|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الشباب وعالمه الخاص تئن كثير من العائلات بسبب انتماء أبنائهم لأصدقائهم أكثر من انتمائهم لهم، فالشباب -خاصة في سن المراهقة- يريدون أن يقضوا غالبية أوقاتهم مع أصدقائهم، يتصلون بهم بكل وسيلة، كأن يتحدث المراهق مع صاحبه تليفونيًا لساعات طويلة فيما يبدو مهمًا وما ليس بمهم، بينما لا يعطي دقائق للحديث مع والديه. وكأن يريد الشاب أن يسهر في بعض حفلات الشباب أو مع أصدقائه في أي مكان بينما يرفض مساعدة والديه في أي عمل منزلي. هذه الظاهرة طبيعية، لأن للشباب عالمه الخاص، إليه ينتمون، وفيه يجدون من يشاركهم مشاعرهم وأحاسيسهم واهتمامهم، يقدرون آرائهم ويحاورونهم، بينما نجد أحيانًا الآباء يستتفهون آراء أبنائهم، خاصة في الأمور التي يحسبها الآباء مضيعة للوقت تشتت أذهان أبنائهم عن دراستهم الجادة والاهتمام بالمستقبل. يليق بنا أن ندرك الآتي: 1- يعاني البشر من "الشعور بالعزلة feeling of loneliness"، الأمر الذي يقتل حياة المرء النفسية ويحطم شخصيته. قد يكون له أسرته التي تهتم به وترعاه، وأصدقاء يأنسون به، ومع هذا يشعر بالعزلة في أعماقه. إنه محتاج إلى من يدخل إلى أعماقه ويشاركه أحاسيسه، ويتفهم ما وراء تصرفاته. هذا ما جعل الكثيرين يتطلعون إلى "الاتصالات communications" كعاملٍ حيويٍ في حياة الإنسان، في كل مراحلها؛ عليها تقوم كل العلاقات، فتكون كالماء بالنسبة للنبات وبدونه يموت [1]، كل إنسان يشعر أنه في عزلة عن الغير يفصله خليج، لذا فهو في حاجة إلى الاتصالات ليعبر هذا الخليج ويدخل إلى الآخرين [2] وهم يعبرون إليه، محققًا وجوده الفعّال في وسطهم. هذه الاتصالات الظاهرة تحمل معانٍ داخلية في حياة الإنسان أعمق من المعنى الظاهري، تسمى meta-communication، تهب النمو والنضوج لشخصية الإنسان، وتحقق كيانها [3]. إذن التجاء أبنائنا إلى الاتصالات بالغير ظاهرة صحية تعني الرغبة الأكيدة في النمو وتحقيق الشخصية، ليس من حقنا كبتها أو تحطيمها، وإنما بالحب والحوار نساعدهم على توجيهها بحكمة واتزان. لماذا نتحدث عن حاجة المراهقين إلى الاتصالات كظاهرة رديئة، فنتهمهم بإضاعة الوقت فيما لا ينفع وعدم مبالاتهم واهتمامهم بالدراسة والمستقبل، أو بالجحود إذ يودون الحديث مع أصحابهم أكثر منه مع والديهم، بينما نحن أنفسنا انقضى فترات طويلة في اتصالاتنا بالغير لنمارس حياتنا في عالمنا الخاص، خاصة مع من يتجاوب معنا في الفكر سواء ثقافيًا أو فنيًا أو روحيًا. إن تطلعنا إلى تاريخ الكنيسة نجد صورًا بلا حصر تكشف عن حاجة الإنسان إلى الاتصالات حتى في الحياة الروحية بين القادة أنفسهم أو أصحاب القامات العالية. نذكر على سبيل المثال كيف ارتبط القديسان مكسيموس ودوماديوس -ابنا الملك فالنديوس- ببعضهما البعض في حياتهما النسكية العالية ليعيشا في مغارة كملاكين، وعندما تنيح الأكبر بكى الصغير بدموع ولم يحتمل الحياة بدونه وطلب من القديس مقاريوس أن يصلي لأجله كي يلحق به، وقد استجاب الرب لدموعه ومشاعره المقدسة وأخذ نفسه في اليوم الثالث لنياحة