ظهورات السيد المسيح بعد القيامة
*** الظهور الأول
( مت 28 ) للمريمتين ( مريم المجدلية ومريم الأخرى )
"وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدليّة ومريم الأخرى لتنظرا القبر"
ما أن انتهى السبت حتى انطلقت مريم المجدليّة ومريم الأخرى التي هي زوجة كلوبا لتنظرا القبر.
لقد جذبهما الحب إلى القبر ليلتقيا بالسيِّد المسيح المصلوب.
نزل الملاك يكرز بالبشارة بقيامة السيِّد،
يُرهب الحراس ويرعدهم حتى صاروا كالأموات، ويُبهج قلب الكنيسة في شخص المرأتين، إذ قال لهما: "لا تخافا أنتما، فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب! ليس هو ههنا لأنه قام كما قال. هلمّا انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعًا فيه"
قدّم الملاك لهما رسالة للكرازة بالقيامة بين التلاميذ: "اذهبا سريعًا، قولا لتلاميذه أنه قد قام من الأموات، ها هو يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه"
بهذه الرسالة السماويّة اِستعادت المرأة كرامتها، فبعد أن كرزت لآدم قديمًا برسالة الهلاك في الفردوس، ها هي تكرز ببشارة القيامة للتلاميذ! هذه التي كانت قبلاً خادمة للموت قد تحرّرت الآن من جريمتها بخدمة صوت الملائكة القدّيسين،
وبكونها أول كارز بالأخبار الخاصة بسرّ القيامة المبهج.
القدّيس كيرلّس الكبير
العجيب أنهما إذ انطلقتا للكرازة بفرحٍ عظيمٍ مع مخافة
"خرجتا سريعًا من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتُخبرا تلاميذه،
وفيما هما منطلقتان لتُخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما،
وقال: سلام لكما.
فتقدّمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له.
فقال لهما يسوع:
لا تخافا، اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل هناك يرونني"
وكأنه إذ ينطلق الإنسان للخدمة والكرازة بفرحٍ حقيقيٍ يتجلّى الله في داخله ويقدّم له ذاته لكي يتلامس معه، ويتعبّد له،
ويسنده في الكرازة
*** الظهور الثانى ( يو 20 )
لمريم المجدلية
ظهورات السيد المسيح القيامة
أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرًا، والظلام باقٍ،
فنظرت الحجر مرفوعًا عن القبر".
فحبها للسيد المسيح نزع عنها كل خوفٍ من الموت أو من القبر.
جاءت إلى القبر لتبكيه بمرارة، وتسكب طيبًا وحنوطًا على جسمه.
جاءت إلى القبر ،
باكرًا دون تراخٍ أو تأجيل.
جاءت والظلام باقٍ حيث أمكن لنور شمس البرّ أن يشرق في داخلها،
وينير لها طريق القبر الفارغ الشاهد لمجد قيامة المسيح.
كان الظلام لا يزال باقيًا،
لكن الحب أضاء لها الطريق.
وإذ رأت الموضع، والحجر مرفوعًا لم تدخل،
ولا انحنت، بل رجعت نحو التلاميذ في شوقٍ عظيمٍ ،
فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس، وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه، وقالت لهما: اخذوا السيد من القبر،
ولسنا نعلم أين وضعوه".
إذ ركض التلميذان نحو القبر لم يكن ممكنًا لمريم المجدلية أن تلحق بهما،
فجاءت إلى القبر غالبًا وهما هناك، وربما بعد رحيلهما.
هناك وقفت تبكي حيث تمتعت برؤية الملاكين لتعزيتها.
يرى البعض أن مريم المجدلية ركضت إلى بطرس ويوحنا بينما ذهبت النسوة إلى بقية التلاميذ يخبرونهم بما حدث.
ذهبت والدة الإله إلى القبر حيث التقت مع النسوة الباقيات بكونها الثيؤتوكوس أدركت وحدها قوة الكلمات الملائكية
إذ سمعت مع مريم المجدلية الأخبار السارة الخاصة بالقيامة
عندما التقت بابنها وإلهها مع بقية النسوة،
لقد رأت القائم من الأموات وتعرفت عليه قبل كل النسوة. سقطت ولمست قدميه،
وصارت رسولاً لرسله.
يرى البعض أن مريم المجدلية انطلقت إلى التلاميذ بعد أن رأت هي ومن معها من النسوة الملاك،
وقد أخبرهن عن القيامة.
لكن مع دهشة الموقف لم تخبر التلاميذ بما قاله الملاك،
فإن كل ما كان يشغلها أن تجد جسد السيد المسيح أو تلتقي معه.
وربما بدا لها رؤيتها للملاك وحديثه معهن أشبه بحلمٍ أو خيال.
ولم يتحرك من التلاميذ سوى بطرس ويوحنا.
"أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجًا تبكي،
وفيما هي تبكي انحنت إلى القبر".
بينما انطلق التلميذان إلى اخوتهما التلاميذ بقيت مريم المجدلية عند القبر تبكي. لم يكن ممكنًا لها أن تفارق القبر حتى ترى جسد السيد المسيح. فوقفت تزرف الدموع.
ظهورات السيد المسيح القيامة
نظرت ملاكين جالسين،
واحد عند القدمين،
والآخر عند الرأس،
في ثيابٍ بيضٍ،
حتى ثيابهما كانت مملوءة تألقا وبهجة.
يرى البابا غريغوريوس (الكبير)
أن ملاكًا عند الرأس يعلن عن لاهوته:
"في البدء كان الكلمة،
والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله "
(يو1: 1).
والثاني عند الرجلين يعلن عن التجسد:
"الكلمة صار جسدًا وحل بيننا" (يو1: 14).
يمكن أيضًا القول بأنهما يشيران إلى العهدين القديم والجديد ، "فقالا لها: يا امرأة لماذا تبكين؟
قالت لهما: أنهم أخذوا سيدي،
"في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي"
(نش 1:3).
وقد قيل: "جاءت مريم والظلام باق"،
"في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي،
طلبته فما وجدته".
وفي الأناجيل تقول مريم:
"أخذوا سيدى ولست أعلم أين وضعوه؟!".
"ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء،
فنظرت يسوع واقفًا، ولم تعلم أنه يسوع".
رأته إنسانًا عاديًا فلم تتعرف على شخصه.
لم تكن نفسية المجدلية أو فكرها مهيأ للقاء مع القائم من الأموات. وربما بسبب حزنها الشديد
لم تستطع أن تتعرف على شخص ربنا يسوع.
حقًا كانت تبحث عنه بدموعٍ بقلبٍ منكسرٍ،
ولم تدرك أنه قريب من منسحقي القلوب
(مز ٣٤: ١٨)،
أقرب مما يظنوا.
هكذا يليق بنا حين نطلبه أن ندرك أنه قريب إلينا جدًا، فوق كل تصورٍ بشري.
فهو في داخلنا يود أن يعلن ذاته لنا.
"قال لها يسوع:
يا امرأة لماذا تبكين؟
من تطلبين؟
فظنت تلك أنه البستاني،
فقالت له:يا سيد إن كنت أنت قد حملته، فقل لي أين وضعته، وأنا آخذه".
"قال لها يسوع: يا مريم. فالتفتت تلك،
وقالت له: ربوني، الذي تفسيره يا معلم".
وكما قال السيد عن خرافه أنها تعرف صوته
(يو ١٠: ٤).
كان يكفيها كلمة واحدة،
أن يناديها السيد باسمها.
وكما تقول الكنيسة:
"صوت حبيبي،
هوذا آتٍ طافرًا على الجبال، قافزًا على التلال"
(نش ٢: ٨).
قالت له:
"ربوني"
وهو لقب يحمل نوعًا من الكرامة أكثر من لقب "راباي".
إنه يحمل معنى
"يا معلمي العظيم الكرامة".
"قال لها يسوع:
لا تلمسيني، لأني لم أصعد بعد إلى أبي،
ولكن اذهبي إلى اخوتي،
وقولي لهم:
إني أصعد إلى أبي وأبيكم،
وإلهي وإلهكم".
لا تلمســـــــــينى ...!
فربما لأنها ظنت أنه قام كما سبق فأقام لعازر ليعيش معهم على الأرض،
لذلك طلب منها ألا تلمسه بيديها بل بقلبها،
لتكرز بقيامته وصعوده إلى السماء.
إنه لم يقم ليؤسس له مملكة أرضية،
بل ليصعد، ويقيم مملكته في القلوب.
لقد سبق فهيأ أذهانهم قبل صلبه أنه يصعد إلى السماء،
لذا لم يرد أن تتحول بهجة قيامته إلى شوق نحو بقائه معهم على الأرض.
يرى Leon Morris أن الفعل "تلمسيني" في اليونانية يحمل معنى
"لا تستمري في لمسي"
وليس
"لا تبتدئي باللمس".
أراد السيد المسيح منها أن تتوقف عن اللمس، وكأنه سمح لها باللمس ولكن إلي حين. أراد أن يؤكد لها أنه قد قام بحياة جديدة،
ليس كالحياة القديمة التي تركها،
ليهب البشرية المؤمنة هذا التغيير في يوم الرب العظيم (1 كو 15: 51-53).
مرة أخرى إذ تلامست مع قيامته يؤكد لها أنه لم يصعد بعد إلى السماء،
وقد حان الوقت للكرازة بالقيامة وتهيئة الأذهان للصعود.
إنه لا يوجد وقت للارتباط الزمني وحضوره جسديًا وسطهم.
