وماذا بعد يا أماه...؟!
عندما يشتد بنا الحنين وتلفنا ذكريات ماضٍ طويل، سنوات وليالٍ ..صباحات وأغنيات ودموع، وأبتسامات ذات طعم غير تلك من تغير شكلها واختلفت سحنتها وبريقها .
من لنا غيرك يا أماه .
***
يوم تأخذنا الغربة إلى أراضٍ لم تعد سوى أحلاماً أودعناها الأغلى من حشايا القلب . مالنا سوى أن نتذكر الصوت الحنون، من لم يزل في خافقي أيضاً بعد أن أمتزجَ مع بوحٍ ليأخذني إلى عوالم روحية بعيدة .
***
يا أماه كم تلك الدروب مشيناها ..وتلك أرضنا كم مرة من جهدنا سقيناها ونحن ننثر السماد بأيادينا قبل أن يهطل المطر. و برفقة جيراننا ..أتدرين تغيرت تلك مدننا وقرانا يا أماه. هاهم الأهل والأصحاب، لم يعد أحدهم يستأمن الأخر.. ذاك يجىء ملثماً، وهذا على سجيته دون أن يقرأ مايخطه الزمن ليستدرك الخطرْ.
***
لقد أصبح الناس في حالة خوف وجوع وحرمان والموت يحيط بهم من كل مكان.
يجوب الساحات والمفارق، وكأن بنا في زمن قطاع الطرق التي كانوا يعلموننا أياها في كتب التاريخ.فهل ما مشيناه يا أماه كان إلى الوراء . أم أن هذه مقدمة لعودة المغول والتتار ؟
***
أماه نحن نعرف أنك تحبين الوردة الحمراء و الحب والجمال، لكن لِمَ رحت تتنسمين رائحة الدماء. وهاهي سكين جزار على عنق من استمدوا منك الحياة.
هل سكرتِ ..هل شربت من خمرة غضب الآلهة؟
لكن إلى متى و الموت يتدفقُ في الطرقات. وهل أصبحوا جميع هؤلاء سكارى يرجمون، لا تلك بل كل من تطلع وأحب الحياة ؟
وعن أية قارورة طيب تتكتمين .. ومن أية انتصارات رحتِ تعبئين .
ألعله يأتي يسوع ليحولها الى خمور الكرمة بعدَ أن سرقتها الهمجية . أم أنه: " يا أبتاه أغفر لهم " . وهل نحن سُذج لنصدق أن كل هؤلاء غرباء.
***
لك هذا دمي.. قد أصبح مشرعاً للموت والفناء .
مثل وطن ماعاد يحمي، لاحدوده ولا قراه ولا ناسه من ضِباعٍ حسبناها طيلة عقود :أنها على شاكلة الله . لكن هيهات يا أماه، تلك خرافنا تصدق وهي تدرك أنه ماجاء متلبساً أو متخفياً بل عازماً على اقتناص مايحلو له ...وفي كل صبحٍ ينقص القطيع .
***
أما يكفي وهذه الدماء تسقي ترابك . أما يكفيك .
كفى لأنانية راحت تتجذر في أجنة، تميز سهولك عن جبالك.. وصباحاتك عن لياليك.
هل رأيت أماً ترقص بموت بنيها ..لِمَ يا أماه؟
هل رأيت وطناً ينشىء أولاداً وحينما يصبحون رجالاً أشداء يسرقونه ويدمرون كل كلمة حق تُقال فيه؟
عيدك اليوم في زحمة أنفاسنا التي نعدها لغدٍ باتَ كابوساً، ومخيفٌ مابدا منه ، يجزع القلب ويكدر الخاطر .
أيُّ أمٍ أصبحتِ ، وأيُّ وطنٍ نكادُ نكفر فيه