|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
محبة القريب أكمل السيد المسيح كلامه لتلاميذه وقال: "فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم، لأن هذا هو الناموس والأنبياء" (مت7: 12). كثيرًا ما ينحاز الناس إلى أنفسهم، يبررون للنفس أخطاءها، ولا يبررون نفس الخطأ للآخرين. ويطلبون للنفس حقوقها، ولا يمنحون نفس الحقوق للغير. يطلبون الرحمة والحنان لأنفسهم ويعاملون غيرهم بقسوة أو بغير حنان.. وهكذا. ولذلك فقد وضع السيد المسيح هذه القاعدة الذهبية "كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم". أي أن يضع الإنسان نفسه في مكان الآخر ليحدد التصرف المناسب تجاهه كما لو كان تجاه نفسه. فى هذا تتحقق الوصية "أحب قريبك كنفسك" (مت19: 19). ولهذا قال السيد المسيح أيضًا: "لأن هذا هو الناموس والأنبياء". أمثلة من الحياة وسوف نورد بعض أمثلة من الحياة العملية عن تطبيق هذه القاعدة الذهبية: فالمدرس مثلًا في المدرسة عليه أن يتذكر نوع المعاملة التي كان يتمناها حينما كان تلميذًا لكي يعامل بها تلاميذه. والأب في المنزل عليه أن يتذكر الأمور التي كان يطالب بها والده، لكي يعامل بها أولاده. والمدير في العمل عليه أن يقارن بين ما يتمناه من معاملة المسئول الأعلى منه له، ومعاملته هو لمرؤوسيه. والضابط في الجيش عليه أن يتذكر حينما كان في التجنيد كيف كان يتمنى أن يعامله الضباط، لكي يعامل بذلك جنوده. والممتحن عليه أن يتذكر ماذا كان يأمل أن يجد في ورقة الأسئلة، لكي يراعي ذلك عند وضع الامتحان، وأيضًا عند فحص أوراق الإجابة وتقدير الدرجات ويقول لو كنت في مكان ذلك الطالب فماذا كنت سأفعل؟ ويتذكر أيضًا مرارة الرسوب بعد جهد وعناء كبير في الاستذكار. والكاهن في الكنيسة عليه أن يتذكر كم كان يود أن يزور الكاهن منزله ليفتقده ويسأل عنه. وكم كان يتمنى أن يخصص الأب الكاهن أوقاتًا مناسبة لسماع الاعترافات، وكم كان يشتاق لسماع كلمة التعليم المشبعة في العظات. وكم كان يلتمس الأبوة والحنان والابتسامة المريحة في معاملة كاهن كنيسته وأب اعترافه له قبل أن يصير هو كاهنًا. والأسقف أيضًا عليه أن يتذكر مكانة الأسقف في عينيه وتأثير كلماته عليه. لكي يحافظ على هذه المكانة في أعين الآخرين حينما صار أسقفًا. ولكي يتكلم بحساب عالمًا أن كل ما يقوله يؤثر تأثيرًا عميقًا في أنفس سامعيه سلبًا كان أم إيجاباً. وعليه أيضًا أن يتذكر كم كان يتمنى أن يستمع الأسقف إلى رأى الشعب، وأن يفتح صدره لمن يبدى رأيًا مخالفًا لوجهة نظره بأسلوب مهذب يليق بالبنين. وكم كان يتمنى أن يهتم الأسقف بكل أحد ليخلّصه، وأن لا يدخل في خصومة شخصية مع أحد، وأن يكون واسع الصدر طويل الأناة رحيمًا بالضعفاء والفقراء والمحتاجين. عليه أن يتذكر الصورة المثالية التي كان يتمنى أن يراها في الأب الأسقف، لكي يسلك هو أيضًا بمقتضاها ولا ينسى أنه في يوم من الأيام كان واحدًا من الرعية، فلا يتعالى على الشعب بل يخدمهم بكل محبة وتواضع، ويتعب من أجل راحتهم إلى جوار حراسته للقطيع من الذئاب الخاطفة ومن الناس الخداعين. القاضى في المحكمة عليه أن يتذكر كم كان قاسيًا أن يقع ظلم عليه أو على أي أحد لكي يتأنى قبل الحكم. ولكي يعطى المتهم فرصة للدفاع عن نفسه، أو إثبات براءته. ولكي يفحص الأمر من جميع جوانبه.. الأدلة والظروف والدوافع والعوامل الخارجة عن الإرادة.. قبل أن يحدد الحكم أو نوع العقوبة. الطبيب أيضًا عليه أن يتذكر نفسية المريض ومعاناته ويضع نفسه في مكانه لكي يبذل أقصى جهده في علاجه. ولا يكون هدف الطبيب هو التربح من مهنته، بل شفاء المرضى متشبهًا بالسيد المسيح الذي شفى مرضى كثيرين وحمل أوجاعنا وأسقامنا في جسده على الصليب. لذلك فهناك من الأطباء من يعالجون مرضاهم مجانًا، بل ويصرفون لهم الدواء بلا مقابل متحملين مصاريف علاجهم بكل سرور. كذلك الغنى عليه أن يضع نفسه في مكان الفقير. أو ينزل ليرى بنفسه أحوال الفقراء ومعاناتهم. يرى كيف يسكن البعض في عشش من الصفيح في برد الشتاء القارس. وكيف ينامون بلا غطاء أو بلا عشاء يقرص الجوع بطونهم. وكيف يمزق المرض صدورهم لقلة الغذاء والكساء في برد الشتاء. المشكلة الحقيقية هى أن الغنى أحيانًا تلهيه مشاغله الشخصية أو العائلية. وقد تلهيه الملاهى العالمية والحفلات والتنافس بين الأغنياء على مظاهر الغنى الكاذبة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. يجتذبه حب القنية والملابس الفاخرة والقصور الفخمة، فلا يرى معاناة المساكين الذين يحتاجون إلى الفتات الساقط من مائدته. أحيانًا يتبقى من المآدب والحفلات ما يكفى لإشباع قرية بأكملها من الطعام. ولكن ربما لا يبالى أحد في معظم الفنادق بمصير المأكولات التي تذهب مع النفايات. لذلك ينبغي أن نتذكر كيف أمر السيد المسيح تلاميذه بعد معجزة إشباع الخمسة آلاف من الخمس خبزات بأن يرفعوا الكسر لكي لا يضيع شيء. وبالفعل جمعوا اثنتى عشرة قفة مملوءة من كسر الخبز وحملوها معهم مع أن السيد المسيح كان بإمكانه أن يمنح البركة لخبزة واحدة لتصير آلافًا من الخبز بدلًا من الكسر. إنها دروس علّمها السيد المسيح لتلاميذه لتكون نورًا للأجيال تمشى على هديه فلا تضل الطريق. وقفة مع النفس إن كل إنسان منا يحتاج إلى وقفة مع نفسه يراجعها ليرى هل بالفعل يفعل بالناس ما يريد هو أن يفعل الناس به؟ وهل يعيش الوصية في بساطتها كما قالها السيد المسيح في موعظته على الجبل؟ حقًا إن جبل الموعظة يدلنا على الوصية الشامخة في معانيها، والتي تحتاج إلى من يتفرغ من الانشغال بالأرضيات ليرتفع إلى القمم العالية في جبل الوصية الإلهية. من كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي (مع حياة وخدمة يسوع) - الأنبا بيشوي |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يوضح الرب من هو القريب، أسس محبة القريب |
محبة القريب، هي محبة لكل الناس |
محبة القريب |
تأمل في ان محبة يسوع لا تكون بدون محبة القريب والأحسان إليه |
محبة القريب |