وتدمير الهيكل وأورشليم كلها. ولذلك نفهم أن الوعود التي قيلت لداود باستمرار كرسيه للأبد كانت للمسيح وكنيسته. الآيات (46-52): "حتى متى يا رب تختبئ كل الاختباء. حتى متى يتقد كالنار غضبك. اذكر كيف أنا زائل. إلى أي باطل خلقت جميع بني آدم. أي إنسان يحيا ولا يرى الموت أي ينجي نفسه من يد الهاوية. سلاه. أين مراحمك الأول يا رب التي حلفت بها لداود بأمانتك. اذكر يا رب عار عبيدك. الذي احتمله في حضني من كثرة الأمم كلها. الذي به عير أعداؤك يا رب الذين عيّروا آثار مسيحك. مبارك الرب إلى الدهر. آمين فآمين." هي صرخة المرنم ليعيد الله مراحمه لشعبه، ويوقف غضبه عليهم. وقوله أنا زائل. إلى أي باطل خلقت جميع بني آدم= أي عمرنا قصير يا رب، فإذا لم تعف عن ذنوبنا في فترة حياتنا فسنهلك وتكون يا رب قد خلقتنا باطلًا. فلو خلق البشر لكي يكون مصيرهم الجحيم فباطل كانت خلقتهم. وفي (48) امتدت نظرة النبي من عقوبة الله لبيت داود إلى عقوبة الله للإنسان ككل. ولقد رأى أن البشر كلهم لهم نفس المصير وهو الموت. ولا يستطيع أحد أن ينجي نفسه من الهاوية. والمرنم يصرخ للرب ليرفع عار البشر عنهم. الذي احتمله في حضني= العار الذي لحقه ولحق كل البشر هو مؤلم للغاية، فهو ليس ضد البشر فقط، بل ضد الله وهذا ما يؤلم المرنم. كأن الله لا يجد طريقة ينقذ بها عبيده. هذا العار يحمله المرنم في حضنه كمن يحمل ثقلًا رهيبًا وهؤلاء الأعداء عيروا أثار مسيحك= أي المؤمنين بكلامك (آثارك) وهم يسيرون على آثارك. والأعداء مازالوا يعيروننا أين مسيحكم فيخلصكم. ويختم بقوله مبارك الرب. |
|