|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هوشع والعهد المنقوض لم يقف هوشع ، وهو يتحدث عن الخطية ، عند بعض مظاهرها السلبية أو الإيجابية، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ، إلى نبعها التعس القذر ، ورآه فى نقض العهد مع اللّه ، ... ومن المؤكد أنه وهو يكتب وثيقة الاتهام قائلا : « اسمعوا قول الرب يابنى إسرائيل . إن للرب محاكمة مع سكان الأرض » ( هو 4 : 1 ) ، لم يكن يكتب هذا الاتهام بقلمه ولسانه فحسب ، بل كتبه ، أكثر من ذلك ، بحياته ومأساته ، ولقد استمد من ذوب هذه الحياة الحزينة مداد وثيقته الدامغة ، ... أجل ، فإن هوشع صالح بقول الرب من أعماق نفسه الممزقة الدامية ، ... وهو بذلك يعطينا صورة للخادم العظيم المثالى ، الذى لا يبقى على شئ فى حياته دون أن يقدمه على مذبح الرب ، ... فالحياة والخدمة والشرف والكرامة ، وكل مقومات النفس الإنسانية فى أعظم وأرهب وأدق وأروع وأقسى أوضاعها ، ينبغى أن توضع على المذبح النارى فى كل ولاء وخضوع وتسليم دون تردد أو تذمر أو تقهقر أو تراجع !! .. كانت خطية إسرائيل الأولى ، أو بالحرى ، نبع كل خطاياها ، هى - التعدى على عهد اللّه ونقضه ، كما تعدت جومر بنت دبلايم على عهد الحياة الزوجية مع زوجها هوشع !! .. ولم يقف النبى عند هذه الصورة الخاصة به ، بل رمى ببصره إلى الوراء ليراها خطية الإنسان الأولى فى الحياة : « ولكنهم كآدم تعدوا العهد هناك غدروا بى» " هو 6 : 7 " والنبى يريد أن يذكر الشعب بأن اللّه صنع مع إسرائيل ما صنع مع الأبوين الأولين ، إذ يسر لهما كل سبل الحياة ، وأودعهما جنة جميلة بهيجة ظليلة ، ولكنهما مع ذلك ، تجاوزا عهده وخانا وصيته ، وهكذا الإسرائيليون الذين أحسن اللّه إليهم وظللهم بحياة البهجة والنعمة والرضى ، ولكنهم مع ذلك تمردوا عليه ، وخانوا العهد الذى قطعه بينهم وبينه !! .. فإذا استطاع الإنسان أن يغدر بالعهد مع اللّه ، فلا يمكن أن يستقيم أو يستقر فى عهده مع أخيه الإنسان ، وسيبعد عن كل وفاء مع اللّه أو الناس على حد سواء ، ومن ثم ، سيرتكب كافة الخطايا سواء كانت سلبية أو إيجابية ، وحق لهوشع أن يرى من الوجهة السلبية الفضائل الضائعة : « لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة اللّه فى الأرض » " هو 4 : 1 " والأمانة موقف الإنسان من نفسه ، والإحسان موقفه من الآخرين ، ومعرفة اللّه موقفه من الذات العلية المباركة !! ... والخطية فى الواقع ليست وقفاً على ارتكاب الإنسان للرذائل والآثام والشرور بل هى أولا وقبل كل شئ ترك الواجب النبيل العظيم ، أو كما وصفها الرسول يعقوب : « فمن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له » " يع 4 : 17 " كانت صلاة الأسقف أثر : « ربى اغفر لى خطايـا النسيان والإهمال » .. وما أسرع ما جاءت الخطايا الإيجابية فى إثر الخطايا السلبية ، فعجت الأرض بخطايا رهيبة : « لعن وكذب وقتل وسرقة وفسق . يعتنفون ، ودماء تلحق دماء » " هو 4 : 2 " وهل هناك مجتمع أشر وأقسى من مثل هذا المجتمع الفائض بالمرارة والخداع والأغتصاب والنهب والعنف وإراقة الدماء ، وفى مثل هذا المجتمع يتساوى رجل الشارع والكاهن والنبى ، فالكل قد ضلوا وزاغوا وليس لأحد امتياز على آخر ، ولا يستطيع أحد أن يحاكم آخر أو يعاقب آخر ، لأن الكل فى الموازين إلى فوق ، وعلى حد سواء ، ألم يرفض الكاهن المعرفة ، وينسى الشريعة ؟ ، وقد هلك الشعب لعدم المعرفة ، وتعثر الجميع فيما انتهوا إليه من شرور ؟ ! .. وقد تعاظمت المأساة ، لا بالخطية وحدها ، بل أكثر من ذلك ، بتلك القطرات القليلة من التوبة الزائفة ، إذ أن العقاب عندما حل بإسرائيل ، حاولوا التوبة ، ولكن توبتهم كانت ضعيفة وقتية ، أشبه بسحاب الصبح أو الندى الذاهب سريعاً : « فإن إحسانكم كسحاب الصبح وكالندى الماضى باكراً » .. " هو 6 : 4 " وعيب هذه التوبة أنها تبدو جميلة المظهر ضائعة المخبر ، وأليست هذه توبة الكثيرين الذين إذ يسمعون الكلمة يقبلونها بفرح ولكن ليس لهم أصل فى ذواتهم ؟؟ فما أسرع ما تضيع وتتلاشى وتنتهى!! . مثل هذه تقرضها وتقرض أصحابها أقوال الأنبياء إذ تشهد عليهم بالعقم والكذب وعدم الأثر : « لذلك أقرضهم بالأنبياء اقتلهم بأقوال فمى والقضاء عليك كنور قد خرج » .. " هو 6 : 5 " ولم ينسى هوشع أن يتحدث عن التوبة الصحيحة الصادقة ، والتى فيها يدعو أبناء شعبه للعودة إلى الرب ، دعوة جماعية : « هلم نرجع إلى الرب » " هو 6 : 1 " والدعوة الجماعية أساس كل قوة وحياة ونهضة ، لأن الأفراد فى العادة يتشجعون بعضهم بالبعض ، وتسير فيهم موجة عارمة كالتى حدثت يوم الخمسين ، عندما آمن عدد كبير فى يوم واحد ، ... والذى يشجع على العودة أن عقاب اللّه وتأديبه لأولاده ، لم يقصد به قط الانتقام ، بل هو عقاب الأب لابنه ، وأنه بعد أن يفترس يريد أن يشفى ويعالج الجروح التى حدثت فينا ، وبعد أن يضرب يريد أن يجبر الكسور التى ألمت بنا!! ... وهو على استعداد أن يقصر فترة العقاب ، فلا تزيد عن يومين ، أو فى عبارة أخرى ، لا تزيد عن فترة قصيرة جداً ... بل أكثر من ذلك ، هو على استعداد أن يأخذ مكاننا فى الألم . والمفسرون اليهود والمسيحيون متفقون على أن العبارة : « يحينا بعد يومين فى اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه » تحدث عن المسيح المنتصر المقام ، وإن كنا نحن نرى فيها ، على خلافهم ، الام الصليب التى تسبق القيامة ، ... على أن العودة إلى الرب لا يمكن أن تتم إلا بالمعرفة الفكرية والاختبارية له : « لنعرف فلنتبع لنعرف الرب » " هو 6 : 3 " أو فى لغة أخرى ، ينبغى أن نعرف الرب بعقولنا ، ولكن هذه المعرفة ينبغى أن يلحق بها ، ويتبعها على الدوام السير وراء الرب ، وقد أراد النبى أن يشجع هذا السلوك ، فبين أنه سيصحب ببركة الرب ، إذ أن اللّه يأتى إلى شعبه ليرويه كما ترتوى الأرض الجافة بالمطر المتأخر الذى طال انتصاره ... ولعل النبى خاف أن يكون هذا السلوك مجرد طقوس وفرائض ، فبين أن اللّه يهتم بالرحمة أكثر من الذبيحة ومعرفته أكثر من المحرقات : « إنى أريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة اللّه أكثر من محرقات » "هو 6 : 6 " إن الرحمة هى الحياة الخفية للإنسان التقى والمعرفة هى التتبع السليم لوصايا اللّه !! .. فإذا رفض الإنسان التوبة ، وسلك فى عناد قلبه ، فإن العقاب سيكون الجزاء القاسى الرهيب الذى سيتناول الأرض والحيوان والناس ، أما الأرض فتصاب باللعن والقحط والجدب ، والحيوانات والطيور والأسماك ستذيل وتنتزع نتيجة للمجاعة والجفاف ، وكما حدث فى أيام آدم إذ لعنت الأرض بسببه ، وفى أيام نوح إذ أغرق الطوفان الإنسان والحيوان وكل شئ معاً ، هكذا فى أيام هوشع ، وفى كل الأيام ، هناك علاقة ثابتة بين الإنسان وسائر المخلوقات فبركته بركتها ، ولعنته لعنتها ، وذلك وفقاً لناموس العلاقة القائمة بينهما ... لذا ينبغى أن نتوقع دائماً ضياع الخير والدسم والبركة من الأرض كلما ازداد الناس إمعاناً فى الشر والإثم والخطية ، ... أما الناس أنفسهم فسيكون عقابهم من كل جانب ، ومن كل لون من ألوان حياتهم ، أذ سيتناول الصحة فتذبل أجسامهم ، والطعام عندما تجدب الأرض ، وتقل المخلوقات فيها ، ... والنعمة عندما يرفضون النصيحة والإرشاد وكلمة اللّه ، وعندما يضل الأنبياء والكهنة فيهم ،... والكرامة عندما تسرى بينهم الضعة والهوان ، والخراب عندما يلحق بأمهم إسرائيل : « وأنا أضرب أمك » " هو 4 : 5 " وعندما يبصر الناس كل هذا قد يقول قصار البصر والمعرفة والإدراك إنها الصدفة أو الظروف السيئة أو يد آشور التى عاثت فى الأرض فساداً ، ... وأما هوشع فيؤكد أنها يد الرب إذ : « أن للرب محاكمة مع سكان الأرض » .. " هو 4 : 1 " .. |
28 - 08 - 2013, 07:22 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: هوشع والعهد المنقوض
ميرسي كتير ربنا يبارك خدمتك الجميلة
|
|||
31 - 08 - 2013, 09:06 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: هوشع والعهد المنقوض
شكرا على المرور
|
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بطلب منك هوشع لو كنت جومر و لو كنت هوشع اديني جومر |
هوشع وجومر ( هوشع 1: 2 ) |
سفر هوشع والعهد الجديد |
هوشع والعهد الجديد |
الرب يأمر هوشع أن يأخذ لنفسه امرأة زنى هوشع 1عدد 2-3 |