سلسلة 100 آية للوالدين
(9)
"يا أولادى الذين اتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غلا19:4)
لعل بولس الرسول كان يمر حينذاك بخلجات نفسية تشاركه أنت فيها كثيراً، ذلك حين تكون متحفزاً أن تدفع إبنك للأمام، بينما يبدو هو فى حالة نكوص، عناد وسلبية، عدم إستجابة للتوجيه.
تمر حينذاك بحالة من المعاناة، لأن الصورة التى كنت تريدها له لم تلمسها بعينيك بعد، الفكرة الرائعة التى تسكن خيالك لم تستطع تجسيدها حتى الآن، الجنين الجميل الرابض فى أحشائك لم تتمكن من ولادته فى دنيا الواقع. وتتساءل وأنت تعانى فى ألم : متى أرى عليك يا ابنى صورتك المرسومة فى باطنى ؟!. إنه ألم، لم يجد الرسول ما يشبهه سوى ألم المخاض.
مخاض من نوع آخر، أشق وأطول، لا تجتازه الوالدة بمفردها، وإنما الوالد أيضاً وكذلك الأب الروحى. فيه من الأنات والزفرات، التأوهات والتقلصات العصبية، ما يجعل صاحبه يشعر أنها عملية ولادة ولكنها طويلة. إنها عملية تربية وتشكيل إبن.
لا تستغرب حالة من المعاناة، تمر بها بالنسبة لأولادك، مر بها بولس الرسول وهو يربى أولاده الروحيين، فكشف لنا أن الولادة فعل دائم يقوم به الأبوان معاً طول العمر. يوجهان ويرشدان، يتحملان ويتحاملان، يحاولان ويجاهدان، فى صبر وجلد، فى حنكة ومهارة، فى مشقة بطول أناة، يشكلون إنساناً، ويلدون إبناً. وهل من ولادة بدون مخاض؟!.
وماذا اشتهى الرسول أن يشكل ؟! إلا صورة المسيح متجسماً فى هؤلاء الذين يتمخض بهم. وبهذا وضع أمامك أنت أيضاً هدفاً لمخاضك. لئلا تكون الصورة الرابضة فى أعماقك عن أولادك، قد رسمتها بريشة ذاتك وأحبار أنانيتك. صورة اشتهيتها أنت لهم، وتريد أن تفرضها عليهم.
لتكن إذاً غاية أنانيتك وزفراتك، أن تنسج بمهارة نظرات المسيح فى عيونهم البريئة، وتضع همسه وكلامه على شفاههم الصغيرة، وترسم نوره المشرق على جبينهم الغض. تجعلهم يعملون بيديه، ويسمعون بآذانه. يفكرون بعقله، ويشعرون بقلبه. وهكذا، كما ورثتهم فى ولادتهم الجسدية آدم الأول، تورثهم بالأحرى بعد ذلك آدم الثانى الجديد.
ومثلما تمسح (وأوآت) الطفل عن جبين أمه كل آلام مخاضها، هكذا سوف تمسح آلامك طلعته الطاهرة، حين تراه صورة مصغرة من فتى الناصرة، الذى تغزلت فيه عروس النشيد قائلة "فتى كالأرز. حلقه حلاوة وكله مشتهيات".