|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ملاخى والحوار بين اللّه وشعبه قامت نبوة ملاخى على الحوار بين اللّه وشعبه، فإذا كان سقراط فى أثينا يجمع الناس حوله ويناقشهم فى فلسفة الحياة ، وكيف يمكن أن يعيش الإنسان فى عالم ضرب فيه الفساد فى أثينا وأورشليم إلى آخر الحدود ، حتى أنهم حكموا على سقوط أن يشرب كأساً من السم ، ولفظوا الرجل الذى كان أحكم إنسان فى وسطهم ، ... لكن أورشليم كانت تواجه حواراً أعظم ليس بين إنسان وإنسان ، بل بين اللّه والإنسان ، ولم يكن وحى ملاخى إلا تسجيلا لهذا الحوار ، والكلمة « وحى » فيها معنى الحمل أو العبء أو الثقل أو المسئولية ، فالحديث هنا ليس حديث فكاهة أو تسلية أو سمر يقوم بين اثنين ، بل هو فى الحقيقة الحديث الجدى العميق الباهظ الثقل لما فيه من أهمية ومسئولية ، وسيكون وقعه رهيباً على من يرفض الالتزام أو يتنكب الطريق عنه ، ... وعلى وجه الخصوص هو رهيب من حيث الطرفين أو من حيث الموضوع ، فأما طرفاه فهما : اللّه ، والإنسان ، أو بتعبير أدق هما : « اللّه » فى وضعه « كأب » و « كسيد » ، والإنسان فى وضعه كإبن وعبد ،... أما من حيث الموضوع فهو اسمى موضوع فى الوجود : « الحب » ، واللّه من جانبه لا يمكن أن يتباعد عن هذا النوع من الحوار ، إذ أن « اللّه محبة » ، وهو بطبيعته ينتظر أن يقوم كل حوار بيننا وبينه على المحبة ، سواء فى العهد القديم أو العهد الجديد ، ... وهل ننسى ذلك الحوار الذى حدث بين المسيح وتلميذه على بحر طبرية يوم قال المسيح لبطرس ثلاث مرات : « يا سمعان بن يونا أتحبنى أكثر من هؤلاء » ... « يا سمعان بن يونا أتحبنى » ... « يا سمعان بن يونا أتحبنى » ... ورد بطرس مثلثا : « يارب أنت تعلم أنى أحبك » « يارب أنت تعلم أنى أحبك » ... « يارب أنت تعلم كل شئ . أنت تعرف أنى أحبك » " يو 21 : 15 - 17 " .. ، وليس عند اللّه بديل أو نظير للمحبة !! ... أجل !! فهذا حق ، ومن ثم رأينا أوغسطينوس يقول : « أحب وبعد ذلك أفعل ما تشاء » ... ولعله ليست هناك مأساة تعادل فقدان الإحساس بالمحبة ، الأمر الذى قاله الشعب فى وجه اللّه بجرأة لا يحسد عليها : « بم أحببتنا » . " مل 1 : 2 " . وفى الحقيقة لا يبقى للإنسان شئ فى الحياة بعد ذلك ، يوم يعجز عن إدراك أن اللّه أحبه وما يزال يحبه !! ... ومع ذلك فقد كان اللّه كريماً إذ دخل فى حوار المحبة !! .. عاد اللّه بالشعب إلى التاريخ القديم ، والتاريخ فى العادة - لمن يعود إليه - أعظم برهان عملى وواقعى على محبة اللّه الفائقة العظيمة ، تاريخ الأمة أو البيت أو الفرد،... ويكفى أن يعود شعب اللّه إلى تاريخ يعقوب وعيسو ، ومهما نحاول أن نبحث ، فإننا لا نستطيع أن نصل إلى عمق الاختبار الإلهى ، وقد تحدثنا فيما سبق عند التعرض لقصة عيسو ويعقوب ، عن هذه الحقيقة العجيبة ، ... والأمل أن يرجع من يرغب فى المزيد من التأمل إلى الشخصيتين اللتين درسناهما فيما سبق بين شخصيات الكتاب ، ... ولكننا نلاحظ أن الحب الإلهى تأسس أولا على عدم الاستحقاق ، إذ أن النعمة وحدها هى التى يستطيع يعقوب أن يرد الأمر إليها فى قصة اختياره دون أخيه ، أولا لأن هذا الاختيار حدث قبل أن يفعلا خيراً أو شراً ، فهو اختيار أسبق من كل عمل أو تصرف ، فإذا قسناه بحسب المنصرف الذى جاء فيما بعد ، فإن تصرف يعقوب فى غشه وخداعه وأنانيته وخبثه ، كان فى كثير من الأوضاع أبعد من كل تصرف وصل إليه عيسو الذى هو آدوم . وكان الحب الإلهى أكثر من ذلك - منحازاً ، إذ أخذ من عيسو ما يبدو أنه حقه