سمعان "القيرواني" أم سمعان "الكيرينائي"
وتعليق على (مت 27 : 32، مر 15 : 21 ولو 23 : 26)
ورد في أناجيل القديسين متى ومرقس ولوقا أن الجنود الرومان وقت اقتيادهم ربنا يسوع المسيح إلى الجلجثة لينفذوا فيه عقوبة الصلب قاموا بتسخير أحد المارة الذي كان اسمه "سمعان" ولقبه "القيرواني"وهو الذى كان آتيًا من الحقل عندما كان يسوع يسير حاملاً الصليب فى طريقه إلى الجلجثة . "فسخَّر الجنود الرومان سمعان القيرواني ليحمل الصليب خلف يسوع" (مت 27: 32، مرقس 15: 21، لو 23: 26). ويقول عنه القديس مرقس إنه "أبو ألكسندروس وروفوس" الذين كانا – لابد – معروفين جيدًا بين المؤمنين الذين كتب لهم القديس مرقس إنجيله والأرجح أنهم كانوا فى الكنيسة فى روما (انظر أع 19: 33، رو 16: 13).
ولكن الخطأ الذي وقع فيه مترجمُ الكتاب المقدس من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية هو أنه أطلق على "سمعان" لقب "القيروانى"، وكأنه، في هذه الحالة، يُنسب إلى مدينة القيروان التونسية التي لم تكن قد بُنيت بعد!! فالقَيْروانمدينة تونسية حديثة النشأة وتُعد أولى المدن الإسلامية التي شُيِّدت بالمغرب العربي منذ أكثر من ثلاثةعشر قرنًا (50هـ، 670م) أي خلال الربع الثاني من القرن السابع الميلادي حين اختارها عقبة بن نافع مكانًا استراتيجيًا بعيدًا عن الشواطئ التي يهددها البيزنطيون. وقد أرادها عقبة أن تكون قاعدة أعماله الحربية ومخزنًا لمؤنه وأرادها معسكرًا لجند الإسلام إلى آخر الزمان، ومن هنا كانت تسمية "القيروان"، وهي معربة عن "كاروان" الفارسية وتعني "المعسكر".
يذكر القديسون متى ومرقس ولوقا أن سمعان هذا كان Κυρηναῖος(كيرينايوس) ولربما أخطا المترجم واعتبر أن هذه الصفة اليونانية تعني "قيروانيًا" ولكنها في الواقع صفة من الاسم Κυρήνη(كيريني أو كوريني إذا تبعنا بعض المدارس التي تنطق حرف الـ υ اليوناني مضمومًا) تلك المستعمرة الإغريقية التي كانت تتبع ليبيا فيكون النسب إليها هو "كيرينائي". وهناك من يعرب الكلمة بهذا الشكل "قوريني" فيصبح النسب منها هو "قورينائي".
كانت "كيريني" أو "قوريني" هى المدينة القائدة لِمُدُن "بينتابوليس" الليبية أو "إقليم الخمس المدن الغربية" والتي هى برنيكي، بطوليمايوس، توخايرا وأواسفيريدميس. استعمرها المستوطنون اليونان قرب نهاية القرن السابع قبل الميلاد وظلت "كيريني" كمدينة يونانية – رومانية فعالة ذات طابع هيليني مميز حتى زمن الفتح العربي عام 642 م . أُسِّسَت المدينة القديمة علي بعد حوالي 13 كيلومتر للداخل من ساحل البحر المتوسط علي قمة هضبة من الحجر الجيري بارتفاع 600 متر, والمعروفة حاليًا "بالجبل الأخضر"[1].
وقد وقع المترجم في نفس هذا الخطأ عدة مرات في العهد الجديد وذلك في سفر أعمال الرسل (2: 10) عندما وصف مجموعة من اليهود الذين كانوا موجودين في أورشليم وقت حلول الروح القدس، وصفهم بأنهم "من نواحي ليبيا التي نحو القيروان" رغم أن الكلمة الواردة في النص هي Κυρήνηأي "كيريني" وليست "القيروان":
(Καὶ τὰ μέρη τῆς Λιβύης τῆς κατὰ Κυρήνην (Ac. 2: 10
فتكون الترجمة الصحيحة هى "ونواحي ليبيا التي نحو كيريني (أي المتاخمة لكيريني)"، وهذا صحيح، لأن الترجمة الأولى تعني إدخال ليبيا ضمن مدينة القيروان التونسية التي لم تكن قد أُنْشِأت بعد وهذا فيه خلط جغرافي كبير.
ومرة أخرى في سفر الأعمال (6: 9) أيضا يصف المترجمُ المجمع اليهودي الذي كان في أورشليم بأنه مجمع "القيروانيين" والأصح هو أنه مجمع "الكيرينائيين". وعن بعض المتحولين من اليهودية إلى المسيحية الذين كانوا ينحدرون من مدينة "كيريني" يقول إنهم أول من ساهم في تأسيس أول كنيسة في أنطاكية (11: 20) ويخطأ أيضا المترجم هنا ناسبًا هؤلاء إلى مدينة القيروان التي لم تكن قد أُسست بعد!!. والمرة الأخيرة، في سفر الأعمال أيضا (13: 1) يذكر أن من ضمن الأنبياء والمعلمين الذين كانوا في أنطاكية هو لوكيوس "القيرواني" وصحتها "الكيرينائي".
[1]The Oxford Dictionary of Byzantium, vol. 1, p. 570.
