|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
راعوث وإيمانها كانت راعوث موآبية، تعبد الآلهة الوثنية، بعل وعشتاروث وغيرهما من الآلهة، لكنها بعد أن تزوجت من محلون واقتربت من عائلة تعبد الله الواحد، تعرفت على إله يختلف عن آلهتها، وعبادة تختلف عما عرفته وعاشته من قبل. عرفت الله الذي يدير الكون. الله الخالق الذي يهتم ويرعى شعبه. الله الذي يعد للإنسان خطة رائعة مهما بدت الظروف الخارجية معاكسة. رأت راعوث حياة مختلفة في أولئك الذين يعبدون الله الحق، رأت فيهم شعباً يختلف عما تعودت عليه من شعبها، كانت هذه الرؤية عاملاً هاماً في أن تنطق بأجمل الكلمات وهي تعلن لنعمى أن مستقبلهما ارتبط معاً فتقول "شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلَهُكِ إِلَهِي. حَيْثُمَا مُتِّ أَمُوتُ وَهُنَاكَ أَنْدَفِنُ" (راعوث 1: 16-17). ولا عجب، فمن يرتبط بالله يرتبط أيضاً بشعبه، ويصبح عضواً في عائلة قوامها ملكوت الله المكون من أبناء الله، وعائلها هو الله نفسه، ارتبطت راعوث بالله، فأصبح هو مستقبلها، وحيث يُعبد هذا الإله يكون مكانها. تُرى متى قررت راعوث أن يكون الله الحي وحده هو الإله الحقيقي الذي تعبده؟ لا نعرف ذلك على وجه اليقين، لكن ما نعرفه هو أن راعوث صارت واحدة من شعب الله، تتمتع بالحياة الحرة الطاهرة النقية، البعيدة عن كل المدنسات، إن هذه الدعوة –التي تجاوبت معها راعوث- هي ذاتها التي يوجهها الله كل يوم للبشر، لأنـه "يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (تيموثاوس الأولى 2 :4). كانت حياة الأسرة التي عاشت بينها راعوث لها تأثير واضح على قرار راعوث بالارتباط بالله، فقد كان تأثر راعوث بحياة نعمى حماتها واضحاً لدرجة قررت معها أن ترتبط بها، وترضى بها أماً بدلاً من أمها الحقيقة، كانت نعمى في سلوكها، وفي حياتها تؤكد عمق الارتباط بينها وبين الله، يهوه الذي تعبده، وما تمليه عليها هذه العلاقة من أسلوب حياة، فتحولت العلاقة بين الحماة وكنتها إلى علاقة متميزة بين أم وابنتها، لم ترد نعمى لراعوث أو عُرفة أن تتألما معها، بل آثرت على نفسها مشقة الوحدة وصلّت إلى الله أن يعطيهما الراحة، كل واحدة منها في بيت رجلها الذي ستتزوجه، هذا الموقف وغيره من مواقف حياتيّة أخرى مرت في علاقة نعمى بكنتيها، استطاعت فيه أن تعلن الفرق بين الله الحقيقي، والأسلوب الذي يجب أن يكون عليه أولاده، وبين الآلهة الوثنية، وما عليه حياة أتباعها، فمنحت نعمى راعوث دليلاً روحياً وقائداً يمكن أن تحذو حذوه، وتسير خلفه، وحين جاءت الفرصة، اختارت راعوث ألا ترجع إلى أهلها، بل أن ترتبط بنعمى وشعبها وإلهها. كانت راعوث تؤكد لنعمى إيمانها وأنها اخْتَارَتْ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا؛ (لوقا 10 :42). كان تأثير الأسرة التي تعرف الله، وتعبده بالحق، تأثيراً ظاهراً في جذب راعوث للإيمان بالله، فمن خلال المعايشة اليوميّة رأت راعوث ما لم تره ممن يدعون أنهم يعبدون الله في بلادها، فكثيرون هم أولئك الذين يدعون أنهم أولاد الله، لكن حياتهم وسلوكياتهم أبعد ما تكون عن هذا الإيمان، ولهذا كانت كلمات المسيح "أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ .. أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. .. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متى 5: 13 - 16). يستطيع كل ابن لله أن يمجد الله من خلال أعماله الحسنة، التي تتفق وطبيعة الله الذي نعبده، بل ويمكن أن تكون نتيجة أعمالنا وتصرفاتنا المسيحية عاملاً في جذب الخطاة للإيمان بالله ومسيحه. لقد اتخذت راعوث قرار التبعية لله، والاتحاد مع شعبه، وعبادته بالحق، وكما كانت أمينة مع حماتها نعمى، كانت أمينة بالأكثر في طاعتها لله، لذلك باركها الله بفيض وافر من البركات ومنحها أن تتمتع بما كتبه الرسول بولس حين قال "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ، كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ، إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ، لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ، " (أفسس 1: 3-6). |
|