كيف كان القديسون يصلون
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
بالمداومة علي الصلاة,تصل إلي محبة الله.إن أحببت الله ستصلي,وإن صليت كثيرا,ستجد أن محبتك لله سوف تزداد وتتعمق يوما بعد يوم.وهذا طبيعي.لأنك إن أحببت شخصا,فسوف تحب أن تتكلم معه.والكلام مع الله هو الصلاة.
وبالصلاة سوف تتعلم الصلاة,أعني تتعلم كيف تتحدث إلي الله,حديثا يقودك إلي محبته..
بالمداومة علي الصلاة,سوف تصل إلي عمق كل كلمة تقولها في صلاتك..وستجد أنك ترتبط بالله أكثر فأكثر ,وتجد دالة في الحديث معه,وشهوة للحديث معه وهكذا تعلمك الصلاة محبة الله.
ولكنك في بداية تدربك,قد لا تبدأ الصلاة بمشاعر الحب.
لذلك ابدأ الصلاة,ولو بالتغصب,وحاول أن تتأمل أو علي الأقل تفهم كل كلمة فيها..والقديسون لم يصلوا إلي صلاة الحب من باديء الأمر.إنما تدرجوا في عمق الصلاة وعاطفية الصلاة,إلي أن وصلوا فيها إلي درجات من الكمال,حسبما منحتهم النعمة,وحسبما كانت لهم من مشاعر ومن استعداد..
لذلك حاول أن تصلي بعاطفة وبفهم..
لأنك لو صليت بطريقة روتينية,فلن توصلك إلي محبة الله.والقديس بولس الرسول أنه يفضل أن يقول خمس كلمات بفهم أفضل من عشرة آلاف بغير فهم1كو14:19.ولذلك فإن كل كلمة تقولها في صلاتك,قلها بفهم وبعاطفة,من أعماق قلبك كحبيب يكلم حبيبه,وكصديق يكلم صديقه.وإن لم يكن في قلبك هذا الحب وهذه المشاعر:
قل له:أعطني يارب أن أحبك...
فهذه هي الصلاة التي كان ينصح بها الشيخ الروحاني قل له:علمني يارب كيف أحبك.دربني علي محبتك ودرجني في محبتك.اسكب محبتك في قلبي بالروح القدس.
قل له:انزع يارب من قلبي كل محبة أخري تتعارض مع محبتك,حتي يصير القلب كله لك وحدك .لا تسمح أن أحب أي شيء أو أي أحد أكثر منك,ولا أن أحب أي أحد أو أي شيء, أو شهوة وأي رغبة,لا تتفق مع محبتك أنت.لاتسمح يارب أن يوجد في قلبي من ينافسك,أو ماينافسك..أو يسيء إلي محبتك.
اجعل محبتك هي التي تشغلني وتملك قلبي
وهي التي تقود كل تصرفاتي,وتمتزج تماما بكل تصرفاتي وبكل أقوالي وبكل مشاعري...
أعطني يارب أن أشتهي الجلوس معك والحديث إليك,وأن أجد لذة في الصلاة والمداومة عليها
وإن فترت محبتك,اطلب منه أن يعيدها بحرارتها قل له:أنت يارب تقولعندي عليك أنك تركت محبتك الأولي,رؤ2:4.فكيف أعود يارب إلي محبتي الأولي إلا بك؟!أنت الذي تعيدني إلي محبتك ..أنت يارب الذي تتوبني فأتوبأر31:18
أنت الذي تمنحني حرارة الروح,لأنك أنت يارب نار آكلة عب12:29..لذلك أرجعني يارب إلي محبتي الأولي,بل وإلي أكثر منها..
كلم الرب في صلاتك بهذا الأسلوب,ومن هنا يتعود لسانك الحديث معه..
كإنسان يريد أن يتعلم إحدي اللغات,لابد أن يتكلم بها,حتي لو كان لايعرف,أو يخطيء في الحديث.إلا أنه بكثرة الكلام يتعود لسانه,ويسهل عليه الأمر,إلي أن يجيد الحديث بها..
هكذا أنت,كلما تكلمت مع الله,تعود لسانك الحديث معه.وتتعود أن تحدثه بعاطفة وحب.