أخيه. ارتبط القديسان أبوللو وأبيب معًا في صداقة روحية حميمة، وعاشا يسندان بعضهما البعض، يلهب الواحد قلب الآخر بالحب الإلهي... لقد أدرك القديس باخوميوس أهمية "الاتصالات" بين الرهبان في الرب، فجعلهم يسكنون أثنين أثنين أو ثلاثة ثلاثة في كل "قلاية"، قائلًا بأنه إن سقط واحد يقيمه الآخر. إذن الإنسان، مهما بلغ عمره أو ارتفعت قامته الروحية أو انهمك في ممارسة مواهبه المحبوبة لديه، فهو محتاج إلى "الاتصالات" ليمارس إنسانيته. حقًا لقد وُجد رهبان متوحدون يقضون ربما أسابيع أو شهور وأحيانًا سنوات لا يرون أحدًا ولا يلتقون بأحد، لكنهم يحملون الاتصالات في أعماقهم، ينسكبون كل النهار بالحب نحو الله والناس،يحملون البشرية في داخلهم، ويشاركونهم آلامهم، ويصلّون من أجلهم (4). 2- نريد أحيانًا أن نفرض على أولادنا الاتصال بعالم البالغين وحده بأفكاره وقيمَه واتجاهاته، الأمور التي يراها المراهقون أنها لا تناسبهم، إذ لا يجدون في هذا العالم من يسمع لهم أو يقدّر رأيهم ويحاورهم بالحب... لذا سرعان ما يطلبون التحرر من قيود هذا العالم الذي يبدو لهم غريبًا عنهم. لعل من الأسباب آلتي تدفع بعض الآباء إلى سحب أولادهم من عالمهم الخاص بطريقة خاطئة منفرة، هو ارتباطهم بالذات "ego". فالآباء يريدون ربط أبنائهم بحياتهم ومستقبلهم ورغباتهم الخاصة وأفكارهم، دون اعتبار لما لهؤلاء الأبناء من قدرات خاصة ومواهب وشخصيات لها تقديرها. إنهم يدفعون أبنائهم لتحقيق اتجاهاتهم الخاصة، فيرون أنفسهم ناجحين في أبنائهم بحسب أفكارهم، متجاهلين كل اعتبار لشخصيات الأبناء. 3- عدم تقديرنا لعلم أبنائنا قد يدفعه إلى أحد اتجاهين:
الحاجة ماسة إلى الإنصات إليهم بكل القلب والفكر، نصغي باهتمام، ونوجههم بالحب في اعتدال، فلا نتسيب معهم كما لا نحطمهم، مدركين أنهم يتعلمون خلال خبرتنا كما خلال خبرتهم بكل أخطائها. يليق بنا ألا ننسى أنفسنا حين كنا نسلك في عالم الشباب، وإن كانت قد تغيرت الظروف والإمكانيات. 4- يليق بنا نحن جميعًا -البالغين والمراهقين- أن ندرك أن نمو شخصياتنا هو عمل دائم لا يتوقف ما دمنا نمارس الحياة المتجددة في الرب. هذا النمو يقوم على الاتصالات، لا بالمعنى الضيق الذي ينحصر في المعاملات الخارجية والحديث والحوار المستمر، لكن بالأكثر الاتصال بالغير على أساس قبول الغير كما هو، فلا نطلب تشكيله على هوانا نحن، ولا نطلب لذتنا على حساب نموه وبنيانه المستمر.
|
12 - 12 - 2013, 06:55 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: الشباب وعالمه الخاص
ميرسى ربنا يبارك تعب محبتك
|
||||
12 - 12 - 2013, 08:21 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الشباب وعالمه الخاص
شكرا على المرور |
||||
12 - 12 - 2013, 11:12 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | |||
..::| العضوية الذهبية |::..
|
رد: الشباب وعالمه الخاص
مشاركة اكتر من رائعة يا مارى |
|||
13 - 12 - 2013, 11:14 AM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الشباب وعالمه الخاص
شكرا على المرور |
||||
|