إنكار الذات في الخدمة
لابد أن يمارس الأنسان عبارة (لا أنا) في الخدمة، ويجعل الله هو هدفه ووسيلته في الخدمة. ولا يسعى الى مجد شخصى، بل ينشد مع المرتل فى المزمور تلك العبارة الجميلة:
" ليس لنا يا رب ليس لنا. لكن لاسمك أعط مجدا" (مز 115: 1).
هذا هو المبدأ الذي عاش به القديسون في الخدمة. مثال ذلك القديس يوحنا المعمدان، الذي كان يختفي ليظهر الرب، والذي أستطاع أن ينفذ عبارة "لا أنا" في خدمته، وكان يقول:
" ينبغى أن ذاك يزيد، وأنى أنا أنقص" (يو 3: 30).
لست أنا المسيح، بل أنى مرسل أمامه. من له العروس فهو العريس. وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه، ففرح فرحا من أجل صوت العريس. إذن فرحى قد كمل.. الذي يأتى من فوق، هو فوق الجميع" (يو 3: 27 – 31). كانت (الأنا) معدومة تماما عند يوحنا المعمدان..
هذا الذي حينما كان يمدحونه، أو يظنون أنه المسيح، كان يجيبهم (لا أنا).. "لست أنا المسيح..فى وسطكم قام الذي لستم تعرفونه. هو الذي يأتى بعدى، الذي صار قدامى. الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه" (يو 1: 20، 26، 27). أما المنهزمون أمام (الأنا) فهم عكس ذلك.
لأنه ما أسهل أن الخادم يربط المخدومين بشخصه وليس بالله.
أو يكون له منهم مجموعة تتبعه و تدافع عنه مهما أخطأ، وتمدحه وتمجده، وتعادى الذين يعادونه. وتسير وراءه حتى إن هرطق، كما سار أتباع آريوس وراءه في هرطقته. وهكذا صار الآريوسيون خطرا على الكنيسة طال مداه أكثر من آريوس نفسه. وهنا نرى الذات واضحة..
أما المنتصرون على (الأنا) فليسوا كذلك. الخدمة بالنسبة إليهم، هى محاولة مخلصة للدخول الى أعماق النفس، لأجل تطهيرها وتقريبها الى الله بترك خطاياها وبمحبة الله والخير، أيضا كانت اللغة أو الأسلوب. هدف الخدمة هو هدف روحى. إنها خدمة المصالحة مع الله. (1كو 5: 18، 20).
شتان بين عظة يخرج منها السامعون قائلين (هذا واعظ علامة) وبين عظة يخرج منها السامعون قائلين: نريد أن نتوب، وأن نصطلح مع الله.
ليس الهدف من العظة تمجيد الواعظ، بل هدفها خلاص النفس.
و الواعظ الناجح هو الذي يكسب نفوسا للرب. ولا تكون ذاته هى الهدف، يبحث لها عن تقدير شخصى من سامعيه..
الهدف من العظة، هو أن تكشف للموعوظ ذاته وما فيها من عيوب، وكيف ينتصر عليها ويقترب الى الله وكيف يصطلح مع الله ويثبت فيه. وليس هدف العظة أن تقدم للموعوظ معلومات، لا يُدان في اليوم الأخير على جهله إياها..!
لو أن كل واعظ نقى ذاته من الذات، ونقى عظته من الأهتمام بذاته، وركزها على خلاص الآخرين، إذن لكسبنا للملكوت نفوسا كثيرة. ليست كل الخدام يكونون كيوحنا المعمدان يمهدون الطريق قدام المسيح، ويهيئون له شعبا مستعدا (لو 1: 17).
هنا أمران تنجح بهما الخدمة البعيدة عن الذات، وهما:
1. يكون الله هو الهدف، وهو الوسيلة.
2. ولا تكون الذات هدفا ولا وسيلة.
نقول هذا لأن كثيرين يكون هدف خدمتهم هو ظهور الذات وتمجيدها. وتكون وسيلتهم في الخدمة هى الأعتماد على الذات وذكائها وقدرتها.
و هكذا لا يدخل الله في الخدمة، بينما المفروض أنها خدمة الله!!
و هكذا أيضا تقل الصلاة في الخدمة. فتضعف لأن الله لم يباركها، ولم يعمل فيها!! أو لم يشترك مع الخدام فى خدمتهم.
وإذ تدخل الذات في الخدمة، قد يحدث فيها انقسام بين الخدام، ويصير هذا لبولس، وذلك لأبولوس (1كو 3: 3، 4 ).
بكلمة (أنا) قد تدخل محبة الرئاسة أو محبة الأولوية في محيط الخدمة، لذلك منعهم الرب عن ذلك قائلا لهم "لا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أن يكون فيكم عظيما، فليكن لكم خادما..كما أن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم، بل ليخدم، ويبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت 20: 26 – 28).