|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شمشون وتجربته ولعله من اللازم أن نلاحظ كيف جرب هذا الرجل على النحو الذي قاده إلى السقوط الرهيب: حياة اللهو والمرح كان شمشون في الأساس شاباً ضحوكاً بشوشاً، يميل إلى المرح واللعب والحفلات والألغاز والأحاجي، لم يكن من النوع الانطوائي، المنعزل، المتباعد عن الجماهير، ومع أن هذه الحياة قد تكون في الكثير من الأحايين نعمة كبرى، إلا أنها مرات كثيرة، ما تكون طريقاً قاسياً إلى التجربة، يتحول فيها المرح إلى الهزل، والأحجية إلى النكتة، والنكتة إلى السخرية، والسخرية إلى البذاءة في اللفظ أو الفعل،.. وكثرة الكلام لا تخلو من المعصية، فبالأولى إذ تحول الكلام إلى مجلس المستهزئين: "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس". ومن المؤسف أن الكثيرين من المرحين لا يعرفون نقطة التوقف، وقد قال أحدهم: كان مودي مرحاً ولكنه كان تقياً،.. وكلما تعمق الإنسان في الشركة مع الله، وكلما تعمق في حياة التقوى، كلما عرف نقطة التوقف، التي لا تخرجه عن حياة التقوى والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب!!.. المصاهرة الغريبة كانت هذه المصاهرة الغريبة شركاً مزدوجاً إذ كانت شركاً للفلسطينيين، وشركاً لشمشون،.. كانت شركاً للفلسطينيين إذ كانت نقطة الاحتكاك مع شمشون، الاحتكاك الذي سار به إلى سلسلة من المعارك معهم،.. لكنها كانت للأسف شركاً لشمشون ذاته، إذ كانت الفتاة وثنية ومن أعدائه،.. ومن المؤكد أن الفتاة كانت لمنوح وزوجته ما كانت يهوديت ابنة بيري الحثي وبسمة ابنة إيلون الحثي اللتين كانتا مرارة نفس لاسحق ورفقة، وقد لاحق هذا الزواج من البداءة، ما لاحق من متابع لشمشون نفسه، الأمر الذي أدى إلى صراعه مع الفلسطينيين وحرقها وأباها بالنار،.. ومن ثم فمن الحقيقي أن نبارك الأبناء الذي يولدون لآبائهم في الرب!!.. ومن الحقيقي أن نباركهم يوم يأتون لآبائهم، قائلين قد اخترنا الفتاة المؤمنة الشريكة لنا في حياة الإيمان، وحب الله، وخدمته، ومجده في الأرض!!.. يومئذ سيحمد الآباء الرب ويشكرون فضله الذي هدى أبناءهم إلى هذا الاختيار، ولم يسمح لهم أن يقعوا في شرك الوثنيات الجميلات أو الغنيات أو المثقفات، ما دمن في الجمال أو الغنى أو الثقافة، لا يعرفن الرب أو حياة الإيمان المقدسة، التي يقال معها: إن ما جمعه الرب لا يفرقه إنسان!!.. ولا شبهة في أن فتاة تمنة كانت أبعد الكل عن هذه الحياة!!.. عدم الابتعاد عن التجربة ويبدو هنا أن شمشون مثلاً مخجلاً ومخيفاً، لهذه الحقيقة، فهو يذهب إلى الزانية في غزة، وهو يحب دليلة في وادي سورق، وهو يقبل أن ينام على ركبتيها بشعره المقدس، وهو يراها تضع له الكمين تلو الكمين، وهو يلهو معها بهذا العبث الغريب: بماذا قوتك العظيمة، وبماذا توثق لإذلالك" وهو يسمح لها أن تربطه بسبعة أوتار طرية، أو بسبعة حبال جديدة، أو تربط خصل شعره السبع بوتد النسيج والسدى، إلى أن يتحدث -وقد ضاق بعبثها- بسره الكامل الذي لم يعرفه أحد سوى أبويه العجوزين، اللذين كانا وعلى ما هو واضح من الرواية الكتابية -قد ماتا، ولا يعلم سره أحد من الناس إلى أن عرفته دليلة الزانية الفلسطينية،.. وهنا لابد لنا من وقفة تأمل، كيف استمر الرجل عشرين عاماً ينتقل في شراك التجربة، ومع ذلك فهو قاض الأمة. وقائدها، ومعلمها؟؟ وكيف يتركه الله، مثل هذا الوقت الطويل وكيف يصبر عليه، وكيف يساعده، رغم هذا الانهيار الأخلاقي الرهيب عنده؟!! من المؤكد أن الله أرسل إليه أصواتاً كثيرة محذرة، ومن المتصور أن شمشون كانت له نوبات وقتية يعود بها إلى حالة من السوء والخطية،.. ونحن لا نستطيع أن نرميه بالأحجار، ونحن نذكر صبر الله العجيب والعظيم. ربما عشرين سنة أو أكثر من حياتنا، وهو ينبهنا، ويبكتنا، ويتحدث إلينا عن مركزنا وعن العار الذي نسببه لأنفسنا، ولمجده، ونحن نرجع إلى ضعفنا، وقصورنا، وكثيراً ما يأتي التوبيخ لنا حتى من أهل العالم، كما وبخ أبيمالك إبراهيم من أجل سارة وهو يقول له: "ماذا فعلت بنا وبماذا أخطأت إليك حتى جلبت عليَّ وعلى مملكتي خطية عظيمة أعمالاً لا تعمل عملت بي".. على أي حال، لقد صبر الله على شمشون عشرين سنة بأكملها، قبل أن يدخله في أتون العذاب، أو في أشد الضيقات والمتاعب، وكأنما يقول له: "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة".. إن مأساة هذا الرجل أنه كان واثقاً بنفسه أكثر مما ينبغي، وهو لم يتعلم الحكمة التي سمعها لوط: "اهرب لحياتك" أو حكمة يوسف عندما ترك ثوبه وهرب خارجاً من نطاق التجربة وهو يصيح: كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطيء إلى الله!!.. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
القديس مقاريوس الكبير وتجربته الأولي |
صوم المسيح وتجربته فى البرية للقديس كيرلس الأسكندرى |
صوم المسيح وتجربته فى البرية للقديس كيرلس الأسكندرى |
صوم المسيح وتجربته فى البريه |
آساف وتجربته |