ليس من وقت للحديث معه، بل يلزم تحقيق رسالته،
إنه وقت للكرازة بالأخبار المفرحة.
أجاب القديس جيروم على تساؤل مارسيلا Marcella كيف يتفق ما جاء في يو17:20
"لا تلمسيني"
مع ما ورد في مت 9:28:
"فتقدمتا وأمسكتا بقدميه".
يقول أنه في الحالة الأولى فشلت مريم المجدلية في التعرف على لاهوت ربنا يسوع،
أما في الحالة الثانية تعرفتا عليه،
ولهذا نالا الامتياز الذي حُرمت منه مريم المجدلية أولاً.
بمعنى إنكِ لستِ أهلاً أن تلمسي القائم ذاك الذي تظنين أنه لا يزال في القبر.
ويقول القديس أوغسطينوس
ألأنك تريني فأنت تعتقدين أنني مجرد انسان ولا تعلمين أنني مساو للآب؟
لا تلمسيني بهذا الفكر,
لا تظني أنني مجرد انسان بل افهمي أن الكلمة مساو للآب.
اذن ما معني:
“لا تلمسيني” ؟
معناه: “لا تؤمني بما ترينني عليه فقط”.
أنني سأعد الي أبي,
حينئذ المسيني.
فبالنسبة لك ان صعودي الي الآب يتم عندما تفهمين أنني مساو للآب.
فطالما أنك تظنيني أقل من الآب فأنا لم أصعد بعد بالنسبة لك.
علاوة علي ذلك,
فأنا اعتقد أننا بواسطة المرأة التي لمست هدب ثوب المسيح وشُفيت,
نستطيع أن نفهم بسهولة أن التلامس هو الايمان
أعطى يسوع المرأة درسًا في الإيمان التي عرفته أنه السيد،
ودعته هكذا في إجابتها له.
كان هذا البستاني يغرس في قلبها،
كما في حديقته حبة الخردل.
ماذا إذن يقصد بقوله:
"لا تلمسيني"؟
وكما لو كان علة المنع يجب بحثها أضاف:
"لأني لم أصعد بعد إلى أبي"
.ماذا يعني هذا؟إن كان لا يُلمس بواسطة البشر وهو واقف على الأرض،
فكيف يُمكن أن يُلمس بواسطة البشر وهو جالس في السماء؟ ...
بالتأكيد قدم نفسه قبل صعوده لكي يلمسه تلاميذه (لو ٢٤: ٢٩)...
هذه المرأة ترمز لكنيسة الأمم التي لم تؤمن بالمسيح إلا بعد صعوده فعلاً إلى الآب،
وبهذا فهو يريد أن يؤمنوا به،
أي يلمسوه روحيًا إذ هو والآب واحد...
كان يليق بمريم التي كانت لا تزال تظن عدم مساواته للآب أن تُمنع من لمسه بالكلمات:
"لا تلمسيني".
بمعنى لا تؤمني هكذا حسب مفاهيمك الحالية.
لا تدعي أفكارك تنبسط خارجيًا إلى ما صرتِ عليه
من أجلك دون العبور إلى ما بعد ما أنتِ عليه...
إنك تلمسيني حينما تؤمنين إني أنا الله ولست بأية طريقة غير مساوٍ للآب.
فبالفعل
“الكلمة صار جسدا”
(يو 1 : 14 )
ولكن لم يزل الكلمة نقيا,
بلا عيب,
غير متغير وغير ملموس.
ولكن لأنك لا ترين سوي انسانا فانك لا ترين الكلمة.
فأنا أريدك أن تؤمني ببشريته ولا تتجاهلين الكلمة.
ليكن المسيح ظاهرا بكامله لك لأنه بصفته الكلمة فهو مساو للآب.
ولذلك قال
لا تلمسيني الآن
لأنك لا تعلمين بعد من أنا !
اذن فلتسمع الكنيسة التي ترمز لها مريم,
ما قالته مريم.
فكلنا نتلامس مع المسيح ان كنا نؤمن أنه قد صعد الي الآب وهو جالس عن يمين الآب.
فالكنيسة اليوم بأسرها تعترف بهذا اذ تقول
“وصعد الي السموات وجلس عن يمين أبيه”
(من نص قانون الايمان).
فالذين يعتمدون يسمعون هذا الكلام ويؤمنون به قبل أن يعتمدوا.
ولذلك عندما يؤمنون فمريم (أي الكنيسة) تتلامس مع المسيح.
فالفهم غامض ولكنه سليم أي انه مغلق لغير المؤمنين ولكنه مفتوح لمن يقرع علي الباب بايمان.
فالرب يسوع المسيح هناك وهو أيضا هنا معنا,
هو مع الآب وأيضا فينا.
هو لا يترك الآب ولا يتركنا نحن أيضا.
وكالرب يعلمنا كيف نصلي وكالابن ينصت الينا مع الآب.