ومن أجمل الأ مثلة لصلوات الحب:صلاة التسبيح..
التي تحدث فيها الله متأملا في صفاته,مثل صلاة ياربي يسوع المسيح,مخلصي الصالح,بكل ما تحويه من تفاصيل علاقة النفس بالله..ومثل صلاة الثلاث تقديسات,وكثير من صلوات القداس الغريغوري..
قل له:أنت يارب حنون وطيب.أنت طويل الأناة كم أطلت أناتك علي,وأنا مبتعد عنك..وكم منحتني فرصا لكي أرجع إليك.وكم غفرت لي أيها الغفور المحب,ولم تصنع معي حسب خطاياي..
كلم الرب بصراحة كاملة وافتح له قلبك...
قل له:أنا يارب أريد أن أحبك.ولكن الخطية الفلانية تعوق طريقي إليك...وتسيطر علي قلبي ومحبتي.وأنا يارب حاولت أن أتركها ولم أستطع أعطني القوة أن أتركها لأنه بدونك لا أستطيع ذلك يو15:5نجني يارب من هذه الخطية,لا لكي أنجو من العقوبة,إنما لكي يزول العائق الذي يمنعني من محبتك..
تحدث مع الله بمحبتك ,كما كان يحدثه داود في مزاميره.
بأن تقول له:اشتاقت نفسي إليك.عطشت نفسي إليك .كما يشتاق الآيل إلي جداول المياه,كذلك اشتاقت نفسي إليك يا اللهمتي أقف وأتراءي أمام الله,مز42:2,1باسمك أرفع يدي,فتشبع نفسي كما من لحم ودسممز63,محبوب هو اسمك يارب,فهو طول النهار تلاوتي,مز119
استخدم في صلواتك عبارات الحب,ومشاعر الحب,وتدرب علي ذلك حتي يتعوده قلبك,كما يتعوده لسانك.وتقول كما في التسبحةقلبي ولساني يسبحان القدوس.
بالإضافة إلي صلوات المزامير والأجبية,لتكن لك صلواتك الخاصة التي تقولها من كل قلبك.
التي تفتح فيها قلبك لله وتحدثه عن كل أمورك.عن كل مشاعرك وأفكارك,وعن حروبك وضعفاتك وعن مشاكلك وسقطاتك.وتسأله المشورة والمعونة وتطلب منه القوة والبركة..كل ذلك دون أن تتصنع أفكارا أو كلمات أو مشاعر..إنما تكلم مع الله كما أنت.مثلما جاءه الابن الضال بنفس ملابسه القذرة التي عمل بها في رعي الخنازير..واطلب منه أن يهبك محبته كعطية مجانية من عنده..
وقل له:لاتحرمني يارب من محبتك..
وتأمل كيف كان القديسون يصلون؟وكيف كانت محبتهم لله تظهر في صلواتهم
أولئك الذين كانوا يكلمون الله بقلوبهم,ولو صمتت ألسنتهم...وكما قال الشيخ الروحاني:سكت لسانك,لكي يتكلم قلبك وسكت قلبك لكي يتكلم الله ومن هنا يبدو أن صلواتهم كانت حديثا متبادلا مع الله:يحدثونه بقلوبهم,ويتحدث هو في قلوبهم وفيما يتكلمون مع الله,يستمعون إلي صوته في قلوبهم.
وكل كلمة يقولونها في صلواتهم,كانوا يتعمقون في معناها جدا,ويلتذون بها,حتي قيل عنهم:
ومن حلاوة اللفظة في أفواههم:ما كانوا يشاءون أن يتركوها ليقولوا لفظة أخري.
كانت كلمات الصلاة حلوة في أفواهم,ولها عمق وتأثير علي نفوسهم ,حتي كان يعز عليهم أن يتركوها إلي غيرها...أين هذا,من الذين يصلون,وهم لا يدركون معني ما يقولون!أو يصلون بسرعة حتي ينتهوا من الصلاة ويعودوا إلي مشاغلهم!!
أما القديسون فمن حلاوة صلتهم بالله في صلواتهم,ماكانوا يريدون أن يختموا الصلاة ويختموا بهذا الحديث الجميل بينهم وبين الله وأثره العميق في نفوسهم.
