|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الجسد والحياة الإنسانية القديس الأنبا إيريناؤس أسقف ليون - القديس إيرينيئوس لم يخلق الله الإنسان نفسًا مجردة ولا جسدًا مجردًا (1)، إنما خلقه كائنًا فريدًا في نوعه، عجيبًا في إمكانياته، يشارك الخليقة السماوية بنفسه أو روحه العاقلة التي لن يشبعها أمر زمني إذ تطلب اللانهائيان، وفي نفس الوقت له جسده كجزء لا يتجزأ من كيانه الكلي له غرائزه وأحاسيسه ومتطلباته، يود الشبع لا من الطعام بل ومن لذات كثيرة. ومع هذا لا يحمل الإنسان ثنائية كيانية، أو ثنائية طبيعية، بل له كيانه الإنساني الواحد بالرغم مما للنفس من سمات تختلف تمامًا عن سمات الروح. حيث قيل أن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله (تك26:1) لم تُقصد النفس وحدها مجردة عن الجسد بل الكيان الإنساني الواحد،.يقول الأب غريغوريوس بالاماس متأثرًا بالقديسين إيريناؤس وغريغوريوس أسقف نيصص (يطلق اسم الإنسان لا على النفس ولا على الجسد بل على الاثنين معًا). الجسم ليس مسكنًا للنفس، تحتله إلى حين لتفارقه بلا عودة، لكنه شريك معها في كل شيء، حتى في الأمجاد السماوية، وإن كان هذا الجسم يحمل فيما بعد طبيعة جديدة تليق بالأبدية، هو شريك النفس في الجهاد كما في السقوط، لذا يتقبل معها الأمجاد الأبدية أو الدنيوية. هذا ما أكده العلامة أثيناغوراس في كتابه عن القيامة، إذ يقول: (إن كانت طبيعة الإنسان ككل تحوي بوجه عام نفسًا خالدة وجسدًا لائقًا بالنفس في الخلقة، وإن كان ليس حسب طبيعة النفس وحدها أو طبيعة الجسد منفصلًا (عن النفس) عيّن الله مثل هذه الخليقة أو مثل هذه الحياة أو هذا الوجود الكلي، إنما أقام أناسًا مكونين من الاثنين، فيكون لهما العنصران اللذان يتكونان منه عند الميلاد وأثناء الحياة، يتبع هذا حتمًا أن (الإنسان) كائن واحد يتكون من الاثنين، يحمل خبرات النفس وخبرات الجسد، يعمل ويحقق ما تتطلبه أحكام الحواس أو أحكام العقل، فبلغ هذا كله في مجموعه نهاية واحدة...) (2). لا يحمل الجسم انعكاسات النفس الداخلية فحسب، إنما تعمل النفس مع الجسد متفاعلين معًا بلا انفصال، لهذا لا نعجب إن دعي الكتاب المقدس الإنسان كله تارة "نفسًا"، وأخرى جسدًا. خلال هذا المنظار تتطلع الكنيسة إلى الإنسان في كليته -نفسًا وجسمًا- كمقدس للرب، فيه يحل الروح القدس خلال سرّي العماد والميرون لكي ينطلق الإنسان بكليته نحو التمتع بالحياة الجديدة في المسيح يسوع، شاهدًا لله بملكوته المعلن داخله. إدراكنا لحقيقة جسمنا بكل طاقاته وقدراته مع التعرف على دوره في الحياة الإنسانية أمر أساسي يمس نظرتنا للحياة وتطلعاتنا للعالم وممارستنا للحب وفهمنا للحياة الزوجية والعلاقات الأسرية والجنس. |
|