|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حياة التواضع والوداعة19 المتضع يهرب من المديح والكرامة بإخفاء فضائله وبالبعد عن الرئاسات بقلم قداسة البابا شنودة الثالث إخفاء الفضائل طالما فضائلك ظاهرة أمام الناس ,فأنت عرضة لمديح فإن أردت أن تهرب من مديحهم عليك بقدر إمكانك أن تخفي فضائلك وأعمالك الحسنة.ليس معني هذا أنك لاتعمل شيئا حسنا أمام الناس.وإنما لاتعمل أمامهم بهدف أن تنال مديحهم فإن كان العمل ضروريا ولايمكنك إخفاءه عن الناس,فعلي الأقل لايكون هدفك وقصةك هو محبة المديح بل عمل الخير ذاته. وقد تعرض القديس أوغسطينوس لهذه المسألة في تفسيرة للكتاب: يقول الرباحترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم وإلا فليس لكم عند أبيكم الذي في السموات مت6:1ويقول في موضع آخرفليضء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السمواتمت5:16فهل يوجد تناقض بين القولين؟وكيف نوفق بينهما؟ يقول القديس أوغسطينوس في هذا الموضوع ليس هناك تناقض لأن العيب ليس في أن ينظر الناس أعمالكم الحسنة إنما العيب هو أن تعملوا الأعمال الحسنة لكي ينظروكم فينبغي عليك أن تعمل الخير سواء نظرك الناس أو لم ينظروك لايكن هدفك أن يراك الناس وأنت تعمل الخير ولا أن يمدحوك بل اعمل العمل الصالح,لا لكي تتمجد أنت به بل لكي يتمجد الله لكي يمجدوا أباكم الذي في السموات. يقول البعض إنهم يعملون الصلاح لكي يكونوا قدوة أمام الناس. ولكن علينا أن نفهم أن للقدوة مواضع وأناسا مفروض فيهم بحكم موضعهم أن يكونوا قدوة مثل رجال الإكليروس والقادة والمسئولين والرسل والأنبياء والرعاة فهؤلاء إن لم يكونوا قدوة سيعثرون الآخرين. أما الإنسان المتواضع فإنه لايري في نفسه شيئا يقتدي به الناس. ويحاول أن يهرب من مواقف القدوة بحجة أنه خاطيء وضعيف وعلي عكس هذا يظهر نقائصه وضعفاته ومع ذلك قد يصبح قدوة باتضاعه...وكلما حاربه الفكر أن يكون قدوة يقول لنفسه:لا أستطيع أن أكون مرائيا أظهر بغير حقيقتي ويصرخ أمام الله قائلا:أنت تعرف يارب ما بداخل القبور المبيضة من عظام نتنة إن كنت أنت برحمتك قد سترتني وأخفيت عيوبي عن الآخرين هل أستغل أنا هذا الستر لأمثل دور القدوة؟!بينما أنا إنسان خاطيء بعيد عن حياة البر!!أما الذي يريد أن يصير قدوة فلكي يظهر أما الناس حسنا يجوز أن يقع في الكبرياء والرياء فيجب أن نرضي الله لا الناس. فلا يكن هدفنا أن نكون قدوة حتي لو صرنا قدوة بتدبير من الله. هكذا كان الآباء القديسون يتركون تدبير أمر معين في الفضيلة إذا اشتهر عنهم ويعملون غيره إذ كانوا يهربون جدا من المديح ولكن ليس معني هذا تترك كل تدبير حسن تسير فيه لذلا يأتيك المديح بسببه بل اثبت في كل تدريب صالح من أجل نموك الروحي وليس لكي ينظرك الناس. البعد عن الرئاسات. الإنسان المتواضع لايسعي وراء المناصب والرئاسات بل في حكمة يهرب منها وقد نبغ في ذلك كثير من آباء الرهبنة ومنهم القديس بينوفيوس الذي عرفنا قصته من يوحنا كاسيان موسس الرهبنة في فرنسا. كان القديس بينوفيوس رئيسا علي دير يضم أكثر من مائتي راهب في منطقة البرلس وكان متواضعا جدا ومهابا وله مكانة عند الكثيرين. إذ كانوا يحبونه بسبب قداسته وحياته الفاضلة ولمواهبه العظيمة التي منحه الله إياها وأيضا بسبب كهنوته ولأنه شيخ وقور. جلس هذا القديس ذا يوم إلي نفسه وقال:ماذا تكون نتيجة هذا الوضع الذي أنا فيه؟كل يوم مديح وكرامة واحترام وتوقير!!إنني أخاف أن يقول لي الرب في اليوم الأخيرإنك قد استوفيت خيراتك علي الأرضلو16:25فأين مني الطريق الضيق والكرب الذي أوصي به الرب وقال إنه المؤدي الحياة مت7:14وأين مني قول الكتاب:إنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت اللهأع14:22؟وهوذا أنا رجل متمتع باحترام وتوقير وكرامة ورئاسة! لذلك هرب القديس بينوفيوس ذات يوم من الدير دون إن يشعر به أحد وتنكر في زي علماني وسار جنوبا حتي وصل إلي أحد أديرة القديس باخوميوس الكبير في إسنا وطرق الباب طالبا أن يقبلوه في الدير فنظروا إليه متعجبين من أمر هذا الشيخ الذي أتي ليترهب!وقاولوا لههل أتيت بعد إن شبعت من العالم وشبع العالم منك؟!أتريد أن تأخذ مظهر القداسة في أواخر أيامك؟