كانت الصلاة لهم وقت متعة روحية,تسبح فيها الروح خارج نطاق الجسد والماديات...
كانت لذتهم في الصلاة,أو بمعني أدق:لذتهم في العشرة الإلهية أثناء الصلاة ومن أجل هذه المتعة الروحية ,تركوا العالم وكل مافيه,لكي يتفرغوا لعمل الصلاة,حيث يتمتعون باللقاء مع الله,ويشعرون بوجودهم معه,أو بوجوده معهم.
وكثيرا ما كانوا ينسون أنفسهم وكل ما يحيط بهم مثلما حدث مع القديس يوحنا القصير الذي طرق الجمال بابه ليحمل عمل يديه من القفف ليبيعها فكان في كل مرة يدخل قلايته ليحضر القفف له,يختطف عقله في الصلاة فينسي..
وكثيرا ما كان الله ينعم علي هؤلاء القديسين بحالة روحية أثناء الصلاة,فلا يدرون هم في الجسد أم خارج الجسد.
كما حدث للقديس بولس الرسول2كو12:3,2أحيانا يتمتعون برؤي روحية أو يدخلون في حالات من الدهش.أو يجدون عقلهم منشغلا بكلام الصلاة,دون أية حركة إرادية منهم ,بحيث لايستطعون إيقافه عن الصلاة,ولا يريدون ولعل هذا بعض ما قصده الشيخ الروحاني بقولهليتكلم قلبك..
ويتمتعون أثناء صلواتهم بسيل من المعاني الروحية يتوارد علي أذهانهم ,وما كان يخطر علي بالهم من قبل.وربما العبارة الواحدة تأخذ معني جديدا في كل صلاة, حتي ليقولوا مع داود النبياكشف يارب عن عيني,لأري عجائب من شرعك,مز119
تتحول صلاتهم إلي حب.ويتحول حبهم إلي مناجاة وتتحول مناجاتهم إلي متعة روحية..
وفي هذه المتعة ,يتمنون لو بقوا هكذا قائلين مع التلاميذ عند جبل التجلي,جيد يارب أن نكون ههنامر9:5..وهذا يحدث حينما يكون المصلي في حالة روحية معينة,فيها الحب والعاطفة والفهم والتركيز,والانشغال الكلي بالراهب ,والموت الحسي والعقلي عن كل ماحوله.ويذكرنا هذا بالقديس يوحنا الأسيوطي حينما سألوهماهي الصلاة الروحانية؟فأجابهي الموت عن العالم..
ومن أجل اختطاف عقلهم أحيانا أثناء الصلاة,كانوا يصلون وهم وحدهم في مكان خلوتهم.
فلا يري أحد مشاعرهم أثناء الصلاة,ولا ما يشغل عقلهم وقتذاك,أو مايحدث لهم من رؤي أو من دهش..أو كيف يدغدغ حب الله حواسهم حتي ينطبق عليهم قول عذراء النشيدفأني مريضته حبا.نش2:5.
أما أنت ياأخي إن كنت لم تصل بعد إلي شيء من هذا:
فنصيحتي لك أن تلتصق بالرب علي قدر ما تستطيع أثناء الصلاة,وتبعد نفسك عن طياشة الفكر,وتركز ذهنك في كلمات الصلاة,وتصحبها بكل عواطفك ومشاعرك,وكلما حان انتهاء الصلاة,حاول أن تستمر أن تقول للربأمكث معي يا سيدي,مت24:29.
وحاول في بعض الأوقات أن ترتفع عن مستوي الطلب
وتدرب في صلاة الحب أن يكون طلبك الوحيد هو الله وليس غيره.
كما قال داود النبيطلبت وجهك,ولوجهك يارب ألتمس.لا تحجب وجهك عنيمز27:9.
مثل هذه الصلاة تعبر عن الحب.
اتخذ الله صديقا لك وحبيبا وراعيا وحافظا ومرشدا.وافهم في قلبك تماما أنك لا تستطيع الاستغناء عن محبته لحظة واحدة ولا طرفة عين.حينئذ تجد المحبة التي في قلبك قد ظهرت في صلاتك .
وإلي اللقاء في العدد المقبل إن شاء الله.لنكمل تأملاتنا في هذا الموضوع إن أحبت نعمة الرب وعشنا.