باعتباره البكر ، ليعطى ليعقوب ، ... ولم يتعلق الأمر بالاختيار فحسب ، بل بالضمان والحراسة والبركة ، ... ومن المؤكد أن هناك أشياء كثيرة فى عيسو كان يمقتها اللّه ويكرهها ، لأنه مهما يبدو فى الظاهر من فضائل فيه ، قد لا يصل إليها يعقوب ، إلا أنه كان يملك رذيلة الرذائل ومستنقع الأوحال ، إذ كان هو الشخص الذى يمكن أن يطلق عليه القول « بلا إله » وهو على أية حال حيوان حتى ولو بدا كالزرافة أو الحمار الوحشى أو أى حيوان جميل الشكل ، ... ولكنه فى أية صورة هو حيوان ، ولا يمكن أن يقارن بالإنسان !! ... وكان يعقوب ، على العكس ، إنساناً به النقائص التى ظل اللّه يعمل على إخراجها منه ، وتنقيته منها حتى ، أضحى إسرائيل الذى جاهد مع اللّه والناس وغلب .. هذه المحبة الإلهية ، كانت أكثر من ذلك ، المحبة التى باركت يعقوب وأخربت عيسو ، أو فى لغة أخرى كانت المعطية للواحد والمقاومة للآخر ، فهى تعطى ليعقوب إلى الدرجة التى يقول معها : « صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التى صنعت إلى عبدك . فإنى بعصاى عبرت هذا الأردن والآن قد صرت جيشين » " تك 32 : 10 " ... على العكس من عيسو الذى يقول عنه ملاخى : « وأبغضت عيسو وجعلت جباله خراباً وميراثه لذئاب البرية . لأن أدوم قال قد هدمنا فنعود ونبنى الخرب، هكذا قال رب الجنود هم يبنون وأنا أهدم ويدعونهم تخوم الشر والشعب الذى غضب الرب عليه إلى الأبد » ... " مل 1 : 3 و 4 " وشتان بين إنسان يجد المعونة والقوة من اللّه ، وآخر يجد الهدم ، والتدمير منه كلما فكر فى النهوض للتعمير والبناء ، ... واللّه فى هذا كله ، لابد أن يلتقى حبه بعدالته ، إذ أن الهدم الذى يلحق آدوم إلى الأبد ، مرتبط بإصراره على أن يكون تخوم الشر . ومن هنا نعلم أن الغضب الإلهى له أسباب ومقوماته !! إنتظر اللّه من شعبه حباً بحب ، وشركة بشركة ، .. ولكن الشعب لم يرد على اللّه صدى هذه المحبة العظيمة ، وخاب انتظار اللّه فيه ، ... وإذا كان للمرء أن يسأل: وماذا ينتظر اللّه جواباً على حبه ؟ إنه ينتظر ما ينتظره كل أب من ابنه ، وهل أقل من أن يفعل ما فعله هنرى هفلوك وهو صبى صغير ، إذ أطاع أباه ، ورفض أن يتزحزح من مكانه فى شوارع لندن المزدحمة ساعات طويلة حتى جاء الليل ، وعاد الأب إلى بيته وكان قد نسى ابنه ، فى زحام عمله ، ولم يتذكر ذلك إلا بعد عودته ، فأسرع إلى المكان ليجد ابنه هناك فى انتظار أبيه !! .. « أن أفعل مشيئتك يا إلهى سررت وشريعتك فى وسط أحشائى » "مز 40 : 8 " « لأجل ذلك حسبت كل وصاياك فى كل شئ مستقيمة كل طريق كذب أبغضت » .. " مز 119 : 128 " وليس الأمر مجرد الطاعة ، بل « نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا ، .. "1 يو 4 : 19 " إننا من هامة الرأس إلى إخمص القدم مدينون له كخالق ، وكمعتن ، وكفار وهو يستحق كل حب وولاء ، أن يكون هو صاحب المركز الأول والأخير فى قلوبنا وحياتنا !! .. ومن حقه علينا أن نغار لمجده وكرامته ، وإذا كان الابن لا يقبل قط أن يهان أبوه الأرضى أمام عينيه بأية صورة من الصور ، فكم بالأولى الآب السماوى المستحق كل إكرام وإجلال ومجد ، ولسنا نصنع فضلا إذ نجند أنفسنا لخدمته ، بل هذه هى رسالتنا الوحيدة فى الأرض أو السماء !!! .. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مَنْ يملك مغفرة الخطية الموجَّهة ضد اللّه غير اللّه |
محاكمة بين الله وشعبه |
عين اللّه تعالى جبرائيل أحد رؤساء الملائكة ومعنى اسمه «جبار اللّه» |
يا رب احم العراق وشعبه |
الآب وشعبه |