إنك لاتصلح فارحل عنا. فألح القديس بينوفيوس عليهم فرفضوا وقالوا له:أنت رجل شيخ ولاتحتمل الرهبنة وجهاداتهافظل يلح عليهم وهم يرفضونه ووقف عند الباب مدة علي الرغم من رفضهم دون أكل أو شرب فلما رأوا احتماله وصبره أدخلوه الدير علي شرط ألا يرسم راهبا ويكون في زي العلمانيين يخدم في الدير وأسندوا إليه مساعدة الراهب الشاب المسئول عن حديقة الدير ليكون كصبي عنده فلم يمانع وكان الشاب يوجه إليه أوامر يعمل بها فكان مطيعا له وخاضعا. وتحول القديس الذي كان يحترمه الناس ويطيعونه إلي تلميذ وكانت هذه أمنيته أن تتغير حياته ويكون خاضعا لغيره بدلا من خضوع الغير له. وكان معلمه الشاب شديدا عليه جدا يريد أن يربي الشيخ تربية صحيحة لأن الرهبنة ليست كسلا!وصار القديس يطيعه طاعة كاملة وينفذ أوامره بكل دقة لا يجادل ولا يناقش وسار علي هذا المبدأ مدة وسر به الشاب. وأيضا كان يقوم في ساعة متأخرة من الليل والرهبان نيام ويعمل الأعمال التي يشمئز منها الآخرون لقذراتها فإذا ما استيقظوا في الصباح يجدون كل شيء قد تم دون أن يعرفوا من الفاعل فيبتهجون ويباركون الرب من أجل ذلك.أما هو فكان مسرورا بهذا العمل وظل علي هذا الطقس ثلاث سنوات وهو يقولأشكرك يارب من أجل عطاياك ونعمك العظيمة إذ خلعتني من الاحترام والتوقير ونقلتني إلي حياة الطاعة والخضوع. حدث بعد ذلك أن أتي لزيارة هذا الدير راهب من أديرة البرلس. ورأي القديس بينوفيوس يحمل السباخ ويضعه حول الشجر فشك في الأمر ولم يصدق أنه هو!وأخيرا سمعه يرتل المزامير بصوته المعهود فعرفه وسجد له وكشف أمره للرهبان فأخذوه بمجد عظيم وأعادوه إلي ديره. وبعد ذلك هرب أيضا إلي بيت لحم,وعمل خادما في قلاية يوحنا كاسيان. وتصادف أن ذهب راهب آخر إلي زيارة القدس فرأه وعرفه وأعادوه مرة ثانية باحترام إلي ديره وزاره يوحنا كاسيان عند مجيئه إلي مصر وكتب عنه في مؤلفاته أنه مثال حي للهرب من الرئاسات.. فالذي يريد أن يخلص من مديح الناس والكرامة عليه أن يهرب من محبة الرئاسات والمناصب...لأنه أن نجح في تلك المناصب تشعره بأنه قد صار موضعا للكرامة وإن فشل فيها وقع في دينونة عظيمة. إن أحلام الرئاسة تعب داخلي: لأنه أحيانا يخلو الإنسان إلي نفسه وفي أحلام اليقظة يتصور أنه في مركز هام وأنه يعمل ويعمل...وتدور في ذهنه مشروعات كبيرة وأمور خطيرة ويظن أنه لو أعطي السلطان لسوف يعمل مالم يستطع غيره أن يعمله! وهذه تخيلات المجد الباطل وكبرياء موجودة في الداخل تشعر الإنسان بأنه يستطيع الشيء الكثير وقد بيسمح الله أن تسند لي هذا الشخص مسئولية فيفشل فيها لكي يعرف مدي ضعفه. ذهب أحد الشيوخ ليزور راهبا شابا في قلايته الخاصة وعندما هم يقرع الباب سمع صوتا في الداخل فانتظر قليلا حتي لايعطل الراهاب الشاب فسمعه يعظ من الداخل فانتظره حتي انتهي من العظة وصرف الموعوظين قائلا:امضوا بسلامثم قرع الباب وفتح الراهب الشاب وفوجيء بالشيخ أمامه فخجل وفكر ما عسي أن يقول عنه الشيخ إذا كان قد سمعه يعظ بمفرده دون موعوظين! فقال:إني أسف يا أبانا لئلا تكون قد جئت من زمن وتعطلت علي البابفابتسم الشيخ وقال لهجئت يا ابني وأنت تصرف الموعوظينوعرف الشيخ أن هذا الراهب محارب بالمجد الباطل إذ يتصور أنه ق صار معلما وواعظا ...فاحذر أن تتخيل أنك قد صرحت رئيسا أو قائدا أو مشيرا قل لنفسك إنك لم تصل إلي هذا المستوي بعد ويكفي أن تكون أمينا للوضع الذي أنت فيه. إن الرئاسات ضارة لغير الناضجين: قال القديس أورسيوس أحد خلفاء القديس باخوميوس الكبير: إن الرئاسة مضرة للأشخاص الذين لم ينضجوا بعدوضرب مثلا لذلك فقال:إذا أحضرت لبنة لم تحترق بعد بالنار وألقيها في الماء فإنها تذوب أما إذا احترقت بالنار فإن القيت في الماء فإنها تبقي وتشتد. كذلك الشخص الذي يصل إلي الرئاسة قبل أن ينضج وقبلما يمحص بالنار أي باختبارات الحياة وقبلما تزول منه محبة المجد الباطل فإنه معرض للهلاك. كذلك مساكين هم الناس الذين سخضعون لرئيس محب للمجد الباطل فإنه يضيع نفسه ويضيع الناس معه بسبب المجد الذي يطلبه منهم. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
حياة التواضع والوداعة12 |
حياة التواضع والوداعة13 |
حياة التواضع والوداعة14 |
حياة التواضع والوداعة16 |
حياة التواضع والوداعة17 |