|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نحميا وقلبه وضع الملك أرتحشستا يده على سر نحميا فى عبارة واحدة : « ما هذا إلا كآبة قلب» " نح 2 : 2 " . وإذا كان الطبيب يعلم بأن سر الحياة مرتبط بالقلب ، فأنت صحيح على قدر ما يكون قلبك ، وأنت فى خطر داهم ، إذا أخذت العلة مكمنها فى هذا القلب،... فكذلك الأمر فى الحياة المعنوية والأدبية والروحية جميعاً ، والتى ترتبط بالقلب أعمق الارتباط وأقواه ، ... فاكشف لى من قلبك ، أحدثك من أنت ومن تكون!!... ولأجل هذا قال الحكيم : « فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة» ... " أم 4 : 23 " وإن أكبر مأساة فى الحياة أن يوصف إنسان بالقول : أنه لا قلب له !! ... كان نيرون بلا قلب ، غنى وهو يرى روحاً تحترق ، ... وقد صور تشارلس ديكنز فى قصة مدينتين رجلاً فرنسياً من الطبقة الأرستقراطية وهو يسير مسرعاً فى شوارع باريس بعربته المطهمة ، فتدوس العربة فى الطريق طفلا ، ... وتوقف الرجل ، لا ليرى ما حدث للطفل ، بل ليرى ما حدث للجواد لئلا يكون قد أوذى فى قدمه ، ويلقى بقطعة من النقود فى وجه أبى الطفل الذى جاء ليحمل ابنه الصريع،... إنهار منجم فى الولايات المتحدة ، وبترت ذراع غلام اسمه جون ما كدويل، والذى أصبح فيما بعد خادماً شهيراً من خدام اللّه ، ولكن الشئ الغريب ، أنهم عندما عادوا إلى سجلات الحادث بعد سنوات من وقوعه ، ... وجدوا أن السجلات قد سجلت مصرع بغل غالى الثمن ، كان يقوده غلام صغير ، ... لقد عنيت السجلات بالبغل الذى كان ثمنه فى ذلك الوقت أغلى من الغلام الذى كان يقوده !! .. وما أكثر الناس الذين يعيشون ويموتون ولو دققنا فى وصفهم لصح القول أنهم عاشوا قساة القلوب !! ... بل كان الواحد منهم - فى الحقيقة - من غير قلب !! . وما أكثر القلوب الأنانية التى تغمض عينها فى الدنيا عن كل شئ سوى الدائرة الصغيرة الضيقة التى لا يتجاوز البيت والزوجة والأولاد ، وليأت الطوفان بعد ذلك ليأخذ الجميع ، ... وما أكثر القلوب الشريرة التى لا تستريح إلا إلى عمل الشر ويجافيها النوم إن لم تفعل سوءاً ،... لكن قلب نحميا كان شيئاً آخريختلف تماماً عن هذه القلوب ، ويحكى السر العظيم فى حياة الرجل ، ... عندما وقف أمام الملك ، كانت يده تحمل الشراب وكان جسمه بكامله أمام إرتحشستا ، إلا أن قلبه لم يكن هناك على الإطلاق ، .... كان القلب مشغولا طوال الوقت بمدينة حبه وأحلامه وأشواقه البعيدة ، ... ولو أن واحداً أراد أن يصف نحميا ، لصوره بصورة الوطنى العظيم الذى يحن إلى تراب بلاده ، ... إنه دانتى آخر يسير فى أرض المنفى ولكن ، أنظاره وأشواقه وأفكاره تعيش مع فلورنسا ، المدينة التى أحبها حتى الموت ، وحرم عليه أن يراها طوال حياته على الأرض ، ... لكن أورشليم ، عند نحميا ، كانت شيئاً أكثر من هذا ، ... كانت شيئاً أكثر من أن تكون المدينة التى وصفها للملك مقابر آبائه ، ... إنها عنده سيدة المدن ، مدينة الرؤى والأحلام ، إنها المدينة التى علق المسبيون أعوادهم فى بابل على الصفصاف وهم يبكون قائلين : « كيف ترنم ترنيمة الرب فى أرض غريبة ؟ إن نسيتك يا أورشليم تنسى يمينى - ليلتصق لسانى بحنكى إن لم أذكرك إن لم أفضل أورشليم على أعظم فرحى » " مز 137 : 4 - 6 " إن أورشليم فى تاريخها القديم ارتبطت بالرب ، ... وارتفع المفهوم الوطنى معها إلى المفهوم الدينى ، ... وقد أطلق عليها المسيح لذلك : « مدينة الملك العظيم » ،... وأحبها ، وبكاها ، وهو يرى خرابها ودمارها الرهيب الوشيك ، ... وقال لها فى أعمق حديث من الحب والحنان « يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فرخها تحت جناحيها ولم تريدوا هو ذا بيتكم يترك لكم خرابـــــــاً » " مت 23: 37 و 38 " يقول مثل قديم : « أموت حيثما يكون قلبى » ... وفى الحقيقة يمكن أن نضع المثل فى صورة أقوى وأعمق إذا قلنا أعيش وأموت حيثما يكون قلبى !! ... وقد عرف الرسول بولس الحقيقة بصورة أدق وأشمل عندما قال : « لأن لى الحياة هى المسيح والموت هو ربح » " فى 1 : 21 " وقد ارتبط نحميا بمدينته ، أو بتعبير أصح وأعمق بإله مدينته ، وهو لهذا لا يرى حقيقة حياته كالوزير صاحب المركز المرموق فى شوشن المدينة االعظيمة ، ... وإن هذا المركز لا يساوى قلامة ظفر . بالنسبة لروأه وأحلامه ، وكل مجده أمام الناس لا يمكن أن يكون شيئاً تجاه الحقيقة الداخلية التى يعيشها فى شوشن أو فى أورشليم . إنه يعيش ليقول مع بولس : « لأن ليس أحد منا يعيش لذاته ولا أحد يموت لذاته . لأننا إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن » " رو 14 : 7 و 8 " وبهذا المعنى عاش نحميا ومات، ... وهو يرى تراب أورشليم وأنقاضها أعظم وأجل عنده من تبر شوشن ومجدها ، ... وبهذا المعنى يمكن أن يحيا المؤمن ويعيش ويموت ، وهو يرى كنيسة المسيح ، عمود الحق وقاعدته ، فى أبسط صورها وأصغرها ، أعظم وأمجد من كل قصور الملوك وأمجادها وبهذا المعنى ترك ميشيل فرداى حفلا من أعظم الحفلات ، إذ تذكر أن إخوته فى ذلك الوقت يتعبدون كجماعة صغيرة أمام اللّه ، ... وعنده أن اجتماعهم لا يضارعه أن اجتماع فى الأرض !! ... فإذا ذكرنا أن نحميا استبدل مجده وراحته وجلاله وعظمته فى شوشن ، بالتعب والشقاء والضيق والأخطار والأسى فى أورشليم ، عرفنا كيف تكون الحياة فى جلالها وسموها ، وأدركنا معنى ما قاله ليفنجستون عندما حدثوه عن البذل والتضحية والخدمة التى يقوم بها ، فقال : أنا لا أعرف أنى قدمت تضحية فى حياتى على الإطلاق !! ... إن خدمة المسيح لا يمكن أن تكون تضحية يقوم بها الإنسان ، بل هى شرفه العظيم التليد !! .. إن قصة نحميا تنتصب أمامنا على توالى العصور والأجيال ، كأروع مثال للحياة التى أدركت هدفها الوحيد الصحيح ، وثبتت النظر إليه والتفكير فيه ، دون أن تتحول عنه أو تريم قيد أنمله !! ... فإذا سألتنى عن حب نحميا ، ذكرت لك على الفور إنه أورشليم !! ... وإذا تحدثت إلى عن غيرته الملتهبة ، ... أقول لك إنها لا شئ غير أورشليم !! ... وإذا ذكرت لى شجاعته الغريبة والعجيبة فى وسط المخاوف والأهوال والمتاعب ، ... لقلت لك إنها شجاعة التكريس من أجل أورشليم !! ... فإذا سألتنى : ما مثاله العظيم المتكرر على مر الأجيال والعصور ؟!! … لقلت لك إنه المثال الذى رأيته فى عشرات الألوف من الأبطال ، الذين كرسوا حياتهم من أجل أورشليم السماوية العليا التى هى أمناً جميعاً ، … كنيسة اللّه العظيمة ، التى يتربص بها الأعداء ، ولكن أبواب الجحيم لن تقوى عليها !! .. |
28 - 08 - 2013, 07:23 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: نحميا وقلبه
ميرسي كتير ربنا يبارك خدمتك الجميلة
|
|||
30 - 08 - 2013, 09:24 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: نحميا وقلبه
شكرا على المرور
|
||||
|