وجاء أيضاً معنا من قيصرية أُناس من التلاميذ ذاهبين إلى مناسون وهو رجل قبرسي، تلميذ قديم لننزل عنده (أع21: 16)
لا شك أن في هذا الاسم غير المعروف، وما تحمله ترجمته (ذكرى) من معانٍ جميلة وما يصفه به المؤرخ المُلهم « كتلميذ قديم » ما يلفت نظر القارئ وهو يطالع الأصحاح الحادي والعشرين من سفر الأعمال.
أما أولاً: فإن مناسون تلميذ قديم، أو تلميذ قدم العهد به تلميذاً. إذاً فنحن أمام شخصية يميزها إيمان صحيح، ونمو صادق في النعمة وفي معرفة الرب والمخلص، شخص يعلم بمن آمن، ولم يكن لينحرف عن الطرق القديمة بكل ريح تعليم جديد. ومثل هذا التلميذ، الذي تتلمذ من البداية، يتصف كذلك بالصبر الصحيح، وكم يتعلم التلميذ القديم ـ مع طول الأيام في مدرسة الله ـ من أخلاق ذاك الذي أناته خلاص، ذاك الذي احتمل الصليب! نعم وكم يتعلم التلميذ القديم بواسطة الروح القدس عن التقوية بكل قوة لكل صبر وطول أناة بفرح!
ثانياً: مناسون هو تلميذ قديم ولاسمه دلالة ملحوظة « ذكرى ». وكم توحي هذه الحقيقة بأقدس الذكريات التي يحفرها طول العهد على وجدان التلميذ القديم. ذكريات عن شركاء له في التلمذة هم الآن مع المسيح، إخوة شاركوه مباهج الشركة وسلوانها في أيام خَلَت، ذكريات عن إيمانهم وثقتهم التي حفزت وألهمت إيمانه وثقته.
يا له مستودعاً غنياً من الذكريات المقدسة، والشركة المغبوطة، والاختبارات الدسمة كان في حوزة التلميذ القديم. اختبارات عن عناية الله التي لا تكِّل وأمانته الباقية، عن الصبر العجيب والمعونة المقتدرة عند التعثر والزلل، عن الصلاح والرحمة اللذين يلازمان الغريب المسافر في الطريق إلى موطنه.
وأما ثالثاً: فإن مناسون تلميذ قديم به رغبة وله استعداد أن يقدم العون العملي بقدر ما تواتيه الفرصة. كان بولس ورفاقه بحاجة إلى مبيت، وهوذا مناسون يستضيف الإخوة. إنه تلميذ قديم وحديثه من شأنه أن يرفه عن بولس بإخلاصه وبساطته وما انطوى عليه من تواضع. ففي المشورة حكمة، وفي الذهن صفاء وجلال، وفي النظرة أمل، كل هذه ملامح تتجلى في حديث التلميذ الذي طال العهد به تلميذاً.
لقد كان مناسون متأهباً لكل عمل صالح، وتم فيه القول: « أيضاً يُثمرون في الشيبة، يكونون دساماً وخُضرا » (مز92: 14).
25 - 05 - 2012, 10:30 PM
العرض المتطور